ما ان تقرأ مقالا او لقاء مع ناقد او حوارا ونقاشا،فثمة سؤال متوقع تجده في مقدمة الاسئلة التي يدور حولها النقاش،هو: هل ثمة نقاد عراقيون
احترفوا النقد واصطنعوا لهم كونا نقديا خاصا بهم وان كان الجواب بالايجاب.كيف نظر هؤلاء الى قضية المنهج بوصفه شكلا من اشكال الممارسة النقدية المنهجية. ان الاجابة الشافية على سؤال مهم كهذا تعني معاينة طويلة لاجيال نقدية متعددة نجحت في ان تقدم الادب العراقي بصورة شفافة الى القراء وتدفع بالمشاريع الشعرية الجديدة الى الامام وليس بنا حاجة هنا الى ذكر اسماء النقاد الرواد الذين اضاؤوا بأقلامهم مناطق شعرية واتجاهات شعرية جديدة كل الجدة على المدونة الشعرية العربية الا ان من المنصف القول ان هؤلاء الرواد ما كان لهم ان يكونوا لولا وجود جيل او اجيال سبقتهم وواكبت المشهد الادبي وكتبت ونظرت وحاورت الا ان ظروف النشأة والتطور لم تمنحهم الفرصة لأسباب شتى ان يجمعوا شتات افكارهم بكتب رصينة فضاعت مساعيهم وسط تلك الامواج العاتية.ولأن النقد اليوم لا يتوقف عند النقاد الانطباعيين الذين لا يدخلون باب النقد من بوابة المنهج لذلك فان فرص الاهتمام بمنجزهم النقدي -ان صح التعبير- تتلاشى اذا ما قورنوا بالنقاد من اصحاب النظر النقدي الذي يسير على وفق آليات نقدية واضحة المعالم، لذلك فان اي تحديد زمني لبدء رحلة النقد العراقي ينبغي لها ان لا تغفل تلك الارهاصات النقدية التي سبقت ذلك التحديد الزمني لبدء تلك الرحلة وهنا يمكن ان نذكر في هذا المجال ان بداية النقد العراقي بادئا ذي بدء اقترنت بالنقد الاكاديمي اذ توجه جمع من الاساتذة الى خارج البلاد للدراسة في الجامعات الاجنبية والعربية فشغلت دراساتهم جانبا من الشعر العربي قديمه ومحدثه على وفق محمولات منهجية،قد يكون المحمول السياقي الذي تجسد في المناهج: التاريخي والنفسي والاجتماعي وقدموا هؤلاء خدمة جليلة للادب العربي بصورة عامة والعراقي منه على وجه التحديد وهنا يمكن ان نشير الى نقاد اكاديميين من امثال علي جواد الطاهر ود. علي الزبيدي ود. جميل سعيد ود. عناد عزوان ود. محسن فياض ود.عبدالجبار المطلبي ود. داود سلوم ونازك الملائكة ود. جلال الخياط ود.هادي الحمداني ود. احمد مطلوب ود. رزوق فرج رزوق ود. علي عباس علوان ثم اعقبت هذا الجيل النقدي الاكاديمي اجيال اخرى من امثال د. مالك المطلبي ود. علي جعفر العلاق ود. حاتم الصكر ود. مرشد الزبيدي ود. عبد الرضا علي ومحمد مبارك ود. سمير الخليل الى ان يصل الى المشهد النقدي الاكاديمي اليوم فثمة اسماء نقدية مرموقة من امثال د. بشرى موسى صالح ود. حسن كاظم ود. نادية العزاوي ود. ناظم عودة ود. يوسف اسكندر ود. عباس اليوسفي ود. مشتاق عباس واخرين.ان ذكر هؤلاء النقاد الاكاديميين لا يعني انهم يمثلون النقد العراقي تمثيلا صادقا ذلك انهم يمثلون جزءا او مساحة غير كبيرة من الواقع النقدي العراقي اذ حمل نقاد اخرون على عاتقهم شعراء منهم اصلا، او نقاد مهمة الارتقاء بالشعر العراقي وتقديمه على احسن وجه الى المتلقي ايا كان مكانه وهويته.وقد فهم هؤلاء النقاد اللعبة النقدية القائمة وفق آليات منهجية واضحة المعالم. ومن امثال هؤلاء النقاد المعروفين: فاضل ثامر وياسين النصير وسعيد الغانمي ومحمد الجزائري وباقر محمد جاسم وعبد الجبار داود البصري واخرين، ثم ظهر نقاد اخرون شباب خرجوا عن السائد والمعروف في عالم النقد العراقي والعربي ليشتغلوا على مناطق جديدة في النقد اعني المناهج النصية وما بعد الحداثة من سيميائية وتفكيكية ونظرية التلقي.وهنا ينبغي ان نشير ان كثيرا من النقاد الذين وقعوا تحت تأثير النقد الاكاديمي بقوا يراوحون في اماكنهم عند حدود دراساتهم الاكاديمية ولم يفلحوا من معاينة الظواهر الشعرية الجديدة وليس ادل على ذلك من مواقفهم المتطرفة من قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر واذا اردنا الدقة اكثر حتى مع ثورة ابي نواس وابي تمام على القصيدة العربية وخروج الاخير العلني على عمود الشعر. لذلك نجد اليوم ان الهوة واسعة بين المشهد الشعري لا بل قل الثقافي وبين هؤلاء الاكاديميين مع استثناءات معدودة لذلك مازال دارسو الادب يفتشون في بطون الكتب القديمة عن شعراء مغمورين لم يتركوا اثرا شعريا كبيرا يلفت انتباه الناس في عصورهم ليتخذوهم موضوعات لرسائلهم الاكاديمية وتلك مفارقة كبيرة تاركين مساحات شعرية مهمة في المدونة الشعرية العراقية والعربية لم تطأها الاقدام بعد وعودا الى الشطر الثاني من السؤال الوارد في مستهل هذه المقالة حول نظر هؤلاء النقاد الى المنهج.. اقول ان تباين نظرتهم الى قضية المنهج هو السمة البارزة في ذلك فاذا كان الرعيل الاكاديمي الاول قد افاد من الدرس النقدي الغربي في التعاطي مع المناهج النقدية فانه يتخلص تماما من هيمنة تاريخ الادب الحديث الولادة الذي لا يتجاوز اواخر القرن الثامن عشر واوائل القرن التاسع عشر فانصب اهتمامه على الشخصية الادبية او الظاهرة الادبية في سياقاتها التاريخية ومدى ارتباطها بالحياة التي اسهمت في ولادة تلك الشخصية او الظاهرة الى جانب اهتمامها بالمسار التاريخي التطوري لتلك الشخصية عبر سني حياتها الامر الذي جعل هذه الدراسات تعاني من نقص واضح في الجوانب الفنية والادائية بجعلها النصوص الادبية مادة تاريخية بحتة وقد اضفت هذه النظرة صفة الكلاسيكية والتقليدية والاجترار على كثير من الدراسات الاكاديمية ولم يسلم منها حتى النقاد الذين يحملون حسا حداثويا. الا ان هذه النظرة قد تبددت على ايدي جمهرة من الاكاديميين الذين انغمسوا في الهم النقدي من خلال معاينة النصوص على وفق مقاربات داخلية او نصية اسلوبية وسيميائية وتفكيكية ونظرية التلقي فضلا عن انفتاحها الى حد ما على المشهد الادبي من خلال الاشتغال على نصوص معاصرة وظواهر لا تخرج من النص الا لتعود الى احضانه.اما الجانب الاخر من النقد واعني النقاد غير الاكاديميين فان كثيرا منهم لم يتخلص من عبارات المجاملة والمديح والمبالغة والتي تدور حول النصوص ولا تعاينها داخليا وكثير من هذا النقد يملأ صفحات الصحف والمجلات وهو ليس بذات قيمة من وجهة نظر منهجية.ومع ذلك فقد برز في العراق نقاد كثيرون احترفوا النقد وتعاملوا مع المنجز الادبي على وفق اليات منهجية معروفة قد لا تخرج عن معاينة النقاد الاكاديمية كثيرا سواء بالمعاينة السياقية في اول الامر والمعاينة النصية فيما بعد