فضاء السرد في خريف الدرويش لابراهيم الكوني
احسان التميمي
لعل اهم مايميز الخطاب السردي للروائي الليبي ابراهيم الكوني ؛هي تلك النزعة نحو ما هو شمولي وكوني . بدءاً بالتساؤلات الوجودية الساذجة ذات المنحى الاسطوري البسيط . وانتهاءاً بالاسئلة العميقة التي تسبر اغوار ماهية الوجودبما يحمله من موضوعات تستقطب الوعي الجمعي . فالقارئ لمجموعاته القصصية ، والروائية يلمح ذلك النمط الميتافيزيقي من وجوه السرد التي تنقله الى عوالم تحوطها الغرائبية في مناخات ( سحرية، مؤسطرةبخطوط الرهبنة والميثولوجيا) . زيادة على أنك امام مشاهد حية نابعة من الواقع الشعبي المعاش . فالتجريد لا يستند الى بوتقة فارغة ،بل يستمد قوته من واقعية الشخوص والاحداث . كما هي الحال في رباعيته الروائية ( الخسوف)(1) ورائعته الروائية ( التبر) . اذ يهيمن على اشكالها ومضامينها الرؤى والمواقف والتطلعات التي ينضح بها غضون المجتمع الليبي .فالعمل القصصي والروائي ليس نتاجااتفاقياً مسطحاً . بل هو نتاج شكلي ابداعي اجتماعي المنشأ ومعبر عن طبيعة المضمون الاجتماعي الذي يحوط المؤلف .لانه ينطوي على تركيب دال على رؤيتيتن مترابطتين تعبر الاولى عن موقف المجتمع الذي ينتمي اليه المؤلف من الواقع المعاش وتعبر الاخرى عن التصورات الذي يطمح الى تحقيقه ذلك المجتمع بحسب مايراه لوسيان غولدمان على وفق منهجه البنيوي التكويني(2) .واذا استند البحث الى محور الاختيار فمخاض تجربة ابراهيم الكوني_ بحسب رأينا_ الروائية/ القصصية/ الاسطوروية (( خريف الدرويش))(3) هو نسج خيوط السرد بفضاءات عدة لا تنحصر في تعزيز المضمون الاجتماعي فحسب، بل تتعداه الى حوافز جمالية ( فنية) تمد جسور التواصل بين المتلقي ونصه على هيئة لا تؤثر على ثيمة القص وحبكة الحكي التي تتوالى خيوطه ،وتفترق ثم تلتقي لتعزز جهة دلالية محددة ظهرت فضاءاتها على عدة محاور، فنلحظ أن للسرد فضاءات وصفية مغايرة او متضادة مع المكان،كما ان النص السردي(( خطاب الدرويش)) لم يكن مكتملاً من حيث البناء( بالمعنى الحرفي البنيوي ) ،بل جرت عليه سنن النص من استناده الى فضاءات تناصيةعميقة سبغت لغته بطابع اللغة (الكهنوتية) بمناخاتها السحرية . وهنا تكمن الخصيصة الاسلوبية التي انماز بها الروائي ابراهيم الكوني من غيره من الروائيين على الصعيدين المحلي والعربي.
واذا لم يكن تفسير النص السردي الا عبر آليات تفكيكه ومعرفة ماهيته عن طريق استشراف دلالته التي تفرزها اشكاله التعبيرية المتنوعة بوصفه نصا مفتوحاً تذوب فيه اشكال تعبيرية اخرى . تشرع الدراسة في الاخذ بالمبدأ الذي اطلقه ارسطو على الفنون الدرامية بقوله : كل الفنون ضرب من الشعر (4) . وبذا تحتوي الاشكال السردية المعاصرة على وظيفة شعرية لايمكن تفكيكها الاعلى وفق الجهاز المفاهيمي النقدي الراصد لتلك البنى ، ومن بين اهمها مفهوم (( الفضاء)) الذي يعني في المعجم اللغوي (( المكان الواسع من الارض والفعل فضا يفضو فضوا فهو فاض، وقد فضا المكان وافضى اذا اتسع. وافضى فلان الى فلان أي وصل اليه، واصله أنه في فرجته وفضائه وحيزه))(5) .وتستعمل لفظةالفضاء في اللغة الاصطلاحية ضمن السيميائية بوصفها موضوعاً تاماً يعني الوجهة الجغرافية / السوسيو ثقافية ، ويبحث ( سيميائية الفضاء) عن التحولات التي تعانيها السيميائية الطبيعية بفضل تدخل الانسان في انتاج علاقات جديدة . وتستعمل (الفضائية) في السيميائية السردية الخطابية بمعنى (( الفضاء الادراكي))(6).
وقد يكون الفضاء معادلاً لمفهوم المكان في الرواية، وقد يقصد به الفضاء التناصي، او علاقة النص الروائي مع النصوص المتعددة ، والسياقات الثقافية كما تنظر اليه جوليا كرستيفا ، وهناك من حصر الفضاء في البعد النصي أي الحيز الذي تشغله الكتابة بوصفها احرفاً طباعية على مساحة الورق ويشمل ذلك طريقة تصميم الغلاف ،ووضع المطالع ، وتنظيم الفصول وتغيرات الكتابة المطبعية وتشكيل العناوين.(7)
وتأسيساً على ذلك نستطيع ان نضيف بعدين آخرين لمصطلح (الفضاء) في المجال السردي ؛ وهما موقع الجسد في فضاء السرد القصصي والروائي. كما هي الحال في لعبة الجسد في المشهد الدرامي المسرحي. والفضاء الدلالي ، او التأويلي بالنسبة لما يخص النص ومتقليه . ونستطيع أن نوجز تلك الخيوط بعدة فضاءات مهيمنة من اهمها:
اولا: موقع الجسد بفضائه السردي:
من زاوية النظر ((الفينومينولوجية للجسد)) تتكشف الاواصر الخفية لوجودنا المتحقق في تظافر الوعي مع الموضوع.فالجسد شيء متحيزفي المكان ، وهو جهاز حركي يؤدي وظيفة الحامل ن او الاداة، او الوسيط الذي يتحقق عن طريقه وجودنا بوصفه أداة للتعبير والكلام . فليس الجسد مجرد (( عادة اولية)) او اساسية هي الشرط لغيرها من العادات بل بمثابة (( نظام تظافري)) كل وظائفه مرتبطة بالحركة العامة للوجود في العالم الخارجي . وهو يعبر عن حضور الوعي امام العالم، ولا تنحصر وظيفة الجسد في انه وسيلة تعبير طبيعية ، ( كلامية/بيانية) ،وانماتتمثل وظيفته بكونه اداتنا في تحويل الافكارالى اشياء. فالجسد في صميمه ادراك ،وتعبير ،وحضورامام العالم وامام الآخرين(.
ولخريف الدرويش ادواته في استغلال آلية الجسد وتوظيفها لخدمة المنحى الدلالي للمجموعة ، فالقصص التسع في المجموعة تبرزفيها سمة غياب السارد عن مساحة الحدث بوصفه راوياً عليماً ، وبذا تتسم هذه القصص في الفضاء الرؤيوي بسمة السردالموضوعي الذي يترك مجالاً قرائياً للمتلقي في تفسير مايحكى له. كما تسوغ للسارد (العليم)الوصف الشامل للامكنة والازمنة والشخوص . ومعرفة الهواجس التي ينبض فيها وعي الشخوص. وحركة الجسد في المجموعة اعطت مدلولات قرائية عميقة تساوي المعادل الموضوعي في ترميزه للدلالة. ولا تكاد قصة تخلو من هذه الحركة بدءاً بالثيمة الكبرى وهي (( خريف الدرويش)) – الرواية القصيرة - وانتهاءاً بقصة ((اللسان)) . ولعل ما يميز تلك القصص أن حركة الجسد تجري في مشاهد وفضاءات متسمة بالعري ، والخيال كالصحراء والسماء . فالدرويش الذي اذبل جسده الحريق منذ أن زاره رسول الشمال؛ اصبح لايطيق السكون (البقاء) في مرابع القبيلة فهو في حركة مستمرة بين خباء زعيم القبيلة (أمغار) الذي وجده مطوقاً بدائرة من الخلاء والوحشة والسكون من الخارج وبين العراء في الصحراء(( اذ مضى يتمدد ، يتوالد ويتوالد حتى تواصل في قوس الافق لم يتوقف في المساحة القاسية التي تضع برزخاً خفياً يقيم بين السماء والصحراء ولكنه مضى يتمدد في القوس البكر، ولكن شبحاً عنيداًسبق إله الضياء ،وحل في المسافة البعيدة القاسية . تبدَى في البداية مثل ذبابة تعتلي عرف الرتم في فيض الغسق . ولو لم يتأن ،لو لم يتسل بمراقبة الميلاد الجليل كما اعتاد أن يفعل كلَ يوم رأى في الشبح مخلوقاً يدب على قدمين يتحمم بفيض القبس ، ويقاوم المسافة الفاجعة بعناد المهاجرين الابديين)). إن جدلية الحركة للجسد تتجاوز دائرة الامكان لتصل الى عوالم غير محدودة بزمان ومكان. إنهاعوالم مغمورة بالفيض البكر القاني والبرزخ المجهول .فجسد الدرويش لايحتمل(( خريف القبيلة وهزالها ذي الصبغة الطينية (الترابية ) وعشقها وهمومها الساذجةفهو ينوي الهجرة الى عوالم المطلق واللا محدود بلاسرج على مهري ، ولا قافلة تسير،ولهذا لم يخلُ جسده من المطاردة من قبل العرَاف الذي سعى خلفه. وبعد أن لم يظفر به اوصى الفضوليين أن يقيدوا الجسد بالحبل اذا ما صادفهم ((اياكم أن تتركوه طليقاً)) وبعد أن اعيا العراف والزعيم والقبيلة البحث عن الجسد المضاع في شغاف الجبال البعيدة ،وجدوه ممدداً تحت الطلحة ،اذ استجاب جسده الى طرفين متضادين وهما موت الجسد ؛ واستجابته الى نداء مجهول في هجعته ذات المغزى الدلالي فللرأس لغته التي تحاكي السماء ،وللعين اليمنى لغتها حينما تحدق في الفراغ ،وتنطق بتسليم خفي قاسٍ ... ،ولاتقتصر لعبة الجسد على هذا المنحى فحسب، بل تستمد فضاءاتهامما تسبغه الموجودات الاخرى من ترميزات دلالية. كالتجسيد الذي يعد من ضمن المهيمنات السردية التي تنضوي تحتها جملة من الاهداف التقنية ( السردية/ الجمالية) فضلاً عن الاهداف التواصلية.ففي قصة (خريف الدرويش) تزفر الصحراء انفاساً باردة لتتصل برسول مملكة الشمال ،الذي تلاقيه الاعشاب الشاحبة في الوديان برقص حزين يتمايل الرتم ويكشف للرسول عن خصلات الشعر الذي هزل وذبل وتساقط. اما الطلح المكابر فلم يترنح كالاعشاب . ولم يتمايل بذل الرتم.لأن تلاحق الفصول امر لا يعنيه لانه آثر الاعتزال وفقاً لوصية الناموس التي تقتضي أن اللعنات وتبدل الاحوال لا تلحق من عمل بها. ففي لغة التجسيد هذه تكمن الثيمة الصغرىلمضمون القص. وهي بمثابة النواة الدلالية التي تشير الى الاشتراك البدئي للموجودات على نحوٍ موازٍ للواقع الحقيقي . وهي بمثابة ((الآركتايب )) او الانموذج الاصلي او الاعلى الذي يتكون _ في مرحلة الطفولةالعقلية_ ازاء موجود ما يصير بموجبه هذا الموجود مثالاً ورمزاً خارقاً، وتعد هذه الآلية من الآليات البدئية الرئيسة التي صاحبت الذهن البشري منذمراحله المبكرة . فضلاً عن كونها اساساً في نسج الاساطير حولها في العصور القديمة ، وعلى اساس هذه الثيمة استند ابراهيم الكوني في سرد وبناء خيوط مجموعته القصصية.
اما الرتمة في قصة(( الخروج)) فهي تتحرك في مناخ يشوبه التحول بعد أن يصيبها مس حينما تهب ريح القبلي الشديدة، وتتململ بحياء العذارى ،وبارتياب تستقبل الانفاس الحارة ثم تنتشي وتستبد بها روح الوجد وهي عنيدة قاومت الظمأ بعد أن تخلت عنها الارض وحرمتها النداوة. عصف بها القبلي الذي يشير الى الاغواء في نسق السرد ، فغنت له اغنية الفجيعة. فتراجع عن محاربتها وسبقها الى شعفة الجبل وهكذا يتجاذب الرتمة طرفان متضادان الجبل( الاعلى نحو السمو والقبلي (الاغواء) . لكنها تشبهت بالطلح فانفصلت عن حضيض الاسافل . فاصبحت مزاراً للعباد والزهاد والباحثين عن الواحة الضائعة وجدوها وحيدةمعتزلة كما العابد المتبتل، متشبثة بهامة الجبل العاري الا من السمو والعرفان، مجاورة السماء استظلوا بظلها وتحسسوا قوامها الممدود قطفوا زهورها وصنعوا منها بخوراً. تمسحوأ بجدائلها وبكوا طويلاً . ولصورة الجسد الانثوي دلالة ذات منحى طقوسي متصل بالكينونة الذاتية الغريزية للجسد الذي تشتبك فيه الاضداد وتتنازع فيها القوى في اتجاهين متقابلين( الاغواء/ العفة) ، (الطين/ السماء) ،(الريح/الرياح) ،(الخير/ الشر) ،وهي اجساد يحوطها التحول ويمزقها الظمأ الى المجهول،والمعرفة ،وهي اجساد ابطال ليسوا ابطالاً على الطريقة الكلاسيكية في الرواية ،والقص. وانما يقيدهم العجز ولا سيما في مجال الوعي بذواتهم على نحو كامل. وهم محكومون بالوهم ( الناموس المفقود) ذي الصبغة الروائية الشفاهية لا التدوينية . كما هي الحال في قصة(( العهد)) حيث الزعيم الذي عاشر الجان ،وعرف النساء كثيرا، وتعلم من الناموس نفسه ان يستمع الى اقوالهن شرط أن يخالف رغباتهن لم يشأ أن يخالف الناموس في ذلك اليوم ،فقطع لسان قرينته الحسناء ظناً منه أنه حصن سرَه من شرِ اللسان –وهنا- في القصة نفسها يرتبط مصير الجسد بجارحة اللسان . هو ذا الخيل نضع اللجم على افواهها لكي تطاوعنا فنديرجسمها كله. هكذا اللسان هو عضو صغير ويفتخر متعظماً ،لكنه اثم يدنس الجسم كله.
وهكذا تتداعى الصور وتتابع المشاهد في تلك ، لترصد لنا العلاقة الجدلية الانطولوجية بين ذلك الانسان الذي يحوطه الفراغ وبين سعيه الى المعرفة ، فالرتابة والملل تنأى بكدحه وسعيه في دائرة مفرغة مجهولة المعالم . وهو انسان محقون بالوعي الجمعي المشبع بقيم الصحراء والبداوة التي تقوم على مبدأ (( المعرفة اليقينية..والى أن المعرفة في هذا المجتمع لا تنهض على التأمل الفكري والتحليل العقلي . بقدر ما تعتمد على الايمان الفطري ، والتصور الاسطوري للعالم . كما ان الحقيقة فيه ليست علمية او نقدية ، وانما دينية وتعليمية بالمعنى التلقيني للعملية التعليمية))(9) . ومن هنا تصبح علاقة الانسان بالحيوان البري هي علاقات صحراوية ذات دلالات رمزية مشوبة بالصراع والتوجس والحيطة والحذر . فضلاً عمَا يلحقه من اذى الوباء الذي لايعرف له سر، والجدب الذي يصيب مراعي القبائل. لكن المفارقة التي حدثت في قصص الدرويش هي أن تلك العلاقةيطرأ عليها التحول والتغيير خلافاً للوعي الجمعي، وخلافاً لما غرسه الآباء في نفوس ابنائهم من قيم الكراهية والحيطة من بعض الحيوانات ،كما هي الحال في قصة(الاغنية) التي يتحول فيها جسد الحية الى كائن أليف يداعب جسد الوليد، ويتحول الجمل الأليف الى جسد غادر كما هي الحال في قصة (الحية) وهنا تسعى العقلية التبريرية لاستعادة الوعي الجمعي الى نصابه، للحيلولة دون خلق اجواء مغايرة وعند نهاية الصراع بين الجمل الغادر وبين الانسان، وعندماهمَ الاخير((بأن يهوي للمرة الثالثة وجد يده معلقة في الفراغ فقد استدار الحيوان بحركة لم يألفها في الجمال استدار بخفة غزال ،وشجاعة اسد،ومرونةحية في تلك الومضة انتزع المحراث من جوف الارض واجتث معه الحجر السفلي،ووجد نفسه يواجه رأساً لاينتمي الى رؤوس الجمال ولا الحيوانات التي عرفها،ولكن رأس سعلاة من اقبح سعالي الجن))} ص79 { . ولعل خير مثال على تحقق افق الوعي الجمعي لفهم علاقة جدل الالفة بين الانسان البدوي وذلك الكائن الصحراوي،هو قصة (اللسان) في بندها الثاني. اذ تحكي قصة الوباء الذي حل بالقبيلة وبعد أن استشرفته ابلها بفعل السحر وبدأت تهزل كما هزل في البدء الجمل العدبس الذي كان يستعمله النبيل في قرع النوق،والذي كان ضخماً ضروساً يرتفع على هامته سنام مهيب. ضمر هذا المارد ،وبدأ يهزل حتى وجده الرماة ميتاً في المرعى. اما الجمل الابلق الذي تلقاه الزعيم،ورباه بيديه كما لم يعاشر امرأته الراحلة، وتبادلا وفاءً لم يعرفه احد ،وكان يحتمل أي شئ الا أن يفقده .فقد بدأ يهزل،فبدأ هو يهزل ايضاً . مات المهري النبيل بعد اسابيع،فاحترق النبيل بالحمى،وغاب في غيبوبة ظنت القبيلة انه لن يعود منها وهكذا تتفق نهايات كلٍ من الحيوان والانسان بتلك القوى الغامضة بالكون. وهي تتحدد بمسارين غامضين ومجهولين ايضاً ومتضادين هما الحُبُ والموت الذين يتجاذبان قوى الصراع العنيف.
2 – مستويات الفضاء الدلالي:
لاشك أن الوظيفة السردية تنطوي في - حقيقتها – على وظيفة شعرية مستمدة من الاساس النظري للمنهج اللساني الذي وضع لبناته رومان جاكبسون ومفاده أن كل فعل تواصلي لغوي يقوم على ستة عوامل غير قابلة للتصرف وهي( المرسل، والسياق، والرسالة، والصلة،والسنن،والمرسل اليه) يقابلها او يطابقها وظائف لغوية مختلفة وهي( الوظيفة الانفعالية ، والمرجعية، والشعرية، والانتباهية، والميتالغوية، والافهامية)(10) .ومن هنا يبدو الترابط بين فكرتي التعبير الذي هو مدار السنن الشعرية،والتوصيل الذي هو مدار السنن التداولية، بل ان علماء الادب يرون أنَ كثيراً من الظواهر الجمالية تمارس فعلها التواصلي على الرغم من عدم قابليتها للتحليل بالادوات الاجرائية المتاحة(11) . بذا تبرز لبنات جاكبسون التركيبية واضحة المعالم على يد عالم الاشارات اللغوي يوري لوتمان الذي يؤكد على الوظيفتين الشعرية والافهامية للنص الشعري بأن الشعر ينشط كيان الدال تماماً ويستنفر كل طاقات المفردة بتأثير المفردات المجاورة. ويطلق كل طاقاتها الكامنة كما انه مشبعٌ بالمعاني ويتضمن من المعلومات اكثر من أي نمط لغوي آخر وباستطاعة الشعر ان ينتج معلومات اغنى من أي شيء اخر من اشكال اللغة.(12)
ولابد من التنويه الى أن ميخائيل باختين اسبغ سمة الشعرية ،على الاجناس السردية ولاسيما الرواية ،فهي غير منجزة،وغير مكتملة بنائياً وهذا ما يجعلها في صيرورة دائمة فضلاً عمَا تجسده من حوار الخطاب.(13) ان زاوية النظر هذه تفصح عن امكانية تعميمها على الاشكال الادبية السردية التي تنحو منحى شعرياً في بعض اجزائها. ولكنها قد تفقد خصيصتها الشكلية في بناء العلاقات الداخلية بين البنيات السردية الصغرى ،وصولاً الى البنيات الكبرى التي تنطوي على ثيمة السرد وقد انطوت(خريف الدرويش) على ملفوظات لغوية تنأى بها عن دائرة المألوف. وهي على الرغم من نهجها التجريدي المحكوم بلغة احادية متجانسة تنتمي الى عوالم قديمة ومشبعة بمناخات صوفية ،وسحرية . حتى ليخيل الى القارئ انها شكل سردي منولوجي خالص . لكنهاتحمل في ثناياها خصيصة حوارية منحتها سمة تعدد الا صوات وتنوع الدلالات الرامزة علاوة على التوصيفات الشعرية للشخوص والامكنة والموجودات الاخرى ن ولعل اول الاشياء التي تبادرنا في قصص من هذا النمط انها تسوق كماً كبيراً من التفاصيل الدقيقة .حول المكان فهي تمنح القارئ احساساً كبيراً بالمكان . وهوفي فضاء الدرويش حاملٌ لدلالات وصفية ورمزيةيطالعنا في ديباجة المجموعة على لسان السارد العليم ((جاء الى خباء الزعيم مبكراًً .سعل في المدخل مرتين لم يتلق جواباً. ازاح طرف الخباء ودس رأسه في الداخل . في البيت سادت العتمة والوحشة والسكون ، طاف حول الخباء . ارتطم في الخارج بالوتد،فترنح ،وتوعد العود بسبابته .اكمل المشوار وجد الخباءمطوَقاً بدائرة من الخلاء و الوحشة والسكون )).} ص7{ فعلى الرغم من هيمنة الصيغ الفعلية التراتبيةالتي تدل على الحركة في فضاء المكان ، الا ان فضاءاً مضاداً يشعرك بهيمنة السكون على مفاصل المشهد المحاط بالعتمة والوحشة والسكون. تُرى ما هو نمط الحكي الذي حدا بنا الى هذا الشعور وهو ما شعر به المؤلف اثناء سرده له ؟ وهل تنطوي العتمة والوحشةوالسكون على دالة ( الفراغ) وما تفرزه تلك اللفظة من مدلولات تفيض بالرمز؟
على الرغم من أن لفظة (الفراغ ) ذات دلالات عدمية . لكن لهذه اللفظة مدلولات كلامية (عبر لسانية) ، ينضح بها سياق النسيج السردي في قصص خريف الدرويش. فقد يتعلق (الفراغ) بالمعرفة الغيبية ، والبرزخ المجهول الذي يشق الحدَ الذي لايملك عليه سلطان الزمان والمكان ،وقد يتعلق بالمعرفة العقلية ،كالعطش للفيض الروحي والديني المرتبط بغائية الوجود . وقد يتعلق بموجودات حسية كالنور والعتمة،والصحراء المسكونة بالعري والمندوحة الشاسعة, الجدب والوباء واللعنة المجهولة .هكذا نجد في نهاية قصة (الوطن ) (( عندما وجدته الام كانت البسمة النقية على شفتيه هي البرهان الوحيد على خروجه من الصحراء وعودته الى الوطن)) } ص50{ ،وفي قصة (الناموس) (( ركع طويلاً ثم نهض اخيراً تحسس البنيان الجليل . مد رقبته نحو الفوهة نزلت الى اسفل ابصرُ تراباً ناعماً تخلف عن غزوات الريح التراب طمر الجانب الشمالي من الضريح الى منتصفه . ولكن الرمل انحسر في الجانب الاخر. في هذا الجانب تبدت الجمجمة .فجوة العين اليمنى كان فاجعاً. حدق في التجويف . غاب في الهاوية المجهولة .قرأ انباء مبهمة. مبهمة .مبهمة))} ص 62{ وفضلاً عن المجهول فإن الفراغ مرتبط بالفجيعة (( مضى يحدق في عين الجمجمة الفاجعة الفارغة، بعين فاجعة فارغة)) } ص 63 {.
وللفراغ مدلول هو علاقته بالسِر المكتوم والمسكوت عنه غير المحتمل ، كما هي الحال في قصة (اللسان) حيث ترتبط قضية كتمان السر بالهزال والموت، بين العبد وسيده، السيد الذي يفشي اسراره للعبد،والعبد يفشيها إلى جمله الابلق وبدأ الهزال ثم الموت بالجمل الابلق لانه لايملك جارحة افشاء السر وهو(اللسان) حتى يموت فيعاقب السيد عبده(بوبو) بقطع لسانه.. ولم يتوقف –بعد ذلك- عن ملء اذنيه بافضع الاسرار بل تعمد أن يضيف عليها انباء خفية جاءت من ديار القبائل الاخرى، لم ينقطع عن ذلك حتى وجد السيد عبده (بوبو) في خبائه متكئاً على الركيزة،يحدق في الفراغ بعينين فارغتين ،فاغر الفم، تغير عليه اسراب الذباب كأنها تريد أن تنتزع من شفتيه سراً لم ينطق به اللسان المفقود.هذا فيما يخص بعض الملفوظات التي دخلت في سياقات متعددة حوارية.اما فضاء الصياغة والتركيب في تلك القصص فقد احتوت على مجموعة من الانزياحات اللغوية التي تخرج عن بوتقة المألوف في الواقع الحكائي فضلاً عن تنقيته من التبعية والمباشرة والانعتاق به ، وادخاله في مساحة المحكي ، وقد لانعجب من كثرة الاستعارات فيها ،ولاسيما في القصص التي نحت الى ترسيم العلاقة النوعية بين الجسد والموجودات ففي قصة (الناموس) (( هوتالسماء حتى لامست الصحراء .نزل العرَاف القديم من الغيم . مدَ له يداً نحاسية موسومةبشبكة كثيفة من العروق والتجاعيد وابتسم)) } ص56{ . اذ شكل النص المقتطع حافزاًجمالياً متناغماً مع الواقع . وهنا تتعادل المتتاليتان اللغويتان ( هوت السماء، نزل العراف) ليشكلان نسقاً حكائياً ذا وظيفة جمالية فنية . لأن (( ادخالالحوافز انما ينتج عن تراضٍ بين الوهم الواقعي، ومتطلبات البناء الجمالي))(14) على حد وصف توماتشفسكي.
وفي قصة (( الجبل)) تتناغم شعرية السرد مع المبنى الحكائي للقصة( في الاسفار الليلية اكتشف الجبل . رآه يتمرد على الحضيض، يتسلق الفضاء، يشق طريقاً في زحمة العيون المشاكسة))} ص100{ من حكايته عن الوليد وصراعه مع القماط تنضح لناالدلالات العميقة لحوافز المبنى الحكائي((في حضيض المهد لم يكتفِ بمتابعة الصبايا ، ولكن الجبل هداه الى بروج اخرى يزحف نحوه ماان يكتمل نزول العتمة .....)) }ص100 { (( تمرد على القيد كما تمرد الجبل على الحضيض)) }ص101 { ولشعرية الصورة الكنائية مغزىً خاص حينما يتعلق الامر في الثيمة الكبرى للقصة (( تدفق الزمان فقاده السبيل الى الجبل لتصير له القامة المكابرة بيتاً في الحضيض وجد حجراًمدبباً صقيلاً في رحلة الليل الى جنة الصبايا، هناك عرف أن الاسلاف ايضاً عرفوا الظمأ الى الخلود)) }ص 101 { .
3- جيولوجيا الكتابة وفضاء السطح :
يندرج مفهوم جيولوجيا الكتابة الذي اطلقه رولان بارت(15) ضمن الجهاز المفاهيمي النقدي التناصي والذي يلتقي مع مفهوم (( جامع النص architexte )) الذي اسسه جيرار جينيت ومفاده أن (( موضوع الشعرية .. ليس النص وانما جامع النص))(16) وهما يسوغان نقل مفهوم التناص الذي طرحته جوليا كرستيفا من حقل الى حقل آخر هو حقل الاجناس الادبية . وعلى وفق القراءة البصرية ل(خريف الدرويش) نلمح عدة اشكال تناصية لبنيات عميقة وانساق( ادبية/ غير ادبية) تصب في روافد الفضاء الدلالي والنسق الجمالي العام للقصص ، ومن الممكن فرزها على عدة محاور من اهمها:
أ- النصية المحاذية:
وهي التنويعات النصية التي تفضي الى تكوين النص في صيغته النهائية، وتشمل مفاتيح النصوص من مثل العنوان والهوامش والمقدِمات التي تقع على عتبات البنية الرئيسة للنص .وقد هيمنت النصوص المحاذية على المبنى الحكائي ل(خريف الدرويش) ولعل من ابرز النصوص المحاذية هي مفاتيح النصوص التي تطالعنا في مطالع القصص ،ولاسيما في ديباجة المجموعة وقبل ظهور العنونة الرئيسة للقصة نلمح في الصحيفة الاولى مقولة لجوزيبي اوننغاريتي (( تشعر كأنك اوراق على اشجار خريفية) ففي هذا النص اسهام لملء الفجوات الدلالية التي يشكو منها المتن الحكائي الحامل لموضوع القص ، وثيمته الكبرى وهي عبارة تشعرك بالحوافز الجمالية والدلالية التي ينطوي عليها السرد في مجمل قصصه،وهي بمثابة الملفوظ الضاغط على ذهن المتلقي اثناء قراءته لكل رواية اوقصة في حنايا المجموعة . وهي بمثابة المفتاح الذي يدلف بنا الى فكِ رموز مجاهل القص والغازه المبهمة . ولعل ما يميز هذا المفتاح – كما اشرنا- هو تقدمه على العنونة بخلاف الواح الكتابة التي تأتي بعد العنونة مباشرة .
ولم يخلُ المبنى الحكائي من الهوامش والتذييل، ولا سيما أن الحكايات فيها تعتمد على الناموس المفقود . ففي قصة الناموس (( رسم بجسده دائرة كاملة . زفرهما قبل أن يقرأ في قرطاس الناموس : (( وجغ تورنا آجيد آتزيد، وجغ تمضريت آجيد آتتدولد)) } ص60 { ، والتي ترجمها المؤلف في الهامش(( لست مريضاً حتى نتوقع شفاءك، لست صغيراً حتى نامل في أن تكبر)) ، و((آسجلن آمغارن نسن، آدخركن براضن نسن)) } ص60 { ، وقد ترجمها في الهامش (( اذا غاب شيوخهم ضاع ابناؤهم)) .
ب-التناص:
تمثلت خاصية تداخل النصوص والاتكاء على نصوص سابقة في المجموعة بالاستناد الى آليات الاقتباس، والتشرب والامتصاص والترصيع وصولاً الى ايجاد مصبات صالحة في النص السردي المستقبل من خلال استحضار النصوص السابقة فيه ومن الامثلة على آلية الاقتباس من القرآن الكريم كما في قصة (الوطن) التي تسرد حكاية التقاء الحية بالطفل الوليد (( داعبت صدره العاري بجسدها اللين. بجسدها الذي يفوق العهن ليناً ومرونة، تشرب وجه الوليد فرحاً)) } ص46 { .وهو تشرب لقوله تعالى (( وتكون الجبال العهن المنفوش)) } القارعة/5 {.وفي قصة( الحسناء) ((جاءت النساء بالحسناء مقيدة بحبل شرس من مسد)) }ص120{ والنص المقتطع امتصاص لقوله تعالى((في جيدها حبل من مسد))} المسد/5 { . فقد اتكأالنصان السرديان على النص القرآني في تدعيم المنحى الدلالي والجمالي ن ولكنهما لم يحتفظا بالبنية القرآنية كما هي بل اعتمدا على آلية التحوير غير المباشرة في تماهيها مع البنية السردية . وقد هيمن الخطاب الديني للكتب السماوية الاخرى على مفاصل المجموعة ولاسيما العهد القديم ، اذ جاءت على هيئة الواح الكتابة وهو ما سنتناوله في مكانه المناسب. اما الخطابات الاخرى فقد تماهت في البنى الكلية للقصص حتى أن من الصعوبة بمكان التفريق بين النص السابق والنص الاحق ( المستقبل) كما هي الحال في قصة ( العهد) التي تستند الى قصة(ذي القرنين) المعروفة لكن سياق قصة (لعهد) الفكري والفني يندغم ضمن النسق الدلالي السردي الذي اراده المؤلف وقد اضفت هذه القصة طابعاً ميثولوجيا دينيا للمجموعة القصصية مما جعلها اكثر ثراءاً بسمة الترميز . ولفضاء التناص في(( اخبار العائد الذي لم يعد)) سرٌ آخر هو شبيه بسر الوحشة والانتظار في ملحمة(( الاوديسة)) والقارئ لتلك القصة يلمح ذلك التقارب بين القصة وابطال الملحمة، فالمهاجر واوديسيوس يشتركان في كونهما افَاقان يجوبان البلاد بحثاً عن الحقيقة . والزوجة العاشقة في القصة تمارس الدور نفسه في نسج الاخبية انتظاراً للغائب المهاجر الذي لم يعد منذ سبع سنين .وعلى الرغم من أن القصتين تتشابهان في متنهما الحكائي ، إلا أن هناك اختلافات كثيرة بينهما ومنها دخول شخصية العراف والدرويش رسوله وحامل اسراره ،فضلاًعن تحول شخصية الزوجة العاشقة الى أفاقة مهاجرة (( سافرت العاشقة كما سافر المعشوق يوماً تركت عبيداً تفرقوا في الصحراء. تركت كنزاً من السروج . تركت وطناً كاملاً من الاخبية الخاوية)) }ص94-95{. فالملحمةوالقصةوإن التقتا في مضمونهما ذي المغزى المعرفي في البحث عن الحقيقة ، ولكن القصة تكاد تكون اشمل من جهة زمنها الاسترجاعي والاستباقي .إذ هي تبدأ من حيث انتهت الملحمة بوصول اديسيوس الى زوجته بعد تجوابه في عوالم الغرائب والسحر ،لكن الهاجر في قصة ((العائد الذي لم يعد)) يواصل رحلته الانعتاقية في الافق لأن الافق لم يأتي به الى عوالم الحس على نحو الحقيقة.
ج- الواح الكتابة والتشكيل:
مثلت الواح الكتابة شكلاً آخرمن توظيف الاشكال الهندسية ولاسيما الشكل المربع والمستطيل المحصور بين اضلاعه الاربعة نصوص تنتمي الى منظومة خطابات مختلفة (دينية /غير دينية) بدءاً بمفتاح المجموعة كما اشرنا الىذلك مسبقاً وانتهاءا بقصة اللسان التي لم يحصر فيها لوح الكتابة ملفوظاً سابقا، وانما حصر بين اضلاعه الاربعة عنونة القصة مع لوحة تشكيلية رامزة. وقد حملت تلك الالواح مناخا تعبيرياً فنياً اسهمت في تفكيك الترميزات الدلالية المبهمة في القصص فهي بمثابة الكينونة الضاغطة على ذهن المتلقي ابان قراءته للقصة وانتهاءا بها .كما هي الحال في قصة ((الوطن)) التي توجها المؤلف بنص مقتبس من سفر التكوين((قال الرب الاله: هو ذا الانسان قد صار كواحد منا عارفاً للخير والشر)) } ص43{ . اما بالنسبة للوحات التشكيلية فقد ترافقت مع العنونة وهي سابقة لالواح الكتابة وقد اعتمد عليها المؤلف ابراهيم الكوني بوصفها الية تعبيرية تسهم في خلق جو جمالي يهجس بمضامين القصص.
الباحث: احسان محمد جواد التميمي
كلية اعداد المعلمين بالعجيلات/جامعة السابع من ابريل
((الهوامش والمصادر))
(1) ينظر :البئر، والواحة،واخبار الطوفان الثاني،ونداء الوقواق ؛الدارا الجماهيرية للنشر والتوزيع، ،مصراته، ط3 ،1428م.التبر : الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع، ط2، 1992.
(2) ينظر : مقدمة في النظرية الادبية :تيري ايغلتن ، ت: ابراهيم جاسم العلي ، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد ، 1992 : 106.
(3)خريف الدرويش : ابراهيم الكوني ، الدار الجماهيرية للنشر و التوزيع ، مصراته ،ط3 ،1425م.
(4) فن الشعر : ارسطو : ت : عبد الرحمن بدوي ، طبعة القاهرة ، 1953م:26.
(5) تاج العروس من جواهر القاموس : محمد مرتضى الزبيدي ،مكتبة الحياة، بيروت ،(د،ت):مادة فضا.
(6)معجم المصطلحات الادبية :د. سعيد علوش، دار الكتاب اللبناني ، بيروت ، ط1،1985م: 164.
(7) ينظر بنية النص السردي : د. حميد الحمداني ، المركز الثقافي العربي ، بيروت،ط1، 1991م:53-55.
( ينظر: دراسات في الفلسفة المعاصرة: د.زكريا ابراهيم، مكتبة مصر ؛ 1968: 517.
(9)القصة العربية والحداثة:د.صبري حافظ:دارالشؤون الثقافية العامة،بغداد، ط 1 ،1990: 18.
(10) مقدمة في النظرية الادبية: تيري ايغلتن، ت: محمد معتصم واخرون ،المجلس الاعلى للثقافة،ط 2، 1997: 108.
(11) اساليب الشعرية المعاصرة: د.صلاح فضل ، دار الاداب ، بيروت،1994:18.
(12)ينظر: م.ن: 111،112.
(13) look: la poetique de dostoivski . seuil .paris . 1970 . p; 33
(14)ينظر: المنهج الشكلي؛ نصوص الشكلانيين الروس؛ ت:ابراهيم الخطيب، الشركة المغربية الناشرين المتحدين، ط1 ،1983 : 200، 201.
(15) في اصول الخطاب النقدي : جان لاكان وآخرون، دار الشؤوون الثقافية العامة ، بغداد ، (د،ت) :105.
(16) مدخل الى جامع النص: جيرار جينيت ، ت: عبد الرحمن ايوب، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد ، (د،ت) : 94.
احسان التميمي
لعل اهم مايميز الخطاب السردي للروائي الليبي ابراهيم الكوني ؛هي تلك النزعة نحو ما هو شمولي وكوني . بدءاً بالتساؤلات الوجودية الساذجة ذات المنحى الاسطوري البسيط . وانتهاءاً بالاسئلة العميقة التي تسبر اغوار ماهية الوجودبما يحمله من موضوعات تستقطب الوعي الجمعي . فالقارئ لمجموعاته القصصية ، والروائية يلمح ذلك النمط الميتافيزيقي من وجوه السرد التي تنقله الى عوالم تحوطها الغرائبية في مناخات ( سحرية، مؤسطرةبخطوط الرهبنة والميثولوجيا) . زيادة على أنك امام مشاهد حية نابعة من الواقع الشعبي المعاش . فالتجريد لا يستند الى بوتقة فارغة ،بل يستمد قوته من واقعية الشخوص والاحداث . كما هي الحال في رباعيته الروائية ( الخسوف)(1) ورائعته الروائية ( التبر) . اذ يهيمن على اشكالها ومضامينها الرؤى والمواقف والتطلعات التي ينضح بها غضون المجتمع الليبي .فالعمل القصصي والروائي ليس نتاجااتفاقياً مسطحاً . بل هو نتاج شكلي ابداعي اجتماعي المنشأ ومعبر عن طبيعة المضمون الاجتماعي الذي يحوط المؤلف .لانه ينطوي على تركيب دال على رؤيتيتن مترابطتين تعبر الاولى عن موقف المجتمع الذي ينتمي اليه المؤلف من الواقع المعاش وتعبر الاخرى عن التصورات الذي يطمح الى تحقيقه ذلك المجتمع بحسب مايراه لوسيان غولدمان على وفق منهجه البنيوي التكويني(2) .واذا استند البحث الى محور الاختيار فمخاض تجربة ابراهيم الكوني_ بحسب رأينا_ الروائية/ القصصية/ الاسطوروية (( خريف الدرويش))(3) هو نسج خيوط السرد بفضاءات عدة لا تنحصر في تعزيز المضمون الاجتماعي فحسب، بل تتعداه الى حوافز جمالية ( فنية) تمد جسور التواصل بين المتلقي ونصه على هيئة لا تؤثر على ثيمة القص وحبكة الحكي التي تتوالى خيوطه ،وتفترق ثم تلتقي لتعزز جهة دلالية محددة ظهرت فضاءاتها على عدة محاور، فنلحظ أن للسرد فضاءات وصفية مغايرة او متضادة مع المكان،كما ان النص السردي(( خطاب الدرويش)) لم يكن مكتملاً من حيث البناء( بالمعنى الحرفي البنيوي ) ،بل جرت عليه سنن النص من استناده الى فضاءات تناصيةعميقة سبغت لغته بطابع اللغة (الكهنوتية) بمناخاتها السحرية . وهنا تكمن الخصيصة الاسلوبية التي انماز بها الروائي ابراهيم الكوني من غيره من الروائيين على الصعيدين المحلي والعربي.
واذا لم يكن تفسير النص السردي الا عبر آليات تفكيكه ومعرفة ماهيته عن طريق استشراف دلالته التي تفرزها اشكاله التعبيرية المتنوعة بوصفه نصا مفتوحاً تذوب فيه اشكال تعبيرية اخرى . تشرع الدراسة في الاخذ بالمبدأ الذي اطلقه ارسطو على الفنون الدرامية بقوله : كل الفنون ضرب من الشعر (4) . وبذا تحتوي الاشكال السردية المعاصرة على وظيفة شعرية لايمكن تفكيكها الاعلى وفق الجهاز المفاهيمي النقدي الراصد لتلك البنى ، ومن بين اهمها مفهوم (( الفضاء)) الذي يعني في المعجم اللغوي (( المكان الواسع من الارض والفعل فضا يفضو فضوا فهو فاض، وقد فضا المكان وافضى اذا اتسع. وافضى فلان الى فلان أي وصل اليه، واصله أنه في فرجته وفضائه وحيزه))(5) .وتستعمل لفظةالفضاء في اللغة الاصطلاحية ضمن السيميائية بوصفها موضوعاً تاماً يعني الوجهة الجغرافية / السوسيو ثقافية ، ويبحث ( سيميائية الفضاء) عن التحولات التي تعانيها السيميائية الطبيعية بفضل تدخل الانسان في انتاج علاقات جديدة . وتستعمل (الفضائية) في السيميائية السردية الخطابية بمعنى (( الفضاء الادراكي))(6).
وقد يكون الفضاء معادلاً لمفهوم المكان في الرواية، وقد يقصد به الفضاء التناصي، او علاقة النص الروائي مع النصوص المتعددة ، والسياقات الثقافية كما تنظر اليه جوليا كرستيفا ، وهناك من حصر الفضاء في البعد النصي أي الحيز الذي تشغله الكتابة بوصفها احرفاً طباعية على مساحة الورق ويشمل ذلك طريقة تصميم الغلاف ،ووضع المطالع ، وتنظيم الفصول وتغيرات الكتابة المطبعية وتشكيل العناوين.(7)
وتأسيساً على ذلك نستطيع ان نضيف بعدين آخرين لمصطلح (الفضاء) في المجال السردي ؛ وهما موقع الجسد في فضاء السرد القصصي والروائي. كما هي الحال في لعبة الجسد في المشهد الدرامي المسرحي. والفضاء الدلالي ، او التأويلي بالنسبة لما يخص النص ومتقليه . ونستطيع أن نوجز تلك الخيوط بعدة فضاءات مهيمنة من اهمها:
اولا: موقع الجسد بفضائه السردي:
من زاوية النظر ((الفينومينولوجية للجسد)) تتكشف الاواصر الخفية لوجودنا المتحقق في تظافر الوعي مع الموضوع.فالجسد شيء متحيزفي المكان ، وهو جهاز حركي يؤدي وظيفة الحامل ن او الاداة، او الوسيط الذي يتحقق عن طريقه وجودنا بوصفه أداة للتعبير والكلام . فليس الجسد مجرد (( عادة اولية)) او اساسية هي الشرط لغيرها من العادات بل بمثابة (( نظام تظافري)) كل وظائفه مرتبطة بالحركة العامة للوجود في العالم الخارجي . وهو يعبر عن حضور الوعي امام العالم، ولا تنحصر وظيفة الجسد في انه وسيلة تعبير طبيعية ، ( كلامية/بيانية) ،وانماتتمثل وظيفته بكونه اداتنا في تحويل الافكارالى اشياء. فالجسد في صميمه ادراك ،وتعبير ،وحضورامام العالم وامام الآخرين(.
ولخريف الدرويش ادواته في استغلال آلية الجسد وتوظيفها لخدمة المنحى الدلالي للمجموعة ، فالقصص التسع في المجموعة تبرزفيها سمة غياب السارد عن مساحة الحدث بوصفه راوياً عليماً ، وبذا تتسم هذه القصص في الفضاء الرؤيوي بسمة السردالموضوعي الذي يترك مجالاً قرائياً للمتلقي في تفسير مايحكى له. كما تسوغ للسارد (العليم)الوصف الشامل للامكنة والازمنة والشخوص . ومعرفة الهواجس التي ينبض فيها وعي الشخوص. وحركة الجسد في المجموعة اعطت مدلولات قرائية عميقة تساوي المعادل الموضوعي في ترميزه للدلالة. ولا تكاد قصة تخلو من هذه الحركة بدءاً بالثيمة الكبرى وهي (( خريف الدرويش)) – الرواية القصيرة - وانتهاءاً بقصة ((اللسان)) . ولعل ما يميز تلك القصص أن حركة الجسد تجري في مشاهد وفضاءات متسمة بالعري ، والخيال كالصحراء والسماء . فالدرويش الذي اذبل جسده الحريق منذ أن زاره رسول الشمال؛ اصبح لايطيق السكون (البقاء) في مرابع القبيلة فهو في حركة مستمرة بين خباء زعيم القبيلة (أمغار) الذي وجده مطوقاً بدائرة من الخلاء والوحشة والسكون من الخارج وبين العراء في الصحراء(( اذ مضى يتمدد ، يتوالد ويتوالد حتى تواصل في قوس الافق لم يتوقف في المساحة القاسية التي تضع برزخاً خفياً يقيم بين السماء والصحراء ولكنه مضى يتمدد في القوس البكر، ولكن شبحاً عنيداًسبق إله الضياء ،وحل في المسافة البعيدة القاسية . تبدَى في البداية مثل ذبابة تعتلي عرف الرتم في فيض الغسق . ولو لم يتأن ،لو لم يتسل بمراقبة الميلاد الجليل كما اعتاد أن يفعل كلَ يوم رأى في الشبح مخلوقاً يدب على قدمين يتحمم بفيض القبس ، ويقاوم المسافة الفاجعة بعناد المهاجرين الابديين)). إن جدلية الحركة للجسد تتجاوز دائرة الامكان لتصل الى عوالم غير محدودة بزمان ومكان. إنهاعوالم مغمورة بالفيض البكر القاني والبرزخ المجهول .فجسد الدرويش لايحتمل(( خريف القبيلة وهزالها ذي الصبغة الطينية (الترابية ) وعشقها وهمومها الساذجةفهو ينوي الهجرة الى عوالم المطلق واللا محدود بلاسرج على مهري ، ولا قافلة تسير،ولهذا لم يخلُ جسده من المطاردة من قبل العرَاف الذي سعى خلفه. وبعد أن لم يظفر به اوصى الفضوليين أن يقيدوا الجسد بالحبل اذا ما صادفهم ((اياكم أن تتركوه طليقاً)) وبعد أن اعيا العراف والزعيم والقبيلة البحث عن الجسد المضاع في شغاف الجبال البعيدة ،وجدوه ممدداً تحت الطلحة ،اذ استجاب جسده الى طرفين متضادين وهما موت الجسد ؛ واستجابته الى نداء مجهول في هجعته ذات المغزى الدلالي فللرأس لغته التي تحاكي السماء ،وللعين اليمنى لغتها حينما تحدق في الفراغ ،وتنطق بتسليم خفي قاسٍ ... ،ولاتقتصر لعبة الجسد على هذا المنحى فحسب، بل تستمد فضاءاتهامما تسبغه الموجودات الاخرى من ترميزات دلالية. كالتجسيد الذي يعد من ضمن المهيمنات السردية التي تنضوي تحتها جملة من الاهداف التقنية ( السردية/ الجمالية) فضلاً عن الاهداف التواصلية.ففي قصة (خريف الدرويش) تزفر الصحراء انفاساً باردة لتتصل برسول مملكة الشمال ،الذي تلاقيه الاعشاب الشاحبة في الوديان برقص حزين يتمايل الرتم ويكشف للرسول عن خصلات الشعر الذي هزل وذبل وتساقط. اما الطلح المكابر فلم يترنح كالاعشاب . ولم يتمايل بذل الرتم.لأن تلاحق الفصول امر لا يعنيه لانه آثر الاعتزال وفقاً لوصية الناموس التي تقتضي أن اللعنات وتبدل الاحوال لا تلحق من عمل بها. ففي لغة التجسيد هذه تكمن الثيمة الصغرىلمضمون القص. وهي بمثابة النواة الدلالية التي تشير الى الاشتراك البدئي للموجودات على نحوٍ موازٍ للواقع الحقيقي . وهي بمثابة ((الآركتايب )) او الانموذج الاصلي او الاعلى الذي يتكون _ في مرحلة الطفولةالعقلية_ ازاء موجود ما يصير بموجبه هذا الموجود مثالاً ورمزاً خارقاً، وتعد هذه الآلية من الآليات البدئية الرئيسة التي صاحبت الذهن البشري منذمراحله المبكرة . فضلاً عن كونها اساساً في نسج الاساطير حولها في العصور القديمة ، وعلى اساس هذه الثيمة استند ابراهيم الكوني في سرد وبناء خيوط مجموعته القصصية.
اما الرتمة في قصة(( الخروج)) فهي تتحرك في مناخ يشوبه التحول بعد أن يصيبها مس حينما تهب ريح القبلي الشديدة، وتتململ بحياء العذارى ،وبارتياب تستقبل الانفاس الحارة ثم تنتشي وتستبد بها روح الوجد وهي عنيدة قاومت الظمأ بعد أن تخلت عنها الارض وحرمتها النداوة. عصف بها القبلي الذي يشير الى الاغواء في نسق السرد ، فغنت له اغنية الفجيعة. فتراجع عن محاربتها وسبقها الى شعفة الجبل وهكذا يتجاذب الرتمة طرفان متضادان الجبل( الاعلى نحو السمو والقبلي (الاغواء) . لكنها تشبهت بالطلح فانفصلت عن حضيض الاسافل . فاصبحت مزاراً للعباد والزهاد والباحثين عن الواحة الضائعة وجدوها وحيدةمعتزلة كما العابد المتبتل، متشبثة بهامة الجبل العاري الا من السمو والعرفان، مجاورة السماء استظلوا بظلها وتحسسوا قوامها الممدود قطفوا زهورها وصنعوا منها بخوراً. تمسحوأ بجدائلها وبكوا طويلاً . ولصورة الجسد الانثوي دلالة ذات منحى طقوسي متصل بالكينونة الذاتية الغريزية للجسد الذي تشتبك فيه الاضداد وتتنازع فيها القوى في اتجاهين متقابلين( الاغواء/ العفة) ، (الطين/ السماء) ،(الريح/الرياح) ،(الخير/ الشر) ،وهي اجساد يحوطها التحول ويمزقها الظمأ الى المجهول،والمعرفة ،وهي اجساد ابطال ليسوا ابطالاً على الطريقة الكلاسيكية في الرواية ،والقص. وانما يقيدهم العجز ولا سيما في مجال الوعي بذواتهم على نحو كامل. وهم محكومون بالوهم ( الناموس المفقود) ذي الصبغة الروائية الشفاهية لا التدوينية . كما هي الحال في قصة(( العهد)) حيث الزعيم الذي عاشر الجان ،وعرف النساء كثيرا، وتعلم من الناموس نفسه ان يستمع الى اقوالهن شرط أن يخالف رغباتهن لم يشأ أن يخالف الناموس في ذلك اليوم ،فقطع لسان قرينته الحسناء ظناً منه أنه حصن سرَه من شرِ اللسان –وهنا- في القصة نفسها يرتبط مصير الجسد بجارحة اللسان . هو ذا الخيل نضع اللجم على افواهها لكي تطاوعنا فنديرجسمها كله. هكذا اللسان هو عضو صغير ويفتخر متعظماً ،لكنه اثم يدنس الجسم كله.
وهكذا تتداعى الصور وتتابع المشاهد في تلك ، لترصد لنا العلاقة الجدلية الانطولوجية بين ذلك الانسان الذي يحوطه الفراغ وبين سعيه الى المعرفة ، فالرتابة والملل تنأى بكدحه وسعيه في دائرة مفرغة مجهولة المعالم . وهو انسان محقون بالوعي الجمعي المشبع بقيم الصحراء والبداوة التي تقوم على مبدأ (( المعرفة اليقينية..والى أن المعرفة في هذا المجتمع لا تنهض على التأمل الفكري والتحليل العقلي . بقدر ما تعتمد على الايمان الفطري ، والتصور الاسطوري للعالم . كما ان الحقيقة فيه ليست علمية او نقدية ، وانما دينية وتعليمية بالمعنى التلقيني للعملية التعليمية))(9) . ومن هنا تصبح علاقة الانسان بالحيوان البري هي علاقات صحراوية ذات دلالات رمزية مشوبة بالصراع والتوجس والحيطة والحذر . فضلاً عمَا يلحقه من اذى الوباء الذي لايعرف له سر، والجدب الذي يصيب مراعي القبائل. لكن المفارقة التي حدثت في قصص الدرويش هي أن تلك العلاقةيطرأ عليها التحول والتغيير خلافاً للوعي الجمعي، وخلافاً لما غرسه الآباء في نفوس ابنائهم من قيم الكراهية والحيطة من بعض الحيوانات ،كما هي الحال في قصة(الاغنية) التي يتحول فيها جسد الحية الى كائن أليف يداعب جسد الوليد، ويتحول الجمل الأليف الى جسد غادر كما هي الحال في قصة (الحية) وهنا تسعى العقلية التبريرية لاستعادة الوعي الجمعي الى نصابه، للحيلولة دون خلق اجواء مغايرة وعند نهاية الصراع بين الجمل الغادر وبين الانسان، وعندماهمَ الاخير((بأن يهوي للمرة الثالثة وجد يده معلقة في الفراغ فقد استدار الحيوان بحركة لم يألفها في الجمال استدار بخفة غزال ،وشجاعة اسد،ومرونةحية في تلك الومضة انتزع المحراث من جوف الارض واجتث معه الحجر السفلي،ووجد نفسه يواجه رأساً لاينتمي الى رؤوس الجمال ولا الحيوانات التي عرفها،ولكن رأس سعلاة من اقبح سعالي الجن))} ص79 { . ولعل خير مثال على تحقق افق الوعي الجمعي لفهم علاقة جدل الالفة بين الانسان البدوي وذلك الكائن الصحراوي،هو قصة (اللسان) في بندها الثاني. اذ تحكي قصة الوباء الذي حل بالقبيلة وبعد أن استشرفته ابلها بفعل السحر وبدأت تهزل كما هزل في البدء الجمل العدبس الذي كان يستعمله النبيل في قرع النوق،والذي كان ضخماً ضروساً يرتفع على هامته سنام مهيب. ضمر هذا المارد ،وبدأ يهزل حتى وجده الرماة ميتاً في المرعى. اما الجمل الابلق الذي تلقاه الزعيم،ورباه بيديه كما لم يعاشر امرأته الراحلة، وتبادلا وفاءً لم يعرفه احد ،وكان يحتمل أي شئ الا أن يفقده .فقد بدأ يهزل،فبدأ هو يهزل ايضاً . مات المهري النبيل بعد اسابيع،فاحترق النبيل بالحمى،وغاب في غيبوبة ظنت القبيلة انه لن يعود منها وهكذا تتفق نهايات كلٍ من الحيوان والانسان بتلك القوى الغامضة بالكون. وهي تتحدد بمسارين غامضين ومجهولين ايضاً ومتضادين هما الحُبُ والموت الذين يتجاذبان قوى الصراع العنيف.
2 – مستويات الفضاء الدلالي:
لاشك أن الوظيفة السردية تنطوي في - حقيقتها – على وظيفة شعرية مستمدة من الاساس النظري للمنهج اللساني الذي وضع لبناته رومان جاكبسون ومفاده أن كل فعل تواصلي لغوي يقوم على ستة عوامل غير قابلة للتصرف وهي( المرسل، والسياق، والرسالة، والصلة،والسنن،والمرسل اليه) يقابلها او يطابقها وظائف لغوية مختلفة وهي( الوظيفة الانفعالية ، والمرجعية، والشعرية، والانتباهية، والميتالغوية، والافهامية)(10) .ومن هنا يبدو الترابط بين فكرتي التعبير الذي هو مدار السنن الشعرية،والتوصيل الذي هو مدار السنن التداولية، بل ان علماء الادب يرون أنَ كثيراً من الظواهر الجمالية تمارس فعلها التواصلي على الرغم من عدم قابليتها للتحليل بالادوات الاجرائية المتاحة(11) . بذا تبرز لبنات جاكبسون التركيبية واضحة المعالم على يد عالم الاشارات اللغوي يوري لوتمان الذي يؤكد على الوظيفتين الشعرية والافهامية للنص الشعري بأن الشعر ينشط كيان الدال تماماً ويستنفر كل طاقات المفردة بتأثير المفردات المجاورة. ويطلق كل طاقاتها الكامنة كما انه مشبعٌ بالمعاني ويتضمن من المعلومات اكثر من أي نمط لغوي آخر وباستطاعة الشعر ان ينتج معلومات اغنى من أي شيء اخر من اشكال اللغة.(12)
ولابد من التنويه الى أن ميخائيل باختين اسبغ سمة الشعرية ،على الاجناس السردية ولاسيما الرواية ،فهي غير منجزة،وغير مكتملة بنائياً وهذا ما يجعلها في صيرورة دائمة فضلاً عمَا تجسده من حوار الخطاب.(13) ان زاوية النظر هذه تفصح عن امكانية تعميمها على الاشكال الادبية السردية التي تنحو منحى شعرياً في بعض اجزائها. ولكنها قد تفقد خصيصتها الشكلية في بناء العلاقات الداخلية بين البنيات السردية الصغرى ،وصولاً الى البنيات الكبرى التي تنطوي على ثيمة السرد وقد انطوت(خريف الدرويش) على ملفوظات لغوية تنأى بها عن دائرة المألوف. وهي على الرغم من نهجها التجريدي المحكوم بلغة احادية متجانسة تنتمي الى عوالم قديمة ومشبعة بمناخات صوفية ،وسحرية . حتى ليخيل الى القارئ انها شكل سردي منولوجي خالص . لكنهاتحمل في ثناياها خصيصة حوارية منحتها سمة تعدد الا صوات وتنوع الدلالات الرامزة علاوة على التوصيفات الشعرية للشخوص والامكنة والموجودات الاخرى ن ولعل اول الاشياء التي تبادرنا في قصص من هذا النمط انها تسوق كماً كبيراً من التفاصيل الدقيقة .حول المكان فهي تمنح القارئ احساساً كبيراً بالمكان . وهوفي فضاء الدرويش حاملٌ لدلالات وصفية ورمزيةيطالعنا في ديباجة المجموعة على لسان السارد العليم ((جاء الى خباء الزعيم مبكراًً .سعل في المدخل مرتين لم يتلق جواباً. ازاح طرف الخباء ودس رأسه في الداخل . في البيت سادت العتمة والوحشة والسكون ، طاف حول الخباء . ارتطم في الخارج بالوتد،فترنح ،وتوعد العود بسبابته .اكمل المشوار وجد الخباءمطوَقاً بدائرة من الخلاء و الوحشة والسكون )).} ص7{ فعلى الرغم من هيمنة الصيغ الفعلية التراتبيةالتي تدل على الحركة في فضاء المكان ، الا ان فضاءاً مضاداً يشعرك بهيمنة السكون على مفاصل المشهد المحاط بالعتمة والوحشة والسكون. تُرى ما هو نمط الحكي الذي حدا بنا الى هذا الشعور وهو ما شعر به المؤلف اثناء سرده له ؟ وهل تنطوي العتمة والوحشةوالسكون على دالة ( الفراغ) وما تفرزه تلك اللفظة من مدلولات تفيض بالرمز؟
على الرغم من أن لفظة (الفراغ ) ذات دلالات عدمية . لكن لهذه اللفظة مدلولات كلامية (عبر لسانية) ، ينضح بها سياق النسيج السردي في قصص خريف الدرويش. فقد يتعلق (الفراغ) بالمعرفة الغيبية ، والبرزخ المجهول الذي يشق الحدَ الذي لايملك عليه سلطان الزمان والمكان ،وقد يتعلق بالمعرفة العقلية ،كالعطش للفيض الروحي والديني المرتبط بغائية الوجود . وقد يتعلق بموجودات حسية كالنور والعتمة،والصحراء المسكونة بالعري والمندوحة الشاسعة, الجدب والوباء واللعنة المجهولة .هكذا نجد في نهاية قصة (الوطن ) (( عندما وجدته الام كانت البسمة النقية على شفتيه هي البرهان الوحيد على خروجه من الصحراء وعودته الى الوطن)) } ص50{ ،وفي قصة (الناموس) (( ركع طويلاً ثم نهض اخيراً تحسس البنيان الجليل . مد رقبته نحو الفوهة نزلت الى اسفل ابصرُ تراباً ناعماً تخلف عن غزوات الريح التراب طمر الجانب الشمالي من الضريح الى منتصفه . ولكن الرمل انحسر في الجانب الاخر. في هذا الجانب تبدت الجمجمة .فجوة العين اليمنى كان فاجعاً. حدق في التجويف . غاب في الهاوية المجهولة .قرأ انباء مبهمة. مبهمة .مبهمة))} ص 62{ وفضلاً عن المجهول فإن الفراغ مرتبط بالفجيعة (( مضى يحدق في عين الجمجمة الفاجعة الفارغة، بعين فاجعة فارغة)) } ص 63 {.
وللفراغ مدلول هو علاقته بالسِر المكتوم والمسكوت عنه غير المحتمل ، كما هي الحال في قصة (اللسان) حيث ترتبط قضية كتمان السر بالهزال والموت، بين العبد وسيده، السيد الذي يفشي اسراره للعبد،والعبد يفشيها إلى جمله الابلق وبدأ الهزال ثم الموت بالجمل الابلق لانه لايملك جارحة افشاء السر وهو(اللسان) حتى يموت فيعاقب السيد عبده(بوبو) بقطع لسانه.. ولم يتوقف –بعد ذلك- عن ملء اذنيه بافضع الاسرار بل تعمد أن يضيف عليها انباء خفية جاءت من ديار القبائل الاخرى، لم ينقطع عن ذلك حتى وجد السيد عبده (بوبو) في خبائه متكئاً على الركيزة،يحدق في الفراغ بعينين فارغتين ،فاغر الفم، تغير عليه اسراب الذباب كأنها تريد أن تنتزع من شفتيه سراً لم ينطق به اللسان المفقود.هذا فيما يخص بعض الملفوظات التي دخلت في سياقات متعددة حوارية.اما فضاء الصياغة والتركيب في تلك القصص فقد احتوت على مجموعة من الانزياحات اللغوية التي تخرج عن بوتقة المألوف في الواقع الحكائي فضلاً عن تنقيته من التبعية والمباشرة والانعتاق به ، وادخاله في مساحة المحكي ، وقد لانعجب من كثرة الاستعارات فيها ،ولاسيما في القصص التي نحت الى ترسيم العلاقة النوعية بين الجسد والموجودات ففي قصة (الناموس) (( هوتالسماء حتى لامست الصحراء .نزل العرَاف القديم من الغيم . مدَ له يداً نحاسية موسومةبشبكة كثيفة من العروق والتجاعيد وابتسم)) } ص56{ . اذ شكل النص المقتطع حافزاًجمالياً متناغماً مع الواقع . وهنا تتعادل المتتاليتان اللغويتان ( هوت السماء، نزل العراف) ليشكلان نسقاً حكائياً ذا وظيفة جمالية فنية . لأن (( ادخالالحوافز انما ينتج عن تراضٍ بين الوهم الواقعي، ومتطلبات البناء الجمالي))(14) على حد وصف توماتشفسكي.
وفي قصة (( الجبل)) تتناغم شعرية السرد مع المبنى الحكائي للقصة( في الاسفار الليلية اكتشف الجبل . رآه يتمرد على الحضيض، يتسلق الفضاء، يشق طريقاً في زحمة العيون المشاكسة))} ص100{ من حكايته عن الوليد وصراعه مع القماط تنضح لناالدلالات العميقة لحوافز المبنى الحكائي((في حضيض المهد لم يكتفِ بمتابعة الصبايا ، ولكن الجبل هداه الى بروج اخرى يزحف نحوه ماان يكتمل نزول العتمة .....)) }ص100 { (( تمرد على القيد كما تمرد الجبل على الحضيض)) }ص101 { ولشعرية الصورة الكنائية مغزىً خاص حينما يتعلق الامر في الثيمة الكبرى للقصة (( تدفق الزمان فقاده السبيل الى الجبل لتصير له القامة المكابرة بيتاً في الحضيض وجد حجراًمدبباً صقيلاً في رحلة الليل الى جنة الصبايا، هناك عرف أن الاسلاف ايضاً عرفوا الظمأ الى الخلود)) }ص 101 { .
3- جيولوجيا الكتابة وفضاء السطح :
يندرج مفهوم جيولوجيا الكتابة الذي اطلقه رولان بارت(15) ضمن الجهاز المفاهيمي النقدي التناصي والذي يلتقي مع مفهوم (( جامع النص architexte )) الذي اسسه جيرار جينيت ومفاده أن (( موضوع الشعرية .. ليس النص وانما جامع النص))(16) وهما يسوغان نقل مفهوم التناص الذي طرحته جوليا كرستيفا من حقل الى حقل آخر هو حقل الاجناس الادبية . وعلى وفق القراءة البصرية ل(خريف الدرويش) نلمح عدة اشكال تناصية لبنيات عميقة وانساق( ادبية/ غير ادبية) تصب في روافد الفضاء الدلالي والنسق الجمالي العام للقصص ، ومن الممكن فرزها على عدة محاور من اهمها:
أ- النصية المحاذية:
وهي التنويعات النصية التي تفضي الى تكوين النص في صيغته النهائية، وتشمل مفاتيح النصوص من مثل العنوان والهوامش والمقدِمات التي تقع على عتبات البنية الرئيسة للنص .وقد هيمنت النصوص المحاذية على المبنى الحكائي ل(خريف الدرويش) ولعل من ابرز النصوص المحاذية هي مفاتيح النصوص التي تطالعنا في مطالع القصص ،ولاسيما في ديباجة المجموعة وقبل ظهور العنونة الرئيسة للقصة نلمح في الصحيفة الاولى مقولة لجوزيبي اوننغاريتي (( تشعر كأنك اوراق على اشجار خريفية) ففي هذا النص اسهام لملء الفجوات الدلالية التي يشكو منها المتن الحكائي الحامل لموضوع القص ، وثيمته الكبرى وهي عبارة تشعرك بالحوافز الجمالية والدلالية التي ينطوي عليها السرد في مجمل قصصه،وهي بمثابة الملفوظ الضاغط على ذهن المتلقي اثناء قراءته لكل رواية اوقصة في حنايا المجموعة . وهي بمثابة المفتاح الذي يدلف بنا الى فكِ رموز مجاهل القص والغازه المبهمة . ولعل ما يميز هذا المفتاح – كما اشرنا- هو تقدمه على العنونة بخلاف الواح الكتابة التي تأتي بعد العنونة مباشرة .
ولم يخلُ المبنى الحكائي من الهوامش والتذييل، ولا سيما أن الحكايات فيها تعتمد على الناموس المفقود . ففي قصة الناموس (( رسم بجسده دائرة كاملة . زفرهما قبل أن يقرأ في قرطاس الناموس : (( وجغ تورنا آجيد آتزيد، وجغ تمضريت آجيد آتتدولد)) } ص60 { ، والتي ترجمها المؤلف في الهامش(( لست مريضاً حتى نتوقع شفاءك، لست صغيراً حتى نامل في أن تكبر)) ، و((آسجلن آمغارن نسن، آدخركن براضن نسن)) } ص60 { ، وقد ترجمها في الهامش (( اذا غاب شيوخهم ضاع ابناؤهم)) .
ب-التناص:
تمثلت خاصية تداخل النصوص والاتكاء على نصوص سابقة في المجموعة بالاستناد الى آليات الاقتباس، والتشرب والامتصاص والترصيع وصولاً الى ايجاد مصبات صالحة في النص السردي المستقبل من خلال استحضار النصوص السابقة فيه ومن الامثلة على آلية الاقتباس من القرآن الكريم كما في قصة (الوطن) التي تسرد حكاية التقاء الحية بالطفل الوليد (( داعبت صدره العاري بجسدها اللين. بجسدها الذي يفوق العهن ليناً ومرونة، تشرب وجه الوليد فرحاً)) } ص46 { .وهو تشرب لقوله تعالى (( وتكون الجبال العهن المنفوش)) } القارعة/5 {.وفي قصة( الحسناء) ((جاءت النساء بالحسناء مقيدة بحبل شرس من مسد)) }ص120{ والنص المقتطع امتصاص لقوله تعالى((في جيدها حبل من مسد))} المسد/5 { . فقد اتكأالنصان السرديان على النص القرآني في تدعيم المنحى الدلالي والجمالي ن ولكنهما لم يحتفظا بالبنية القرآنية كما هي بل اعتمدا على آلية التحوير غير المباشرة في تماهيها مع البنية السردية . وقد هيمن الخطاب الديني للكتب السماوية الاخرى على مفاصل المجموعة ولاسيما العهد القديم ، اذ جاءت على هيئة الواح الكتابة وهو ما سنتناوله في مكانه المناسب. اما الخطابات الاخرى فقد تماهت في البنى الكلية للقصص حتى أن من الصعوبة بمكان التفريق بين النص السابق والنص الاحق ( المستقبل) كما هي الحال في قصة ( العهد) التي تستند الى قصة(ذي القرنين) المعروفة لكن سياق قصة (لعهد) الفكري والفني يندغم ضمن النسق الدلالي السردي الذي اراده المؤلف وقد اضفت هذه القصة طابعاً ميثولوجيا دينيا للمجموعة القصصية مما جعلها اكثر ثراءاً بسمة الترميز . ولفضاء التناص في(( اخبار العائد الذي لم يعد)) سرٌ آخر هو شبيه بسر الوحشة والانتظار في ملحمة(( الاوديسة)) والقارئ لتلك القصة يلمح ذلك التقارب بين القصة وابطال الملحمة، فالمهاجر واوديسيوس يشتركان في كونهما افَاقان يجوبان البلاد بحثاً عن الحقيقة . والزوجة العاشقة في القصة تمارس الدور نفسه في نسج الاخبية انتظاراً للغائب المهاجر الذي لم يعد منذ سبع سنين .وعلى الرغم من أن القصتين تتشابهان في متنهما الحكائي ، إلا أن هناك اختلافات كثيرة بينهما ومنها دخول شخصية العراف والدرويش رسوله وحامل اسراره ،فضلاًعن تحول شخصية الزوجة العاشقة الى أفاقة مهاجرة (( سافرت العاشقة كما سافر المعشوق يوماً تركت عبيداً تفرقوا في الصحراء. تركت كنزاً من السروج . تركت وطناً كاملاً من الاخبية الخاوية)) }ص94-95{. فالملحمةوالقصةوإن التقتا في مضمونهما ذي المغزى المعرفي في البحث عن الحقيقة ، ولكن القصة تكاد تكون اشمل من جهة زمنها الاسترجاعي والاستباقي .إذ هي تبدأ من حيث انتهت الملحمة بوصول اديسيوس الى زوجته بعد تجوابه في عوالم الغرائب والسحر ،لكن الهاجر في قصة ((العائد الذي لم يعد)) يواصل رحلته الانعتاقية في الافق لأن الافق لم يأتي به الى عوالم الحس على نحو الحقيقة.
ج- الواح الكتابة والتشكيل:
مثلت الواح الكتابة شكلاً آخرمن توظيف الاشكال الهندسية ولاسيما الشكل المربع والمستطيل المحصور بين اضلاعه الاربعة نصوص تنتمي الى منظومة خطابات مختلفة (دينية /غير دينية) بدءاً بمفتاح المجموعة كما اشرنا الىذلك مسبقاً وانتهاءا بقصة اللسان التي لم يحصر فيها لوح الكتابة ملفوظاً سابقا، وانما حصر بين اضلاعه الاربعة عنونة القصة مع لوحة تشكيلية رامزة. وقد حملت تلك الالواح مناخا تعبيرياً فنياً اسهمت في تفكيك الترميزات الدلالية المبهمة في القصص فهي بمثابة الكينونة الضاغطة على ذهن المتلقي ابان قراءته للقصة وانتهاءا بها .كما هي الحال في قصة ((الوطن)) التي توجها المؤلف بنص مقتبس من سفر التكوين((قال الرب الاله: هو ذا الانسان قد صار كواحد منا عارفاً للخير والشر)) } ص43{ . اما بالنسبة للوحات التشكيلية فقد ترافقت مع العنونة وهي سابقة لالواح الكتابة وقد اعتمد عليها المؤلف ابراهيم الكوني بوصفها الية تعبيرية تسهم في خلق جو جمالي يهجس بمضامين القصص.
الباحث: احسان محمد جواد التميمي
كلية اعداد المعلمين بالعجيلات/جامعة السابع من ابريل
((الهوامش والمصادر))
(1) ينظر :البئر، والواحة،واخبار الطوفان الثاني،ونداء الوقواق ؛الدارا الجماهيرية للنشر والتوزيع، ،مصراته، ط3 ،1428م.التبر : الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع، ط2، 1992.
(2) ينظر : مقدمة في النظرية الادبية :تيري ايغلتن ، ت: ابراهيم جاسم العلي ، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد ، 1992 : 106.
(3)خريف الدرويش : ابراهيم الكوني ، الدار الجماهيرية للنشر و التوزيع ، مصراته ،ط3 ،1425م.
(4) فن الشعر : ارسطو : ت : عبد الرحمن بدوي ، طبعة القاهرة ، 1953م:26.
(5) تاج العروس من جواهر القاموس : محمد مرتضى الزبيدي ،مكتبة الحياة، بيروت ،(د،ت):مادة فضا.
(6)معجم المصطلحات الادبية :د. سعيد علوش، دار الكتاب اللبناني ، بيروت ، ط1،1985م: 164.
(7) ينظر بنية النص السردي : د. حميد الحمداني ، المركز الثقافي العربي ، بيروت،ط1، 1991م:53-55.
( ينظر: دراسات في الفلسفة المعاصرة: د.زكريا ابراهيم، مكتبة مصر ؛ 1968: 517.
(9)القصة العربية والحداثة:د.صبري حافظ:دارالشؤون الثقافية العامة،بغداد، ط 1 ،1990: 18.
(10) مقدمة في النظرية الادبية: تيري ايغلتن، ت: محمد معتصم واخرون ،المجلس الاعلى للثقافة،ط 2، 1997: 108.
(11) اساليب الشعرية المعاصرة: د.صلاح فضل ، دار الاداب ، بيروت،1994:18.
(12)ينظر: م.ن: 111،112.
(13) look: la poetique de dostoivski . seuil .paris . 1970 . p; 33
(14)ينظر: المنهج الشكلي؛ نصوص الشكلانيين الروس؛ ت:ابراهيم الخطيب، الشركة المغربية الناشرين المتحدين، ط1 ،1983 : 200، 201.
(15) في اصول الخطاب النقدي : جان لاكان وآخرون، دار الشؤوون الثقافية العامة ، بغداد ، (د،ت) :105.
(16) مدخل الى جامع النص: جيرار جينيت ، ت: عبد الرحمن ايوب، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد ، (د،ت) : 94.