منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    السرد الشعرى المعاصر البناء والتشكيل/ السياق والدلالة

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    السرد الشعرى المعاصر البناء والتشكيل/ السياق والدلالة Empty السرد الشعرى المعاصر البناء والتشكيل/ السياق والدلالة

    مُساهمة   الأحد مارس 21, 2010 2:48 pm

    ***

    السرد الشعرى المعاصر البناء والتشكيل/ السياق والدلالة

    د. محمد زيدان

    ثلاثة مداخل منهجية

    الأول: المفهوم اللغوي للسرد

    السرد فى اللغة هو تقدمة شيء إلى شيء تأتى به متسقا بعضه فى إثر بعض، يسرد الحديث سرداً إذا كان جيدا لسياق له، وفى صفة كلام النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يسرد الحديث سردا أى يستعجل فيه، والمسرد المثقب، والمسرد اللسان (1) وهذا يعنى أننا بإزاء مفهوم موسع للسرد يشمل كل الكلام الذى نتكلمه بل ويتعدى الأمر إلى الأفعال وهيئاتها وخلفياتها؛ فالحياة كما يقول بول ريكور هى السرد (2) بما فى ذلك كل الأشكال المنظمة وغير المنظمة للغة مادامت تعتمد على التتابع والإحكام والسياق الخاص بها، وهى أبعاد يمكن أن توجد فى النثر كما توجد فى الشعر، هذا المفهوم يؤثر بشكل لافت فى الأنواع الأدبية والسرود التى توجد بها، سواء كانت متداخلة أم كانت مستقلة، والبحث هنا يركز تركيزا لافتا على أثر المفهوم اللغوى فى السرد الشعرى المعاصر، وذلك إذا اعتبرنا أن كل النصوص الشعرية هى سرد، فالوصف سرد، والحوار سرد، وتداخل الأصوات سرد، والمفاجأة سرد ما دامت بعيدة عن الحكاية التى بدورها تحدث أبعادا نوعية فى الخطاب الشعري.

    الثاني:المفهوم الحكائى للسرد

    المفهوم الحكائى للسرد هو المعول عليه فى وصف النص الشعرى بأنه نص سردى أو غير سردى على اعتبار أن عناصر الحكاية هى التى تقوم بتوجيه الخطاب من الناحية الفنية ليقدم رؤيته السردية، فإما أن يصبح ذا توجه جزئى إلى السرد، وإما أن يصبح منتجا بذاته لعناصر السرد، فليس هناك خطاب سردى داخل الخطاب الشعري، بل خطاب واحد تختلف فيه درجة التوجه نحو السرد الخاص فى القصيدة، وهنا على وجه الخصوص يجب أن نعود إلى تاريخ السرد الشعرى لنتبين دوره فى النص الشعرى المعاصر، فقد استقر الرأى على أن السرد بمفهوم الحكاية بدأ قبل الميلاد بفترة طويلة وغير محددة، وهذه البداية كانت مرتبطة بوجود شيئين:
    - الأسطورة الشفهية التى كانت تسود المفاهيم البشرية آنذاك. - الطقوس الدينية المرتلة.
    ثم انتقل فى عصور التدوين إلى الملحمة المكتوبة ثم إلى أشكال الكتابة النظمية الأخرى، كالقصيدة المغناة (البالاد) والقصص الوعظية المرتبطة بحياة الأبطال والآلهة إلى أن ظهرت القصة كشكل حكائى خالص بفعل انفصالها عن الملاحم (3) وبظهور القصة أصبح الخطاب السردي ملتصقا بها أكثر من الخطاب الشعري وبخاصة بعد أن ابتعدت القصيدة عن السرد الحكائى، فإذا كان السرد يرتبط فى مفهومه الاصطلاحي بوجود راو، أو فاعل ووجود حدث أو فعل (4) فإن الخطاب القصصي يستقطب بذلك معظم تجليات السرد الحكائى، وينأى الخطاب الشعري عنه إلا إذا اعتمدت القصيدة على وجود راو آخر غير فاعل السرد أو (منشئ الخطاب) فلا يمكن أن نساوى فى ذلك الوقت بين راوي الحكاية وبين فاعل السرد فى القصيدة، ولا بين الحدث، والفعل البدني الذى يسود فى أجواء النص الشعري. بهذا يعد السرد الشعري أقدم أشكال الكتابة الفنية، ولا يمكن إزاء ذلك أن نصف النص القصصي بأنه سرد والقصيدة بأنها شعر لأن كلا النصين نصان سرديان يتذرع كل نص بمفهوم للسرد يختلف عن الآخر، وعلى هذا الأساس تأتى كل التنظيرات السردية فى إطار النص القصصي، ويحرم النص الشعري من نظرية سردية كان هو البداية الحقيقية لها. ومن جانب آخر لا بد أن نفرق بين ثلاثة أنواع للسرد، هي:
    - السرد الشعري، وله أدواته الخاصة فى بناء النص. - السرد القصصي، ويتحد أحيانا بالسرد الشعري ليضفى أبعادا فنية عليه. - السرد القرآني، وهو أقدم شكل فني للسرد يتضمن نظرية حكائية حتى قبل أن توجد التنظيرات السردية الخاصة بالنص القصصي فى النقد الغربي، وقد أفاد النص الشعري من السرد القرآني بشكل لافت جعل من وجوده فى القصيدة ظاهرة استقطب الكثير من الدراسات النقدية.
    من اللافت أيضا أن الدراسات النقدية فى مجال السرد الشعري قليلة فى النقد العربي. لأن انصراف النقاد إلى نظرية السرد فى النص القصصي بفعل بروز الرواية والقصة فى الأدب المعاصر، وانصراف الكثير من الشعراء إلى كتابة الرواية جعل النص الشعري المعاصر يتخبط عند أجيال بعينها ويتحول إلى مجرد تداعيات لغوية أخرجته من دائرة الشعر، يشترك فى ذلك الشعر المكتوب باللغة الفصحى، أو المكتوب باللغة العامية، والأخيرة تنتج ما يمكن تسميته بالسرد الشعبي.

    الثالث: بالتركيز على أدوات كالوصف والحوار والسياق الحكائى

    وبالتأكيد على المفهومين السابقين، اللغوي والحكائي، نرى أن الشعر العربي، مر بالكثير من المراحل المهمة التي استفاد فيها من السرد الشعري، والتي تداخلت فى العصر الحديث حتى أصبح السياق السردي من أهم مرتكزات النص الشعري عند الكثير من الاتجاهات الشعرية، ومسألة السياق فى السرد الشعري تتفوق أحيانا فى أهميتها على آليات السرد نفسها سواء كان هذا السياق سياقا حكائيا تراثيا، أو حكائيا حرا، أو كان سياقا موقفيا يعتمد على أبعاد معرفية، ونوجز هذه المراحل كالتالي:

    الأولي: مرحلة حكاية الأقول فى القصيدة

    وهى مرحلة قديمة قدم النص الشعري العربي، اعتمد الشعراء فيها للخروج من المأزق الغنائي على حكاية الأقوال والتي تقف أحيانا عند فعل القول ومقوله بصفة الشاعر هو سارد الخطاب، أو بصفة صوت حكائى مواز له، وقد يكثف الشاعر هذه الأقوال، لتتحول إلى مواقف حكائية تقدم نوعا من الأحداث الصغيرة تعبر عن مشاهدات جزئية، أو وصف حالات، بداية من امرئ القيس، وحتى نهاية العصر العباسي، وكانت نظرية النقد فى ذلك الوقت على وعى بهذا التوجه الإبداعي، وبأهميته كنمط من أنماط التعبير بالقول عن الذات أو الواقع وذلك كما جاء عند أبى الحسن ابن رشيق القيرواني فى كتابه العمدة إذ يقول: "ومن الناس من يستحسن الشعر مبنيا بعضه على بعض، وأنا أستحسن أن يكون كل بيت قائم بنفسه لا يحتاج إلى ما قبله، ولا إلى ما بعده، وما سوى ذلك فهو عندي تقصير إلا فى مواضع معروفة كالحكايات، وما شاكلها، فإن اللفظ على اللفظ أجود هناك من جهة السرد" (5). وهذا يعنى أن الشاعر العربي وعى جيدا أهمية وجود الخطاب الحكائى داخل القصيدة، كذلك وعى الناقد العربي بهذا فى إطار التكامل بين مفهوم إبداع النص، وإبداع النقد كمرآة له. وقد ظلت القصيدة العمودية على وعى بحكاية الأقوال التي تتطور إلى موقف حكائى، ولكن فى إطار جزئي ولم يعرف الشعر العربي حتى عصر الإحياء السرد الشعري الحكائى الذى يدخل فى تشكيل النص وبنائه بصورة كاملة، وهذا لا ينفى عن القصيدة العربية أنها قامت بدورها المعهود من خلال البناء الثقافي والمعرفي العام الذى ينعكس بشكل مباشر وغير مباشر على كل بناءات الحياة الإنسانية.

    الثانية: مرحلة القصيدة الحديثة والبناء الحكائى

    بدأت هذه المرحلة مع أكبر التحولات فى تاريخ الشعر العربي من حيث وضع الشاعر ورؤيته وانفتاح النص على آفاق إنسانية جديدة لم تتح أمام الشاعر القديم، فتغيرت ملامح بناء النص تغييرا كليا مع بداية التخلي عن الشكل العمودي وتحولت الوحدة البنائية من البيت إلى السطر الشعري، ووجود شعراء تحول نمط الإبداع الشعري على أيديهم تحولا كبيرا. التفت النص فى هذه المرحلة التي بدأت بصلاح عبد الصبور فى مصر إلى التراث باعتباره مرجعا مهما اتكأ عليه فى تغيير ملامح البناء العامة والخاصة، وبدأ الشعر العربي يعرف لأول مرة بناء النص على أساس حكائى بداية من السياق الذى يحدد الإطار السردي العام للقصيدة وحتى وجود الذات والفكرة والفضاء والحدث الحكائى، فكانت قصيدة شنق زهران، والملك عجيب بن الخصيب، ومذكرات الصوفي بشر الحافي وغيرها من القصائد تأصيلا لانفتاح النص الشعري على آفاق السرد الحكائى الذى يبتعد فيه الشاعر عن ذاته، وفى هذا الابتعاد اقتراب منها لأن زاوية الرؤية لدى الشاعر أصبحت متعددة الجوانب وأصبحت الذات الأولى التي تلازم الشاعر «ذاته» والتي أشبعها غنائية ورومانسية طوال قرون ذواتا كثيرة، بعد أن انتثرت فى السرد الحكائى داخل القصيدة، وأكملت الدائرة التي كان يبحث الشاعر عنها، لينفتح أفق النص على الآخر والموضوعي والمعرفي والقيمي، وأصبح السياق السردي، والحكائي على وجه الخصوص أهم مرتكزات النص الجديد، فى الوقت ذاته تحول بعض الشعراء من رواد القصيدة العمودية فى مصر (محمود حسن إسماعيل) إلى نوع من السرد الشعري الذى امتاح فيه من السياق اللغوي والإشارات الحكائية والسياقية التي تتصل بالتراث والواقع، وتحول النص لديه إلى نص مخطط سواء كان ذلك فى إطار العمودية أو فى إطار القصيدة الجديدة "التفعيلية"، وظهرت البراعة السردية القائمة على انسجام التراكيب النحوية والصرفية فى أعمال شعرية كاملة: "لا بد"، "صلاة ورفض"، "موسيقى من السر" فى نمط من السرد الشعري الجديد، وإن ظلت أعمال صلاح عبد الصبور ومحمود حسن إسماعيل السردية داخل القصيدة فى إطار من الرؤية الرومانسية التي غلبت فى أحايين كثيرة على اللغة لتصبح أداة من أدواتها، إلا أن ريادة هذا الاتجاه ظلت مرتبطة بهما، حتى وصلت القصيدة السردية بعدهما عند بعض الأجيال الشعرية إلى ذروة الإبداع كما تجلت فى أعمال أمل دنقل الذى تحول السرد الشعري الحكائى لديه من مجرد بناء جزئي فى النص إلى بناء كلى وتشكيل رؤية وأداة من القصائد المتفرقة فى أعمالة "مقابلة خاصة مع "ابن نوح"، "صلاح الدين"، البكاء بين يدي زرقاء اليمامة" إلى أعمال كاملة اعتمد فيها من الناحية السياقية والرؤية الفنية على الحكاية، وبرزت الشخصيات التراثية والأسطورية والواقعية مشكلة بناء معرفيا له سماته الخاصة، وأصبح تعدد الأصوات فى النص الشعري من الأشياء المألوفة التي يعتمد عليها الشاعر فى بناء نصه الجديد ارتكانا إلى السرد الشعري الحكائى.

    الثالثة: مرحلة تداخل الرؤى فى النص الشعري

    تبدأ هذه المرحلة فيما عرف بشعراء السبعينيات، إذ ارتاد النص مجازات ذاتية وتصورات حكائية جزئية اتخذت من التداعيات السردية إطارا لها، وظهرت بصورة مغايرة السرود الشعرية الذاتية التى تعتمد رؤية لغوية فى المقام الأول، تلفت إلى ظاهر البناء أكثر من أى شيء آخر وتعد تجربة رفعت سلام وحسن طلب ووليد منير وغيرهم مؤثرة فى هذا الإطار. وعرف النص الإشارات السردية الحكائية وتخلى عن البناء الحكائى الخالص، وإلى جانب ذلك ظهر النص الذى يتحدث عن كل شيء، وأي شيء فى سياق واحد وبهذا تعود الغنائية مرة ثانية إلى القصيدة، ويلفت الشاعر إلى هذه الذات فى تجارب قصيدة النثر، ولكن بعيدا عن مناطق الدهشة اللغوية والدلالية التى بها يحيا الشعر.
    والبحث فى الصفحات القادمة يقدم تصوره السردي عن الوضع الشعرى الراهن من خلال النماذج التى تمثل ذلك مازجا فى الرؤية بين شعر الفصحى وشعر العامية لأنهما مرا بالتحولات نفسها مع الفارق فى بعض توجهات كل شاعر ورؤيته والسياقات التي يقدمها ويتعامل معها. إن السرد الشعرى يفتح آفاقا جديدة للقصيدة، وبخاصة السرد الحكائى والتخلي عنه يعد خسارة كبيرة لا يمكن تعويضها إلا عند المذاهب الشعرية الكبيرة التى تتغير أنماط الإبداع على يديها.

    بناء السرد فى القصيدة المعاصرة

    أحدث تداخل البناءات الثقافية والمعرفية فى مختلف العلوم التى تتصل من قريب أو بعيد بالشعر المعاصر تطورا واضحا فى علاقة القصيدة بالسرد الشعرى بالإضافة إلى تراسل هذه البناءات مع بناء النص وتحول منجزات بعضها البعض إلى سياق داخلي أحدث نقلات شاسعة فى تصور هذا البناء حول إطار الشكل العام للقصيدة، حتى إن استغلال النصوص لبناءات وفضاءات أنواع أدبية وفنون بعينها أوهم الكثيرين من المتعاملين مع النص الشعرى المعاصر ومنجزاته الراهنة بالتداخل النوعي بين الأنواع الأدبية، ولا يوهم التداخل بين القصيدة المعاصرة إلا القصة فقط، والقصة القصيدة فبدأت، الكتابات تظهر مستغلة السياقات الداخلية للقصة والسياقات الداخلية للقصيدة لتحدث نوعا من التماهى فى المجازات والصور الجزئية، والكلية، بالإضافة إلى التشكيل اللغوي والشكل المادي لكتابة كلا النصين. إن أول قصيدة فى شعر التفعيلة كتبت بطريقة الأسطر المتساوية والتي توهم أن المكتوب شكلا آخر غير الشعر، كانت نصوص الشاعر عبد الوهاب البياتى، الذي يعد أول من أحدث للسرد الشعرى فضاء مغايرا عن السائد فى ذلك الوقت حينما فتح السياق الحكائى على آفاق تراثية تتصل بالأسطورة واستخدام الرمز والسيرة الذاتية والمزاوجة بين الأنا والآخر داخل القصيدة، ولكن أحدا من كتاب القصيدة المعاصرة لم يقدمها بشكل الكتابة النثرية إلا جيل السبعينيات الشعرى وتوالت الأجيال بعد ذلك معتمدة على هذا النمط من البناء فى تقديم نصوص جديدة فى إطار الاستفادة من المنجز التشكيلي الموجود، والذي ظهر فى الكثير من النصوص الشعرية التى تحولت عند الأجيال الشعرية التالية إلى مجرد سرود خالية من الانسجام والتوافق اللغويين، كما تخلو أيضا من السياقات الحكائية التي تفتح أمام النصوص الشعرية آفاقا جديدة من الإبداع، وتأكدت عند أجيال أخرى مجموعة من أساسيات البناء الشعرى التى تتصل من قريب أو بعيد بالسرد وما يلتصق به من أدوات بنائية جديدة، مثل الصورة الشعرية التي تحولت من البعد الجزئي الذى يعتمد على الكلمة أو الجملة إلى البعد الكلى الذى يعتمد على السياق الموسع للخطاب، حتى أصبحت تخايلنى فكرة البلاغة الجديدة المطروحة منذ عقود فى الكتابات النقدية والتي يمكن الاعتماد عليها فى بناء النصوص الجديدة، سواء فى الشعر أم فى القصة، بعد التحول فى البناء والتحول فى التصور والرؤية التى تحكم إبداع النص الأدبي.
    فهل يعد السرد جزءا من البلاغة الجديدة فى القصيدة المعاصرة؟ وهل السياق الحكائى بآفاقه الثقافية والمعرفية يؤسس لهذه البلاغة؟

    إننا أمام رؤية جديدة تطرح مجموعة من أسس الإبداع الشعرى الجديد الذى ينحاز فيه الشاعر لعصره، أو يحاول إيجاد مفاهيم ذاتية توائم عملية الانفعال التى تحكم الذات الساردة، إننا فى هذا المقام نتعامل مع ذاكرة إنسانية تحاول الانسجام مع واقع يملى شروطه الإبداعية والنفسية، كلما تخلت هذه الذاكرة عن رؤيتها الخاصة وتحولت إلى رؤية الآخر اقتربت من السرد الحكائى المقيد - كما سيأتي - وكلما التصقت برؤيتها الخاصة أو مزجت بين الذاتية والموضوعية أوجدت سياقات جديدة. المشكلة الأصلية أمام النص الشعرى المعاصر أنه ينساق وراء التداعيات الذاتية أو الواقعية التى تفقده عملية التواصل مع أجزائه المكونة له، فضلا عن التواصل مع الموضوع المعرفي الذى يسبح فى داخله، وبالتالي يفقد إمكانية وجوده، أما إذا ارتبط بصورة ما بعملية الانسجام اللغوي والبنائي فى التشكيل أو الدلالة فإنه يتواصل مع موضوعه، وبالتالي يتواصل مع الآخر، ويتحول النص من مجرد سرد تواصلي أو مفاهيمي يحمل السمة البنائية للنوع الأدبي، ولكنه لا يحمل قيمة التواصل مع هذا النوع، فالأنماط السردية التى تم تقديمها فى الإطار العام لا تستطيع حتى أن تخدم إلا الشكل المادي فقط كما جاء الحديث عن مفهوم السردية وأنماطها فى الكثير من الرؤى الجديدة لها(6).

    القصيدة والسياق الحكائى المفتوح

    السياق الحكائى نمط من أنماط التفكير المصاحب للواقع، يظهر فيه الزمن بشكل متتابع أحيانا أو متداخل فى إطار من الاستباق أو الاسترجاع اللذين يسيطران على إشكالية التعامل مع عناصر الواقع بما فيها اللغة والأحداث والمفردات التى تظهر جدلية الذات مع الواقع، فهو إذن بهذا الشكل نوع من البناء التمثيلي أو مستوى من مستويات الهيمنة السردية على ذاكرة الإنسان بشكل عام أو ذاكرة الشاعر بشكل خاص وإذا تشبعت هذه الذاكرة بأهمية السياق فى توجيه حركة السرد فإن تنظيم الزمن والتعامل مع فضاءاته يبدأ من التشكل داخل هذا السياق (7) على أن إعادة صياغة السياق الحكائى بما يناسب الأطر الثقافية والمعرفية للشاعر واختياراته المتعددة بشكل أفقي ورأسى تناسب عملية انسجام الخطاب السردي بشكل عام. فما معنى أن تكون القصيدة محاطة بمجموعة من المفردات الحكائية الحرة أو المحددة بسياق مفتوح إلا أن الاختبارات على مستوى تشكيل اللغة، وطبيعة التعامل مع عناصر الشعرية فى إطار تداخل عناصر القص داخل عناصر المجاز المرتبطة بلغة الشعر، هذا السياق المفتوح يرتبط بعدد من أشكال التعامل مع النص فإما يتحلق حول الذات وتاريخها الشخصي الذى يؤصل للدخول فى عالم من الرموز الحكائية التى تنتج معرفتها الخاصة بالآخر من ناحية وبمفردات السياق من ناحية أخري، أو أن يتحلق حول الواقع وما يتصل به من مفردات تنتج هي الأخرى سياقات مفتوحة، وإما أن يلتف حول الماورائيات، ما وراء الذات والواقع واللغة وهذا يدخل السياق فى نوع من التعميق الموضوعية الذى يجعل النص مكتفيا بنفسه ولا يمكن تأويله إلا فى سياق خاص بالذات الساردة. وهذا بالضرورة يقود إلى طريقتين من طرق الإبداع، إما أن يتحول الوعي بالسياق الحكائى المفتوح إلى بناء سردي جديد يسهم فى رفع درجة الوظيفة الشعرية للأداة المستخدمة وإما أن يتحول هذا السرد إلى نوع من التداعي اللفظي الذى لا يؤدى إلى شكل محكم أو دلالة، أما الشكل السردي الثالث الذى يمثل اكتمال الدائرة فهو السرد الذى يمزج بين السياقين السابقين:
    - السياق الحكائى الذاتي. - السياق الحكائى الواقعي.
    ومن خلالهما يبدأ النص فى ترتيب خطة بنائه العامة التى تعطى صورة واضحة عن رؤية الشاعر للعالم وما يحيط به، وتعطى فى الوقت نفسه صورة عن بناء الدلالة داخل الرؤية التشكيلية المهيمنة على النص، وقد برع الشاعر حسن طلب فى هذا السياق الحكائى الذى يتكئ على ثلاثة أبعاد رئيسية تتصل بمفردات الحكاية وطريقة التعامل معها.
    الأول: الموقف السردي الذى يعتمد على الذات وانقسامها إلى أدوات تمثل عناصر الحكاية. الثاني: تضفير عناصر حكائية تمثل سياقا خاصا فى إطار السياق العام. الثالث: يؤسس الشاعر لتخييل سردي يسهم فى تمثيل الزمن والفضاء والأحداث المصاحبة له.
    فقد قدم الشاعر مجموعة شعرية كاملة ذات بناء سردي حكائى يرتكن فيه على السياق الحكائى الذى يمزج بين السرد الذاتي التخييلى بسياقات مفتوحة وبناء محكم من الناحية الدلالية والسياقية والتصويرية، وهى "مواقف أبى على وديوان رسائله وبعض أغانيه" إذ تبدأ الدلالة فى الانفتاح على الذات من بداية تأويل العنوان وكأننا أمام ذات الشاعر ممزوجة بمجموعة من السياقات الحكائية المفتوحة تضفر انسجاما خطابيا يحكم سيطرة الشاعر على النص ويفتحه أمام بناء درامي تشكيلي واحد، أو بناءات سياقية متعددة يراوح فيها بين داخل النص وخارجه يقول الشاعر:
    أوقفني السوسن فى موقف يبقى من يهلك عشقا قال: سأصحبك الآن إلى حيث سأطلعك على ما لم أطلع أحدا من قبل عليه فلا تنبس نطقا وابتسم وقال: إذا أنت تكلمت سترحل أو إن أنت سكت ستبقي قلت: سأصمت قال: فحقا قلت: أجل حقا فأخذنا الميثاق وأطلقنا الساق توجهنا شرقا ومضينا حتى لما أن صرنا داخل صحراء يشبه رونقها سيناء وتحت سماء يشبه أزرقها مهج الشهداء نظرنا فكشفنا عن أفق أفقا فابتسم وقال: انظر هذا جبل خجل يصعد نحو ذوابته رجلٌ وجلٌ قال: وهذى إبل يجفل عنها جمل
    فأزيز الطائرة الأمريكية فى مسمعه خطر داه وحمام محتمل وأولئك ـ قال ـ أناس يدرون ويتجرون ومنهم من يبتهلون ويرنون فتعجبت وصحت: أمجنونون أولئك أم حمقي؟ فابتسم وقال: ألم أصحبك على أن تصمت قلت: نسيت وما أنسانيه سوى الغيظ. فرفقا وتبادلنا الرد وجددنا العهد.. مضينا فقطعنا من عمق عمقا حتى لما أن كنا فى واد ذي شجر ونخيل منتشر وقف على الحافة ثم أراني ما قطف وقال: أصب من هذى الفاكهة الغضة رزقا(Cool
    النص يتعامل مع بناء سردي يزاوج بين المجاز الرمزي والصورة الشعرية المباشرة باعتبار المجاز هو أساس تشكيل الصورة، والرمز بما يحمل من تأويلات يفتح للمجاز أفقا مغايرا عند التصاقه بالأدوات البلاغية التقليدية، ويأتي السياق الحكائى ليقدم البلاغة الجديدة للموقف الذاتي الذى يعتمد فيه الشاعر على عدد من مفرداته ورصد الصورة الكلية لحديث الأنا، والمراوحة بينها وبين الالتفات إلى ضمير يشير إلى الآخر، وصنع مسافة بين الضميرين هو الذى يرسخ للعلاقات السردية داخل السياق ويعتمد بدوره على عدد من آليات هذا الموقف:
    1- التماس مع السياق الحكائى فى سورة الكهف بين موسى والخضر، وقد ظهر فقط فى صياغة الجمل السردية والمعنى العامم، مع الاختلاف الظاهر بين الموقفين التراثي- والذاتي القابل للتأويل.
    2- الحوار المقفى جزء من تشكيل الرموز داخل السياق، ويبدأ بـ "السوسن- المقيد للرمز - ثم الآخر المكمل لدائرة التأويل ثم المرموز إليه وهى الصحراء (سيناء) وهو تقييد آخر للرمز وسماء وجبل، وإبل والطائرة الأمريكية وحمام وأناس، وواد ذي شجر وقطاف الوادي" رغم أن التقييد يشير إلى باقى سياق خاص داخل السياق الحكائى الشكل لبناء القصيدة إلا أنه فى الوقت نفسه يفتح أفق التأويل النابع من السياق الداخلي؛ إذ تغلب الرموز المشكلة للسياق الثاني على رموز التقييد، ولكن بلاغة الموقف تنبع من انسجام معطيات السياق الحكائى باعتباره مشكلا لمجمل الخطاب فى النص بل هو الخطاب، فلا تشذ جملة واحدة خارج الإطار الحكائى الذاتي وهذا يؤكد عملية الترابط السياقي بين مكونات الخطاب معتمدة علي: - صيغة قال وتعقبها مقول القول، وتمثل النسق الموجه للسياق. - صيغة القول، وتمثل النسق المكمل للحكاية والبادئ فى الوقت نفسه فى ربط أجزاء الخطاب عن طريق الروابط المعنوية التى تشيع فى الخطاب بشكل لافت. - الرموز الحرة، وهى إطار مكمل للسياق الحكائى ويمكن تأويلها إلى موضوعات كثيرة يرشد النص إليها من خلال مفردات حكائية تصل بالواقع، منها ما يشير إلى الواقع العربي والسياق النفسى للذات المنكوبة أو الذات الباحثة عن حريتها، وهذا يعنى أننا أمام نص ترتبط أجزاؤه ارتباطا عضويا يعطى تصورا مكتملا لموضوع الرمز أو لعملية التأويل (9) فالسرد فى الشعر سرد يوحد أطراف الخطاب ويشكل فى الوقت نفسه بنية معقدة، على عكس التشكيل فى السرد القصصي الذى يمثل بناء بسيطا فى أغلب الأحيان لأن العناصر المكونة للخطاب يسهل تفكيكها ولأن الأساس فيها هو المسرود أو المحكي عنه، ولا تشكل اللغة إلا دالا واضحا على ذلك.

    السياق الحكائى واليقين الذاتي

    تتخلق البلاغة من أدوات سياقية فى المقام الأول، ترتبط بمكونات الدلالة أكثر من كونها ترتبط بمكونات الصياغة المصاحبة لها، فالأولى هي الموجه لتنظيم الخطاب وربطه بالسياق العام، وهذا يخرجنا من الأدوات البلاغية المفردة إلى الأدوات البلاغية التى تعتمد على موجهات الخطاب من داخل السياق الدلالي، فإذا كان السرد هو الموجه لعملية التنظيم والترابط بين مكونات الخطاب، وإذا كان السرد هو ناتج سياق حكائى موحد، خارج من إطار الذات وملتحم بها فى صياغة لغوية جديدة تصنع سياقا داخليا للنص عبارة عن مركز دلالى واحد وأنماط تركيبية متعددة، فأين تكمن بلاغة الخطاب السردي فى هذه الكتابة؟ وأين يمكن أن نبحث عن الصورة الشعرية فى النص؟ ولأن الصورة الشعرية هي المكون المهيمن على النص وهى التى تعطى له أداة بقائه وتقوم بتحويله من داخل سياق الجمل النثرية المتشابهة الإيقاع فى الكثير منها والتي تعتمد على قوانين داخلية غير منظمة حتى الآن، فإن البحث عنها (الصورة) فى سياقها الجزئي لن يصل بنا إلى إطار قاعدي لبناء نص شعري يكون السرد فيه هو الموجه الأساسي لعملية التركيب. إن السياق الشعرى السابق رغم اعتماده على المزج بين السرد الذاتي والترميز السردي إلا أنه ما زال يحتفظ بمكونات البلاغة الجزئية، لأن الموجه للتراكيب سياق حكائى يحتفظ بمركز دلالي يرتبط بالذات، ولكنه فى الوقت نفسه يتحول عنه إلى سياقات حكائية جزئية ذات دلالة مفتوحة، أما عند الشاعر شريف رزق وهو أحد الذين يؤسسون لهذا النوع من السياقات الحكائية المنصهرة بالذات، حتى أصبحت لديه يقينا راسخا لا يتحول عنه إلا فى القليل، فقد قدم عددا من الأعمال الشعرية التى تسهم فى بناء صياغة بلاغية لا تعتمد على المفردة الحكائية بقدر ما تعتمد على التركيب السردي الطويل النابع من سياق الذات، فهو يحكى عن ذاته من خلال تحولات هذه الذات وعلاقاتها المجازية بالأشياء داخل دوائر سردية ثلاث:
    الدائرة الأولي يحول الموضوع المسرود عنه إلى إطار الذات، سواء كان هذا الموضوع، ذات حالة أو ذات فعل، من خلال الإحالات التى يقدمها، أى بين القيمة المطلقة والقيمة الذاتية.

    الدائرة الثانية تحويل الذات إلى موضوع قيمة داخل المفردات التى ترتبط بالخطاب الذاتي وكأن الإحالة إلى الذات هي محاولة للخروج منها إلى عالم آخر.
    الدائرة الثالثة اللغة عبارة عن صيغ لذات الفاعل فى النص، وإذا وردت إشارات إلى ذات المفعول فإنها صورة أخرى من الصور التى تأتى عليها ذات الفاعل.
    من هذه المعادلات فى بناء السرد فى القصيدة يمكن البحث عن الأسس البلاغية التى ترفع الخطاب من تشابه النثر إلى صياغة الشعر، وفى هذا الإطار لن نبحث عن صور المجاز والاستعارات وإنما سنبحث عن مفردات السياق والمواقف والتأويلات التى ترد إلى ما يحرر الخطاب ويسلمه إلى سياق بلاغي يقول الشاعر فى (20 يونيه 2001):

    الليلة فجأة، صحوت على ظمأ وسعال، وخطوتُ - متعثرا - إلى زجاجة المياه غير أنها باغتتني قادمة فى الهواء كأن يدا، فى الخفاء، تحملها حتى استقرت على فمي فى هدوء شربت دونما ارتجافه واحدة كنت أعلم أنه بلا شك هنا ولكنني واصلت نومي العميق..
    وفى (21 يونيه 2001):
    الليلة، أيضا صحوت على ظمأ وسعال وتوجهت إلى الزجاجة، كما فى كل مرة على يقين بأنها سترتفع، وحدها، كما من قبل إلي فمى، وأنني لن أرتجف أيضا،
    ورفعت يدي فى هدوء،
    كإشارة مني،
    سيعقبها ارتفاع الزجاجة، وحدها، غير أن يدى لم ترتفع، وحاولت مسرعا، مرة أخري، فلم أجدها..
    وفى (23 أغسطس 2001): وبشكل عرضي على الجانب كلمة (أربعاء)
    لا شك أن كثيرين، من قبلي، عاشوا، فى هذا الجسد، وأنني، بالتأكيد عشت قبل هذا الجسد فى كائنات أخري، من قبل، صحيح أنني لا أستطيع أن أتذكر من حيواتى المفقودة، على وجه الدقة أشياء، ولكنني على يقين بأن عديدين منى ذهبوا على التوالي، وبقيت وحدي، وأنهم يتوافدون علىّ ولا أراهم، ومع هذا فلم أزل قادرا على الحياة، وأحيانا أتطلع إلى صور قديمة لي، فى مناسبات مختلفة، وأستغربها، متأكدا من أنها لأشخاص وهميين، ويخيل إلى فى كثير أنني لم أظهر فى أى صورة لي، والغريب أنني كلما عثرت على كتابة لشريف منى تأكدت أكثر أن حرائقي لم تزل هي هي، وأن حرائقي الحالية تتطور تدريجيا صعودا إلى ما بددني مرارا من عهود، بائدة، شريفا، بعد شريف (10).

    وهناك أيضا مسافات بيضاء بين المقطع الأول ص30، والمقطع الثاني ص 31
    الدلالة فى نصوص حيوات مفقودة تتوزع على عدد من المحاور:
    الأول: محور السرد الخالي من الأفعال الكبرى التى تشكل سياقا موحدا. الثاني: محور السرد الذى ينمى حركة السياق فى إطار فعل حدثي عام، يقود من موقف حكائى إلى موقف آخر ينتميان إلى السياق العام. الثالث: محور السرد عن الآخر، القيمة، ويمثل سرودا متناثرة بين المحورين الأول والثاني.
    ففي السياق الأول تتمحور الدلالة حول الذات فى سياق حكائى واحد يعطى صورة عن موقف بين الواقعية والمجازية تحتل فيه المفردات البلاغية جزءا يسيرا من مساحة النص (ثماني مفردات بين إحدى وأربعين مفردة تمثل الدلالة العامة) كل المفردات الأخرى مفردات ذات مدلول حكائى تتصل بالذات وحركة الذات:
    - باغتتني قادمة فى الهواء (إشارة إلى الزجاجة). - كأن يدا فى الخفاء تحملها (إشارة إلى الزجاجة).
    النص فى الظاهر لا يحمل دلالة تشكل موضوعا شعريا ولكن ما وراء السياق الحكائى ينقل صورة الشعر النمطية القارة فى ذاكرة المتلقى والتي تتأثر بها الموضوعات ذات التوجه الخطابي والذي يقدم صورة عن الواقع أو القيمة أو ما يتصل بهما، أو حتى عن الذات بمفهوم الرومانسية، إلى صورة مادية عن هذه الذات، تقدم نفسها على أنها هي الواقع - وهى كذلك - وتطرح من خلال هذه الصورة التى تبدو بسيطة مجموعة من التساؤلات حول الإنسان والوطن والقهر وغيرها مما يمكن أن يؤول، فى سياق مسكوت عنه، إننا أمام ذات لا تعبر إلا عن ظاهرها، أو حتى باطنها بقدر ما تبتعد عن ما يربطها بالآخر بصورة مباشرة، نوع من محاولة البحث عن اليقين من خلال الذات فقط. وفى المقطع الثالث الشاعر يسرد عما وراء الصورة المادية للذات منفصلا عن ذاته ومتحدا بها فى آن، وفى الانفصال يتعلق بهذه الذات أكثر من صورة الاتحاد بها مشيرا إلى أن السياق الحكائى الذاتي يشكل الدلالة الأولى والأخيرة، ولا يمكن أن نعثر على بلاغة الخطاب إلا من خلال التضام الكامل لمعطياته سواء فى جانب التشكيل أم فى جانب الدلالة بعيدا على السياق الجزئي للصور البلاغية، إذ يتكون المقطع من مائة واثنتي عشرة مفردة تخلو كلها من صورة بلاغية جزئية مما يجعلنا أمام بداية طريق للبحث عن بلاغة الخطاب الشعرى المعاصر، فى جزء مهم يفرض واقعا لغويا وسرديا وتصويريا غير نمطي، ويعطينا ذلك فرصة للتأمل فى المفردات البلاغية الجديدة التى يمكن أن يعبر عنها هذا النوع من السياقات السردية المفتوحة. ففى إشارة إلى الاعتماد علي لغة الاستعارة فى تركيب سردي واحد لا يمثل إلا إشارة فى سياق نصي موسع يمكن القول إن هذا التركيب الاستعارى البسيط يدعم قوة الربط والارتباط داخل السياق، ويجعل الانسجام فى النص شيئا متحققا لأن الاستعارة تمثل لب الموقف(11) وهو يتمحور حولها، ولأنها جاءت جزءا مؤسسا من أجزائه التى تمثل دائرة معنوية واحدة وهذا يعنى أن الخطاب البلاغي الجديد الذى نبحث عنه فى الشعر يمكن أن يطرح نفسه من داخل البلاغة المؤسسة للغة العربية ومن جانب آخر يمكن أن نبحث عن معطيات جديدة للصور البلاغية القديمة من خلال السياقات التى تقدم فيها، ولنأخذ السياق السردي بما فيه من إمكانات فنية صورة لهذا التحول والبحث.
    هذه المعطيات يمكن أن تتحدد وفق السياقين الخارجي والداخلي للنص على النحو التالي:
    - الملامح العامة لذات الشاعر، وتقدم الباعث على مواصلة السرد. - الصورة التمثيلية التى تعامل معها. - المسكوت عنه فيما يتصل بإدراك هذه الذات. - اعتماد الرمز على صور واقعية/ محتملة/ غير محتملة.
    السياق الحكائى بين الذات والواقع
    يمثل السياق الحكائى الذى يعتمد على المواقف الحكائية التى تقدم مفرداتها بين الذاتي القائم على رصد الظاهر والباطن للإنسان المعاصر، والواقعي القائم على طرح قضية القيمة الموضوعية من خلال الرؤية السردية التى تعتمد على عناصر أكثر حكائية، بمعنى أنها تلفت إلى السياق السردى الموهم بالإطار الحكائى الحدثي، وهذا يعطى للأبعاد الزمانية والمكانية صورة أكثر وضوحا من السياقات السابقة التى استغنت عنها، وهنا يبنى السرد من خلال رؤيتين مكونتين للخطاب:
    الرؤية الأولي: المزاوجة بين الذاتي والواقعي. الرؤية الثانية: رصد أبعاد الموقف الحكائى الذى يقترب من الحكاية المكتملة التى تحتمل بروز عناصر حكائية مؤثرة.
    وقد ظهرت مجموعات شعرية كاملة قدمت هذا السرد الذى يقف بين البعد الحكائى الخالص والبعد الذاتي، والأخير يعتمد على الواقع كتصور سردى يمثل سياقا موازيا للسياق الذى تمثله الذات، والدلالة تكون أقرب إلى تبادل المواقع داخل مفردات الحكاية. ومن هذه الأعمال يأتي ديوان "الخيط فى يدي" للشاعر فتحي عبد السميع، وهو مزيج من المجاز الشعرى فى سياق سردى يقوم البناء فيه بدور كبير فى تحرير الدلالات الكامنة فى ذاكرة الراوي من عقال التداعيات والمعاني التى لا تشكل سياقا شعريا يعطى للخطاب عوامل انسجامه وترابطه. يقول الشاعر فى قصيدة "ذات مولد ما":
    المولد ينفض والبلدية تفرط الهراوات كلهم عادوا بأكياس الحمص والحلوى والفول السوداني ولعب الأطفال الرخيصة ببهجة السرك وقرص النسوة المخطوف بأصداء المنشدين وبهجة الفيض أمام الضريح

    ***

    كلهم عادوا مجبورين وأنت تحتضن خمسة عشر يوما من بحث بلا جدوى أسنانك مغروزة فى مرارة وعيناك معلقتان ببداية المولد القادم

    ***

    قبل أن تنحرف عن الساحة التى تنطفئ تلقى نظرة أخيرة لعلك تلمح الصبيّة التى شغلتك وحين تخيب نظرتك تمضى مثل عمر ***
    منذ مطلع المولد وأنت تبحث عنها منذ مطلع المولد لم تبلع ريقك ولم ينطبق جفناك نظرت إليها بكامل جوعك ونظرت إليك بكامل رغفانها لكن الزحام فرق بينكما كان ذلك فى مولد مضى(12)
    التأسيس السردى فى النص يتجاوز مجرد السياق الحكائى الواضح، إذ يتخذ الراوي من الإحالة السياقية (المولد) تكئة للدخول فى عالم المفردات الحكائية التى تعمل كل مفردة عمل سياق حكائى منفصل عن السياق العام متصل به فى أن، لأنها تمثل إحالة إلى سياق جريء يخلو من المجاز الشعرى، يرتبط فيما بين بعضه البعض برباط حكائى يكاد أن يكون مؤطرا، وهذا يحيل السياق إلى مشهد حي يكون صورة واحدة عن واقع السياق الذى تطرحه ذاكرة الراوي الذى يظهر بوضوح فى المسافة الفاصلة بينه وبين المروى عنه. إذ يبدأ بالمنظر العام، وكأننا أمام "سيناريو تمثيلي": المولد ينفض- والبلدية تفرط الهراوات.
    ثم يبدأ المنظر يتحول إلى مفردات صغيرة تمثل سياقا جزئيا:
    - كلهم عادوا بأكياس الحمص والحلوى. - ببهجة السرك. - أصداء المنشدين. - الفيض أمام الضريح.
    ثم يتحول إلى الذات فى قلب المشهد الواقعي الحي، ويتلو تقلبات هذه الذات بمجموعة إحالات تمثل كل إحالة سياقا خاصا. وهكذا يتخلى الشاعر عن الصور الجزئية فى مواضع كثيرة ليطرح مكانها مشهدا سرديا يحيل إلى سياقات حكائية تتولد عنه، وفى هذا التحول يجعل من الذات محورا لرصد واقع منسي يبدأ بالبحث عن فتاته وتحولات عشقه فى تبادل للدلالة بين أطراف الحكاية. يقدم الشاعر فتحي عبد السميع البناء الحكائى الكامل فى إطار الحديث عن الآخر الذى يمثل صورة واقعية لإنسان معاصر. وهو أسلوب بدأ منذ فترة طويلة فى الشعر العربي، ولكنه ظل قليلا فى الكتابة الشعرية، بينما يعمد الشاعر إلى جعل الشخصية هي مركز الدلالة ومن ثم تصبح أمامه الكثير من الاختيارات:
    - الشخصية تتحول رمزا. - الشخصية تظل مؤسسة للسياق الحكائى. - يمزح الشاعر بين رؤيتها كرمز وبقائها كسياق.
    ثم يتحول الراوي من نطاق المفردات الحكائية التى تنتمي إلى الذات بكل إحالاتها المفتوحة إلى مفردات مشاهد مجازية تمتد خارج الذات أو إلى حوار الآخر أو إلى السياق الحكائى الذى يتصل بالواقع بشكل كلي، وفى المجموعة الشعرية ذاتها. ربما يذهب المتلقى إلى اعتبار أن الآخر عند فتحي عبد السميع هو صورة منفصلة عن الذات الساردة ولكن يبقى الأثر الذى يتركه الآخر، هل يتساوى من الناحية الدلالية مع الأثر الذى تخلفه الأنا؟ عند هذا الحد تظل الذوات فى السياق الحكائى الشعرى معبرة عن وضعيتها المعنوية بشكل مستقل، وبخاصة إذا صنع لها الراوي ذاكرة تساوى الذاكرة التى يعمل بها. وفى قصيدة "عجائز إسماعيل" يقول الشاعر:
    كان إسماعيل أول موظف يوقع فى دفتر الحضور رغم أنه لم يكن سعيدا بعمله كاتبا فى نيابة مركز قنا وكثيرا ما كان يعود إلى بيته وهو يفكر فى استقالته لم يكن جسمه النحيل على استعداد لحمل أكثر من مأساته حذره الأطباء من العمل بالفلاحة كيف لم يحذروه أيضا من النظر إلى أرضه وهى تبور ***
    أعجبته الوظيفة بادئ الأمر قال: خدمة الناس حلوة واحترام شيخ الخفراء لي شيء كبير أسندوا إليه دفتر الشكاوى الإدارية تصفحه بحماس مكتوم وأخذ يترقب أول قادم (13)
    البداية مع عنصر حكائى جاذب للدلالة، ويصلح لأن يكون مركزا لها من الناحية الموضوعية، ومن الناحية الشكلية، وهو الشخصية، يجعل خيارات الراوي مفتوحة فى بناء النص وتشكيلاته البلاغية، فالراوي الذى يقود السرد هو الراوي الواصف، الذى يكرس أحداثا وأفعالا صانعة للسياقين المصاحبين للدلالة، السياق الخاص بالراوي - وهو الشاعر - والسياق الداخلي الخاص بالذات، الأول يحول عملية التفكير من التداعيات والتفكير الرومانسي الخاص بها إلى صيغ تمثيلية تحول الإدراك الجزئي إلى إدراك كلي، والثاني (إسماعيل) يفرز صورة الواقع الحي للذات، والواقع المصاحب لها، الراوي يمزج بين العناصر المشكلة للسرد، والتحول إلى المكان وأثره فى الذات وامتداده مصاحبا لرؤية (إسماعيل) من خلال: - الصورة النمطية للحركة. - الصورة القيمية لعلاقة المكان بالإنسان. - جاذبية أحوال إسماعيل.
    وداخل الإطار الحكائى المفتوح يقدم المشهد نوعا من التفكير بالدراما بعيدا عن المجازات، وفى الوقت نفسه يحول الصورة الكلية عن إسماعيل إلى مجاز كلى ليست علاقاته فى التشابه بين نمطين من أنماط التفكير، ولكن بالانتقال الحركي بين مفردات تعمل من داخل الحكاية، ولا تقدم - كما يفعل المجاز الجزئي- تشكيلات لغوية قصيرة المدي، بل تقدم تشكيلات صورية تحول النص إلى جملة سردية كبيرة فإسماعيل:
    - يروح ويغدو كل يوم لعمله. - يفكر بالاستقالة. - لم يعد قادرا على العمل فى أرضه. - يحب خدمة الناس.
    فأى جديد فى هذا إلا إذا تحول إلى رمز تمثيلي يمكن للمتلقي أن يبحث فى داخله عن إيقاعات متشابهة تتلاقى مع الأبعاد المكانية الزمانية، وتترك لعملية الإدراك فرصة التواصل الدلالي مع الآخر لإدراك العالم من وجهة نظر خاصة ممثلة فى إسماعيل كحالة للرمز، وممثلة فى السارد كحالة لموقف المشاهد.

    الراوي وعلاقات السرد

    الراوي فى ديوان "طرطشات الذات والبنات" للشاعر طاهر البرنبالى يتخذ عددا من الأشكال والأبنية النقية التى تتيح له الظهور ليقدم شبكة من العلاقات السردية التى تمثل النص، السرد الذى يقدمه ليس سردا حكائيا خالصا ينفصل فيه الشاعر من كل حلقات التماس مع نوازع الذات، وإنما هو سرد توهم حكائى يبرز فيه الراوي باعتباره محركا أساسيا داخل النص فى المفتتح، ثم يبتعد عن هذه الحركة ليفسح للعلاقات المجازية، والاتحاد بالذات الساردة والانفصال عنها فى مواضع كثيرة، ومن ثم تصبح الإحالات بين بعدين أساسيين.
    الأول: البعد السردي، يتخلى الراوي عن ذاته ليقدم التوهم الحكائى. الثاني: البعد الغنائي المجازى الذاتي، حيث يتحد الراوي بالمروى عنه ليقدم رؤى متشابكة تقترب وتبتعد عن ذاته، ولذلك يبدو اتحاد السارد الفعلي للنص بصوت الراوي فى التوهم الحكائى مؤهلا لإقامة شبكة من العلاقات السردية التى تتراوح بين عدد من المواقف فى النص كالتالي:

    1- السرد المجازى الرمزي "سرد توهم الحكاية"

    وفيه يعمد الشاعر إلى استخدام مفردات حكائية وفى الوقت نفسه هى مفردات تقترب بشكل لافت من الرموز الشعرية أو لنقل الرموز الإرشادية التى تتخذ موقفا ذاتيا من ناحية، وموقفا قيميا موضوعيا يتخفى فى ظلال هذه الرموز المباشرة. فى قصيدة "على قرب المسافة":
    إيه اللى خلانى شفتك امبارح على قرب المسافة وانتى ماشية فى شوارع مهجتى تايهة وكان من الممكن أسك الباب أو حتى أواربه إيه اللى خلانى فتحت الباب على آخره عشانك دليل وإيه اللى خلى الخيل وخيَّال الخيال ينطقوا ما بين شعر طالع من شقوق الروح وبين صهيل(ص 52)
    ثم لا يذكر الشاعر هذا السكوت عنه فى قوله "إيه اللي خلاني" وكأن هناك محركا خفيا هو الذى دفعه وهو يخاطب هذه المعشوقة/ القصيدة/ الوطن/ الروح/ الذات/ وعدداً آخر لا محدود من التأويلات، والذي رشح لذلك كم المفردات المجازية التى تصلح لتكوين رمز كلى رغم عدم اتصالها بصورة شعرية واحدة مثل: "شوارع مهجتي، خلى الخيل، خيال الخيال، شعر طالع من شقوق الروح، صهيل"، ويتجلى هذا الطرح أكثر فى قصيدة "حضن شبابك الدافي"، ولكن بشكل مختلف عن القصيدة السابقة وهو انضواء المفردات الرمزية تحت صورة شعرية واحدة تشكل مفردات لمشهد شعري مجازى، فهو بجانب استخدامه لمفردات مجازية فى توهم حكائى يستخدم المفردات ذاتها فى مشهد يتذرع بالمجاز فى بناء الدلالات:
    هافضل كتير مسكون بروحك الطفلة وبدهشة الملكوت اللى بيزغرد فى عبِّكْ وبحكمة الاكتمال والانصهار فى الواحد هافضل كتير والتهتهة م الخجل فى نشوة الهوى البكري (ص 58) هنا يمزج الشاعر بين عدد من الإحالات التى تمثل كل إحالة منها عالما سرديا مختلفا: - إحالة إلى القيم المطلقة التى تعبر عن روح شاعر مريد. - إحالة إلى قيم ذاتية تمثل عشقا يصل إلى حد التوحد بالمعشوق.
    - إحالة إلى قيم موضوعية تشير فى بقية سرد القصيدة إلى حالة من الغضب حينما لا يبقى إلا أن يصبح الشاعر (فدائي).
    فى مقابل:
    أنا بحبك
    قد عناقيد غضب مفروطة مفروطه منى بفعل أعدائي

    2- السرد التشخيصي والمسافة الفاصلة بين السارد والمسرود

    لا نعثر فى الشعر العربي بشكل عام على قصائد تتخذ شكلا سرديا واحدا إلا فى أعمال قليلة وعند شعراء عرفوا بهذا النوع من السرد الشعري، ولكن الأغلب أن الشاعر يعتمد على صورة سردية للقصيدة ثم يضفرها بسرود مختلفة، يغلب أحد هذه السرود على بناء النص بشكل يمكن أن نطلق على الصور أنها صور تشخيصية، أو صور حكائية، أو صور مشهدية. وعند طاهر البرنبالى على وجه الخصوص يزاوج الشاعر فى النص بين عدد من السرود التى تشكل الرؤية العامة، ولكنه يغلب أحد هذه السرود على الأخرى، فإذا قلنا السرد التشخيصي الموضوعي فإنه يتجلى فى عدد من القصائد منها هو "انتى مين فهيم"، "أنا باعيد اكتشافك". يقول الشاعر فى الأولي:
    هو أنتي مين فيهم أم العيون الذكية اللى فيهم حزن رباني بيسرسب الأحضان واحد ورا التاني وكل حضن يلفني بالخيال والحسّ واللا انتى موجة جنون الجسد بالمس (ص 73)
    فرغم ظهور الذات فى حركة القصيدة إلا أن السرد فيها سرد موضوعي فى المقام الأول يهتم بأسلوبين من أساليب التعامل مع الصورة الشعرية والوحدة اللغوية المكونة لها، وهما، التشخيص والتجريد للمعانى التى تمثل بؤرة حوار الشاعر مع ذات متوهمة (مفترضة) يجعل منها مدخلا للسرد، وفى الوقت نفسه يحولها إلى متكأ لكل الأساليب، الواردة إذ يكمل الشاعر:

    واللا انتى صوت حرمان قديم
    بيشدنى لبكره .. انتى هنايا اللى جىّ بالمجهول وبرغبتى الأولي واللا انتى أول حبيبة بجد
    وفى المقام نفسه لا يتخلى الشاعر عن أسلوبه المفضل لديه، وهو ترميز الصور واللغة وتحويلها إلى لغة إشارية تشبه لغة الأقطاب والمريدين، ولكنه يتجلى فى هذ السرد الموضوعي بشكل أكثر انفصالا عن ذاته فى قصيدة "صحيفة أحوال الدنيا" التى رثي فيها الشاعر المرحوم محمد عبد المعطى إذ يتحول الشاعر فيها إلى ذاته فلا يمكن الالتباس هنا بين صوت راوٍ مفترض وسارد فعلي، وربما المقام الخاص بالقصيدة هو الذى صنع هذا الجو الخالى من الالتباس قول الشاعر:

    من قلب صحيفة أحوال الدنيا أخبار بتشر ألم ودمار ورماد وعذاب
    الشاعر عمك يا محمد سى الكداب
    لساه بيغنى لكن مش معنى بالأجيال
    ولا فتح طاقة نور لصحابك
    ا سابهم حتى ف حالهم (ص 120)

    وفى مثل هذه النصوص تغلب القيم الموضوعية ذات الإحالات السياسية والاجتماعية على لغة الكشف والترميز والاستبطان، وهو هنا ينسج مع مقام الشاعر داخل النص الذى أعلن فيه منذ البداية أنه بصدد صحيفة أحوال الدنيا. إن السمة الأسلوبية التى تغلب فى ديوان "طرطشات الذات والبنات" هو اعتماد الشاعر فى هذا السرد على الجمل الشعرية القصيرة، والطويلة نسبيا، وبالتالي فهو يلزم نفسه بطرح المعنى داخل التركيب من ناحية، ويوصل هذا التركيب بغيره من التراكيب الأخرى من ناحية، وهذا يعنى أن القافية التى يستخدمها تعد أداة وصل للقصيدة وليست أداة قطع، وهذا يعنى أن استخدام كلاسيكيات الشعر العربي فى غير موضعها من الناحية البنائية ومن الناحية الدلالية، وهو عادة لا يستخدم التجنيس فى القافية، ولكنه يستخدم حروفا متقاربة من حيث المخرج الصوتي، بالإضافة إلى ما يضفيه "تسكين الوقف" على الصوت، يقول الشاعر:
    يا عدوى لسه روحى مرفرفه لسه شمع الحلم الاخضر ما انطفي واللى باع المر فى سنين الجفا مش هيسلم من عمايله عمره ما يدوق الصفا (ص 111)

    استخدم الشاعر صوتا واحدا مشفوعاً بخروج مختلف:

    - الفاء مع التاء المربوطة. - الفاء مع الألف المقصورة. - الفاء مع الألف الممدودة. - ثم الهاء الساكنة، وهذا التشكيل يعطى تقاربا صوتيا أثناء الإلقاء العالي أو حتى القراءة المهموسة.
    وفى ديوانه "بنحب موت الحياة" يركز الشاعر عزت إبراهيم على سرد القيمة من خلال المراوحة بين مفردات حكاية القول، والمشهد المجازى المضفر بالمعاني المشخصة، التى تحول السرد من مجرد مفردات حكائية ذاتية إلى مفردات حكائية رمزية بلغة إرشادية تجعل من الراوي مركزا للسياق المفترض، وهذا يعيدنا مرة أخرى إلى السياق الحكائى الموصل للسياق البلاغي والذي بدوره يخلق آليات للبلاغة الجديدة التى نبحث عنها، ومن هذه الآليات الصورة الكلية للسياق داخل الموقف الحكائى الذى يربط بين رؤية الراوي الممثل للقيم الذات

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 4:40 am