منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    النقد النسقي للرواية المغربية.

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    النقد النسقي للرواية المغربية. Empty النقد النسقي للرواية المغربية.

    مُساهمة   الجمعة مارس 19, 2010 4:18 pm

    النقد النسقي للرواية المغربية.

    محمد بنسعيد

    مقالات في النقد الروائي:

    النقد النسقي للرواية المغربية.

    محاولة لاكتشاف أسس البنيوية التكوينية عند حميد الحمداني.

    د. محمد بنسعيد

    النقد النسقي الذي نقصده هو النقد الروائي الذي اتخذ مدرسة واحد بعينها وراح يطبق مفاهيمها على الرواية المغربية دراسة وتحليلا، آخذا في عين الاعتبار وحدة المنهج النقدي واستقلاليته النسبية، من الصعب جدا الحديث عن نقد روائي مغربي بهذه المواصفات، فطبيعة الاتصال مع النماذج النقدية الغربية أوجدت بطبيعتها نوعا من التداخل الكبير بين مستويات منهجية مختلفة، ويبقى دور الناقد الروائي هو درجة الوعي بهذه المناهج وحدودها النظرية والتطبيقية، في هذا السياق تأتي المدرسة الفرنسية في مقدمة المدارس النقدية التي اعتمدها النقد المغربي، ومع أهمية وعينا بأن إطلاق مصطلح \'المدرسة الفرنسية\' يشوبه الكثير من الغموض والكثير من التعميم، فإننا نتشبث به لوعينا كذلك بأن المدرسة الفرنسية الحديثة في النقد الروائي – رغم الاختلافات الكثيرة في مقارباتها للنصوص الروائية- إلا أن هناك قدرا مشتركا من العناصر الثابتة في نقدها، فلا نستطيع أن ننكر هيمنة النقد البنيوي في مرحلة ما على هذه المدرسة سواء في فرنسا أو في المغرب. سواء منها المدارس الشعرية/البلاغية أو المدارس السردية، وقد سبق لي أن درست تجربة واحدة من تجارب النقد المغربي الروائي في مقالات سابقة لي تجدها هنا في مدونتي ، على أن هذا النوع من الدراسات يحتاج إلى وقت طويل لاكتشاف الممارسة النقدية المغربية بدراسة كل النقاد المغاربة وهي عملية تحتاج لجهد باحثين مجتمعين وليس إلى جهد فردي واحد مهما بلغ من الدقة والاجتهاد وطول النفس فإنه لا بد مقصر عن بلوغ هذا الهدف، سنكتفي نحن بدراسة الخطاب البنيوي من خلال نموذجين/ مشروعين نعاملهما معاملة المشروع الواحد، وندرسهما على هذا الشرط، دراسة مركبة هدفها فهم آليات الخطاب النقدي الروائي وأهم الأسس النقدية التي يستوحي منها أهم فرضياته، أتوقف عند تجربة الباحثين المغربيين: حميد لحمداني من خلال كتابه \'الرواية المغربية ورؤية الواقع الاجتماعي، دراسة بنيوية تكوينية\' وسعيد يقطين من خلال كتابه \'تحليل الخطاب الروائي (الزمن-السرد-التبئير).

    1- من البناء إلى البنية :

    مصطلح بنية لا يثيرني كثيرا، فقد أصبح من المفاهيم المفرغة من الدلالة، لم نعد قادرين على التمييز بين بنية النص وبنية الفريق الرياضي، ومع أن إفراغ هذا المفهوم من دلالته اللسانية الأولى لم تعد محط خلاف حتى بين النقاد الفرنسيين، فإنها في المغرب عرفت استخدامات شتى و بمفاهيم مختلفة نتيجة للترجمة واختلاف ثقافة المترجمين ومدى وعيهم لمفهوم البنية، ليس داخل الحقل اللساني فحسب وإنما أيضا داخل المنطق الرياضي، الذي نعتبره أكثر أنواع المنطق فهما للبنية في شكلها التجريدي، إن اهتمام النقد الروائي بالبنية – ولا يهمني هنا نوعها- نبع في المقام الأول من كونها العنوان الرئيسي الذي يدل على فكر القرن العشرين، فإذا جاز لنا أن نلخص القرن العشرين في كلمة مقتضبة، فإننا نعتبره بقليل من التحفظ، قرن البنية والكفاح من أجل الاستقلال، وهذا أمر مفهوم في ظل الكم الهائل من التطبيقات التي اتخذت من البنية محورا لدراساتها سواء في الدراسات الأدبية أو الفلسفية أو في الدراسات النفسية والاجتماعية (1)، على أن تاريخ البنية لو جاز أن يكون للبنية تاريخ دقيق موثق لم يبدأ أبدا مع الدراسات اللسانية الحديثة، وإنما ارتبط بنشوء الفكر الإنساني الفلسفي في شكل أنساق منظمة تحاول الإجابة عن أسئلة الوجود والتاريخ والعقل، وإنما ارتبطت في القرن العشرين باللغة بعدما تبين أن حل شفرة اللغة هو السبيل لفهم أعمق للعقل ومشكلاته، وأن اللغة هي المفتاح الأساسي لفهم طبيعة التفكير نفسه، فاللغة هي مادة البنية كما أن الحصى هو مادة تشييد الأبنية الأول، فالعلاقة بين اللغة والبنية هي علاقة سبب بمسبب، من هنا نفهم حاجة جميع العلوم للبحث في البنية، وأن سبب الفوضى التي تحدثنا عنها إنما ترجع في المقام الأول إلى هذا التداخل الذي مصدره اللغة، إذ هي العنصر المشترك بين هذه العلوم، على أساس أن اللغة هي الوسيط التي تؤدي به جميع العلوم مهمتها وتكشف بها عن أسباب تقدمها وجوهر أنساقها، وتبقى للرياضيات خاصية فريدة في هذا السياق لأنها تنظر للبنية بشكل مجرد من اللغة أكثر من غيرها من العلوم.

    إن مشكلة النقد مع \'البنية\' هو اللغة نفسها، لا أستطيع أن أفهم- على مستوى المنطق- لماذا نفسر الأشياء دائما انطلاقا من اللغة، مع يقيننا أن المفاهيم ليست بالضرورة انعكاسا للمعاني اللغوية، فإذا رجعنا إلى القواميس، سواء منها العربية أو الفرنسية نجد أن لفظة \'بنية\' مشتقة من الفعل الثلاثي \'بنى/يبني\' وهو فعل يدل على التشييد والبناء، ويرتبط غالبا بما هو مادي، وقد يتجاوز الأمر إلى مفهوم إجتماعي هو البناء بالشخص كالزواج وغيره، حاول النحو العربي- الذي أعتبره منطق العرب الأول- الاستفادة من هذا المعطى، في ربطه البناء/البنية بالمعنى: \'الزيادة في المبنى زيادة في المعنى\' وهي جملة ظاهرها تؤيده الشواهد اللغوية وتشهد له، لكنها تخرق أهم أسس البنية كما هو متعارف عليها على الأقل بالنسبة للبنيوية اللغوية التي تفترض وجود بنية ثابتة لا تتغير بتغير العناصر المكونة لها، نستطيع أن نفهم أن كلمة \'ضَيْفٌ\' و \'ضَيْفَنٌ\' يشتركان في المعنى الأساسي الذي يسميه النقد العربي القديم بـ\'المعاني الأُوَل\'، ولكن الكلمة الثانية تزيد في المعنى عن الكلمة الأولى بمقدار هذه الزيادة في الناحية الصرفية، المسألة في البنية أن هذا الانتقال من لفظ إلى لفظ ليس بنية ثابتة في جميع مفردات اللغة، ولو جاز هذا لجاز كذلك القياس على مفردات لغوية أخرى، وإذن فإن هذا العمل لا يمكنه أن يشكل بنية بالمعنى الاصطلاحي، وإنما هو ظاهرة مسموعة لا دخل للعقل فيها، ولم تخضع لنسق منظم بخرجها من طور العفوية إلى كون التنظيم كما هو الحال في البنيات الرياضية والأنساق الفكرية الكبرى، نفس الشيء بالنسبة للكلمة الفرنسية \'Structure\' في الدلالة على البناء والتشييد مع فارق جوهري هو أن الكلمة في أصلها اللاتيني \'Struere\' تدل على معنى الكل أو المتعدد/المجموع المؤلف من عدد من الظواهر المتماسكة، إن سر الاختلاف بين فهمنا نحن للبنية وفهم الأوربيين لها، يتمثل في كوننا ننظر إلى الظواهر بشكل منعزل في حين ينظر إلبها الأوربيون في شكل كلي متناسق، وليس في ذلك أي تلميح قدحي، فهذا اختلاف من طبيعة العقل ومن طبيعة النظر للأشياء، وهو ما انعكس على فهومنا للبنية وطريقة توظيفها في تحليلنا للنصوص الإبداعية بصفة عامة وللنصوص الروائية السردية بصفة خاصة، كثيرا ما نلاحظ هذا النوع من التعامل في نصوصنا النقدية حين تصبح كلمة بنية حاضرة بقوة، وبشكل لافت للنظر أثناء مناقشة ظاهرة عابرة لا تستدعي سوى عدد قليل من المفاهيم والأدوات الإجرائية، فيكون توظيف كلمة بنية مشوشا للنص أكثر من كونه إضافة نوعية للتحليل المراد.

    إن بناء النص الروائي لا يفترض بالضرورة وجود بنية، كل نص هو بناء، وبناؤه متعلق باللغة الواصفة له وترتيب الأحداث والشخصيات، ولكن البنية هي أن يوجد في النص الروائي نسق منتظم تفسر بموجبه الرواية نفسها. بالرجوع إلى تاريخ البنيوية يتضح أنها تتصف بخصائص ثلاث :

    1- الكلية/الشمولية totalité.

    2- التحولات transformations.

    3- الضبط الذاتي auto-réglage.

    الكلية في البنية الروائية تعنى بالعناصر التكوينية الأولى للجنس الروائي، فهي التي تعطي للمكونات الصغرى مثل الزمان والمكان والشخصيات وغيرها من العناصر، الاستقلالية التامة من جهة كونها موضوعات منفصلة يمكنها أن تشكل عالما منغلقا قائما بذاته، فالزمان على سبيل المثال يدرس من خلال تمثلاته اللغوية/الصرفية أو الذهنية، وفي نفس الوقت حينما يوضع بجانب العناصر الأخرى يصبح ذا معنى جديد يكتسبه من خلال وضعه في هذا النسق.

    أما التحولات فتنتج عن تبديل الأدوار بين هذه العناصر، لنتصور أن الزمان انحرف في النص الروائي بمقدار معين، من الحاضر إلى الماضي في حركة عكسية وبدون سابق إنذار، هنا يتدخل مبدأ التحول ليشتغل على باقي العناصر المكونة للعمل الروائي، فيتحول المكان والشخصيات أيضا بنفس المقدار ونفس الدرجة لانحراف الزمان، وهذا يجرنا إلى مفهوم آخر استعمل بكثرة في الدراسات الشعرية المعاصرة ولكننا لم نستفد منه في الدراسات السردية كثيرا وهو مفهوم التوازي، التوازي هنا يتعلق بمقادير الانحرافات كما بينتها في المثال المذكور.

    أما الضبط الذاتي فهو الحركة التصحيحية التي تضمن هذا النوع من التوازي، وتجعل النص الروائي نصا منسجما، مما يجعل البنية الروائية قادرة على إعادة تنظيم نفسها بنفسها مما يضمن انتظامها وتجددها باستمرار، ويجعلها خاضعة في نهاية الأمر للقانون الأول: قانون الكلية (2).

    بكلمة واحدة، إن فهم البنية انطلق منذ البداية من مغالطات تسبب فيها عوامل خارجية تتعلق بطبيعة فهمنا وتقديرنا للأشياء، ولهذا لن نجد في كتاباتنا النقدية تعاملا واحدا مع مفهوم البنية، في الوقت الذي يجب فيه أن تكون المسألة واضحة للعيان ولا تقبل التأويل، حينما بقول الناقد: \'بنية النص الشعري أو السردي...\'، عليه أن يحدد ما الذي يقصده، ما طبيعة عمله، كيف ينظر إلى البنية وإلا سيكون عمله فارغا من المعنى، وهو الأمر الذي أدى في نفس الوقت إلى إفراغ الكلمة من مدلولها.

    2- في التكون والتكوين:

    لو صح أن تكون اللغة وأبنيتها الصرفية مقياسا للمفاهيم وتكونها لكان مفسر القرآن أكبر محلل بنيوي تكويني...! ولكان شراح الشعر أول من يتشدق بتطبيق البنيوية التكوينية في تاريخ الأدب العربي، ولكن المسألة في مناهج النقد الروائي لا تؤخذ بهذه البساطة، المشكلة أن ما حدث من أخطاء في فهم البنية هو نفسه ما حصل في فهم التكون والتكوين، لا يخفى أن الكلمة العربية تحمل معنى دينيا صرفا، يحيل إلى النشوء والخلق، مثلما هو الأمر في كلمة بناء، مما أدى عند اجتماع الكلمتين – البنيوية التكوينية- إلى استغراق العقل في المعنى الديني وكأن البنيوية التكوينية تعيد إنتاج النصوص، تعيد خلق نصوص من العدم، في حين ليست البنيوية التكوينية – إذا نظرنا إليها في سياقها التاريخي والفكري- سوى نسخة مطورة للبنيوية اللغوية كما عرفت عند \'سوسير\'، بل هي محاولة لبعث دماء جديدة في البنيوية اللغوية بعدما وصلت إلى أزمة في كشف المعنى وإنارته، وأهم هذه العناصر الجديدة- كما بينا ذلك في الباب الأول من هذا البحث- مفاهيم الواقع والوعي والرؤية، بتعبير أكثر اختزال: البنيوية التكوينية هي عملية \'تصالحية\' مع أعداء الماضي، أعداء نظرت إليهم البنيوية اللغوية باعتبارهم معوقات لفهم الدلالة الحقيقية لمضمون العمل الأدبي الإبداعي، وفي مقدمة هؤلاء أنصار التحليل التاريخي الذين يعتبرون المبدع هو مركز العملية الإبداعية ومحركها الأول، أما اكتسابها لصفة المنهج فهو أمر في غاية الغموض، إلا إذا اعتبرنا كل طريقة في البحث منهجا دون النظر إلى أن النظرية في طبيعتها هي أشمل من أن تفسر ظاهرة واحدة منعزلة، وإنما تسعى إلى تفسير ظواهر شمولية في نسق منظم وقابل للتطبيق على ظواهر أخرى مشابهة أو من نفس الجنس، وأن تعريفا للمنهج من قبيل: \'المنهج هو الطريقة، أو الكيفية التي اختيرت للتعامل مع نص من النصوص\' (3) هو تعريف في غاية الاختزال بغض النظر عن الخلفية الفكرية التي يمثلها ، إذ المسألة هنا لا تتعلق فقط بطرائق التحليل بما هي مجموعة من الخطوات المنهجية، وإنما تتعلق كذلك بالمقاصد العامة للتحليل والدوافع الخارجية غير المعلنة، مرورا بالمقدمات العامة المؤطرة لهذه الطرائق التحليلية، وغالبا ما تكون مضمرات المقدمات/الخطاب أكبر بكثير من تصريحات النقاد، وهو أمر يحتاج إلى ذكاء كبير، ومعرفة عميقة بالتيارات الفكرية الراهنة التي أنتج المنهج النقدي في أحضانها.

    يرتبط التكوين والتكون في بعده المنهجي بحقائق أسطورية تحيل إلى الوجود القبلي للأشياء، مثلما هو الحال تماما بالنسبة للبنية في جانبها اللغوي، وحينما تجتمع الكلمتان في الاصطلاح العربي فإنهما تزدادان غموضا، فإذا أضفنا إلى هذا الغموض الترجمات المختلفة للمصطلح وكذا تفاوت فهم النظرية عند النقاد وجدنا الأمر في غاية الفوضى والتعتيم.

    \'هناك نظرية أمثر تعقيدا ترى أن اللغة ليست محض صورة للواقع، بل أداة يتحقق الواقع بموجبها- يغدو حقيقيا، وتجمل في تضاعيف بنائها الإعلاني مادة الحقيقة، فلا يعود في المنطوى [كذا!] من أسس هذا النظام ما يدعو للاتصال بخارجه، حيث المادة البلهاء لعالم الأشياء، وتغدو الحقيقة والزيف من خصائص اللغة وحدها، بحيث يكون (الواقع)، تلك الفرضية المستحيلة- مسألة محايدة لا تتصل بالموضوع\' (4) وهو ما يفسر زيف الربط الميكانيكي بين اللغة والمفاهيم النقدية الروائية، دون أن يكلف الناقد نفسه الرجوع إلى المفهوم النقدي في علاقته بالأنساق المعرفية الحقيقية التي أطرته في حركة الفكر الذي أنتجه.

    3- أسس البنيوية التكوينية عند حميد لحمداني (فرضيات أولى).

    لا يخفى أن فرضيات العلوم الإنسانية تختلف عن فرضيات العلوم الدقيقة، لكونها لا تخضع للتجربة العلمية المباشرة من أجل تحقيقها، ومع هذا الاختلاف الجوهري بين الاثنين فإننا نستعمل مصطلح \'فرضية\' ولا نقصد به سوى المؤشرات والظواهر الانطباعية الأولى التي تحتاج لتأكيد من المتن الروائي نفسه، وهذا التأكيد يخضع هو الآخر لضروب من القراءات التأويلية العميقة والشاقة في نفس الوقت، فإذا صدقت هذه الفروض وكان في الرواية ما يؤشر على وجودها اعتبرناها صحيحة ومشروعة، وإذا لم يكن الأمر كذلك فإن هذه الفرضيات يصيبها ما يصيب غيرها من النسيان والإهمال.

    ينطلق \'حميد لحمداني\' من ثلاث فرضيات يعتبرها المدخل الأساس للتحليل البنيوي التكويني، تتعلق هذه الفرضيات أربع مجالات مختلفة ولكنها متداخلة في الآن نفسه:

    1- فهو يعتبر أن الأدب ومنه الرواية بالطبع له وظيفة ضمن البناء الفكري داخل أي مجتمع إنساني.

    2- كل المجتمعات مهما بدت متماسكة، فإنها تحتوي على تناقضات داخلية عميقة.

    3- لا يمكن اعتبار الأدب انعكاسا بسيطا ومباشرا لصورة الواقع الاجتماعي.

    4- فهم المضمون الاجتماعي في الأعمال الفنية لا يكتفي برصد بعض الجوانب الواقعية، ولكنه يفترض تحليل بنياتها التخيلية من أجل التوصل إلى رؤية المبدع الخاصة، هذه البنية تكون في الغالب متوارية خلف البناء السطحي للعمل الروائي (5).

    إن السؤال المركزي الآن يتعلق بمدى مطابقة هذه الفرضيات للتجربة الروائية المغربية، فالحديث عن وظيفة بنائية للمجتمع إذا صح لا ينطبق فقط على الرواية مجال الدرس، وإنما ينطبق على كل الأجناس الأدبية، بل ينطبق كذلك على باقي الأجناس غير الأدبية وكذلك على الفكر الإنساني في عموميته، وليس من باب المبالغة أن نقول بأن الحديث عن الوظيفة الأدبية لم يكن في يوم من الأيام أساس التفكير في البنيوية التكوينية، فالوظائف تسطر سلفا، ثم يأتي الروائي ليحاول إيجاد علاقاتها الممكنة بواسطة اللغة، بل حتى في مجال النقد الروائي، فإن الوظائف غالبا ما تحدد مسبقا، بمعنى أن الناقد- وفق قناعاته الخاصة وطموحاته المشروعة وغير المشروعة- يحاول أن يجد خيطا رفيعا بين ما تقوله الرواية، وبين الواقع الاجتماعي، وكأن الرواية هي عملية \'مقدسة\' تقوم بالدور الذي تقوم به الكتب المقدسة، في حين يغيب أن الوظائف في أصلها هي حاجة يضعها المجتمع ، وأن الرواية في العمق ما هي إلا انعكاس بشكل من الأشكال للثقافة السائدة إذا افترضنا وجود مثل هذه العلاقات بين المبدع والمجتمع، وعليه لا تقدم الرواية سوى صورة خافتة متناقضة للمجتمع الذي تحاكيه، أو هي صورة مشوهة للواقع الحقيقي، وفي هذا السياق نستطيع أن نفهم التعريف الذي وضعه الشاعر الأمريكي \'والاس ستيفنـز\' (1879-1955) للواقعية (6) : \'الواقعية هي إفساد الواقع (7)، من العبث جدا الحديث عن وظائف روائية محددة، بالشكل الذي نتحدث به عن وظائف اللغة، لأننا في هذه الحالة نجد أنفسنا في دائرة مغلقة، وإنما علينا أن نستبدل كلمة \'الوظائف\' بسؤال آخر نعتبره مهما وذا جدوى، هو ما الإضافة التي تقدمها الرواية لتاريخ الفكر الإنساني؟ لا أعتقد أن سؤال الوظيفة في الأسطورة وهي نمط فكري لتفسير العالم بشكل ما، كان يسأل عن الوظيفة، بل كان على العكس من ذلك يعمل على إضافة مميزات نوعية لعصره ساعدت على تفسير الكثير من نواحي المعرفة التي كانت سائدة آنذاك، والتي حققت نوعا من القطيعة المعرفية مع أشكال سردية شعرية كانت قبلها، من قبيل الشعر الغنائي والأناشيد الدينية، ولكنها عوض ذلك قدمت نمطا مغايرا من أنماط التفكير كان يهدف إلى عقلنة العالم ولو بطرق غيبية. السؤال نفسه الآن يعاد وإن بطرق مختلفة، ذلك أننا لا ننظر إلى الرواية كما ننظر إلى النصوص المقدسة ولا ننتظر منها وظيفة محددة من خارج الجنس الأدبي نفسه، وإلا كنا كمن يخطط للجنس الأدبي من الخارج ويعد للرواية لباسا على مقاييس هذه الوظائف المحددة سلفا، ولنعد الآن إلى الرواية المغربية نحاكمها على هذا الأساس أي أساس الوظيفة، ما هي الوظيفة الحقيقية التي لعبتها الرواية المغربية، حتى في أبسط التعاريف السطحية الجاهزة فإن الرواية تنقل الواقع بشكل ما، فهل الرواية المغربية تنقل الواقع وتعبر عنه، هل هناك تجسيد للروح الاجتماعية وتعبير حقيقي عن التحولات الاجتماعية التي عرفها المغرب الحديث؟ هل الرواية تعكس العقلية المغربية في التفكير ونمط الحياة؟ لا شك أن هذه الأسئلة تحتاج لمزيد من القراءة المعمقة للمتون الروائية من أجل الكشف عن أجوبة شافية، ولكن الذي نستطيع أن نؤكده هو أن الحديث عن وظائف قبلية للرواية مسألة يجب أن نأخذها بكثير من الحذر خاصة أن الرواية عندنا غالبا ما تكتب بعيدا عن النظرة الشمولية للكاتب من الحياة، دون وعي بأن الرواية هي أسلوب حياة قبل أن تكون مجرد كتابة سردية عابرة تعبر عن موقف شخصي من بعض القضايا المنعزلة هنا وهناك، وليست الوظيفة الاجتماعية سوى حلقة واحدة في السياق النسقي للرواية، فقد سبق أن رأينا أن الرواية هي موقف من العالم وكيف أنها في مرحلة ما من مراحلها التاريخية اعتبرت معبرا حقيقيا عن طبقات اجتماعية معينة.

    يضعنا الفرضية الثانية أمام سؤال عقلي بامتياز، فمسألة التماسك الظاهر في الأبنية الخاصة بالظواهر الإنسانية هي مسألة نسبية كما هو الحال دائما في مثل هذه الظواهر، لكن تسليمنا بمشروعية هذه الفرضية ومدى استجابتها للشروط العلمية المتعلقة بوضع الفرضيات تجرنا إلى تساؤل من نوع آخر يتعلق بكون التماسك الظاهري في ما هو محيط بنا ليس تماسكا خاصا بهذه الظواهر في نفسها، وإنما هو انطباعاتنا نحن عن هذه الظواهر، أي مدى تصورنا نحن لمفهوم التماسك، وليس كما ينبغي أن يكون التماسك في الظواهر نفسها، وكذلك الأمر في افتراضنا التحول التدريجي من التماسك الظاهر في الأشياء إلى وجود تناقضات عميقة في هذه الأشياء، إن مسألة التناقضات التي تبدو لنا هي تناقضات تتعلق بالعقل الذي ننتج به تصوراتنا وليس تناقضا صميما في الظواهر الفنية، لأن الظواهر الفنية هي نتاج لغتنا، نتاج عقلنا، ومع تسليمنا بهذه الفرضية نكون قد سلمنا بقصورنا الإدراكي في فهم طبيعة الظاهرة الأدبية نفسها، لا تطرح الرواية المغربية في بنياتها السطحية سوى صور جزئية لعالم يتشكل، عالم ينمو ببطء، فخمسون سنة من عمر الرواية المغربية لا يبدو واضحا في ما يكتبه الروائيون، ليس هناك بنيات لغوية تميز العصور الروائية عن بعضها بعضا، وليس هناك بنية عقلية خاصة بكل عصر، وكأن الرواية المغربية على امتداد خمسين سنة من عمرها كتبت في جلسة واحدة ، كتبها عقل واحد، قد تجد اختلافات في الظاهر ولكنها في العمق نفس الإشكاليات ونفس البنى اللغوية تتكرر ولست قادرا على تمييز تضاريسها بوضوح إذا سمحت لنفسك أن تقرأ هذه الرواية قراءة كلية مركبة تلغي التفاصيل الصغيرة الواهية بين الأجيال والعصور.

    تفترض البنيوية التكوينية نوعا من التناقضات الاجتماعية الواضحة من أجل مشروعيتها العلمية، هذا التناقض خاص بالمجتمعات الدينامية المتطورة باستمرار، ذات العلاقات المعقدة، لكن الأمر يختلف بالنسبة لمجتمعات ما قبل الرواية، المجتمعات السكونية التي لا يشكل التناقض مشكلة في بنيتها العقلية، مجتمعات لها قيم مختلفة وجدت آليات فكرية لتبرير هذه التناقضات القائمة، لقد شكل -الدين بمفهومه العام- ملاذا آمنا لهذه المجتمعات في تبرير التناقضات الاجتماعية بالرجوع إلى القوى الغيبية التي تعتبر بعض التناقضات جزءا من طبيعة الوجود، وبنية أساسية للتصالح غير المشروط مع الواقع، في حين كان غياب هذا الشرط بعد القطيعة التي حدثت مع الفكر اللاهوتي في أوروبا دافعا كبيرا إلى تعميق التناقضات الاجتماعية وكشفها، إن التناقضات في مجتمعات ما قبل الرواية ليست منعدمة، فهي موجودة ككل المجتمعات الإنسانية، ولكن الفرق البسيط يكمن في أن هذه التناقضات الفكرية والاجتماعية لا تظهر بشكل جلي في ما ننتجه من روايات، وكأنها روايات عقدت نوعا من الصلح مع الواقع، إن رواياتنا لم تكن في يوم من الأيام روايات صراع فكري، ولكنها كانت على العكس من ذلك روايات تصالح فكري، إنها لا تواجه المشاكل وتقترح الحلول، ولكنها تكتفي في أحسن الأحوال بالإشارة إلى مشاكل الذات المتقوقعة على نفسها، دون أن يسمح هذا العمل بتكوين رؤية عميقة للذات والواقع قادرة على وضع الرواية المغربية جنبا إلى جنب مع طموحات المجتمع المعاصر من أجل الدفاع عن القيم الروائية وتطور الفكر المغربي.

    تحيلنا الفرضية الثالثة المتعلقة بنظرية الانعكاس، إلى أن الرواية لا يمكنها أن تكون انعكاسا بسيطا للواقع، إن المشكلة هنا ليست في نظرية الانعكاس ذاتها، فقد أصبح واضحا الآن أن الأدب عموما في جانب من جوانبه يعبر عن روح المجتمعات التي تنتجه، إن المشكلة تكمن في المجالات الضمنية الأخرى التي يعكسها الأدب، يعني إذا لم يكن الانعكاس بسيطا وربما ساذجا، فما هي الدرجة الحقيقية لهذا الانعكاس؟ من الناحية المنطقية هناك قضيتان اثنتان يفرضان نفسهما أثناء التفكير، فإما أن الرواية تعكس الواقع كما هو انعكاسا ميكانيكيا كالصورة الفوتوغرافية، وإما أن هذا الانعكاس فيه نوع من الانزياح إما بالتشويه أو بالتزيين، وفي كلتا الحالتين لا ينبغي أن نستهين بدور الروائي في هذه العملية، وفي إخراج الصورة الروائية بالشكل الذي يريد تبليغه، صحيح أن الروائيين -بدرجات متفاوتة- يستعملون \'مساحيق التجميل\' لجعل الرواية أكثر جاذبية وفي هذه المرحلة تدخل تغييرات أساسية على جوهر الرواية، ولكن الانعكاس مسألة لا يمكن تجاهلها حتى باستعمال هذه المساحيق، فكل رواية هي تعبير ينبع من ثقافة خاصة وبالتالي تحمل جزءا من هوية المجتمع الذي أنتجها، ولكن في نفس الوقت علينا ألا ننسى أنها جنس تخييلي في المقام الأول، وككل الأجناس التخييلية، فإن الرواية تحتفظ بذلك الخيط الغرائبي الذي يتعامل مع الحدث كسر من الأسرار، وهنا تكمن الطاقة الإبداعية للرواية وتبعدها نسبيا عن درجات الانعكاس البسيط والسطحي للواقع، فالرواية بهذا التحديد ذات تمفصلين كل واحد يكمل الآخر، من جهة هي تعبير عن واقع اجتماعي تعكسه سواء بشكل واع أو بشكل غير واع، ومن جهة أخرى هناك مسحة من الغرائبية يضفيها عليها الروائي يطورها وينميها باستمرار عن طريق الحدث.

    تتوقع الفرضية الرابعة من الرواية أن تحلل البنيات العميقة للمجتمع والتوصل إلى رؤية خاصة بالكاتب، وقد أشرنا إلى أن تحليل البنيات العميقة للظاهرة الإبداعية عموما والظاهرة الروائية على وجه التحديد يحتاج إلى نسق معرفي، وليس فقط إلى البحث عن موضوعات هامشية وسطحية، فبدون النسق المعرفي لا يمكننا الحديث عن مشروعية للتحليل، لأنه لن يقدم معرفة جديدة، بل سيعمل التحليل فقط على تكرار معطيات الرواية بشكل جديد، وهذا لا يساهم في الفهم العميق للبنيات ولا إلى كشف مضامينها، لن يكون هناك إنتاج للمعرفة الروائية، بل يكون هناك تكرار وتنويع لها، ونظل ندور في حلقة مفرغة لا نهاية لها.

    إن رؤية الكاتب للأشياء ينبغي أن تكون مختلفة، بما يمتلكه من أدوات تساعده على الفهم العميق للأشياء، وليس على جمع الأحداث من مصادره الخاصة وإعادة صياغتها، فهذه الطريقة لن تنتج رواية بالمعنى الذي ندعو إليه.

    4- مصادر البنيوية التكوينية عند حميد لحمداني:

    في قراءة تركيبية لكتاب\'الرواية المغربية ورؤية الواقع الاجتماعي\' يمكننا أن نقف على ستة مصادر أساسية تؤطر عمل النقد الروائي عند حميد لحمداني، وهذه المصادر الست تتنوع شكلا ومضمونا، بعضها يلتصق التصاقا مباشرا بالبنيوية التكوينية منهجا وممارسة، وبعضها الآخر يمكن اعتبارها على هامش البنيوية التكوينية، أو أحد إفرازاتها، وبعض هذه المصادر كان سببا لظهور البنيوية التكوينية.

    تعترضنا في قراءتنا للمتن النقدي عند حميد لحمداني مجموعة من الأسماء تزداد كثافة وانحسارا حسب مقام البحث، فتارة يوظفها الناقد توظيفا مكثفا طاغيا، وتارة يهملها وينتقل إلى توسيع فكرة أو إبداء موقف من ظاهرة نقدية ما.

    ربط الناقد بين \'تين\' Taine، المحسوب على المنهج التاريخي، وبين البنيوية التكوينية باعتبار كتاباته حول تاريخ الأدب الفرنسي قد اهتمت بتمثلات الواقع ودوره في إبداعية الأدب، فقد حاول تين أن يربط بين الفن والتاريخ والعصر بشكل ملحوظ، في صياغة منهجه التاريخي، ولعل البنيوية التكوينية كما مر بنا في الفصل الرابع من هذا البحث، قامت بتجاوز أزمة المنهج البنيوي في استبعاد المؤثرات الخارجية التي يمكن أن تعطينا بعض السمات المميزة القادرة على تأطير النص الروائي في سياقه التاريخي ومن ثمة فهم مضمونه الاجتماعي والتاريخي كخطوة أساسية وضرورية لإنارة النص الروائي، فلا يمكن الاستهانة بالمؤثرات الخارجية في تشكيل الوعي سواء لدى الروائيين أو في بنية الرواية نفسها، إن حضور تين بدراساته التاريخية يمكن اعتباره منبعا لاستلهام بعض الأفكار الضرورية في البنيوية التكوينية، فالتاريخ جزء لا يمكن إغفاله من التجربة الروائية، حتى إنه يمكن اعتبار الرواية في جانب من جوانبها التاريخ الحقيقي للجماعات الإنسانية، ومع هذه الأهمية التي يوليها حميد لحمداني لكتابات تين- على الأقل من ناحية كونها إلهاما حقيقيا للبنيوية التكوينية في جانب من جوانبها، إلا أنه يصرح بأن منهج تين، لا يستجيب لكل الشروط والأبعاد التي يرومها بحث في الرؤى الاجتماعية من وجهة نظر الدرس البنيوي، ولعل هذه النقطة بالذات هي ما جعلت الناقد يستبعد كل الدراسات التاريخية والفيلولوجية التي تولي اهتماما كبيرا للمؤشرات الخارجية سواء كانت تاريخية أو نفسية في دراسة الظاهرة الروائية (Cool ويدافع على أهمية المنهج البنيوي التكويني باعتباره أقدر المناهج على الكشف على الظاهرة الروائية، ويعبر عن مستوى متقدم بالنسبة للمناهج المتقدمة عليه، في إشارة للمنهجين التاريخي والنفسي، وأن المنهج البنيوي والتكويني أكثر المناهج انفتاحا على باقي القراءات، لأنه لا يحصر نفسه في زاوية مغلقة، بل يستفيد من كل المناهج، على أن هذه المسألة المتعلقة بانفتاح المنهج النقدي سواء بالنسبة للبنيوية التكوينية أو غيرها من المناهج النقدية، مسألة لنا فيها رأي مخالف عبرنا عنه في الباب الأول من هذا البحث، ونذكر الآن بأن انفتاح المنهج البنيوي أو غير المنهج البنيوي التكويني، هو مغامرة محفوفة بالمزالق نظرا لاختلاف الرؤى والمواقف لهذه المناهج، وأنه لا يكفي أن تتشابه بعض عناصر المناهج حتى يتم الجمع بينها، لأن المنهج ليس خطوات علمية فقط نستعين بها في قراءة المضامين، بل هو مواقف سياسية وإيديولوجية وتعبير عن اختلافات جوهرية من المجتمع وتاريخ الفكر، وأن الجمع بين المناهج النقدية دون تفكير عميق في هذه الشروط قد يضر النقد والعقل معا، ولا يسهم في بناء المنهج، بل بالعكس قد يسهم في تدمير المنهج.

    كما يرجع حميد الحمداني إلى الاستفادة من الدرس البنيوي خاصة من خلال كتابات \'سوسير\' Saussure، خاصة في تركيزه على التحليل اللغوي الداخلي، وعدم إهماله للمؤثرات الخارجية، مستشهدا بنص غريب (9) نسبه لـ\'سوسير\' : \' إننا نعتقد بأن دراسة الظواهر اللغوية الخارجية مفيدة جدا، ولكن من الخطأ القول بأنه بدون هذه الظواهر لا يمكننا أن نعرف النسق اللغوي الداخلي\' (10) يصرح حميد لحمداني بأن دراسة الرواية المغربية اعتمادا على الدرس اللغوي تروم تحقيق هدفين، فهي من جهة دراسة تحليلية عن طريق كشف البنى العميقة الخاصة بالمضامين، ومن جهة أخرى دراسة تفسيرية تضع النص في بنية أوسع من أجل تشكيل ما يسميه بطبيعة الرؤية الاجتماعية التي يتضمنها العمل الإبداعي، معتمدا مفاهيم الجدل، ومبعدا في نفس الوقت كل التأويلات الميتافيزيقية والقراءات السطحية لعلاقة الإبداع بالواقع، ولست أدري كيف يستطيع الناقد مهما تشبث بمعايير العلمية والنـزاهة والموضوعية أن يبتعد عن التأويلات الإيديولوجية مع أنه بمجرد الإعلان عن دراسة البنى الاجتماعية في الرواية- أية رواية- هو بداية حتمية وأكيدة لاستدعاء الإيديولوجيا.

    كما أن لأفكار \'جورج بليخانوف\' Georguy Plekhnov حضور قوي في تطبيق حميد لحمداني على الروايات التي قام بدراستها، فقد أخذ منه مفهومين أساسين: مفهوم الدلالة الاجتماعية ومفهوم الدلالة الفنية، وهما عنصران مهمان لتحليل مادي جدلي، واستبعاد إحداهما يجعل من الدراسات النقدية الاجتماعية مجرد رؤية مغلوطة مكن ينظر بعين واحدة، إن الدلالة الاجتماعية بالمفهوم الذي حدده بليخانوف ليست من جوهر الرواية، لأن ما هو اجتماعي هو عنصر خارج النص الروائي، لكن الرواية تعيد صياغته وفقا لمنظور اجتماعي، لقد كان هذا الرأي في نظرنا على الأقل ما أبعد تحليلا بليخانوف عن مدرسة التحليل الماركسي بمفهومها التقليدي، وقربه أكثر من مدارس التحليل الفني التي تنظر إلى النص الروائي كعملية فنية مستقلة عن العالم الخارجي وليست انعكاسا سطحيا لقيمه المادية، لكن أثناء تطبيقات \'بليخانوف\' لم نجد أي تركيز له على الجوانب الفنية بل كرس كل دراساته لنقد البنى الاجتماعية وتفاعلاتها داخل النص الروائي كما فعل أغلب النقاد الماركسيين.

    وقد كان حضور بعض أفكار \'روني جيرارد\' René Gerard واضحا أيضا خاصة من خلال كتابه \'كذب رومانطيقي وحقيقة روائية\' الذي يعد أهم كتاب يفصل بين وهم الدراسات الانطباعية الشعرية وبين الحقيقة الروائية باعتبارها انعكاسا مباشرا لتفاعلات المجتمع، وأن الفن هو في الأصل تعبير غير مباشر عن الصراعات الاجتماعية الحقيقية وليس انفصالا عنه، وهو ما أعاد للرواية - باعتبارها جنسا حديثا- دورها الاجتماعي الذي ظل لفترة كبيرة مقصورا على المسرح والشعر.

    أما حضور \'لوكاتش\' Lucakcs و\'كولدمان\' Goldmann فقد كان لافتا للنظر، وهو ما سنتوسع في دراسته في مقال مستقل ونبين أسسه النقدية وتأثيرها في النقد الروائي المغربي.

    استفاد الباحث كذلك من الدراسات العربية في مجال الرواية، ولكنني لن أتوقف عندها هنا لسببين:

    الأول: سبب منهجي يتمثل في كون الدراسات العربية غالبا ليست دراسات تأسيسية، وإنما هي تطبيقات على نصوص روائية بتوظيف المصادر الأساسية، وهنا أفضل الرجوع للمصادر الأولى للمنهج النقدي دون أن أستعين بالكتابات العربية التي هي في أغلبها كتابات شارحة على الهامش.

    الثاني: أن المراجع العربية قد تدفع الباحث- مهما كان دقيقا وذكيا- إلى مغالطات كثيرة خاصة أننا نعلم أن الترجمات لا تتم بشكل جماعي، بل هي اجتهادات شخصية من مؤلفين أفراد، وهم بطبيعة الحال ليسوا على طبقة واحدة في فهم النظرية الأدبية سواء على المستوى النظري أو على المستوى التطبيقي، وليست فوضى المفاهيم العربية في نقد الرواية سوى مظهر واحد من مظاهر هذه المشكلة.

    5- منطق اختيار المتون المدروسة:

    مثلما هو الحال عند \'أحمد أوزي\'(11) يختار \'حميد لحمداني\' متنا روائيا يتكون من ثمانية عشر نصا روائيا (12) ولست أدري إن كانت هذه صدفة عارضة أم هو اتفاق بين النقاد المغاربة عندما يضعون معايير اختبار المتون السردية، فبمقارنة بسيطة وسريعة نجد أن \'حميد لحمداني\' و\'أحمد أوزي\' اشتغلا معا على نفس المتن الروائي مع استثناءات بسيطة تتمثل في استبعاد \'حميد لحمداني\' لبعض الروايات المغربية وفي مقدمتها \'الخبز الحافي\' لمحمد شكري، ولكن بالرجوع إلى المعايير التي تبناها قد نفهم سبب هذا الاستبعاد، فهو يشترط أربعة شروط يعتبرها ذات معنى لاختياراته الروائية:

    1- ضرورة توفر سلامة التعبير والصياغة اللغوية بصفة عامة.

    2- تماسك العمل النسبي، واحتواؤه على ارتباط منطقي داخلي.

    3- لا ينبغي أن تكون درجة اهتمام النقد بالعمل معدومة.

    4- احتواء العمل الروائي على بعد اجتماعي وعدم ارتباطه الضيق بالهموم الفردية الذاتية اليومية (13).

    نستبعد الشرط الثالث لغموضه، فلا يبقى أمامنا إلا شروط ثلاث، لا ندري بالضبط أيها جعل الباحث يستبعد رواية \'الخبز الحافي\'، هل هو سوء الأسلوب أم انعدام الترابط المنطقي الداخلي أم اعتبارها تعبر عن هم فردي...!

    فأما سوء الأسلوب من سلامته فهذا معيار لا يثبت أمام الدرس النقدي، فالأسلوب مسألة نسبية، ويكفي للتدليل على ذلك أن الناقد نفسه اختار روايات من نفس مستوى رواية الخبز الحافي إذا كان يقصد بسوء الأسلوب توظيف اللهجات المحلية !

    وأما تماسك العمل الداخلي فمسألة نسبية أيضا، إذ لكل رواية تماسكها الخاص، فيكفي في الرواية أن تتمسك بالحد الأدنى من الشروط لتعتبر رواية ولو مجازا على سبيل التوسيع. وهنا يمكن الاستشهاد بـ\'النار والاختيار\' لـ\'خناتة بنونة\'، فقد نشرت لأول مرة ضمن مجموعة قصصية، ليعاد نشرها في ما بعد مستقلة كرواية، فالمسألة هنا هي اختيار مباشر من المبدع صاحب العمل، فهو الوحيد الذي يملك حق التجنيس.

    أما في ما يتعلق بالهم الفردي فشرط مردود عليه، ولا يستطيع أن يثبت عند الدرس النقدي المقارن، فقد اختار الباحث \'في الطفولة\' لـ\'عبد المجيد بنجلون\'، وهي أبعد ما تكون من الرواية، فهي تصنف ضمن السيرة الذاتية، موغلة في الذاتية وهمومها، ومع ذلك لم يستبعدها الباحث من متون دراسته، والذي تبين لي بعد الدرس والمقارنة أن \'حميد لحمداني\' استبعد الخبز الحافي لسببين اثنين:

    السبب الأول: يتعلق بالمضامين الجريئة التي تناولتها الرواية. وما لاقته من معارضة شديدة لدى فئة خاصة من القراء والنقاد على حد سواء.

    السبب الثاني: يتمثل في كون الرواية لم تتوفر بالعربية في المرحلة التي كتب فيها \'حميد لحمداني\' كتابه هذا. ولعل السبب الأول هو أكثر الأسباب إقناعا في نظرنا.(14)

    إن مسألة اختيار المتون الروائية تبقى مسألة تتعلق بالباحث لاعتبارات شخصية أو علمية، ولا نستطيع أن نجعل المسألة متعلقة بالروايات نفسها، فقد استبعد الحمداني رواية \'الطوفان الأزرق\' لـ\'أحمد عبد السلام البقالي\' معتبرا إياها رواية لا تمتلك الحد الأدنى من مقومات العمل الروائي، وأنها مفككة الأسلوب، بل إن أسلوبها لا يعدو أن يكون محاولة إنشائية كما عند المبتدئين، ولعل هذا الموقف من \'عبد السلام البقالي\' لا يمكن بأية حال أن يكون موقفا علميا، بل هو موقف شخصي من صاحب العمل، وهي مشكلة النقد عندنا، يرفع من يشاء درجات ويحط من قيمة من يشاء درجات، وقد رأيت أن أعود (15) إلى الرواية لأكتشف موطن الخلل في هذه الرواية بالمقاييس التي تحدث عنها \'حميد لحمداني\'، فوجدت أنها رواية مقبولة لا تختلف كثيرا من حيث أسلوبها عن بقية الروايات المغربية، في طريقة الحكي المباشر وبناء الأحداث، والأمر الوحيد الذي يميزها أنها رواية تنتمي للخيال العلمي تتحدث عن آفاق التطور العلمي بسلبياته وايجابياته من خلال عرض جهد لمجموعة من العلماء والباحثين أسسوا مدينة علمية بعد الحرب العالمية الثانية قادرة على مقاومة الدمار النووي، كما تتناول طغيان الآلة على الإنسان وتفادي هذا المصير بكل الوسائل والسبل الممكنة ولإعادة الثقة والأمل والتفاؤل بين الناس (16)، مع حضور قوي للقضية الاجتماعية بنظرية مستقبلية ورؤية استشرافية، وربما هذا ما لم يرق للناقد، أما اللغة فهي عربية بسيطة تذكرنا بلغة زفزاف وهذه بعض المقاطع من الرواية تبين متانة الأسلوب وقوته:

    \' وشعر بالباب ينفتح، وبشخص يدخل في هدوء، ويقف ساكناً إلى جانبه، ففتح عينيه ورفع رأسه ليرى من، فإذا بقلبه يقفز بين ضلوعه ويخفق بعنف..! وفتح فمه ليتكلم فلم يستطع... وكأنه أصيب بشلل تام!

    كانت كارول تقف بالباب لابسة حلة ممرضة إنجليزية. وحين رآها رفعت يدها لتضع أُصبعها على شفتيها طالبة كتمان سرها، ثم أقفلت خلفها الباب بالرتاج وتقدمت نحو فراشه. ورغم ضعفه تحامل على نفسه يحاول الجلوس، فبادرته بيدين ناعمتين على كتفه قائلة:

    - لا.. لا تجهد نفسك! فأنت ما تزال ضعيفاً...

    وأمسكت بكلتي يديه، ثم أنحنت فقبلته على جبينه، فأحس بدمعة حامية تسقط على خده من مآقي تاج المتقمصة لكارول، فاغرورقت عيناه، وأحس بموجة هائلة من الحب تجرفه نحوها كالغريب العائد إلى وطنه بعد المحن والأهوال..!

    وبرقت في ذهنه فكرة على الرغم منه، فنظرت إليه تاج، وهي تجفف عينيها، ثم تمد أصابعها الناعمة بمنديل لتجفف عينيه. وكأنها قرأت ما يجول بذهنه، فقالت:

    - أرجوك... اسمي الآن هو كارول فينتريس، ممرضة أسترالية تشتغل بمستشفى خاص بلندن...

    فأمسك بيديها، وجذبها نحو بلطف، وقبل جبينها، وقال:

    - لا تخافي! أنا مريضك الدكتور علي نادر. أعاني من انهيار عصبي من جراء حادث طائرة وهيام طويل في الصحراء....

    وأمسك بوجهها بين كفيه المرتعشتين من الانفعال، ونظر في عينيها وكأنه يريد أن يتأكد من أنها هناك، لم لمس بشفتيه شفتيها، وقد ذهبت عنه صدمة ازدواجها الغريب....- انتهت-\'(17).

    وإنما تعمدت اختيار هذا المقطع لأبين قوة الوصف في هذه الرواية، وانسجام الأسلوب ووضع كل كلمة في موضعها، فلا يمكن أن يكون هذا المقطع من إنشاء المبتدئين ولا من ابتذال المبتذلين، فالرواية كلها تسير على هذا النسق في الترتيب والتوبيب، وإنما الذي أدخل الريبة عند الناقد أن هذه الرواية قريبة إلى الخيال العلمي، ومنه استنتج ابتعادها عن القضية الاجتماعية، والحق أنها أكثر الروايات التصاقا بالقضية الاجتماعية ولكن في مستوى آخر غير الواقع البسيط الذي نعيشه، وإنما الواقع الاستشرافي المستقبلي، وكأنها تصف الواقع الذي سيكون لا الواقع الكائن، ولو اعتمد الناقد هذه الرواية لكان قد توصل إلى نتائج أكثر شمولا باستحضار البعد المستقبلي من الواقع المغربي.

    ونفس الأمر ينطبق على رواية \'غدا تتبدل الأرض\' لـ \'فاطمة الراوي\' (18).

    6 – أشكال الرواية المغربية في علاقتها بالواقع وتحولاته:

    يمكن اعتبار الرواية المغربية في مجملها رواية اجتماعية بامتياز (19) نظرا لحضور الهم الاجتماعي بشكل واضح في هذه الروايات، هذه مسألة بمكن التحقق منها ببساطة باستقراء الروايات المغربية، فلا تكاد تجد رواية خالية من الهم الاجتماعي سواء بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، ومع وجود هذا الكم من الروايات الاجتماعية إلا أننا لا نجد تنوعا كبيرا في الرؤية إلى المجتمع ولا إلى قضاياه، إذ تكاد تكون نظرة الروائيين إلى المجتمع نظرة واحدة مع اختلاف في الجزئيات، وهذا ما يجعل الكم الروائي يتسم بالتفرد الدلالي، نظرا لغياب رؤية واضحة للمجتمع وقضاياه، والتركيز على الهموم الاجتماعية البسيطة ووصفها دون التعمق في الأسباب الحقيقية وإيجاد حلول لها.

    تبعا لهذا المنطق حاول \'حميد لحمداني\' أن يدرس المتون الروائية و يضعها في خانات وتفريعات معينة بغية حصرها في أقل عدد من التيمات، وهذه القراءة رغم أهميتها المنهجية والمعرفية في حصر قضايا الرواية المغربية ومعرفة مضامينها الاجتماعية، إلا أنها تتسم بالاختزال والتجزيء، فالرواية كما أسلفنا في غير هذا الموضع ليست أفكارا فقط، بل هي أكثر من ذلك بكثير، فهي إلى جانب كونها تريد أن تقول شيئا معينا، لا تغيب الجانب الفني التخييلي والغرائبي في كثير من جوانبها التعبيرية، بل قد تكون الرواية مضللة أيضا تمارس لعبة الإيهام والمغالطة إذا لم ينتبه القارىء جيدا إلى مضمون الرسائل والخطابات المتضمنة فيها، وإلى معاني الإشارات والمضامين التي تلعب فيها اللغة دورا كبيرا وجوهريا، بعبارة أخرى إن تقسيم الرواية إلى مضامين وتيمات محددة من شأنه أن يغيب مضامين أخرى ويعزلها من سياقاتها الحقيقية فتبدو مبتذلة واهية حينما تجرد من هذه السياقات، إذ ما قيمة فكرة روائية إذا لم تفهم في نسقها الروائي ويقوم بها ذوات خاصة أنتجت الفكرة من أجلها وعلى مقاسها، فلو كان الأمر قضية أفكار ومواقف تقولها الرواية بهذه البساطة وهذه السذاجة، فإن الروائي يستطيع أن يعبر عن هذه الأفكار في مقالة أو عمود على جريدة وانتهى الأمر، وما احتاج إلى هذا الجنس الأدبي المسمى رواية ليبثه أفكاره ومواقفه، وما احتاج إلى تناسق الأحداث ومراقبة الزمان والمكان، ولاستعان بأجناس لا تتطلب مهارات كبيرة لإيصال أفكاره لقرائه.

    هناك خلط كبير في المفاهيم التي يدرس بها المجتمع المغربي، لقد كانت النظرة السائدة دائما، رغم اختلاف منهج الدراسة، لا تنظر إلى المجتمع المغربي باعتباره جسدا واحدا، بل تارة تنظر إليه باعتباره مجموعة من الطبقات الاجتماعية المختلفة، بل المتناقضة والمتصارعة في نفس الوقت، وتارة تنظر إليه نظرة ثقافية تميز بين فئات مثقفة وأخرى أمية أو جاهلة، وتارة تنظر إليه بمعايير تاريخية معتمدة على التحليل الخلدوني وموظفة مفاهيم العصبية والدولة، ورغم أهمية هذه المقاربات في كشف النسيج الاجتماعي المغربي، فإنها لا تنطلق من فرضية أساسية هي التنوع لا التفرد والتشتت لا التوحد، وهي مواقف- في نظرنا على الأقل- لم تستطع أن تتمثل أنماط السلوك الاجتماعي المغربي وتعبر عنه بشكل منسجم وقريب من الواقع.

    دعونا الآن ننظر إلى المجتمع المغربي نظرة مختلفة قوامها أن المجتمع هو بنية واحدة لا مكان للتمييزات المبنية على أساس عرقي أو ثقافي أو حتى مذهبي، إن البنية العامة التي تميز المجتمع المغربي الروائي هو الشعور بالانتماء الوطني والهم الاجتماعي، حتى الفئات التي ننعتها بالبورجوازية بالمفهوم الثقافي وليس المادي، هي فئات تعبر عن نفس الهواجس التي يعبر عنها الفلاح، ومشاكل المرأة البدوية هي نفسها مشاكل المرأة في المدينة، فئة اجتماعية واحدة منصهرة وليست الاختلافات الظاهرة على السطح سوى خدع روائية لا تظهر الحقيقة كاملة، بل تنظر إلى السطح وتنسى الأعماق السحيقة من بنية المجتمع، ولعل هذه النظرة قاصرة بمنظور الدرس النقدي المعاصر، لأنها نظرة- كما أسلفت سابقا- تطبق نظريات غريبة عن المجتمع المغربي وليست جزءا من بنيته العقلية.

    ولعل هذا هو ما قام به \'حميد لحمداني\' في تصنيفاته للطبقات الاجتماعية موظفا معايير ماركسية في أغلب الأحيان باعتماد تفريعات كثيرة يمكن اختزالها في عدد أقل من الأبواب كما سنرى في الفقرات القادمة.

    حدد الباحث موقفين اجتماعيين رئيسيين للرواية المغربية، اختزلهما في كون الرواية هي إما تعبير عن موقف سماه بالمصالحة مع الواقع، وموقف آخر سماه الانتقاد للمجتمع.

    1.6 - نقد رواية \'المصالحة مع الواقع\':

    تعني المصالحة قبليا أن هناك صراع ماض، ويفترض هذا الصراع نوعا من المشاركة والحوار للوصول إلى قاعدة مشتركة بين الروائي ومجتمعه ليتم هذا التصالح، هذا الموقف لا يتشكل بجرة قلم وفي لحظة زمنية قصيرة، بل يحتاج إلى فهم جوهري لحركية المجتمع المغربي الروائي (20)، إن موقف المصالحة مع الواقع يتمثل من وجهة نظر \'حميد لحمداني\' من خلال روايات ثلاث تمثل قمة المصالحة مع الواقع المغربي، والغريب أنها جميعا للروائي عبد الكريم غلاب، وهي على التوالي:

    - رواية سبعة أبواب.

    - رواية دفنا الماضي.

    - المعلم علي.

    لسنا معنيين هنا بالحديث عن مواضيع هذه الروايات والقضايا التي تطرحها، ولكن مع ذلك فإننا نستطيع أن نتلمس اهتمام الروائي بالواقع المغربي وإشكالياته، فرواية \'سبعة أبواب\' يمكن اعتبارها – حسب تقديري- نوعا من السيرة النضالية للمؤلف، فهي تعني ببساطة أن الرواية دخلت في صراع مرير مع مفاهيم الاعتقال والسجن، وضروب أخرى من الألم والاحتقان السياسي، ومع أن الجانب الذاتي متوفر أيضا في الرواية، فإن الصراع يشتد كذلك بين الذات والواقع لي

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 8:47 am