مقاربة تأويلية معرفية تداولية لقصة " خلود" للقاص أنيس الرافعي
بواسطة: admin
بتاريخ : الخميس 17-07-2008 08:53 مساء
[نسخة للطباعة] [أرسل الى صديق] [PDF انشاء ملف]
[ترجمة الموضوع]
إسماعيل البويحياوي/ ناقد أدبي من المغرب
النص المدروس :
خلود
أثقلت كاهله السنون المتعاقبة كالرياح التي تصهل عند مسقط رأسه وصيده فوق قمة الجبل، لكنه استطاع أن يعطي لنفسه عن نفسه انطباعا مغايرا:
( مازلت...) مازلت شابا ناصع سواد الفرو. (مازلت...) مازلت حاد البصر والبصيرة.(مازلت...) مازلت السيد المطلق لإخوتي في الرضاعة والمصير. (مازلت...) مازلت ناشر العواء الرهيب.(مازلت...) مازلت قادرا على الإحساس بنشوة انطلاق الروح أوان تمسك بالقلب الساخن لضحية.(مازلت...)
مازلت مهاب الجانب والأنياب من قبل جميع الكائنات التي تدب في القرب أوالبعد كما هو خليق بذئب براري لايرحم .
وبذات الانطباع الشاهق، وبكامل تراثه كقاتل محترف شاهد لتوه طريدة سانحة،عوى عاليا في سكون الليل البهيم واستعد للانقضاض،غير أن قلبه خانه.. توقف على حين غرة.
رغم ذلك ولردح طويل من الزمن،لم تجرؤ أية دابة على الدنو من منطقة نفوذه،كان هناك على ارتفاع عشرة آلاف متر يربض محنطا ومتجمدا من الصقيع.انطفأت أنفاسه إلى الأبد،لكنه ظل جليلا وراسخا،وكل عابر كان بمقدوره أن يرى البريق الأحمر المشع الذي ينبعث من عينيه المخيفتين!.
ـــــ
المصدر: أنيس الرافعي، ثقل الفراشة فوق سطح الجرس ، قصص مينيمالية ، الدار للنشر والتوزيع ، القاهرة ، ط1، ص64.
الدراسة:
سننطلق في مقارتنا التداولية المعرفية هذه من النظرية التداولية المعرفية الجديدة للتخييل كما تطرحها (أن روبول) (1) في العديد من مؤلفاتها ومقالاتها، انطلاقا من قناعتنا بجدواها في مقاربة التخييل السردي العربي عامة، والتخييل السردي العربي التجريبي خاصة كما يزاوله كوكبة من الكتاب ، ومنهم الكاتب المغربي أنيس الرافعي.
إن التصور الذي تنطلق منه (أن روبول) امتداد للنجاحات التي حققتها التداوليات المعرفية التأويلية.فما عرفته اللسانيات من تطور مع اللسانيات التوليدية امتدادا لما حققته علوم أخرى كفلسفة اللغة والتداوليات وعلم النفس المعرفي والذكاء الاصطناعي وغيرها من العلوم المعرفية، أدى إلى ظهور نموذج جديد في مقاربة التواصل وسيروراته وأدواته. وهو ما رافقه انفتاح لبعض الدارسين على الخطاب الأدبي بصفة عامة، والسردي منه بصفة خاصة، بتكييف المفاهيم والأدوات والتركيز على جوانب أهملتها السرديات البنيوية الشعرية وجعلتها المقاربة المعرفية التداولية التأويلية من أولوياتها. بل إن العديد من السرديين البنيويين انفتحوا على هذه المقاربة الجديدة بشكل أو بآخر كما لدى (جيرار جنيت) و(دوريت كوهين) وغيرهما.لقد استفادت المقاربة المعرفية التداولية التأويلية مما حققه(أوستين )و(سورل) و(كرايس) ونظرية الملاءمة كما قدمها الفرنسي ( دان سبربر) والإنجليزي ( ديدر ولسون) في كتابهما ( الملاءمة: التواصل والمعرفة) ، اللذان اهتما بالبحث في الإواليات والميكانيزمات الضمنية المضمرة في السيكولوجيا البشرية المفسرة لكيفية التواصل البشري معتمدين قانون التعاون ومبادئ الحوار لدى كرايس منطلقا للتحليل النظري لهذه الميكانيزمات المضمرة منتقدين الجانب الحدسي فيه مقترحين تبني مصطلحات ومفاهيم مستمدة من علم النفس المعرفي كالمحيط المعرفي وقالبية الذهن البشري/ أنساق الإدخال المحيطية والأنساق المركزية، والمعرفة المشتركة والمقصدية والنموذج الاستدلالي والفرضية بجميع أنواعها كإوليات لخلق سياق الفهم والتأويل. ومن اقتراحاتها الأساسية أن تحليل الشكل المنطقي(2) للتصور/ المفهوم يتم عبر مداخل ثلاثة تساعد القارئ على الفهم انطلاقا من تكوين فرضيات استباقية كخطوة أولى في مسار متشعب للوصل إلى الشكل الجملي القضوي (3)للتصور/ المفهوم.
سنقوم، خلال مقاربتنا لقصة خلود لأنيس الرافعي، بنقل هذه الفكرة إلى العنوان معتبرين أن الولوج إلى عالم النص التخييلي يجد منطلقه الأول في العنوان. العنوان إذن علامة لسانية/ اسم علم اختاره الكاتب لقصة من قصصه المسماة قصص مينيمالية.و يمكن تحليل هذا العنوان وفق المداخل الثلاثة لتكوين فرضية استباقية سردية لقراءة القصة وتأويلها انطلاقا من السياق الذي سنبنيه في مواكبة لسيرورة القصة. استفادت( أن روبول) من هذه الاقتراحات وقامت بدمجها في تصورها التداولي للتخييل الذي ترى فيه أن الخاصية المميزة لخطاب التخييل ليست لسانية خالصة، كما لدى أقطاب التيار الشعري البنيوي، ولكنها مجموعة متماسكة من الخصائص التداولية يمكن أن نوجزها كما يلي:
1/ عدم مطابقة التخييل للواقع على اعتبار أن التخييل لايتوفر على مرجع يحيل عليه في العالم الخارجي الواقعي.
2/ عدم التزام المؤلف/ المتحدث بصدق ما يقول، أي أنه، بعبارات كرايس، يخرق مبدأ الصدق أو النزاهة المميز للتواصل اليومي العادي. وهو اتفاق ضمني بين المؤلف والمتلقي/القارئ.
نعود إلى اقتراحها حول الكيانات التخييلية التي تعتبرها كيانات استعارية مركبة يمكن معالجتها انطلاقا من إواليات الفرضيات الاستباقية أو المصاحبة لسيرورة الخطاب التخييلي ومبدأ الملاءمة(4) الحجر الأساس في النظرية التداولية المعرفية للتخييل. ويمكن للمتلقي/ القارئ الولوج إلى الكيانات التخييلية وكشف مقصدية المؤلف من خلال تحليل الكيانات التخييلية عبر ثلاثة مداخل:
1- المدخل المنطقي: وهو يحتوي على معلومات من طبيعة منطقية. وهي القواعد الاستنتاجية التي تنطبق على الأشكال المنطقية بصفة عامة . أي مجموعة من القواعد الاستنتاجية التي تصف، على شكل خطاطة، مدخلا متشكلا في مقدمة أو مقدمتين ثم مخرجا في شكل نتيجة أو خلاصة (5)كقواعد الحذف و الوصل والفصل والشرط وغيرها (6) وبالنسبة للعنوان فهو تصور/ كلمة/ اسم علم يدخل في علاقة احتواء أو تماثل أو تضاد مع طرف آخر. وفي هذه القصة المكون خلود مناقض لمفاهيم الزوال والاندثار والفناء. ويتضمن مجموعة من المفاهيم والأفعال كالتضحية والمعاناة والخير والبر والإحسان والصراع مع الشر وكل ما يدخل ضمن سيناريو الخلود بصفة عامة.
2- المدخل المعجمي: و يحتوي معلومات حول العبارة اللسانية لهذا التصور أي المركب أو الكلمة الذي يعبر به/ بها عن التصور في اللغة. وهي معطيات معجمية تضم معلومات صوتية وتركيبية كما في المداخل المعجمية للنحو التوليدي. ويمكن اعتبار هذا المصطلح مشابها للتركيب اللغوي الصوتي المعجمي الدلالي في الاتجاه البنيوي إن صح القول.
وبالنسبة لقصة ( خلود) فإن العودة إلى المعاجم العربية القديمة تنعش الذاكرة اللغوية للكلمة ( خلود) من جهة وتساعد القارئ على تكوين فرضية استباقية يدخل بها عالم هذه القصةالمينيمالية. فالمعاجم العربية القديمة تدلنا على أن الخلد: دوام البقاء في دار لا يخرج منها.و خلد يخلد خلدا وخلودا: بقي وأقام. ودار الخلد: الآخرة لبقاء أهلها فيها.
وخلًده الله وأخلده تخليدا، وقد أخلده الله أهل دار الخلد فيها وخلدهم، وأهل الجنة خالدون مخلدون آخر الأبد. وقد أخلد الله أهل الجنة إخلادا، وقوله تعالى” أيحسب أن ماله أخلده ” أي يعمل عمل من لايظن مع يساره أنه يموت، والخلد اسم من أسماء الجهة. وفي التهذيب: من أسماء الجنان. وخلد بالمكان يخلد خلودا، وأخلد أقام. والمخلد من الرجال: الذي أسن ولم يشب كأنه مخلد لذلك، وخلد يخلد خلدا وخلودا: أبطأ به الشيب كأنما خلق ليخلد. التهذيب: ويقال للرجل إذا بقي سواد رأسه ولحيته على الكبر: إنه لمخلد، ويقال للرجل إذا لم تسقط أسنانه من الهرم: إنه لمخلد(7). مع العلم أن خلود أيضا اسم علم مؤنث.
ومن الناحية النحوية فالعنوان:خلود: مركب اسمي. اسم مفرد نكرة مصدر خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو.
3- المدخل الموسوعي: و يحتوي على معلومات حول المصادق أو الدلالة التقريرية للتصور كالمواضيع والأحداث وخاصيات أخرى داخلة تحت هذا التصور. وقد أنجزت دراسات حول نظام الإخبار التصوري للذاكرة البشرية ووضعت عدة نماذج تهدف إلى إضاءة بنية المداخل والعلاقات القائمة بين مختلف أنماط الفرضيات المحتواة في المداخل والعلاقات بين المداخل نفسها. من هذه النماذج الخطاطة والإطار والسيناريو والسكر يبت وغيرها. هذه الفرضيات والاستباقات الخطاطية مخزنة في الذاكرة يعاد تشغيلها إما كفرضيات وقائعية ( أوكخطاطات للفرضيات يمكنها أن تتحول إلى فرضيات أخرى مستقلة بذاتها (9).
إذا عدنا إلى عنوان هذه القصة فإننا نجده يستدعي المخزون المعرفي الديني/ التاريخي/ السياسي إلى ذاكرة القارئ. وهنا يحضر إلى الذهن مفهوم الخلود الذي يتبادر إلى ذهن كل عربي مسلم وهو، أولا وقبل كل شيء، الخلود في الجنة والتمتع بخيراتها ونعيمها يوم القيامة خلافا للكفار والمشركين الذين يخلدون في النار. ويحفل القرآن الكريم بقصص رسل و أنبياء و صالحين سيخلدون في الجنة جزاء لهم على تفانيهم وإخلاصهم من أجل تبليغ الرسالة السماوية . وفي مقابل ذلك يحضر إلى الذهن قصص من الثقافات الإنسانية المتعددة دينية وغير دينية حول سلوكات شاذة لطغاة ومتجبرين توهموا الخلود وتوسلوا إليه من طريق أخرى غير سالكة إلى الخلود الحقيقي. وقد تحدث القرآن الكريم عن أقوام توهموا الخلود وتجبروا وعاثوا في الأرض والعباد فسادا. وما خلدوا وما ظلوا فوق الزمان والمكان كما خيل لهم. ونتذكر فرعون ونتذكر عادا وثمودا وغيرهم. وهناك أنواع أخرى من الخلود، هي أقل قيمة من الأولى، لكن لها أهميتها في التاريخ والذاكرة البشرية كخلود الذكر بالبناء والتشييد الفكري واختراع النظريات العلمية والفلسفية والمدارس الأدبية ،أو خلود الذكر عن طريق بناء وتشييد المدن والممالك والدول أو الخلود بواسطة الكشوفات الجغرافية وغيرها مما يدخل في هذا الباب.
انطلاقا من كل المعطيات السابقة تتولد لدى القارئ فرضية استباقية أولى بسيطة مشوشة شيئا ما تخامر الذهن، وفحواها أن الخلود قيمة ثمينة تتطلب فعلا عظيما هو أساسا من طبيعة دينية يضمن لصاحبه ثواب الخلود في الجنة . وقد يكون من طبيعة دنيوية يضمن لصاحبه خلود الذكر في الدنيا و يسجل حضوره في الزمان والمكان لدى الأمم السابق واللاحقة. وبذلك يتم ولوج عالم هذه القصة بأفق انتظار يتشوف إلى الأفعال العظيمة الخيرة والصراع مع قوى الشر المعاكسة وانتصار قوى الخير والثواب. وقد يتعلق الأمر باسم علم مؤنث يمكن أن يفتح باب المماثلة بين الاسم وسلوكات الشخصية ويمكن أن يفتح باب المفارقة والسخرية بين الاسم وأفعال صاحبته. بكل هذه التشوفات يدخل القارئ عالم (خلود) القصصي التخييلي.
وبالعودة إلى قصة ( خلود) فإن الخلود بهذا المعنى لم يتحقق لدى الحيوان/ البطل الذي أثقل عليه الزمن بكلكله، الزمن العدو/ العنصر المعاكس الذي يوازي جملة التشبيه المعبرة عن كثرة الحملات والحروب التي يتعرض لها الذئب العجوز في قمة الجبل - علامات تهديد الخلود - . وهنا تظهر فرضية جديدة أي فرضية الصراع بين الذئب العجوزوالزمن من جهة و الذئب العجوز والعدو من جهة ثانية. عدو خارجي على أبواب هزم الذئب العجوز في عقر داره، بيد أن أداة الاستدراك ( لكن) تجعل القارئ ينتظر المواجهة وفشل الزمن/ العدو الصاهل عند مسقط رأسه. وهو اختيار حكائي يولد لدى القارئ المتلقي تأويل المسار السردي بإوالية مورفولوجيا التحول من الشدة إلى الفرج- بألفاظ ومنطق الثقافة العربية الإسلامية، كما في أخبار كتاب ( الفرج بعد الشدة ) للتنوخي مثلا، أو بمنطق التحولات الحكائية لدى ( فلاديميربروب) و(كلود بريمون) بالانتقال من التأزم إلى الحل. لقد حقق النص التحول بواسطة خطاب الوهم عن طريق الفعل الذاتي الرافض للواقع/ واقع الصراع المتعاقب مع الزمن والعدو والهزيمة الحتمية القريبة جدا. وعلامة التنصيص(النقطتان) تشكل رابطا لتوالد الحكاية وكون مايلي تفسير لما سبق.
ينتقل بنا خطاب القصة من السرد الخارجي البراني مع ضمير الغائب ( هو) إلى ضمير المتكلم المفرد في خطاب الذات حول نفسها للاقتناع بمواجهة الفناء. وهو خطاب له وجهان:
- رفض الشيخوخة - فعل الزمن في الجسد والاعتقاد بالبقاء على حالة الشباب والقوة القاهرة خارج الزمن.
- رفض غارات وهجومات الآخرين والتعطش إلى تعذيبهم والتلذذ بقتلهم كبلية وكسلوك ضامن للخلود المحلوم به.
إنه قهر الزمن والغرماء. وهو هاجس وهمي تعض عليه شخصية الذئب العجوز بالنواجذ كما يدل على ذلك تكرار جملة: مازلت اثني عشرة مرة الكاشفة لهواجس الذات المريضة بالديمومة والبقاء” السلطة” كما يعضده معجم الوهم المسيطر على المقطع.
وتستمر بنية الفرضية واردة في الذهن، ولو خلال لحظتها الأشد تأزما: المواجهة والمرور من مستوى العقيدة إلى مستوى الاختبار في الواقع كما يتطلب السيناريو ذلك. لكن القارئ يشتم رائحة فرضية جديدة في الأفق ويتساءل: هل سيتم التحول كما ترغب فيه الشخصية ويتحقق الخلود الوهمي، أم سيجهض التحول بفعل استقرار فكرة هزيمة الحيوان الأبدية أمام الزمن/ العدو؟
الفرضية المتداولة عرفيا و”منطقيا” تجعل القارئ ينتظر بحذر اكتمال سيناريو الخلود النكرة كما أسلفنا. يؤخر الكاتب لحظة الكشف قليلا للتأكيد على أيديولوجية الذئب في الحياة( وبذات الانطباع الشاهق، وبكامل تراثه كقاتل محترف…) ليدخل الذئب لحظة لإثبات استمرارية قدرته ، وهو المجرب المحترف. وفعلا استطاع خلق الانطباع بخلود قدرته حين استعرض قدرة العواء واستعد للانقضاض و الافتراس . لكن الأداة ( غير) تعد القارئ لاستقبال تخييب الانتظار بفشل الحيوان العجوز في الاستمرار في ممارسة القتل والتعذيب على طرا ئده. تختل الفرضية الأولى بفشل الذئب العجوز وموته المفاجئ بالسكتة القلبية وينتظر القارئ ولادة فرضية جديدة وسياق جديد يصحح مسار الفهم ويهدي إلى مقصدية الكاتب المواربة.
يقوم النص بخلق سياق سردي تخييلي جديد منطلقه الأساس أننا بصدد فرضية : أنت أمام كاتب تجريبي يكسر انتظارات القارئ، أو يريد قارئا آخر يتابع أشواط القصة بفرضية أخرى جديدة. وهنا تأتي إلى ذهن المتلقي القارئ/ المؤول فرضيات جديدة: إن تعرية العنوان عن ” أل” التعريف فعل مبيت، وعلامة أرسلها الكاتب للقراء للإهتداء بها في اللحظات الحرجة للفهم. خلود عنوان النص نكرة يفيد أنه خلود ليس كالخلود الراسخ في الذاكرة المعجمية والمعرفية والدينية. إنه الخلود الوهمي الكاذب.إنها السخرية والمفارقة.
ويشكل الرابط اللغوي( رغم ذلك) المفيد للتعارض الدلالي للآتي مع آخر معطى توصل إليه القارئ مهمازا جديدا يحرك للبحث عن ملاءمة جديدة. كنا ننتظر هجوم الزمن والعدو إلى أقصاه في سياق الموت، بعد أن خانه قلبه وتوقف على حين غرة، لكن عدم الخلود تحول إلى من جديد إلى خلود ( لردح طويل من الزمن… لم يجرؤ أحد على الدنو). خلود فريد من نوعه تحقق بالتحنيط بالصقيع والارتفاع والبريق الأحمر المشع من العينين المخيفتين.وبذلك فهو يدخل في باب الخلود الوهمي. الذات ماتت وفقدت الروح والحركة، لكنها ظلت تعيش بالاحمرار- حمر فيه عينيك يخاف منك- وتبخر الغازي وتجمد وصار ثلجا أبيض صافيا كالحليب. هنا تستيقظ في ذهن القارئ المؤول كل الدلالات والأشكال المنطقية الداخلة في المدخل الموسوعي لعبارات:
1- ( الشاب ناصع الفرو/تراثه كقاتل محترف/ ذئب براري لايرحم/ عوى عاليا في سكون الليل البهيم) التي تستدعي السلطة والقسوة والقيم المنحطة الدنيئة للاستمرار والخلود كنظام بائد يفرض نفسه بالنار والحديد والدم.
2- ( الرياح المتعاقبة تصهل عند مسقط رأسه… لم تجرؤ أية دابة على الدنو منه ) كتحول سلبي في القوى المعاكسة التي فقدت القدرة على المواجهة ولم تستطع الإطاحة بالذئب العجوز وهو قد شبع موتا.ففي الوضعية البدئية كانت ثائرة (كانت عند مسقط رأسه وصيده فوق قمة الجبل) وفي الوضعية النهائية صارت مسالمة ولردح طويل من الزمن ، لم تجرؤ أية دابة على الدنو من منطقة نفوذه…)
3- ( البريق الأحمر المشع) كالعين الحمراء، وحمر في نحمر فيك، والقتل، والقمع والدماء تكشف أداة خلود الذئب العجوز الميت حقيقة الخالد وهما.
وفي نهاية القصة المينيمالية تكتمل الملاءمة وتتضام المعاني/ الدلالات/ المقاصد، كما يريدها السياق، وتتكشف أفعال الكلام المتضمنة في القول- الجمل والعبارات والقصة المينيمالية- فنحصل على الشكل الجملي القضوي (10) للعنوان والروابط والجمل والعبارات والقصة، وتكتسب القصة ملاءمتها كتأويل معرفي تداولي نعتقد أنه كما يلي: يتعلق الأمر بالخلود القمعي السلطوي لنظام أكل عليه الدهر وشرب، توالت عليه محاولات كانت قاب قوسين أو أدنى من رميه في مزبلة التاريخ، لكنه ظل متمسكا بجبروته الوهمي حتى أصابته السكتة القلبية ولم يمت مادام يعتمد القمع ومادامت القوى المتربصة به ضعيفة مشلولة.
وبذلك فهي قصة مينيمالية لكن بابعاد مكسيمالية منخرطة في صلب اليومي التداولي تقول كلمتها فيه، وتؤكد أن التخييل ليس فقط سفرا في أعالي المتعة، ولا ممارسة لفعل هو نفسه مخادعة ومكر ولذة حكي مجاني متعالية، بل هو، علاوة على ذلك، استعارة للواقعي اليومي التداولي، و تحتاج إلى قراءة تداولية معرفية تأويلية نافذة مسلحة بالأدوات المناسبة لفهم كنهها التواصلي العميق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أدوات المقاربة مستمدة من الاتجاه التداولي المعرفي الجديد في دراسة التخييل لدى (آن روبول) في مؤلفاتها العديدة. وهذه بعض منها لمن يرغب في أخذ فكرة عنها:
التداولية اليوم، آن روبول وجاك موشلار. ترجمة: سيف الدين دغموس و محمد الشيباني
Rhétorique et stylistique de la fiction , Anne Reboul
Réalités de la fiction , Anne Reboul
Pragmatique du Discours, Anne Reboul et Jacques Moeschler
Langage et Pertinence, Anne Reboul et Jacques Moeschler et autres
La forme logique(2)
La forme propositionnel (3)
La pertinence, p :13741)
Principe de pertinence(5)
نفسه ص: 135-137 (6)
نفسه ص: 138(7)
( لسان العرب، ابن منظور، ص164، 165 دار صادر، بيروت.
Hypothèse factuelle (9)
نفسه ص: 139 (10)
مرات القراءة: 518 - التعليقات: 1