فيصل محمد الزوايدي
تخوم الألم مقاربة سيميولوجية لقصة " دنيا "
<blockquote class="restore">تخوم الألم
مقاربة سيميولوجية لقصة " دنيا " * للقاص فيصل الزوايدي....
بقلم الناقد المغربي محمدمهيم
إليكما : فيصل الزوايدي وسارة حين يعتصر الألم قلوبنا ويعمد صهيل الخزامى بياض تخوم ليل النشوى.....
ما قبل الحكي :
" فالإنفتاح الدلالي لايمكن فصله بحال عن القراءة الإبداعية المنتجة للنصوص
، و المنسجمة مع الكيان الروحي و الإنساني لمبدع النص و منشئه، ومن هذا
البيان علم أن تقييد هذا الانفتاح بالمرجعية النصية و الحضارية لاينافي
ثراء العمل الأدبي ولايجافيه، بل إن الانفتاح المسؤول هو وفاء لمشروعية
القراءة الهادفة و الراشدة ". 1
بداية الرحلة :
كل حكاية عليها ـ ضرورة ـ أن تؤسس بنية تخييلية ، كونا ما ، من خلاله يتم
تسريب القيم المثمنة ورسم القصديات وأقامة ميثاق للقراءة التي تتكفل
بالتأشير عليها أدوات التوسط ، لذا نجد أن من بين وظائف الاستهلال السعي
إلى بلورة بعدا تخييليا ، يهيئ المتلقي ، ويعمل على توريطه في اللعبة
السردية ، فيعمد هذا الأخير إلى تلمس أفق انتظار يمكنه من الإبحار في رحلة
مغامرة بحثا عن المتعة الفنية و الجمالية والمعرفية التي يستضمرها الخطاب .
و" دنيا " من النصوص التي تستقبلك عتبتها بهمس الغواية والتوريط ، عبر ذات
الحالة / سارد بضمير المتكلم داخل حكاية intradiégetique 2 باشرت حكايتها
بتوصيف حدث سيكون بؤرة لانتشار الدلالة ، و توزيع المحافل السردية
والخطابية. و كبوابة إلى عالمها / عوالمها التخييلية ، ستضطلع فيه بوظيفة
إدارت توزيع الأبعاد التصويرية و الخطابية و القيمية بمهارة فائقة ، محيلة
على عالمها الذاتي الخالص( الخطاب الجواني) . ضمن خطاب فوق ـ سردي
métalinguistique " لم أعرف كيف أمضيت ليلتي ، لكنني أفقت صباحا فأدركت
أنني نمت " * فكيف تمكنت من تمرير خطابها هذا ؟
البنية العامة للنص :
يبدو أن الوضعية البدئية حبلى بالتحولات ، مانحة بذلك احتمالات عديدة
لحالات الوضعية النهائية ، الشيئ الذي يجيز لنا اختيارا / اختيارات ــ بوعي
أو دونه من ذات الحالة ـ نرصد عبره المحور التداولي المتولد عن التناص
الداخل نصي ( تبعا لنوعية الخطاب كما سنرى )، حيث أن كل عنصر سوف يتمفصل
عبر أدوات التوسط بواسطة المحور التركيب نصي ، يتجسد من خلال البنية العامة
للخطاب ، أو المحور الدلالي بوصف هذا الأخير رحما لتوالد العوالم الدلالية
، فيتخلق التماسك و الانسجام عبر تعالق كل مكونات الخطاب . وهذا ما يمنحنا
ترسيم المحور الدلالي ل " دنيا " كالتالي :
الوضعية البدئية ............... .التحول ........................ الوضعية النهائية
اللاإدراك..................... الرحلة ........................ .إدراك
اتصال سلبي[ رحلة الحياة مع دنيا ]........موضوع القيمة......... اتصال مثمن[ رحلة الذات إلى ذاتها ]
لذا نلفي ذات الحالة تحاول بدءا طرح عدم استيعابها لأبعاد الضحك المسترسل
ل"دنيا " ، مندهشة من إقبالها الجنوني [ لم أدرك ليلتها مما كان ضحكها
]*ـــ لكن الإدراك سيأتي متأخرا [ أدركت متألما ساعتها أنني أنا كنت الراحل
] * وذلك أمر طبعي لأن ذات الحالة ستعيش رحلتها في فضاء متاخم لحدود
اللاإدراك و الإدراك الحضور و العبور . غير أن الإدراك اليقيني لذات الحالة
تجلى في وعيها أو قل تذكرها لخصوصية الزمن ، وتميزه على غير العادة " ليلة
" 3 باعتباره الإطار الذي سيحتضن عوالم الرحلة ..
التقطيع والمستوىالتصويري :
يعتبر التقطيع النصي الإجرائي أول العتبات التأويلية و منفذا إلى تلمس
عملية كيفية تأثيث ذات الحالة // السارد لخطابها ، وتوزيع الأدوار بين
المحافل السردية ، ورصد للحالات و التحولات ، ونمو الحدث ، وتتبع انتشار
الدلالة عبر الأبعاد التصويرية .لذا أفضى بنا تتبع نمو البنية التكوينية في
علاقتها بالوضعيات السردية إلى الترسيمة التالية :
المقطع الأول : من : لم أدرك.............................................. ... إلى : اكتفت بابتسامة غامضة .
المقطع الثاني : من : حاولت النوم بعدها ......................................إلى : قالت إني عنك راحلة ؟
المقطع الثالث : من : أحسست ثقل الهواء.......................................إلى : هي دنيا ، بنفس فتنتها و ضحكها ونهمها .
المقطع الرابع : من : في تلك اللحظة دخل القطار.............................إلى كنت الراحل .
بدءا من العتبة النصية تشرع ذات الحالة في تسريبي المحافل السردية التي
ستتكفل بتوزيع الأدوار: العامل الذات ممثلا بواسطة ذات الحالة / السارد ،
ثم " دنيا " ممثل لعاملين المعيق والمساعد حسب الدور التي يمنحها لها تطور
الحدث ، و " ليلة " بوصفها الزمن الذي سيحتضن الرحلة إلى الذات ، بوصفها
موضوع القيمة المثمن ، كما سنرى . ذلك أن حدث الضحك المسترسل والإقبال
الجنوني لدنيا على ذات الحالة ، أثارا اندهاش هذه الأخيرة ، لعدم إدراكها
سر ذلك ، لكن المؤكد أيضا إدراكها الواعي للزمن " ليلة " . غير أن ما يتثير
الاستغراب فعلا هو وقع إعلان دنيا الارتحال ـ بعد إشباعها لمتعها الحسية ـ
بعيدا عن ذات الحالة رغم كونه كان أمرا مسلما به . هذا الإعلان ـ إني عنك
راحلة ـ * الذي سيكون المرسل المستفز لذات الحالة على الرغبة في الفعل ،
كما أن الابتسامة الغامضة ستزيد وضعها تأزما ، باعتبارها الشرارة التي
ستوقد لهفة البحث ، و مؤشرات ذلك المصوغات التالية : هزني قولها ـ فسألتها
بتوسل قلق ـ حاولت النوم بعدها ـ تناومت ـ تقلبت * ..... الشيء الذي
سيجعلنا نرتاب في سر العلاقة التي تربط بينهما . فعلا ، هل كانت ذات الحالة
ستهتاج لو غادرت دنيا دون أن تنبس ببنت شفة ؟! ولماذا هذا الارتباك والقلق
و التوجس الناتج عن هذا الملفوظ / الصدمة ؟ " إني عنك راحلة " . هل حدست
ذات الحالة منازعة دنيا لها الرحلة ؟ الرحلة هنا بوصفها تيمة الولوج إلى
عالم (فيصل الزوايدي ) لأني أعتبرها النواة التي ترفد الرؤى المؤثثة
لعوالمه الدلالية الذاتية والإنسانية ، تتلون عبر إشراقات التيمات التي
تغريه بفتنها الحارحة غالبا ـ على الأقل فيما قرأت له : (ـ الرحيل ، بيني
وبينك ، الغروب ـ ) . إن ذات الحالة تعيش مفارقة عميقة تغذي مسار الحالات و
التحولات ، و نمو الأحداث عبر الرحلة الوهمية وراء دنيا بوصفها صورة سردية
نووية، لكونها تكتنه ــ تارة ــ الإجابة عن السؤال المعلق : من كان الأجدر
بالارتحال عن الآخر ؟ من كان في حاجة ماسة إلى الآخر ؟ ، بل من كان وجوده
رهين بوجود الآخر ؟ دنيا أم ذات الحالة ؟ ذلك ما دفع بذات الحالة نحو البحث
، رغم أن حضور دنيا يعتبر مصدر إزعاج وارتباك لها، وتكبيل لحريتها ،
واستشراء للحزن فيها ــ وتارة أخرى ــ يعد غيابها فرصة لاختلاء الذات
بذاتها مؤول ذلك عامل الزمن المصاحب لتواجد دنيا " تنبهت فجأة إلى الساعة
التي شغلتها دنيا ، عقاربها تتكتك ( مفردها عقرب )، كم أكره صوتها ،
(.......) ، دقات العقرب تلسعني ، كل ثانية تنقصني ، أوقفت الساعة بعنف "
.* فذات الحالة تفقد إدراكها بحضور دنيا / اللذة ، لكنها تستعيده بغيابها .
ففي حضورها ـ الفعلي أو الذهني ـ يمارس الزمن بعده الكرونولوجي الضاغط على
ذات الحالة و الخانق لانتعاشها الروحي ، باعتباره زمنا تاريخيا ، مأساة
ذات الحالة 4 . ففي غيابها تعانق الذات زمنها الحميمي ، كما سنرى ، زمن
الذاكرة ، والحيرة ، والألم ، زمن الصفاء الروحي ، فيه تتملى الذات بهويتها
الباطنية النقية وقد تخلصت من كراهات الزمن الملوث : " لكنها كانت ليلة
"ــ " هل أحتاج معرفة الزمن في ليلتي هذه ؟ " * حيث الزمن فيها يفقد كل
مؤشرات الاستمرارية و التحول , ففي الملفوظ الأول نجد لفظة " ليلة " نكرة
مطلقة ، تجريد زمني ، صورة سردية على التوحد و السرية ، ليلة غادرت فيها
دنيا وعي ذات الحالة ، لذا نلفيها في الملفوظ الثاني منسوبة إلى هذه
الأخيرة لا إلى دنيا أو إلى أي معطى آخر، لأنه زمنها الخالص ، سيولة زمنية
تتولد عبر حركة الحضور / دنيا والعبور / الذات ، فدنيا كانت المستفيد
الوحيد من اللقاء الحسي و المتعي ، تعيش زمنها الخطي ، لأن الإقبال كان من
طرف واحد ، مرتبط بالرغبة النفسية والمتعية ، غير المرغوب فيه من طرف ذات
الحالة " لم أدرك ليلتها مما كان ضحكها المتواصل .. أدهشني أيضا إقبالها
علي " ، " أخذت ترتدي ثيابها.." * إنها " ليلة " مثمنة عجزت فيها ذات
الحالة عن توصيف هذه اللحظة الغامضة غموض بهاء الليل و أسراره ، لحظة
انتشاء قصوى " لم أعرف كيف أمضيت ليلتي، لكنني أفقت صباحا فأدركت أنني نمت "
. * إن النوم ، والقلق ، والحيرة ، والألم ، و الذاكرة ، وكذا المرآة
أبعاد تصويرية تتوسلها ذات الحالة جسرا للعبور إلى كينونتها لترى الأشياء
في صفائها ، ليتخلق الإبداع من رحم اللحظة العابرة ، وتفاصيل الحياة
البسيطة ، لحظة تخلصها من أعباء الزمن التاريخي " انعكاسات الأضواء على
السقف ، خيالات من حياة باهتة و أشباح تمر سراعا وأنا على فراش الحيرة ".* ـ
إنها طقوس الاستعداد لخوض المغامرة " في الطريق كانت شاب يعاكس..... "ـ
وعلى إحدى الشرفات المجاورة كانت امرأة مترهلة..." * صور من الذاكرة و
الحياة تتحول عبر عمق التجربة الذاتية الصادقة إلى مرافيئ لانطلاق الرحلة /
اسراء الروح إلى عوالمها الحميمية . إننا أمام رحلة مضاعفة : رحلة النفس
وراء الملذات الدنيوية ، والمتع الحسية ، ورحلة الروح نحو الجوهري ،
والأصيل ، والنبيل ، إن ذات الحالة تعيش شرخا عميقا يعبر عن نفسه من خلال
هذا الانكسار الوجودي الذي يتسبب فيه حضور دنيا المحيلة على الهش والزائل
والزائف ، باعتباري خضوعه للزمن الكرونولوجي . حيث أن " الحقيقة باعتبارها
فكرة ، لاتقوم على المطابقة بين الذات والذات بعينها ، بل بين الذات
والواقع في رمته . يجب أن تصبح الهوية موجودة بين الذات المفكرة والموجودة
لذاتها مع الوجود في ذاته الذي يحيط بالواقع برمته " 5 كل ذلك يجعل ذات
الحالة تفقد تركيزها ، واستيعابها لما يجري حولها . لكن غيابها ـ دنيا ـ
يفضي بذات الحالة إلى الاختلاء بنفسها ، إلى تأمل هويتها في علاقتها بذاتها
و علاقتها بالآخر / المحيط من حولها . إذن عبر هذه الحركة ـ حضور / عبور
أو قل عبر تخومهما يتخلق البعد الجمالي نسغا لتتولد العوالم الدلالية التي
تنتشر عبر نمو الخطاب في رحلتين متوازيتين : رحلة وهمية داخل الزمن وراء
دنيا ، وأخرى خارج الزمن نحو الذات . وهذه الثنائيات حضور // عبور ت داخل
// خارج .... لاتتغذى من الضدية بل إنها تشير إلى " السيرورة " المنتجة
للدلالة / السيميوزيس ، أي الحركة الدلالية التصاعدية جسرا من حالة
الانكسار إلى أخرى متمنة .
فالنوم و النافذة والحيرة .... أبعاد تصويرية تتخذها ذات الحالة جسرا
للعبور إلى الذاكرة باعتبارها المخزن الذي تمتح منه جذور هويتها ، نسغ
تعلقها بالكينونة و الوجود . إنها ذات حزينة و مهمومة تعيش معاناة وجودية
من خلال مشاعر التردد و الترقب و الحيرة البارزة هناك عبر بنية اللاتحديد و
الأشكال اللغوية المكونة لمسار خطاب تجسدها بنية التنكير و المجاز .
فذات الحالة تبحث عن منفذ للعبور ، تتحرك في فضاء بين النوم و اليقظة ـ
الليل والصباح – بين الانفتاح على الذاكرة / الذات ، و الانطواء / حين حضور
دنيا ، و من خلال هذه الحركة ـ حركة الحضوروالعبور ـ تعيش معاناتها
الأليمة التي تدفع بنمو الخطاب إلى التصعيد نحونهاية تراجيدية ، عبر لحظتين
حاسمتين في مسار الذات نحو تنفيذ برنامجها السردي ، لحظة اختناق أولى ، [
لم أصبح الصمت ساعتها خانقا ] ،* دفعت بذات الحالة إلى التخلص من أكراهات
عالم " دنيا " متلمسة مسارب تفضي بها إلى انكشاف الرؤيا لتعبر الذات إلى
صفائها الروحي للكشف عن الحقائق الكامنة في الأعراض ، عن سؤال الحقيقة و
الوهم ، من خلال توظيف البعد التصوير ـ المرآة ، ذلك " لأن كثيرا من هذه
العوالم ـ التي تحيل عليها ـ الخاصة بالخيال الحديث تكون موضوعة هناك خلف
المرآة أو من خلالها . إنها فضاءات خلف المرئي ، خلف الصورة ، تقدم مناطق
مظلمة " ، 6 حيث سؤال البراءة الأزلي : سؤال الوجود [ رأيت في الصفحة أمامي
صبيا يسأل أباه : أبتي ، كيف ولدت ؟ ] .* تلقائية وعفوية و توق معرفي ،
يقابل برد قاس وعنيف من الأب / الوصي ، فيه غلظة و فظاظة طوحت بأحلام الصبي
، وخلقت لديه تصدعات وجدانية قد لاتلتئم أبدا ، مؤولها الملفوظ الوصفي [
وارتسمت قطرة براقة في مؤقه رفضت النزول ] . * إنها صرخة احتجاج و تنديد ضد
العنف المدجن التي يتماهى مع كل مظاهر القمع الفكري والجداني
والاجتماعي...... صراع الكينونة والوجود بين الرغبات الدفينة والواقع
المعيش بكل أشكاله ، سؤال يحدد العلاقة بين الذات و الآخر ، "فالسؤال متى
نكون أمام الشخص نفسه أو أمام شخص آخر ، متعلق بمعيار الهوية الذي نسلم
بوجوده ، سواء تعلق الأمر بالذات نفسها أو بعلاقتها بالآخر " 7 . تلاه سؤال
وجودي آخر لكنه يتغي وضع العلاقة بين الذات و هويتها للتداول قصد إعادة
النظر في كثير من المسلمات ، [ وسألت الشاخص أمامي عابثا أو جادا : أين أنا
؟ فابتسم بحزن و أشار إلى نفسه .. ] . * تلك بعض تداعيات الرحلة في بعدها
العمودي ، عبر الحقل التشاكلي 8 المحيل على العالم الجواني للذات ـ الذاكرة
، الحيرة ، القلق ، النوم .. ـ لتستمر الرحلة من جديد في بعدها الأفقي إثر
لحظة اختناق ثانية ، [ أحسست ثقل الهواء ، فككت زري أغلى القميض.... ] *
إثر عودة الحضور الذهني لدنيا ، عبر الملفوظ السردي المحفز و الديناميكي [
إني عنك راحلة ] . رحلة ـ ولما لانقول إسراء مادام الليل سيظل لافا
لأسرارها ، و لاتنكشف إلا عبر الأبعاد التصورية التي ستتكيئ عليها الذات في
استدراج المتلقي لا رتقاء مسار ها . [لبست بياص ثوبي وسرت نحو المحطة ]
المحطة باعتبارها فضاء لبداية الرحلة الأفقية ونهاية " للرحلة الكبرى " حيث
تبدو صورة الفتاة والمرأة المترهلة أبعادا تصويرية للعلاقات الاحتمالية
التي تمر منها الرحلة في عالم " دنيا " أوهي تشريح أزلي لبداية ونهاية
العلاقات المؤسسة على المتع الحسية واللذة الشبقية ، لتقف بنا الرحلة في
فضاء التماهي ــ عبر زجاج النافذة [ المرآة ]ــ بين عربة القطار والغرفة
والذات الجوانية لذات الحالة لتجسيد ذلك الارتباط القدري ، والذي لا مفر
منه ، بين أنين وحنين الذات إلى صفائها وبراءتها ، هويتها المطمورة ، وبين
أكراهات الواقع الضاغطة بكل أشكال العنف والقمع .. وعلى إثر صوت موجع فعلا
تستفيق ذات الحالة من رحلتها / إسرائها لتدرك النهاية دون أن تستمع
بأطوارها ،وأنى لها ذلك وقد تمت في زمن يكتنفه سحر الليل وتدعيات النوم . [
أدركت متألما ساعتها أنني أنا الرحال ] * ، رحلة كان زادها الألم ،
ونهايتها ألم ....لكنها استطاعت أن تتحفنا ببنائها الفني المتقن ، وأن ترحل
بنا في عوالمها الدلالية الممكنة الممتعة 9، التي تزداد فتنة و غواية كلما
ازددت منها تقربا وتوددا ...
البنية السردية :
من خلال الحالات والتحولات التي عملت على نمو الأحداث وتطورها يمكننا إقامة الترسيمة التالية :
المرسل الموضوع المرسل إليه
استفزاز دنيا الرحلة ذات الحالة
الساعد الذات المعيق
الذاكرة / الليل ذات الحالة دنيا
النوم /الحيرة الزمن الكرونولوجي
القلق الصباح
البنية التكوينية :
من خلال انتشار الدلالة عبر الأشكال الخطابية والتصويرية ، يمكن رصد البنية
التكوينية التي ساهمت في خلق انسجام النص و تماسكه كالتلي :
الحضور العبور
الانكسار الانتشاء
وتتجلى وحدات التأسيس لهذه الحدود القيمية فيما يلي :
الحضور : الضحك المتواصل ـ الفتنة ـ الابتسامة الغامصة ـ ......
الانكسار : الساعة ـ الصباح ـ دنيا ـ .......
العبور : ليلة ـ المرآة ـ الطريق ـ ......
الانتشاء : النوم ـ الذاكرة ـ الحيرة ...... حالات لاتستطيع ذات الحالة
تمثيلها [ هل أحتاج معرفة الزمن في ليلتي هذه ؟ ] ، [ لم أعرف كيف أمضيت
ليلتي ] .
لذا نلاحظ بأن ذات الحالة تكون مسلوبة الإرادة في حضور دنيا مأخوذة بفتنتها
و نهمها وضحكها وهذا يقتضي حالة انكسار وارتباك ، في حين أن لحظة الانتشاء
تقتضي عبور ذات الحالة إلى عالمها الجواني بعيدا عن عالم دنيا ،الشيئ الذي
يجعل نمو الدلالة و تطورها يسير نحو نهاية مؤلمة فعلا لذات توزعت بين لذة
عابرة وعرضية و أخرى أصيلة وجوهرية ..
ما بعد الرحلة :
تلك كانت همسات جاد بها نص الزوايدي فلتتوقف القراءة إذن ولتستمر غواية
الخطاب / المحكي ، آسرة بعوالمها الدلالية والممكنة المتلقي أوقل القاريء
المجرد....
ـــ محمد مهيم
إحالات :
1 ـ د عزيز محمد عدمان . مقاربات نقدية . عالم الفكر العدد 3 المجلد 37 يناير ـ مارس 2009 ص 78 .
2 ـmaingueneau , Elément de linguistique pour le texte littérraire p : 29 Dominique
3 ـ المصدر السابق : ص 25 و26
4 ـ الغروب : قصة مشورة للقاص..
5 ـ د . عز العرب الحكيم بناني : الجسم و الجسد و الهوية الذاتية . عالم الفكر العدد 4 المجلد 37 أبريل ـ يونيو 2009 ص : 112
6 ـ د. شاكر عبد الحميد : الخيال.... . عالم المعرفة ، عدد 360 فبراير 2009 ً : ص . 212
7 ـ د . عز العرب الحكيم بناني ، مرجع سابق ص : 212
8ـ Catherine fromilhague , Anne sancier – château : introduction a
l’analyse stylistique .p : 63 9ـ Umberto Eco / les limites de
l’interprétation . p : 215 .
* ـ القصة : دنيا .
رابط قصة "دنيا "
http://www.merbad.net/vb/showthread.php?t=13480
</blockquote>
تخوم الألم مقاربة سيميولوجية لقصة " دنيا "
<blockquote class="restore">تخوم الألم
مقاربة سيميولوجية لقصة " دنيا " * للقاص فيصل الزوايدي....
بقلم الناقد المغربي محمدمهيم
إليكما : فيصل الزوايدي وسارة حين يعتصر الألم قلوبنا ويعمد صهيل الخزامى بياض تخوم ليل النشوى.....
ما قبل الحكي :
" فالإنفتاح الدلالي لايمكن فصله بحال عن القراءة الإبداعية المنتجة للنصوص
، و المنسجمة مع الكيان الروحي و الإنساني لمبدع النص و منشئه، ومن هذا
البيان علم أن تقييد هذا الانفتاح بالمرجعية النصية و الحضارية لاينافي
ثراء العمل الأدبي ولايجافيه، بل إن الانفتاح المسؤول هو وفاء لمشروعية
القراءة الهادفة و الراشدة ". 1
بداية الرحلة :
كل حكاية عليها ـ ضرورة ـ أن تؤسس بنية تخييلية ، كونا ما ، من خلاله يتم
تسريب القيم المثمنة ورسم القصديات وأقامة ميثاق للقراءة التي تتكفل
بالتأشير عليها أدوات التوسط ، لذا نجد أن من بين وظائف الاستهلال السعي
إلى بلورة بعدا تخييليا ، يهيئ المتلقي ، ويعمل على توريطه في اللعبة
السردية ، فيعمد هذا الأخير إلى تلمس أفق انتظار يمكنه من الإبحار في رحلة
مغامرة بحثا عن المتعة الفنية و الجمالية والمعرفية التي يستضمرها الخطاب .
و" دنيا " من النصوص التي تستقبلك عتبتها بهمس الغواية والتوريط ، عبر ذات
الحالة / سارد بضمير المتكلم داخل حكاية intradiégetique 2 باشرت حكايتها
بتوصيف حدث سيكون بؤرة لانتشار الدلالة ، و توزيع المحافل السردية
والخطابية. و كبوابة إلى عالمها / عوالمها التخييلية ، ستضطلع فيه بوظيفة
إدارت توزيع الأبعاد التصويرية و الخطابية و القيمية بمهارة فائقة ، محيلة
على عالمها الذاتي الخالص( الخطاب الجواني) . ضمن خطاب فوق ـ سردي
métalinguistique " لم أعرف كيف أمضيت ليلتي ، لكنني أفقت صباحا فأدركت
أنني نمت " * فكيف تمكنت من تمرير خطابها هذا ؟
البنية العامة للنص :
يبدو أن الوضعية البدئية حبلى بالتحولات ، مانحة بذلك احتمالات عديدة
لحالات الوضعية النهائية ، الشيئ الذي يجيز لنا اختيارا / اختيارات ــ بوعي
أو دونه من ذات الحالة ـ نرصد عبره المحور التداولي المتولد عن التناص
الداخل نصي ( تبعا لنوعية الخطاب كما سنرى )، حيث أن كل عنصر سوف يتمفصل
عبر أدوات التوسط بواسطة المحور التركيب نصي ، يتجسد من خلال البنية العامة
للخطاب ، أو المحور الدلالي بوصف هذا الأخير رحما لتوالد العوالم الدلالية
، فيتخلق التماسك و الانسجام عبر تعالق كل مكونات الخطاب . وهذا ما يمنحنا
ترسيم المحور الدلالي ل " دنيا " كالتالي :
الوضعية البدئية ............... .التحول ........................ الوضعية النهائية
اللاإدراك..................... الرحلة ........................ .إدراك
اتصال سلبي[ رحلة الحياة مع دنيا ]........موضوع القيمة......... اتصال مثمن[ رحلة الذات إلى ذاتها ]
لذا نلفي ذات الحالة تحاول بدءا طرح عدم استيعابها لأبعاد الضحك المسترسل
ل"دنيا " ، مندهشة من إقبالها الجنوني [ لم أدرك ليلتها مما كان ضحكها
]*ـــ لكن الإدراك سيأتي متأخرا [ أدركت متألما ساعتها أنني أنا كنت الراحل
] * وذلك أمر طبعي لأن ذات الحالة ستعيش رحلتها في فضاء متاخم لحدود
اللاإدراك و الإدراك الحضور و العبور . غير أن الإدراك اليقيني لذات الحالة
تجلى في وعيها أو قل تذكرها لخصوصية الزمن ، وتميزه على غير العادة " ليلة
" 3 باعتباره الإطار الذي سيحتضن عوالم الرحلة ..
التقطيع والمستوىالتصويري :
يعتبر التقطيع النصي الإجرائي أول العتبات التأويلية و منفذا إلى تلمس
عملية كيفية تأثيث ذات الحالة // السارد لخطابها ، وتوزيع الأدوار بين
المحافل السردية ، ورصد للحالات و التحولات ، ونمو الحدث ، وتتبع انتشار
الدلالة عبر الأبعاد التصويرية .لذا أفضى بنا تتبع نمو البنية التكوينية في
علاقتها بالوضعيات السردية إلى الترسيمة التالية :
المقطع الأول : من : لم أدرك.............................................. ... إلى : اكتفت بابتسامة غامضة .
المقطع الثاني : من : حاولت النوم بعدها ......................................إلى : قالت إني عنك راحلة ؟
المقطع الثالث : من : أحسست ثقل الهواء.......................................إلى : هي دنيا ، بنفس فتنتها و ضحكها ونهمها .
المقطع الرابع : من : في تلك اللحظة دخل القطار.............................إلى كنت الراحل .
بدءا من العتبة النصية تشرع ذات الحالة في تسريبي المحافل السردية التي
ستتكفل بتوزيع الأدوار: العامل الذات ممثلا بواسطة ذات الحالة / السارد ،
ثم " دنيا " ممثل لعاملين المعيق والمساعد حسب الدور التي يمنحها لها تطور
الحدث ، و " ليلة " بوصفها الزمن الذي سيحتضن الرحلة إلى الذات ، بوصفها
موضوع القيمة المثمن ، كما سنرى . ذلك أن حدث الضحك المسترسل والإقبال
الجنوني لدنيا على ذات الحالة ، أثارا اندهاش هذه الأخيرة ، لعدم إدراكها
سر ذلك ، لكن المؤكد أيضا إدراكها الواعي للزمن " ليلة " . غير أن ما يتثير
الاستغراب فعلا هو وقع إعلان دنيا الارتحال ـ بعد إشباعها لمتعها الحسية ـ
بعيدا عن ذات الحالة رغم كونه كان أمرا مسلما به . هذا الإعلان ـ إني عنك
راحلة ـ * الذي سيكون المرسل المستفز لذات الحالة على الرغبة في الفعل ،
كما أن الابتسامة الغامضة ستزيد وضعها تأزما ، باعتبارها الشرارة التي
ستوقد لهفة البحث ، و مؤشرات ذلك المصوغات التالية : هزني قولها ـ فسألتها
بتوسل قلق ـ حاولت النوم بعدها ـ تناومت ـ تقلبت * ..... الشيء الذي
سيجعلنا نرتاب في سر العلاقة التي تربط بينهما . فعلا ، هل كانت ذات الحالة
ستهتاج لو غادرت دنيا دون أن تنبس ببنت شفة ؟! ولماذا هذا الارتباك والقلق
و التوجس الناتج عن هذا الملفوظ / الصدمة ؟ " إني عنك راحلة " . هل حدست
ذات الحالة منازعة دنيا لها الرحلة ؟ الرحلة هنا بوصفها تيمة الولوج إلى
عالم (فيصل الزوايدي ) لأني أعتبرها النواة التي ترفد الرؤى المؤثثة
لعوالمه الدلالية الذاتية والإنسانية ، تتلون عبر إشراقات التيمات التي
تغريه بفتنها الحارحة غالبا ـ على الأقل فيما قرأت له : (ـ الرحيل ، بيني
وبينك ، الغروب ـ ) . إن ذات الحالة تعيش مفارقة عميقة تغذي مسار الحالات و
التحولات ، و نمو الأحداث عبر الرحلة الوهمية وراء دنيا بوصفها صورة سردية
نووية، لكونها تكتنه ــ تارة ــ الإجابة عن السؤال المعلق : من كان الأجدر
بالارتحال عن الآخر ؟ من كان في حاجة ماسة إلى الآخر ؟ ، بل من كان وجوده
رهين بوجود الآخر ؟ دنيا أم ذات الحالة ؟ ذلك ما دفع بذات الحالة نحو البحث
، رغم أن حضور دنيا يعتبر مصدر إزعاج وارتباك لها، وتكبيل لحريتها ،
واستشراء للحزن فيها ــ وتارة أخرى ــ يعد غيابها فرصة لاختلاء الذات
بذاتها مؤول ذلك عامل الزمن المصاحب لتواجد دنيا " تنبهت فجأة إلى الساعة
التي شغلتها دنيا ، عقاربها تتكتك ( مفردها عقرب )، كم أكره صوتها ،
(.......) ، دقات العقرب تلسعني ، كل ثانية تنقصني ، أوقفت الساعة بعنف "
.* فذات الحالة تفقد إدراكها بحضور دنيا / اللذة ، لكنها تستعيده بغيابها .
ففي حضورها ـ الفعلي أو الذهني ـ يمارس الزمن بعده الكرونولوجي الضاغط على
ذات الحالة و الخانق لانتعاشها الروحي ، باعتباره زمنا تاريخيا ، مأساة
ذات الحالة 4 . ففي غيابها تعانق الذات زمنها الحميمي ، كما سنرى ، زمن
الذاكرة ، والحيرة ، والألم ، زمن الصفاء الروحي ، فيه تتملى الذات بهويتها
الباطنية النقية وقد تخلصت من كراهات الزمن الملوث : " لكنها كانت ليلة
"ــ " هل أحتاج معرفة الزمن في ليلتي هذه ؟ " * حيث الزمن فيها يفقد كل
مؤشرات الاستمرارية و التحول , ففي الملفوظ الأول نجد لفظة " ليلة " نكرة
مطلقة ، تجريد زمني ، صورة سردية على التوحد و السرية ، ليلة غادرت فيها
دنيا وعي ذات الحالة ، لذا نلفيها في الملفوظ الثاني منسوبة إلى هذه
الأخيرة لا إلى دنيا أو إلى أي معطى آخر، لأنه زمنها الخالص ، سيولة زمنية
تتولد عبر حركة الحضور / دنيا والعبور / الذات ، فدنيا كانت المستفيد
الوحيد من اللقاء الحسي و المتعي ، تعيش زمنها الخطي ، لأن الإقبال كان من
طرف واحد ، مرتبط بالرغبة النفسية والمتعية ، غير المرغوب فيه من طرف ذات
الحالة " لم أدرك ليلتها مما كان ضحكها المتواصل .. أدهشني أيضا إقبالها
علي " ، " أخذت ترتدي ثيابها.." * إنها " ليلة " مثمنة عجزت فيها ذات
الحالة عن توصيف هذه اللحظة الغامضة غموض بهاء الليل و أسراره ، لحظة
انتشاء قصوى " لم أعرف كيف أمضيت ليلتي، لكنني أفقت صباحا فأدركت أنني نمت "
. * إن النوم ، والقلق ، والحيرة ، والألم ، و الذاكرة ، وكذا المرآة
أبعاد تصويرية تتوسلها ذات الحالة جسرا للعبور إلى كينونتها لترى الأشياء
في صفائها ، ليتخلق الإبداع من رحم اللحظة العابرة ، وتفاصيل الحياة
البسيطة ، لحظة تخلصها من أعباء الزمن التاريخي " انعكاسات الأضواء على
السقف ، خيالات من حياة باهتة و أشباح تمر سراعا وأنا على فراش الحيرة ".* ـ
إنها طقوس الاستعداد لخوض المغامرة " في الطريق كانت شاب يعاكس..... "ـ
وعلى إحدى الشرفات المجاورة كانت امرأة مترهلة..." * صور من الذاكرة و
الحياة تتحول عبر عمق التجربة الذاتية الصادقة إلى مرافيئ لانطلاق الرحلة /
اسراء الروح إلى عوالمها الحميمية . إننا أمام رحلة مضاعفة : رحلة النفس
وراء الملذات الدنيوية ، والمتع الحسية ، ورحلة الروح نحو الجوهري ،
والأصيل ، والنبيل ، إن ذات الحالة تعيش شرخا عميقا يعبر عن نفسه من خلال
هذا الانكسار الوجودي الذي يتسبب فيه حضور دنيا المحيلة على الهش والزائل
والزائف ، باعتباري خضوعه للزمن الكرونولوجي . حيث أن " الحقيقة باعتبارها
فكرة ، لاتقوم على المطابقة بين الذات والذات بعينها ، بل بين الذات
والواقع في رمته . يجب أن تصبح الهوية موجودة بين الذات المفكرة والموجودة
لذاتها مع الوجود في ذاته الذي يحيط بالواقع برمته " 5 كل ذلك يجعل ذات
الحالة تفقد تركيزها ، واستيعابها لما يجري حولها . لكن غيابها ـ دنيا ـ
يفضي بذات الحالة إلى الاختلاء بنفسها ، إلى تأمل هويتها في علاقتها بذاتها
و علاقتها بالآخر / المحيط من حولها . إذن عبر هذه الحركة ـ حضور / عبور
أو قل عبر تخومهما يتخلق البعد الجمالي نسغا لتتولد العوالم الدلالية التي
تنتشر عبر نمو الخطاب في رحلتين متوازيتين : رحلة وهمية داخل الزمن وراء
دنيا ، وأخرى خارج الزمن نحو الذات . وهذه الثنائيات حضور // عبور ت داخل
// خارج .... لاتتغذى من الضدية بل إنها تشير إلى " السيرورة " المنتجة
للدلالة / السيميوزيس ، أي الحركة الدلالية التصاعدية جسرا من حالة
الانكسار إلى أخرى متمنة .
فالنوم و النافذة والحيرة .... أبعاد تصويرية تتخذها ذات الحالة جسرا
للعبور إلى الذاكرة باعتبارها المخزن الذي تمتح منه جذور هويتها ، نسغ
تعلقها بالكينونة و الوجود . إنها ذات حزينة و مهمومة تعيش معاناة وجودية
من خلال مشاعر التردد و الترقب و الحيرة البارزة هناك عبر بنية اللاتحديد و
الأشكال اللغوية المكونة لمسار خطاب تجسدها بنية التنكير و المجاز .
فذات الحالة تبحث عن منفذ للعبور ، تتحرك في فضاء بين النوم و اليقظة ـ
الليل والصباح – بين الانفتاح على الذاكرة / الذات ، و الانطواء / حين حضور
دنيا ، و من خلال هذه الحركة ـ حركة الحضوروالعبور ـ تعيش معاناتها
الأليمة التي تدفع بنمو الخطاب إلى التصعيد نحونهاية تراجيدية ، عبر لحظتين
حاسمتين في مسار الذات نحو تنفيذ برنامجها السردي ، لحظة اختناق أولى ، [
لم أصبح الصمت ساعتها خانقا ] ،* دفعت بذات الحالة إلى التخلص من أكراهات
عالم " دنيا " متلمسة مسارب تفضي بها إلى انكشاف الرؤيا لتعبر الذات إلى
صفائها الروحي للكشف عن الحقائق الكامنة في الأعراض ، عن سؤال الحقيقة و
الوهم ، من خلال توظيف البعد التصوير ـ المرآة ، ذلك " لأن كثيرا من هذه
العوالم ـ التي تحيل عليها ـ الخاصة بالخيال الحديث تكون موضوعة هناك خلف
المرآة أو من خلالها . إنها فضاءات خلف المرئي ، خلف الصورة ، تقدم مناطق
مظلمة " ، 6 حيث سؤال البراءة الأزلي : سؤال الوجود [ رأيت في الصفحة أمامي
صبيا يسأل أباه : أبتي ، كيف ولدت ؟ ] .* تلقائية وعفوية و توق معرفي ،
يقابل برد قاس وعنيف من الأب / الوصي ، فيه غلظة و فظاظة طوحت بأحلام الصبي
، وخلقت لديه تصدعات وجدانية قد لاتلتئم أبدا ، مؤولها الملفوظ الوصفي [
وارتسمت قطرة براقة في مؤقه رفضت النزول ] . * إنها صرخة احتجاج و تنديد ضد
العنف المدجن التي يتماهى مع كل مظاهر القمع الفكري والجداني
والاجتماعي...... صراع الكينونة والوجود بين الرغبات الدفينة والواقع
المعيش بكل أشكاله ، سؤال يحدد العلاقة بين الذات و الآخر ، "فالسؤال متى
نكون أمام الشخص نفسه أو أمام شخص آخر ، متعلق بمعيار الهوية الذي نسلم
بوجوده ، سواء تعلق الأمر بالذات نفسها أو بعلاقتها بالآخر " 7 . تلاه سؤال
وجودي آخر لكنه يتغي وضع العلاقة بين الذات و هويتها للتداول قصد إعادة
النظر في كثير من المسلمات ، [ وسألت الشاخص أمامي عابثا أو جادا : أين أنا
؟ فابتسم بحزن و أشار إلى نفسه .. ] . * تلك بعض تداعيات الرحلة في بعدها
العمودي ، عبر الحقل التشاكلي 8 المحيل على العالم الجواني للذات ـ الذاكرة
، الحيرة ، القلق ، النوم .. ـ لتستمر الرحلة من جديد في بعدها الأفقي إثر
لحظة اختناق ثانية ، [ أحسست ثقل الهواء ، فككت زري أغلى القميض.... ] *
إثر عودة الحضور الذهني لدنيا ، عبر الملفوظ السردي المحفز و الديناميكي [
إني عنك راحلة ] . رحلة ـ ولما لانقول إسراء مادام الليل سيظل لافا
لأسرارها ، و لاتنكشف إلا عبر الأبعاد التصورية التي ستتكيئ عليها الذات في
استدراج المتلقي لا رتقاء مسار ها . [لبست بياص ثوبي وسرت نحو المحطة ]
المحطة باعتبارها فضاء لبداية الرحلة الأفقية ونهاية " للرحلة الكبرى " حيث
تبدو صورة الفتاة والمرأة المترهلة أبعادا تصويرية للعلاقات الاحتمالية
التي تمر منها الرحلة في عالم " دنيا " أوهي تشريح أزلي لبداية ونهاية
العلاقات المؤسسة على المتع الحسية واللذة الشبقية ، لتقف بنا الرحلة في
فضاء التماهي ــ عبر زجاج النافذة [ المرآة ]ــ بين عربة القطار والغرفة
والذات الجوانية لذات الحالة لتجسيد ذلك الارتباط القدري ، والذي لا مفر
منه ، بين أنين وحنين الذات إلى صفائها وبراءتها ، هويتها المطمورة ، وبين
أكراهات الواقع الضاغطة بكل أشكال العنف والقمع .. وعلى إثر صوت موجع فعلا
تستفيق ذات الحالة من رحلتها / إسرائها لتدرك النهاية دون أن تستمع
بأطوارها ،وأنى لها ذلك وقد تمت في زمن يكتنفه سحر الليل وتدعيات النوم . [
أدركت متألما ساعتها أنني أنا الرحال ] * ، رحلة كان زادها الألم ،
ونهايتها ألم ....لكنها استطاعت أن تتحفنا ببنائها الفني المتقن ، وأن ترحل
بنا في عوالمها الدلالية الممكنة الممتعة 9، التي تزداد فتنة و غواية كلما
ازددت منها تقربا وتوددا ...
البنية السردية :
من خلال الحالات والتحولات التي عملت على نمو الأحداث وتطورها يمكننا إقامة الترسيمة التالية :
المرسل الموضوع المرسل إليه
استفزاز دنيا الرحلة ذات الحالة
الساعد الذات المعيق
الذاكرة / الليل ذات الحالة دنيا
النوم /الحيرة الزمن الكرونولوجي
القلق الصباح
البنية التكوينية :
من خلال انتشار الدلالة عبر الأشكال الخطابية والتصويرية ، يمكن رصد البنية
التكوينية التي ساهمت في خلق انسجام النص و تماسكه كالتلي :
الحضور العبور
الانكسار الانتشاء
وتتجلى وحدات التأسيس لهذه الحدود القيمية فيما يلي :
الحضور : الضحك المتواصل ـ الفتنة ـ الابتسامة الغامصة ـ ......
الانكسار : الساعة ـ الصباح ـ دنيا ـ .......
العبور : ليلة ـ المرآة ـ الطريق ـ ......
الانتشاء : النوم ـ الذاكرة ـ الحيرة ...... حالات لاتستطيع ذات الحالة
تمثيلها [ هل أحتاج معرفة الزمن في ليلتي هذه ؟ ] ، [ لم أعرف كيف أمضيت
ليلتي ] .
لذا نلاحظ بأن ذات الحالة تكون مسلوبة الإرادة في حضور دنيا مأخوذة بفتنتها
و نهمها وضحكها وهذا يقتضي حالة انكسار وارتباك ، في حين أن لحظة الانتشاء
تقتضي عبور ذات الحالة إلى عالمها الجواني بعيدا عن عالم دنيا ،الشيئ الذي
يجعل نمو الدلالة و تطورها يسير نحو نهاية مؤلمة فعلا لذات توزعت بين لذة
عابرة وعرضية و أخرى أصيلة وجوهرية ..
ما بعد الرحلة :
تلك كانت همسات جاد بها نص الزوايدي فلتتوقف القراءة إذن ولتستمر غواية
الخطاب / المحكي ، آسرة بعوالمها الدلالية والممكنة المتلقي أوقل القاريء
المجرد....
ـــ محمد مهيم
إحالات :
1 ـ د عزيز محمد عدمان . مقاربات نقدية . عالم الفكر العدد 3 المجلد 37 يناير ـ مارس 2009 ص 78 .
2 ـmaingueneau , Elément de linguistique pour le texte littérraire p : 29 Dominique
3 ـ المصدر السابق : ص 25 و26
4 ـ الغروب : قصة مشورة للقاص..
5 ـ د . عز العرب الحكيم بناني : الجسم و الجسد و الهوية الذاتية . عالم الفكر العدد 4 المجلد 37 أبريل ـ يونيو 2009 ص : 112
6 ـ د. شاكر عبد الحميد : الخيال.... . عالم المعرفة ، عدد 360 فبراير 2009 ً : ص . 212
7 ـ د . عز العرب الحكيم بناني ، مرجع سابق ص : 212
8ـ Catherine fromilhague , Anne sancier – château : introduction a
l’analyse stylistique .p : 63 9ـ Umberto Eco / les limites de
l’interprétation . p : 215 .
* ـ القصة : دنيا .
رابط قصة "دنيا "
http://www.merbad.net/vb/showthread.php?t=13480
</blockquote>