منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    المدينة فضاء إشكالياً فـي الرواية المغربية

    خنساء محبة السماء
    خنساء محبة السماء


    عدد المساهمات : 96
    تاريخ التسجيل : 02/11/2009
    العمر : 34

     المدينة فضاء إشكالياً فـي الرواية المغربية Empty المدينة فضاء إشكالياً فـي الرواية المغربية

    مُساهمة  خنساء محبة السماء الأحد ديسمبر 12, 2010 10:48 am

    [center]

    ارتبطت الرواية المغربية ، في جل نصوصها، وعلى امتداد عقودها الزمنية السابقة، بالفضاء الحضري المديني تحديدا. واحتفاء الرواية المغربية بالمدينة لا يمكن فهمه وتلقيه، على مستوى العديد من نصوصها المتلاحقة عقدا بعد آخر، فقط مجرد ارتباط تقني بعنصر يعتبره المنظرون والنقاد أهم مكون في الآلة السردية، بقدر ما يتعين ملامسته، أيضا، كارتباط بالمدينة بوصفها فضاء إشكاليا في الرواية، أي باعتباره سؤالا يؤطر، في الآن ذاته، سؤال التخييل والكتابة الروائية ككل، حيث نجد أن سؤال المدينة في الرواية المغربية قد شغل الروائيين المغاربة على الأقل منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي، بمعنى أن الوعي باستثمار المدينة كفضاء إشكالي في الرواية قد ارتبط في العمق بنضج الوعي بالكتابة الروائية في المشهد الأدبي/ الروائي بالمغرب، أي بعــد أن أضحت الرواية تستند في انكتابها العام إلى وعي كتابها الاستطيقي، الأمر الذي يستوجب هنا مقاربة طبيعة العلاقة القائمة بين المدينة والرواية، من منطلق تصور كلي وجدلي يستلزم مبدئيا خرق مسألة التصنيف الزمني ليغلب سؤال الامتداد بين نص ومدينة، وبين تجربة روائية ومرحلة زمنية..
    وإذا كان للروائيين العرب، شأنهم في ذلك شأن الروائيين الغربيين وحتى الشعراء، مواقف محددة من «المدينة»، التي يشخصونها في أعمالهم الروائية، تتباين بين الرفض والمعاداة والنفور والتضايق من المدينة والكراهية المطلقة لها، وذلك إلى درجة يصفون فيها المدينة، أحيانا، بالعاهرة وبكونها عدوة الإنسان، ومن بين هؤلاء نذكر غالب هلسا ودوستويفسكي وجويس وتولستوي..، فإن روائيين آخرين قد راهنوا على «المدينة» باعتبارها فضاء يجسد أفقا آخر لتشخيص التحولات العميقة الطارئة على الذات والمجتمع، بناء على ما يوفره فضاء المدينة من إمكانات كبيرة للتشخيص والتخييل والتعبير وبلورة الـــــدلالات والمعاني، على اعتبار أن المدينة، هنا، تتجسد كـــ «عالم خصب مليء بالنماذج الإنسانية والحياة والمفارقات، يستطيع الإنسان إذا رصده بشيء من القبول أن يجد فيه عوالم لا حد لها من التجارب، وإذا كان لا بد أن يدين الحياة في المدينة فإنه لا يستطيع أن يدينها من خلال انطباعاته لعوالمها المختلفة، لا عن طريق التقرير المباشر والرفض الكلي منذ أول وهلة (١).
    إن كل ذلك قد لا يبرر سوى كون «المدينة» أصبحت تشكل مفهوما جديدا للكينونة، وموضوعا شائعا للرصد والاستيحاء والتشخيص والتأمل، ورمزا متعدد الإيحاءات والاستعارات والمعاني، وفضاء مفتوحا على تجدد التآويل وإنتاج الدلالات.
    وإذا كان بعض الروائيين العرب، والشعراء أيضا، قد شخصوا في نصوصهم الروائية جوانب من تلك الصورة الرافضة للمدينة، باعتبارها صورة للاغتراب والضياع والأسى وفقدان التواصل مع المجتمع المديني المحكوم بسرعة الحركة وعدم التجانس وانفلات العلاقات الاجتماعية فيه، أمام هيمنة النزعة الفردية، بحيث يصبح الريف أو القرية لدى بعضهم ملاذا موازيا للاحتماء فيه من صدمة المدينة، ومن زيف العلاقات وغربة الموت فيها، فإن هذا الانجذاب الجديد بين الروائي والمدينة يتخذ عدة أوجه للائتلاف والارتباط، منها ما هو وجداني ونوستالجي، ومنها ما هو تاريخي وسياسي واجتماعي، ومنها أيضا ما هو ثقافي وفلسفي وجمالي، وذلك بحسب طبيعة التحولات الطارئة في الفضاءات المدينية.
    والرواية المغربية، كغيرها من الروايات في بعض الأقطار العربية الأخرى، بقيت وفية، بشكل مكثف ومبالغ فيه أحيانا، للمدينة المغربية تحديدا، مع بعض الاستثناءات القليلة جدا، تلك التي حاولت عبرها الرواية المغربية اقتحام فضاءات مدينية برانية، عربية كانت أو غربية : باريس - مدريد - استكهولم - القاهرة..، وإن بدا أن استيحاء هذه الفضاءات المدينية الأجنبية يندرج، في جانب منه، ضمن فضاء المحكي الذاتي، وخصوصا ما يتعلق منه بفضاء «القاهرة». فمن بين النصوص السردية المغربية التي كتبت عن هذه المدينة ما يندرج في إطار «التخييل الذاتي» (رواية «مثل صيف لن يتكرر» و«لعبة النسيان» لمحمد برادة)، أو في إطار المذكرات («القاهرة تبوح بأسرارها» لعبد الكريم غلاب)، أو في إطار اليوميات («القاهرة الأخرى» لرشيد يحياوي). وهو ما يعني أن الرواية المغربية لم تتمكن بعد من تشخيص متخيل روائي لافت عن مدينة القاهرة، أو عن غيرها من المدن العربية الأخرى، بمثل ما تمثلته الرواية المصرية، وبمثل ما صاغته أيضا العديد من الروايات العربية الأخرى، عن ذات الفضاء، أي مدينة القاهرة..
    يحدث هذا، في الوقت الذي حققت فيه الرواية المغربية المكتوبة بالفرنسية انفتاحا ملحوظا في هذا المجال، وخصوصا على مستوى استيحائها لمجموعة من الفضاءات/ المدن الأجنبية، الأوربية تحديدا.



    نفس الشيء يمكن قوله عن علاقة الرواية العربية بالفضاءات/ المدن المغربية. فباستثناء نصوص روائية عربية قليلة جدا، استوحت بدرجات متفاوتة بعض الفضاءات الحضرية المغربية، وخصوصا ما يتصل منها بفضاءات «طنجة» و«الرباط» و«مراكش»، كما في روايات: «الآخرون» و«وداعا روزالي» لحسونة المصباحي و«بستان أحمر» لهاديا سعيد..، فإننا نكاد لا نعثر على نصوص روائية عربية تفاعلت بشكل موسع مع المدينة المغربية ، باستثناء ما قام به الروائي المصري جميل عطية ابراهيم، في زمن متقدم نسبيا، في روايته «أصيلا»، عن مدينة أصيلة المغربية، وذلك بالرغم مما يقال عن هذه الرواية من حيث كونها تصنف، هي أيضا، في باب «المذكرات».
    يحدث هذا، في الوقت الذي تفاعلت فيه الرواية الاستعمارية والرواية الأوربية الحديثة، وحتى الرواية الأمريكولاثينية، بشكل لافت نسبيا مع المدينة المغربية في أبعادها الطبوغرافية والتاريخية والاجتماعية والفولكلورية والسياسية، كما هو الشأن مثلا بالنسبة للروايات التالية: «عيطة تطوان» للكاتب الإسباني بيريس كالدوس(٢)، «أصوات مراكش» لإلياس كانيتي، و«مراكش المدينة «لكلود أوليي، و«الحدائق السرية لموغادور» للكاتب المكسيكي ألبرتو رويث سانشيز، و«ليالي سلا» للكاتب خورخي رويث دوينياس من المكسيك.
    هكذا يتبين، إذن، أن علاقة الرواية العربية بالمدينة المغربية تبقى بدورها علاقة باهتة، بمثل علاقة الرواية المغربية بالمدينة العربية، وهو سؤال تتحكم مجموعة من العوامل في تأجيل الإجابة عنه، منها ما له علاقة بتجارب الروائيين أنفسهم في الحياة وفي الكتابة، ومنها ماله علاقة بأمور أخرى، تاريخية وثقافية..
    والرواية المرتبطة بالمدينة، سواء تعلق الأمر هنا بالرواية العربية أو بالرواية العالمية، عادة ما تؤسس لمتخيل يصبح أكثر اتساعا وامتدادا في النصوص الروائية للكاتب الواحد، انطلاقا من طبيعة الإغراء الذي تفرضه المدينة اليوم على الكتاب، وأيضا انطلاقا من الإمكانات التي تتيحها الفضاءات الحضرية أحيانا لبلورة متخيل روائي عن المدينة.ويكفي أن نشير، هنا، على سبيل المثال، إلى سلسلة من الروايات المشكلة من أجزاء ثنائية وثلاثية ورباعية عن «رواية المدينة»، من قبيل:«رباعية الإسكندرية» عن مدينة «الإسكندرية» للورانس داريل، وثلاثية «درب السلطان» عن مدينة «الدارالبيضاء» لمبارك ربيع، وثلاثية «زهرة الآس» عن مدينة «فاس» لمحمد عز الدين التازي، وثنائية «ترابها زعفران» و«يابنات اسكندرية» عن مدينة «الإسكندرية» لإدوار الخراط، وثنائية «بيت الياسمين» و«لا أحد ينام في الإسكندرية» عن نفس المدينة لإبراهيم عبد المجيد، كما هو الشأن أيضا بالنسبة لامتداد صورة مدينة «طنجة» في نصوص محمد شكري الروائية والسيرذاتية (السوق الداخلي - زمن الأخطاء - وجوه)، ولامتداد صورة مدينة «الدارالبيضاء» في نصوص كل من عبد الله العروي ومحمد زفزاف وأحمد المديني ومحمد صوف الروائية..
    وبالرجوع، مثلا، إلى مسألة العنونة التي تغلف بعض النصوص الروائية المغربية، سوف نلمس عن كثب حضور ملمحين مميزين للفضاء المديني، على صعيد العناوين وكذا على مستوى الفضاء الخارج- نصي، باعتباره خارجا يعكس وعي الكاتب القبلي بأهمية إبراز هذا المكون هنا، الذي هو المدينة، على ومستوى العنوان أولا، مما يعني أن ثمة انخراطا مباشرا بعديا، دون أن يكون ضـروريا، داخل نوع محدد من الفضاءات الحضرية، في تلويناتها العديدة، سواء حضر هذا الفضاء المديني، هنا، كتسمية إحالية مرجعية مباشرة، أو كإحالة فقط على نوعية الفضاء الروائي. ويكفي أن نسوق هنا، على سبيل المثال، العناوين التالية، لبعض الروايات المغربية الصادرة باللغتين العربية والفرنسية:
    ففيما يتعلق بالروايات ذات التعيين المرجعي لاسم المدينة في العنوان، نذكر: «وزير غرناطة» لعبد العادي بوطالب، «أكادير» لمحمد خير الدين (بالفرنسية)، «كازبلانكا « لمحمد صوف، «شارع الرباط» لنور الدين وحيد، «فراق في طنجة» لعبد الحي مودن، «فاس..لوعادت إليه» لأحمد المديني، «مراكش..ضوء المنفى» لسهام بنشقرون (بالفرنسية)، «عشاق مراكش» لأحمد اسماعيل (بالفرنسية)، «ثلاثية الرباط» و«صيف في استكهولم « لعبد الكبير الخطيبي (بالفرنسية)، «القاهرة الأخرى» لرشيد يحياوي، «القاهرة تبوح بأسرارها» لعبد الكريم غلاب، «جبابرة الدارالبيضاء» لرضا المريني (بالفرنسية)، «يوم صامت في طنجة» للطاهر بن جلون (بالفرنسية)..
    أما فيما يتعلق بالروايات ذات العناوين الإحالية على نوعية الفضاء (كمدينة)، فنشير، على سبيل المثال، إلى العناوين التالية :
    «أبراج المدينة» لمحمد عز الدين التازي، «مدينة الأعماق» لأحمد الدغرني، «مدينة الآجور العالي» لعبد العزيز الصافي، «مدينة براقش» لأحمد المديني. كذلك هو الشأن، مثلا، بالنسبة لعناوين بعض الروايات التي كتبها روائيون أجانب عن المدينة المغربية، وخصوصا مدينة «مراكش»، كالروايات السالفة الذكر.
    ذلك ملمح خارج نصي تشترك فيه نصوص الرواية المغربية مع نصوص الرواية العربية والعالمية، سواء تم ذلك في إطار سؤال العنونة، أو في إطار سؤال المدينة كفضاء إشكالي في الرواية. ويكفي أن نشير هنا، على سبيل المثال فقط لا الحصر، إلى النصوص التالية :
    «يا بنات اسكندرية» لإدوار الخراط، «القاهرة الجديدة» لنجيب محفوظ، «بيروت..بيروت» لصنع الله ابراهيم، «ثلاثة وجوه لبغداد» لغالب هلسا، «بريد بيروت» و«إنها لندن ياعزيزتي» لحنان الشيخ، «طواحين بيروت» لتوفيق يوسف عواد، «بيروت ٥٧» و«كوابيس بيروت» لغادة السمان، «أوراق اسكندرية» لجميل عطية إبراهيم، «لا أحد ينام في الإسكندرية» لإبراهيم عبد المجيد، «نجوم أريحا» لليانة بدر، «ثلاثية غرناطة» لرضوى عاشور، «مدينة الرياح» لموسى ولد ابنو، «مدينة البحر» لناجح المعموري، «أبواب المدينة» لإلياس خوري، «شطح المدينة» لجمال الغيطاني، «مدينة اللذة» لعزت القمحاوي، «سيرة مدينة» لعبد الرحمن منيف، و«بيروت..مدينة العالم» لربيع جابر..
    وفي الطريق روايات عريبة أخرى تنحو نفس هذا المنحى الإحالي على فضاء المدينة، كالرواية القادمة «المدينة الملونة» لحليم بركات، والتي يبدو أنه قد اســتعار عنوانها من «عنوان» أحد فصـــول روايته، أو بالأحرى سيرته الذاتية «طائر الحوم».
    وأهمية إبراز اسم المدينة في عناوين الروايات لا يخلو بدروه من وظيفة ودلالة، ليس فقط لكونه يحدد لنا، في غالب الأحيان، ومنذ الوهلة الأولى، الفضاء الروائي ومسرح الأحداث والوقائع، ولكن أيضا لكونه يمنح للفضاء قيمته وموقعه الخاص به على مستوى الكتابة والتلقي، وحتى على مستوى الاستهلاك، على اعتبار أن لعبة العنونة هنا لا تخلو، هي أيضا، من وظيفة موجهة ومؤثرة على عالم التلقي في بعده التعددي. ويكفي أن نستدل، في هذا الإطار، بروايتي «الوليمة المتنقلة» لإرنست همنغواي، و«القاهرة الجديدة» لنجيب محفوظ. فبالنسبة للرواية الأولى، وفي ترجمتها إلى اللغة الفرنسية، تم تغيير العنوان الأصلي للرواية بعنوان آخر لا علاقة له بالأول وهو «باريس هي حفل» (Paris est une fête)، وهو إجراء ربما تعمده المترجم أو الناشر لإظهار اسم المدينة «باريس» في العنوان وعلى الغلاف، على اعتبار أن «باريس» هنا هي التي تشكل الشخصية الرئيسية في هذا النص، وبالتالي «وجب» إبرازها للقارئ الفرنسي في الطبعة الفرنسية، وهو ما يشي هنا بأهمية إبراز المكون الفضائي/ المديني حتى على مستوى العنوان.




    كما يعتبر تعيين اسم المدينة في العنوان ترهينا للسرد وللحكي في ارتباطهما بعالم التلقي بشكل عام. فالعنوان الأصلي لرواية «القاهرة الجديدة» هو «فضيحة في القاهرة»، لكن إحساس نجيب محفوظ بما قد يثيره العنوان في صيغته الأولى من ردود فعل من قبل الرقابة، دفعه إلى إدخال تعديل جزئي على العنوان الأصل، مع احتفاظه بمؤشر الفضاء هنا الذي هو المدينة/ القاهرة، وهو ما يعني إن إبراز اسم الفضاء/ المدينة في العنوان لا يخلو من وظيفة بالرغم من تقليديته وألفته أحيانا..
    كما أن تزايد الاهتمام برصد فضاء المدينة كسؤال إشكالي في الرواية المغربية يبرره كذلك ازدهار نوع آخر من «المغايرات الروائية» في الرواية المغربية، ويتعلق الأمر هنا بالرواية البوليسية، وكذا بروز التوسل بقالب الرواية البوليسية في بناء المتخيل في مجموعة من النصوص الروائية المغربية والعربية والعالمية، بما يفرضه ازدهار الرواية البوليسية، هنا، من انتماء للمدينة الحديثة، وما يرتبط بها، أيضا، من تفش للجريمة وتزايد الهاجس الأمني داخلها.
    وقد ارتبطت الرواية البوليسية في المغرب ارتباطا وثيقا بالمدينة، وخصوصا مدينة الدار البيضاء، إلى درجة اختار فيها عبدالله العروي نفسه قالب الرواية البوليسية في روايته الأخيرة «غيلة» لتشييد محكي تخييلي عن مدينة الدار البيضاء، أو بالأحرى، للكتابة عن اغتيال المدينة، بموازاة مع البحث عمن اغتال ثلاث نساء في الرواية...
    وفيما يتعلق بالفضاءات الحضرية التي عملت الرواية المغربية المكتوبة بالعربية على تمثلها وتشخيصها تخييليا بشكل أوسع ومهيمن، وأيضا بصورة ممتدة في العديد من النصوص الروائية المغربية، يمكن التوقف، هنا، عند ثلاثة فضاءات/ مدن أساسية، كان للرواية المغربية معها، ولا يزال، النصيب الأوفر على مستوى الاستيحاء والتشخيص والرصد وبلورة متخيل متنوع بصددها، انطلاقا من كونها تشكل فضاءات إشكالية في النصوص الروائية والسيرذاتية المستوحية لها، وليست فقط مسرحا لبناء المحكي وتحريك الأحداث والشخوص، ويتعلق الأمر، هنا، بالفضاءات/ المدن التالية : الدارالبيضاء - فاس - طنجة. غير أن ذلك لا يعني أنه لا توجد فضاءات/ مدن أخرى يبقى لها حضورها المركزي أيضا داخل المتخيل الروائي المغربي، ولو بدرجات متفاوتة كمدينتي الرباط ومراكش، وهو ما تزكيه، في جانب منه، عناوين بعض النصوص الروائية المكتوبة عن المدينتين.
    كما نجد من الروائيين المغاربة من ارتبط إنتاجه الروائي، في معظم نصوصه، بفضاء/ مدينة معينة (فاس: عز الدين التازي - الدار البيضاء: عبد الله العروي/ أحمد المديني/ محمد زفزاف/ مبارك ربيع - طنجة: محمد شكري...)، وهو ما يعني أن هؤلاء الروائيين المغاربة، أو غيرهم، وإن عملوا على تنويع فضاءات نصوصهم المدينية، فإن مركزية أحد تلك الفضاءات في كتاباتهم، باعتباره تيمة مهيمنة، إنما يعكس، في المقابل، جانبا من الوفاء الإبداعي لأحد تلك الفضاءات الحضرية، كما فعل مبارك ربيع في ثلاثيته الروائية عن مدينة «الدارالبيضاء» بعنوان موحد «درب السلطان» وبعناوين فرعية لأسماء أماكن، وكما هو الشأن بالنسبة لمدينتي «فاس والرباط» لدى مجموعة من الروائيين كعبد الكريم غلاب ومحمد عز الدين التازي ومحمد برادة وعبد الكبير الخطيبي والطاهر بن جلون وعبد اللطيف اللعبي، وغيرهم...
    ولأجل الاقتراب من طبيعة العلاقة التي تشيدها الرواية المغربية المكتوبة بالعربية مع المدينة المغربية تحديدا، اتخذنا من بعض النصوص الروائية المختارة لكل من عبد الله العروي وأحمد المديني ومحمد عز الدين التازي ومحمد شكري، مجالا سرديا وتخييليا لرصد طبيعة التفاعل القائم بين الرواية والفضاءات المدينية، وخصوصا ما يتعلق منها بالمدن / الفضاءات التالية: الدار البيضاء، فاس، طنجة، باعتبارها من بين الفضاءات الحضرية المهيمنة في الرواية المغربية، وأيضا بالنظر إلى كونها فضاءات تستجيب، بشكل لافت، للتفكير في سؤال الفضاء (المدينة) كإشكال في الرواية.




      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 7:44 am