الوسائل السمعيّة البصرية و الطريقة النشيطة
في تدريس التاريخ و الجغرافيا
1- تعريف الطريقة النشيطة و أقطابها :
يقول ماريون " بما أن التربية تمثل من جملة الأعمال الإنسانية الأخرى أهم و أخطر ممارسة حضارية وجب القيام بها بعيدا عن الصدفة و العشوائية ."
و انطلاقا من هذه القولة يمكن الإقرار بأن ذلك لا يتحقق إلا إذا اعتمد المربون طرق عمل منظمة و رشيدة كما يتضح من خلال القولة نفسها الأهمية البالغة التي تتبوؤها الطرق البيداغوجية في التدريس فما مفهوم الطريقة .
أ-مفهوم الطريقة :
لغـــــة : الطريقة كما ورد تعريفها في لسان العرب هي السيرة و طريقة الرجل :
مذهبه ، يقال ما زال فلان على طريقة واحدة أي على حالة واحدة .
و فلان حسن الطريقة ،و الطريقة : الحال : يقال هو طريقة حسنة ، و طريقة سيئة و قوله تعالى : " و إن لو استقاموا على الطريقة " و أراد لو استقاموا على طريقة الهدى و قيل على طريقة الكفر و طرائق الدهر و ما عليه من تقلبـــــــــــــه . و بالتالي فإن مفهوم الطريقة في اللغة لا يخرج عن المعاني التالية : المذهــــــب و السيرة و الحال حسنة كانت أو سيئة .
فهل أن المفهوم اللغوي يتماشى مع المفهوم اللإصطلاحي أم يختلف.
اصطلاحا : يوحي متوخاة لاكتشاف المعارف .
* معنى 1- طريقة متوخاة لاكتشاف المعارف
* معنى 2 – طريقة متوخاة لإيصال المعارف
و تبعا للمفهوم الاصطلاحي للطريقة نتبين أنها لا تهم الأستاذ فقط بل تشمل أيضا التلميذ إذ هو الطرف الذي يعمل على تحصيل المعرفة و لا بد من ‘إرسائه إلى منهجية واضحة و مثلى يتدرب بها على ترتيب أفكاره و السعي لاكتشاف المعارف .
و عليه يمكن القول إن الطريقة هي المنهجية العامة للتدريس و في هذا الإطار يقول عبد العزيز صالح في تعريفه الطريقة " هي أيسر السبل للتعلم ففي أي منهج من مناهج الدراسة تصبح الطريقة جيدة متى أسفرت عن نجاح المدرسة في عملية التدريس و تعلم التلاميذ بأيسر السبل و أكثرها اختصار ".
و انطلاقا من تعريف عبد العزيز صالح يمكن القول أن الطريقة الحوارية أو الإستجوابية أو النشيطة هي من الطرق المثلى التي لا بد من توخيها في التدريس .
فالطريقة الإستجوابية لغة مشتقة من ( ج-و- ب) إجابة و إيجابا وجابة بمعنى رجع الكلام يقال أجابه عن سؤاله فالاستجواب هو طرح السؤال و طلب الإجابة عنه .
اصطلاحا تسمى الطريقة بالإستجوابية لوجود السؤال فالجواب كما تسمى أيضا بالحوارية لوجود الحوار.
و فيما يستخدم المدرس الاستجواب الموجه على شكل أسئلة لتلاميذه قصد اكتشاف الحقائق و تعلمها من تلقاء أنفسهم فالطريقة النشيطة تعتمد إذن على الحوار و النقاش و الأسئلة للوصول
إلى حقيقة ما . و غرض تلك الأسئلة هو بث المعلومات في نفوس التلاميذ و تعويدهم على البحث وراء المعرفة و الحقيقة .
و تسمى الطريقة الاستجابية بطريقة التوليد لأن المدرس يسعى إلى توليد مادة رئيسية من أذهان التلاميذ أنفسهم عن طريق أسئلة منظمة .
و بالتالي يمكن أن نستنتج من خلال هذا العرض لمفهوم الطريقة الإستجوابية بأن التلميذ أصبح مركز الاهتمام بعد أن كان في الطريقة التلقينية منعزلا و بذلك فإن مرحلة الطفولة لم تبق مرحلة سلبية يجب تخطيها بسرعة بل هي مرحلة إيجابية يجب على المربي معرفة خصائصها حتى يوفق في تعامله مع تلاميذه إذ أ، جهله لطبيعة مرباه قد تؤول به إلى ارتكاب هفوات تربوية لذلك يقول رسو : " ابدؤوا بمعرفة أطفالكم لأنكم تجهلون عنهم الكثير ".
لذلك فإن العمل التربوي لم يبق عملية تعليم فقط أصبح عملية تعليم و تعلم و أصبح النشاط داخل القسم متمحورا حول التلميذ و المدرس .
كيفيّة سير الدرس و لا يتوقف دور المتعلم عند الإجابة عن أسئلة معلمه و لا يستطيع الخروج عن التخطيط الذي رسمه للدرس و لكن ذلك حسب رأيي عمل غير صحيح لأن العملية التربوية تحتاج إلى تنظيم محكم مثل تحديد أهداف واضحة لها و اختيار الطرق المناسبة لضمان نجاعتها و هذا يستوجب وجود طرف توكل إليه تلك المهمة و إلا أصبحت العملية التربوية عملا عشوائيا متروكا للصدفة و تبعا لذلك لا بد أن لا يتوقف دور التلميذ عند الإجابة عن الأسئلة فقط بل و أيضا طرح تساؤلاته الفردية فيكون المناخ داخل الفصل قائما على الحوار و النقاش و النقد .
و يمكن أن يستنتج القارئ مما سبق من أمر الطريقة الحوارية أنها الطريقة المثلى للتدريس بحيث يمكن الاستغناء تماما عن الطريقة التلقينية غير أن الطريقة الحوارية لا تستقيم و لا يمكن لها أن تبلغ النتائج المرجوة منها إلا إذا ما توفر لها من الوسائل ما يمكنها من النجاح و من بين هذه الوسائل التي أضحت تفرض نفسها و تعتمد كأساس من أسس إنجاح الطريقة الحوارية ، السمعية البصرية التي يمكن من الانتقال بالتعلم من طوره المجرد إلى طوره المحسوس.
2 الوسائل السمعية البصرية و التعلم الملموس :
أ – أهمية تكامل الحواس البشرية في عملية التعلم .
كيف يتعلم الإنسان ما هي الحاسة التي تلعب دورا هاما في عملية التعلم : هو موضوع أثار فيضا من الدراسات و التي اختلفت في طرق معالجتها للموضوع فيوجد بينها قاسم مشترك واحد ألا وهو المتمثل في كون عملية التعلم أشبه بأن تكون بعملية الخيمية و معقدة بشكل لا يسمح بأن نفضل حاسة عن أخرى فيها فالإنسان يستثمر كل حواسه في عملية التعلم فالمتعلم يسعى لاستثمار كل حواسه حتى يتسنى له إدراك الأشياء بحواسه و عقله في آن واحد موجها فضوله نحو الخصائص الجوهرية للأشياء و متدرجا في ذلك من المعلوم إلى المجهول و من الظاهر إلى الخفي و من البسيط إلى المركب و لعل هذه الاعتبارات هي التي دفعت بالعديد من المنظرين للقول :
" لنبدأ المعرفة من الحواس " و هو ما نجد له الصدى في التراث الشعبي الصيني إذ يقول أحد الأمثال الشعبية الصينية " اسمع و أنسى ، أشاهد و أتذكر ، أمارس و أتعلم " و مهما يكن من
أمر . هذه الأفكار النظرية فقد برهنت الدراسات العلمية أن عملية التعلم تتقاسمها مختلف الحواس البشرية بقدرات متفاوتة من ذلك أن جون ديوزايد و إثر تجارب علمية عديدة بيّن أن المكتسبات المعرفية التي يتحصل عليها الإنسان عن طريق الحواس تتوزع كالآتي :
عن طريق التذوق : 1%
عن طريق اللمس : 1.5%
عن طريق الشمع : 11%
عن طريق البصر : 83%
و تبعا لهذه الأرقام التي تمثل حصيلة و خلاصة دراسات متعددة نتبين أن الإطار العلمي لا يتناقض مع الإطار النظري بل يتفقان في كون عملية التعلم هي عملية يستثمر فيها الإنسان كل حواسه التي تتكامل لبلوغ غاية التلعم و تبقى الممارسة هي المرحلة الشاملة التي يوظف فيها الإنسان مختلف حواسه غير أن بلوغ هذه المرحلة لا يتأتى في اعتقادي إلا عبر أو من خلال استعمال الوسائل السمعية البصرية التي تتيح للمتعلم المشاهدة و السماع و الممارسة .
ب- الوسائل السمعية البصرية وسيلة تعليمية هامة في مادتي التاريخ و الجغرافيا .
الوسيلة التعليمية هي بمثابة الوسيط بين المعلم و المعرفة و المتلعم و هي بسيط ذو أهمية بالغة في عملية التعلم إذ تمكن من التقليل من الجهد و اختصار الوقـــــت و تؤمن التعلم المباشر و الملموس .
فالوسائل السمعية البصرية تمكن المعلم اليوم من تجديد طرق تبليغه للمعلومات بل إلى حد قنوتة هذه العملية بصوت المعلم و ترسيخها في ذهن التلميذ كما أنها تسمح بتغيير تنلك العلاقة الفوقية بين المعلم ذلك الشخص الذي يبدو محتكرا للمعرفة و متشبعا بها وهو ما يسمح له بممارسة تفوقه على المتعلم على الأقل على المستوى النفسي .
و بالإضافة إلى ذلك فالوسائل السمعية البصرية تنمي و تثري لدى النشء فرص تحصيل المعرفة نظرا لما تكتسبه من أثر هام ووقع بالغ على نفسية المتعلم إذ تمكننا من تجسيد الظواهر و الأشياء في شكلها الواقعي وهو ما من شأنه أن يساعد التلميذ في بنائه لعملية المقاربة بين نظري و ما هو محسوس . أما بالنسبة للمعلم ففي هذه الحالة لا يبقى ذلك الرجل الباث الدغمائي للمعرفة بل يتحول هو الآخر إلى وسيط بين الشيء الذي يعرضه و الموضوع الذي يطرقه و تبعا لذلك يمكن القول أن الوسائل السمعية البصرية تقيم بين المعلم و المتعلم و موضوع المعرفة علاقة تساهم في تجاوز سلبيات التلقينية و الحد من ظاهرة نفور ا التلاميذ من مادتي التاريخ و الجغرافيا لا سيما و أن الوسائل السمعية البصرية تعد اليوم بفضل ما خطته مجتمعات ما بعد الحداثة من تطورات هامة على المستوى التقني تعد اليوم خير واق ضد بيداغوجية الصمت : صمت التلميذ ، تلك البيداغوجيا التي يبرر في ظلها المعلم الشخص الوحيد الذي يتمتع بصوت مقبول و مسموع ، تلك البيداغوجيا التي لا يسمع فيها صوت التلميذ إلا عند استجوابه أو عند تجزئه إن كان جريئا على تجاوز صمته بصفة ذاتية و في هذا السياق يمكن القول بأن الوسائل السمعية البصرية في حال اعتمادها في تدريس التاريخ و الجغرافيا بالكيفية المطلوبة التي سنتناولها في العنصر الأخير من العمل تمكن من تجاوز تلك الصورة التقليدية للمعلم الذي يبدو أمام تلاميذه بنبوغ المعرفة إن لم يكن في ذهن البعض منهم يجسد المعرفة في حد ذاتها تبعا لاختلاف التصورات الذهنية للتلاميذ باختلاف مستواهم و باختلاف البيئة التي
نشؤوا فيها . و قد يبدو للبعض أن اعتماد الوسائل السمعية البصرية في تدريس التاريخ و الجغرافيا حطا من منزلة الأستاذ الذي سيتحول من وضعية صاحب المعرفة و المتشبع بها و الباث لها إلى منزلة أدنى من ذلك . فمثلا عند عرض أحد الأشرطة في درس من دروس التاريخ و لنقل بأن موضوع الشريط هو سقوط قرطاج ِCarthage en flamme أو أحد الأشرطة التي تتعلق بالحرب العالمية الثانية فإن الأستاذ في هذه الحالة سيتحول داخل الفصل إلى وضع المتلقي للمعلومة شأنه في ذلك شأن التلميذ وهو قد يعد البعض حطا من منزلة المعلم الذي أضحى مهددا في مكانته من قبل هذه الوسائل غير أن ما يمكن قوله لهؤلاء هو أن الاعتماد على الوسائل السمعية البصرية في تدريس التاريخ و الجغرافيا سيحمل في طياته بذور التجديد في طرق تدريسها و علاوة عن كون الوسائل السمعية البصرية تعد وسيطا هاما في عملية التعلم يمكن من ربح الوقت و اختصار الجهد فهي لها وقع هام على نفسية الملتقى للمعرفة . ففي درس من دروس الجغرافيا مثلا يمكن جهاز عرض الشرائح أو جهاز الفيديو المتعلم من التعامل مباشرة مع الظاهرة و معاينتها مهما تناءى بها البعد المجالي ( الزلزال – البراكين- الفيضانات أو بعض البنى و الأشكال التضاريسية ) التي لا توجد ببيئة التلميذ وهو ما يسمح للمتعلم بالاحتفاظ بما شاهده في ذاكرته و بالتالي تتحول الوسائل السمعية البصرية إلى أحد الروافد الهامة التي يمكن من تجاوز الطرق الرتيبة في التدريس كما أنها تتيح شد انتباه التلاميذ و تجاوز التعلم بواسطة الخطاب المجرد و الذي يمثل في ظله المعلم مصدر المعرفة إلى التعلم بواسطة الخطاب المصور أو المسموع أو الاثنين معا.
و قد يبدو الاعتماد على الوسائل السمعية البصرية من الأمور الأكيدة في تدريس التاريخ و الجغرافيا لا سيما إذا ما تعلق الأمر ببعض الظواهر التي لا تتوفر في محيط التلميذ ( البراكين )و لعل عرضها في القسم يجنب الأستاذ إرهاق نفسه في محاولة منه لإيضاحها لتلاميذه و حتى و إن لم ينجح في ذلك خلال حصة الدرس فإن مجهوداته قد تذهب أدراج الرياح طالما و أن التلميذ لم يعاين الظاهرة فتبقى مشوبة في ذهنه شيء من الغموض حتى و إن كان التلميذ قادرا على استحضار الجانب النظري و بالتالي يبدو تدعيم الدرس و بناؤه انطلاقا من عرض الظاهرة موضوع الدرس من أنجح السبل لتوفير حظوظ أوفر لتعلم ملموس يتحول في ظله التلميذ إلى طرف فاعل في عملية التعلم .
نورالدين بن سليمان
أستاذ تعليم ثانوي
منقول
في تدريس التاريخ و الجغرافيا
1- تعريف الطريقة النشيطة و أقطابها :
يقول ماريون " بما أن التربية تمثل من جملة الأعمال الإنسانية الأخرى أهم و أخطر ممارسة حضارية وجب القيام بها بعيدا عن الصدفة و العشوائية ."
و انطلاقا من هذه القولة يمكن الإقرار بأن ذلك لا يتحقق إلا إذا اعتمد المربون طرق عمل منظمة و رشيدة كما يتضح من خلال القولة نفسها الأهمية البالغة التي تتبوؤها الطرق البيداغوجية في التدريس فما مفهوم الطريقة .
أ-مفهوم الطريقة :
لغـــــة : الطريقة كما ورد تعريفها في لسان العرب هي السيرة و طريقة الرجل :
مذهبه ، يقال ما زال فلان على طريقة واحدة أي على حالة واحدة .
و فلان حسن الطريقة ،و الطريقة : الحال : يقال هو طريقة حسنة ، و طريقة سيئة و قوله تعالى : " و إن لو استقاموا على الطريقة " و أراد لو استقاموا على طريقة الهدى و قيل على طريقة الكفر و طرائق الدهر و ما عليه من تقلبـــــــــــــه . و بالتالي فإن مفهوم الطريقة في اللغة لا يخرج عن المعاني التالية : المذهــــــب و السيرة و الحال حسنة كانت أو سيئة .
فهل أن المفهوم اللغوي يتماشى مع المفهوم اللإصطلاحي أم يختلف.
اصطلاحا : يوحي متوخاة لاكتشاف المعارف .
* معنى 1- طريقة متوخاة لاكتشاف المعارف
* معنى 2 – طريقة متوخاة لإيصال المعارف
و تبعا للمفهوم الاصطلاحي للطريقة نتبين أنها لا تهم الأستاذ فقط بل تشمل أيضا التلميذ إذ هو الطرف الذي يعمل على تحصيل المعرفة و لا بد من ‘إرسائه إلى منهجية واضحة و مثلى يتدرب بها على ترتيب أفكاره و السعي لاكتشاف المعارف .
و عليه يمكن القول إن الطريقة هي المنهجية العامة للتدريس و في هذا الإطار يقول عبد العزيز صالح في تعريفه الطريقة " هي أيسر السبل للتعلم ففي أي منهج من مناهج الدراسة تصبح الطريقة جيدة متى أسفرت عن نجاح المدرسة في عملية التدريس و تعلم التلاميذ بأيسر السبل و أكثرها اختصار ".
و انطلاقا من تعريف عبد العزيز صالح يمكن القول أن الطريقة الحوارية أو الإستجوابية أو النشيطة هي من الطرق المثلى التي لا بد من توخيها في التدريس .
فالطريقة الإستجوابية لغة مشتقة من ( ج-و- ب) إجابة و إيجابا وجابة بمعنى رجع الكلام يقال أجابه عن سؤاله فالاستجواب هو طرح السؤال و طلب الإجابة عنه .
اصطلاحا تسمى الطريقة بالإستجوابية لوجود السؤال فالجواب كما تسمى أيضا بالحوارية لوجود الحوار.
و فيما يستخدم المدرس الاستجواب الموجه على شكل أسئلة لتلاميذه قصد اكتشاف الحقائق و تعلمها من تلقاء أنفسهم فالطريقة النشيطة تعتمد إذن على الحوار و النقاش و الأسئلة للوصول
إلى حقيقة ما . و غرض تلك الأسئلة هو بث المعلومات في نفوس التلاميذ و تعويدهم على البحث وراء المعرفة و الحقيقة .
و تسمى الطريقة الاستجابية بطريقة التوليد لأن المدرس يسعى إلى توليد مادة رئيسية من أذهان التلاميذ أنفسهم عن طريق أسئلة منظمة .
و بالتالي يمكن أن نستنتج من خلال هذا العرض لمفهوم الطريقة الإستجوابية بأن التلميذ أصبح مركز الاهتمام بعد أن كان في الطريقة التلقينية منعزلا و بذلك فإن مرحلة الطفولة لم تبق مرحلة سلبية يجب تخطيها بسرعة بل هي مرحلة إيجابية يجب على المربي معرفة خصائصها حتى يوفق في تعامله مع تلاميذه إذ أ، جهله لطبيعة مرباه قد تؤول به إلى ارتكاب هفوات تربوية لذلك يقول رسو : " ابدؤوا بمعرفة أطفالكم لأنكم تجهلون عنهم الكثير ".
لذلك فإن العمل التربوي لم يبق عملية تعليم فقط أصبح عملية تعليم و تعلم و أصبح النشاط داخل القسم متمحورا حول التلميذ و المدرس .
كيفيّة سير الدرس و لا يتوقف دور المتعلم عند الإجابة عن أسئلة معلمه و لا يستطيع الخروج عن التخطيط الذي رسمه للدرس و لكن ذلك حسب رأيي عمل غير صحيح لأن العملية التربوية تحتاج إلى تنظيم محكم مثل تحديد أهداف واضحة لها و اختيار الطرق المناسبة لضمان نجاعتها و هذا يستوجب وجود طرف توكل إليه تلك المهمة و إلا أصبحت العملية التربوية عملا عشوائيا متروكا للصدفة و تبعا لذلك لا بد أن لا يتوقف دور التلميذ عند الإجابة عن الأسئلة فقط بل و أيضا طرح تساؤلاته الفردية فيكون المناخ داخل الفصل قائما على الحوار و النقاش و النقد .
و يمكن أن يستنتج القارئ مما سبق من أمر الطريقة الحوارية أنها الطريقة المثلى للتدريس بحيث يمكن الاستغناء تماما عن الطريقة التلقينية غير أن الطريقة الحوارية لا تستقيم و لا يمكن لها أن تبلغ النتائج المرجوة منها إلا إذا ما توفر لها من الوسائل ما يمكنها من النجاح و من بين هذه الوسائل التي أضحت تفرض نفسها و تعتمد كأساس من أسس إنجاح الطريقة الحوارية ، السمعية البصرية التي يمكن من الانتقال بالتعلم من طوره المجرد إلى طوره المحسوس.
2 الوسائل السمعية البصرية و التعلم الملموس :
أ – أهمية تكامل الحواس البشرية في عملية التعلم .
كيف يتعلم الإنسان ما هي الحاسة التي تلعب دورا هاما في عملية التعلم : هو موضوع أثار فيضا من الدراسات و التي اختلفت في طرق معالجتها للموضوع فيوجد بينها قاسم مشترك واحد ألا وهو المتمثل في كون عملية التعلم أشبه بأن تكون بعملية الخيمية و معقدة بشكل لا يسمح بأن نفضل حاسة عن أخرى فيها فالإنسان يستثمر كل حواسه في عملية التعلم فالمتعلم يسعى لاستثمار كل حواسه حتى يتسنى له إدراك الأشياء بحواسه و عقله في آن واحد موجها فضوله نحو الخصائص الجوهرية للأشياء و متدرجا في ذلك من المعلوم إلى المجهول و من الظاهر إلى الخفي و من البسيط إلى المركب و لعل هذه الاعتبارات هي التي دفعت بالعديد من المنظرين للقول :
" لنبدأ المعرفة من الحواس " و هو ما نجد له الصدى في التراث الشعبي الصيني إذ يقول أحد الأمثال الشعبية الصينية " اسمع و أنسى ، أشاهد و أتذكر ، أمارس و أتعلم " و مهما يكن من
أمر . هذه الأفكار النظرية فقد برهنت الدراسات العلمية أن عملية التعلم تتقاسمها مختلف الحواس البشرية بقدرات متفاوتة من ذلك أن جون ديوزايد و إثر تجارب علمية عديدة بيّن أن المكتسبات المعرفية التي يتحصل عليها الإنسان عن طريق الحواس تتوزع كالآتي :
عن طريق التذوق : 1%
عن طريق اللمس : 1.5%
عن طريق الشمع : 11%
عن طريق البصر : 83%
و تبعا لهذه الأرقام التي تمثل حصيلة و خلاصة دراسات متعددة نتبين أن الإطار العلمي لا يتناقض مع الإطار النظري بل يتفقان في كون عملية التعلم هي عملية يستثمر فيها الإنسان كل حواسه التي تتكامل لبلوغ غاية التلعم و تبقى الممارسة هي المرحلة الشاملة التي يوظف فيها الإنسان مختلف حواسه غير أن بلوغ هذه المرحلة لا يتأتى في اعتقادي إلا عبر أو من خلال استعمال الوسائل السمعية البصرية التي تتيح للمتعلم المشاهدة و السماع و الممارسة .
ب- الوسائل السمعية البصرية وسيلة تعليمية هامة في مادتي التاريخ و الجغرافيا .
الوسيلة التعليمية هي بمثابة الوسيط بين المعلم و المعرفة و المتلعم و هي بسيط ذو أهمية بالغة في عملية التعلم إذ تمكن من التقليل من الجهد و اختصار الوقـــــت و تؤمن التعلم المباشر و الملموس .
فالوسائل السمعية البصرية تمكن المعلم اليوم من تجديد طرق تبليغه للمعلومات بل إلى حد قنوتة هذه العملية بصوت المعلم و ترسيخها في ذهن التلميذ كما أنها تسمح بتغيير تنلك العلاقة الفوقية بين المعلم ذلك الشخص الذي يبدو محتكرا للمعرفة و متشبعا بها وهو ما يسمح له بممارسة تفوقه على المتعلم على الأقل على المستوى النفسي .
و بالإضافة إلى ذلك فالوسائل السمعية البصرية تنمي و تثري لدى النشء فرص تحصيل المعرفة نظرا لما تكتسبه من أثر هام ووقع بالغ على نفسية المتعلم إذ تمكننا من تجسيد الظواهر و الأشياء في شكلها الواقعي وهو ما من شأنه أن يساعد التلميذ في بنائه لعملية المقاربة بين نظري و ما هو محسوس . أما بالنسبة للمعلم ففي هذه الحالة لا يبقى ذلك الرجل الباث الدغمائي للمعرفة بل يتحول هو الآخر إلى وسيط بين الشيء الذي يعرضه و الموضوع الذي يطرقه و تبعا لذلك يمكن القول أن الوسائل السمعية البصرية تقيم بين المعلم و المتعلم و موضوع المعرفة علاقة تساهم في تجاوز سلبيات التلقينية و الحد من ظاهرة نفور ا التلاميذ من مادتي التاريخ و الجغرافيا لا سيما و أن الوسائل السمعية البصرية تعد اليوم بفضل ما خطته مجتمعات ما بعد الحداثة من تطورات هامة على المستوى التقني تعد اليوم خير واق ضد بيداغوجية الصمت : صمت التلميذ ، تلك البيداغوجيا التي يبرر في ظلها المعلم الشخص الوحيد الذي يتمتع بصوت مقبول و مسموع ، تلك البيداغوجيا التي لا يسمع فيها صوت التلميذ إلا عند استجوابه أو عند تجزئه إن كان جريئا على تجاوز صمته بصفة ذاتية و في هذا السياق يمكن القول بأن الوسائل السمعية البصرية في حال اعتمادها في تدريس التاريخ و الجغرافيا بالكيفية المطلوبة التي سنتناولها في العنصر الأخير من العمل تمكن من تجاوز تلك الصورة التقليدية للمعلم الذي يبدو أمام تلاميذه بنبوغ المعرفة إن لم يكن في ذهن البعض منهم يجسد المعرفة في حد ذاتها تبعا لاختلاف التصورات الذهنية للتلاميذ باختلاف مستواهم و باختلاف البيئة التي
نشؤوا فيها . و قد يبدو للبعض أن اعتماد الوسائل السمعية البصرية في تدريس التاريخ و الجغرافيا حطا من منزلة الأستاذ الذي سيتحول من وضعية صاحب المعرفة و المتشبع بها و الباث لها إلى منزلة أدنى من ذلك . فمثلا عند عرض أحد الأشرطة في درس من دروس التاريخ و لنقل بأن موضوع الشريط هو سقوط قرطاج ِCarthage en flamme أو أحد الأشرطة التي تتعلق بالحرب العالمية الثانية فإن الأستاذ في هذه الحالة سيتحول داخل الفصل إلى وضع المتلقي للمعلومة شأنه في ذلك شأن التلميذ وهو قد يعد البعض حطا من منزلة المعلم الذي أضحى مهددا في مكانته من قبل هذه الوسائل غير أن ما يمكن قوله لهؤلاء هو أن الاعتماد على الوسائل السمعية البصرية في تدريس التاريخ و الجغرافيا سيحمل في طياته بذور التجديد في طرق تدريسها و علاوة عن كون الوسائل السمعية البصرية تعد وسيطا هاما في عملية التعلم يمكن من ربح الوقت و اختصار الجهد فهي لها وقع هام على نفسية الملتقى للمعرفة . ففي درس من دروس الجغرافيا مثلا يمكن جهاز عرض الشرائح أو جهاز الفيديو المتعلم من التعامل مباشرة مع الظاهرة و معاينتها مهما تناءى بها البعد المجالي ( الزلزال – البراكين- الفيضانات أو بعض البنى و الأشكال التضاريسية ) التي لا توجد ببيئة التلميذ وهو ما يسمح للمتعلم بالاحتفاظ بما شاهده في ذاكرته و بالتالي تتحول الوسائل السمعية البصرية إلى أحد الروافد الهامة التي يمكن من تجاوز الطرق الرتيبة في التدريس كما أنها تتيح شد انتباه التلاميذ و تجاوز التعلم بواسطة الخطاب المجرد و الذي يمثل في ظله المعلم مصدر المعرفة إلى التعلم بواسطة الخطاب المصور أو المسموع أو الاثنين معا.
و قد يبدو الاعتماد على الوسائل السمعية البصرية من الأمور الأكيدة في تدريس التاريخ و الجغرافيا لا سيما إذا ما تعلق الأمر ببعض الظواهر التي لا تتوفر في محيط التلميذ ( البراكين )و لعل عرضها في القسم يجنب الأستاذ إرهاق نفسه في محاولة منه لإيضاحها لتلاميذه و حتى و إن لم ينجح في ذلك خلال حصة الدرس فإن مجهوداته قد تذهب أدراج الرياح طالما و أن التلميذ لم يعاين الظاهرة فتبقى مشوبة في ذهنه شيء من الغموض حتى و إن كان التلميذ قادرا على استحضار الجانب النظري و بالتالي يبدو تدعيم الدرس و بناؤه انطلاقا من عرض الظاهرة موضوع الدرس من أنجح السبل لتوفير حظوظ أوفر لتعلم ملموس يتحول في ظله التلميذ إلى طرف فاعل في عملية التعلم .
نورالدين بن سليمان
أستاذ تعليم ثانوي
منقول