منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    دراسة سيميائية لأدواره العاملية

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    دراسة سيميائية لأدواره العاملية Empty دراسة سيميائية لأدواره العاملية

    مُساهمة   الأربعاء ديسمبر 16, 2009 11:26 am

    دراسة سيميائية لأدواره العاملية…

    بقلم: منى بشلم - من جامعة منتوري - قسنطينة
    يرتبط الفضاء المحتمل بالجوانب التشكيلية في العمل الأدبي، و تداخل هذا الأخير مع الفنون الفضائية الأخرى كالرسم،النحت و الهندسة المعمارية. يتجلى التداخل من خلال الخصائص الفضائية للأدب حين يُرسم المشهد و المكان،و تُنحت الشخصيات ،و يُبنى الكتاب معماريا.

    إذا كان لكل من هذه الفنون مادتها الخاصة فإن مادة الأدب لغته، التي ترتكز إلى التجريد الذهني في تأسيس العلاقات بين وحداتها لكن «المكان الشعري لا يعتمد على اللغة وحدها،وإنما يحكمه الخيال الذي يشكل المكان بواسطة اللغة على نحو يتجاوز قشرة الواقع إلى ما يتناقض مع هذا الواقع غير أنه يظل..واقعا محتملا»([1]) ممكن التجسد عل أرض الواقع ،إذ أن جزئياته حقيقية وظفت في سياق حلمي.

    ما نقوله عن المكان ينطبق أيضا على الشخصيات التي تصور عادة في شكل نماذج إنسانية متكاملة الأبعاد تستوفي الخصائص الجسمية، النفسية و الاجتماعية، أرسطو انتبه إلى ذلك و دعا الشعراء إلى أن يسلكوا طريق الرسامين المهرة الذين إن أرادوا تصوير الأصل رسموا صورة أجمل([2]) و إن كانت لا تبتعد كثيرا عن الصورة الأصلية ـ الواقعيةـ فهي صورة محتملة.
    على هذا ترتبط دراسة الفضاء المحتمل من مقدمة الظعائن بقسمين اثنين من أقسام الفضاء المحتمل هما :المكان،و الشخصيات،لأن البناء المعماري للعمل ـ وقد تعارف على تسميته بالفضاء الطباعي ـ متوارث حظه من إبداع الشاعر قليل كما سنرى في حينه، أما التطرق لدراسة الشخصيات المحتملة في قطعة شعرية فمسوغه أن بهذه القطعة تتوافر مقومات القصة؛ إذا أنها سرد لوقائع الارتحال يتتبع فيها الشاعر الخليط الذي شرع يغادر الديار منذ لحظة إعلان النبأ، تراقبهم عيونه على امتداد طرق الصحراء،فتراه أحيانا يصور المسار من نقطة لا يحول عنها؛ و حينا آخر ينطلق في أثرهم حتى يبلغهم ليتجاذب أطراف الحديث مع بعض النسوة ،أو يخص واحدة فقط بالمحادثة، فتبدو في شكل قصة «ملمومة الأطراف شاخصة المعالم فيها الوصف أكثر مما فيها من القص، حتى توشك أن تكون قصة مصورة…في طائفة يسيرة من المشاهد الصغيرة المتتابعة»([3])أهم محطاتها:إعلان خبر الرحيل، موقف الشاعر من الظعائن المتحملة،ذكر النساء و التحدث عنهن ،و لعل أهم محطاتها مماشاة الركب و الوقوف على معالم الطريق، و هو الموضوع الذي يحظى بعناية خاصة من طرف الشاعر،يتجسد هذا الاهتمام في كثرة أسماء الأماكن في هذه المقدمة. يعلل شكري فيصل هذه الكثرة بالنظر في دلالتها النفسية، حيث أن صلة الشاعر بهذه الأرض هي صورة أخرى لصلته بأحبته«تتلامح من ورائها أشباح الأحبة و قد فرقت بينهم النوى،و شط بهم البين…فعاش الشعراء ترود أعينهم الفضاء الفسيح»([4]) فيرتبط كل موضع بمعنى ، و يمتلك كل مكان مذاقا خاصا، و طعما متميزا، يختلف تبعا للأحداث التي امتزجت به ،أو التي وقعت فيه؛ فهي الأماكن التي اجتمع على رملها بالأحبة يوما،أو هي التي شطت بهم بعيدا عن عينه و قلبه.
    نص الظعائن موزع على أربع قصائد من الديوان ،ما يعادل أربعا و ثلاثين(34) بيتا،، و كلها تروي قصة الرحيل، بيد أن بينها فروقا فنية دقيقة، مع ذلك هي تظهر للقارئ و كأنها لحظات متتابعة من الحكاية ذاتها يتم تقطيعها وفق تغير الفضاء، لما له من تأثير في تغير المعنى ،فنجد النص مقسما إلى ثلاثة مقاطع هي : فضاء القبيلة ، الفضاء القفري، فضاء الخصب.

    على المستوى الصوري للنص نلحظ مسارين صوريين الأول رئيسي و يمكن تقسيمه إلى قسمين، و الثاني ثانوي.

    المسار الصوري الأول:
    القسم الأول يدور حول الارتحال: هبطت أيدي الركاب بهم ـ يسعى الحداة على آثارهم حزقا ـ تحملن بالعلياء ـ جعلن القنان عن يمين و حزنه ـ وركن في السوبان يعلون متنه ـ هن و وادي الرس كاليد للفم ـ ظهرن من السوبان ثم جزعنه ـ شطت بهم قرقرى ـ سال السليل بهم .

    القسم الثاني يدور حول الموطن الجديد:

    إن مشربكم ماء بشرقي سلمى ـ وردن الماء زرقا جمامه ـ وضعن عصي الحاضر المتخيم ـ دارا يمانية ترعى الخريف.

    المسار الصوري الثاني: وحدات تصف شوق الشاعر للحبيبة

    و علق القلب من أسماء ما علق ـ فارقتك برهن لا فكاك له ـ أمسى الرهن قد غلق ـ لا محالة أن يشتاق من عشق ـ و زودوك اشتياقا أية سلكوا.

    إلى جانب هذه المسارات الصورية يتجلى في النص تجمع صوري واحد وحداته تتضافر لترسم الصورة المثالية للجمال الأنثوي:

    جيد مغزلة ـ أدماء خادلة ـ تراعي شادنا خرقا ـ ريقها كالكرى التي لم تعدو مرحلة التعتيق سكبت فيها قطرات من ماء عذب ـ علون بأنماط عتاق و كلة وراد ـ عليهن دل الناعم المتنعم ـ فيهن ملهى للطيف و منظر أنيق ـ عليهن كل قشيب و مفأم .

    بالنسبة للبرامج السردية، يظهر برنامج سردي أساسي يرغب من خلاله الخليط في الاتصال بفضاء الخصب، معتمدين في ذلك على الارتحال.

    برنامج سردي ثاني يمثل رغبة الشاعر في الحفاظ على وصلته بموضوعه المرأة التي تنتمي بدورها إلى الخليط الراغب في الارتحال.
    غير أننا نفضل البدء من المشروع الثاني لأغراض منهجية، تتلخص في تيسير الفهم ذلك أن المشروع الثاني يحتل الفضاء الأول و هو القبيلة كما أنه زمنيا سابق للأول غير أن هذا الأخير هو الذي يبرز أهمية البرنامج السردي للشاعر.

    I. فضاء القبيلة :
    أ ـ تقاطب الشاعر ـ المرأة:
    أول قصيدة في الديوان تضم مقدمة الظعائن و تفتتح بها مباشرة، دون أن تكون مسبوقة لا بحديث الأطلال و لا حتى الغزل كما هو الشأن في قصائد أخر. هي القصيدة الموسومة بـ “إن الخليط أجد البين” ينطلق الشاعر من الوطن الأم حيث تجري الأحداث على تراب القبيلة غير أن الشاعر لا يولي اهتماما بالمكان، و لا يعرض أوصافه مطلقا بل إن المتلقي يستنتج الموقع من خلال الأحداث،ذلك أن الظاعنات لم ينطلقن في المسير بعد، فهي لحظة ما قبل الظعن، و المكان هو الموطن، هو أرض القبيلة .
    تفتتح القصيدة بذكر رحيل الخليط، و هم المخالطون له في الدار (الوطن) ملفوظ الحالة هذا يبين حالة الاتصال التي تجمع الشاعر بهم؛ غير أن الوصال لا يرتبط بكل العازمين على الرحيل بل إن هذه الرغبة تتجه نحو فاعل واحد من المجموع هو المرأة/الحبيبة ،هي الموضوع الذي تسعى الذات/الشاعر للحفاظ على الصلة التي تجمعه به [ ف1 Λ م1] ؛و يحركه للقيام بذلك مشاعر الحب التي تفيض بها نفسه (و إن كانت مرسلا غير مذكور صراحة في نص الظعائن إلا أن استنتاجه يسير على القارئ) اتجاه هذه المرأة/الموضوع المحملة بجملة من القيم، هي في المتن قيم جمالية حسية، يعرضها النص في تجمع صوري يرسم صورة على صعيد الحواس تجلوها فتاة جمعت مجمل صفات الحسن حتى إنها تبدو صورة مثالية إذ:

    قامت تراءي بذي ضال لتحزنني و لا محالة أن يشتاق من عشقـا

    بجيد مغزلة أدماء خـاذلة من الظباء تراعي شادنا خرقـا

    كأن ريقها بعد الكرى اغتبقـت من طيب الراح لما يعد أن عتقا

    شح السقاة على ناجودها شبمـا من الماء لينة لا طرقا و لا رتقا([5])

    هذه القيم الجمالية التي يلتقطها الشاعر بحواسه هي التي أهّـلت المرأة لتحتل دورها العاملي كموضوع رغبة للذات يصبو إلى وصالها ،لأنها «ترمز للسعادة المنشودة، و لأن هذه السعادة عصية هاربة فإن شعور الإنسان بها يزداد عمقا و بروزا عند إفلاتها منه»([6]) لهذا نجد حديثه عن المرأة مقترنا بالماضي. فهو لم يصفها في لحظة الوصال و الفرح ،إنما شرع يحدث عنها حينما هدد الرحيل هذه الصلة:

    إن الخليط أجد البين فـانفرق وعلق القلب من أسماء ما علق

    المرأة/أسماء كانت على العهد، وفية للشاعر/الراوي ملتزمة بالعهد الذي يربطها ضمنيا بالشاعر. هذه الصلة تحققت في إطار مكاني هو أرض القبيلة، الوطن الأم غير أن الشاعر لا يصفها، ولا يذكرها حتى، يبدو أن السبب هو ذاته فهو مطمئن لامتلاكها، فلا ينتبه إليها، بينما يتجه جل اهتمامه للمرأة/ الحب المهددين بالرحيل. وعليه فإن الذات في حالة اتصال بالموضوع و المشروع السردي للذات يتلخص في الحفاظ على هذه الصلة ، من جهة أخرى فإن كلاّ منهما في اتصال بالمكان :

    ذات Λ موضوع

    الذاتΛالمكان الموضوعΛالمكان
    تواجد الذات و الموضوع في المكان نفسه،هو ما يسر وجود هذه الصلة بينهما ،فهو العامل المساعد لتحقيق المشروع السردي للشاعر/ الذات، في حين تتوزع باقي الفواعل على الأدوار العاملية التالية:

    المرسل/مشاعر الحب

    الموضوع/المرأة
    الذات/الشاعر

    المساعد /المكان (موطن القبيلة)
    يرتكز النص على محور الرغبة ،و هو «المحور الذي يربط الذات و الموضوع»([7]) يتجلى هذا الرباط على المستوى الصوري في تعبير الشاعر عن خوفه من الفراق و تعليله لذلك بأن قلبه رهين “أسماء“:

    و علق القلب من أسماء ما علق

    و فارقتك برهن لا فكـاك له

    يوم الوداع فأمسى الرهن قد علق ([8])

    تتشكل صورة الذات على مستوى المشاعر في ارتباطها القوي بالموضوع،في حين ترسم صورة الموضوع/المرأة على مستوى حسي؛مع ذلك فهذه الصورة الحسية تنعكس في نفس الشاعر في شكل قيم شعورية ،مما جعلها متمكنة من نفسه حتى “استغلق الرهن” الذي يربطه بهذه المرأة التي تمتلك جملة من القيم الجمالية ، إذ تختص بأن لها “جيدَ مغزلةٍ من الظباء تراعي شادنا خرقا“.

    يشبهها الشاعر بالغزالة الأم التي تحيط وليدها بالرعاية ، معتزلة القطيع مما يجعل جمالها بارزا في انفرادها، ثم هي تراعي “شادن خرقا” تفيض عيونها حنانا،غير أن الشاعر لم يذكر العيون صراحة إنما خص الجيد بالتسمية و التشبيه ،وقد خص الظبية بمنزلة المشبه به لأن «اتساع حدقة عين الظبية و طول عنقها يشكلان أداتين صالحتين لرؤية مواطن الخصب و تناوله»([9]) ، هذا التشبيه إذا يحيلنا على مقوم تختص به المرأة وفق الرؤية الجاهلية ،كونها رمزا للخصب ،من جهة أخرى يأتي التشبيه لبيان مدى طول و دقة و بياض الجيد لأن «البياض علامة على الترف و النعمة في وسط تقسو فيه الحياة قسوة الطبيعة »([10]) مع ذلك فإن أي غزالة كانت لتفيَ بالغرض فلماذا جعلها زهير مغزلة، عند إلقاء نظرة على السمات المرتبطة بالكلمة في ذهن الجاهلي، نجدها تحيل على السمات التالية:

    حياة حيوانية+رمز الجمال(جيد،عيون جميلة)+رمز للآلهة +رمز للأمومة+رمز للخصب.

    وهي السمات نفسها التي يفترض أن تلتقي فيها مع المرأة ،و هو يؤكد على سيم “الأمومة” في الشطر الثاني من البيت، مما يحيلنا مرة أخرى على صفة الخصوبة عند كل من المشبه و المشبه به،و التكرار يفيد تأكيد المعنى و تثبيته،مما يجعل المتلقي يهمل الصورة الحسية للموضوع و يثبث مرة بعد مرة أخرى القيم التي ترمز إليها هذه المرأة.

    فنتساءل هل كانت “أسماء” أمًا حقا ،أم أن الشاعر يحيلنا فقط على عنصر الخصوبة ،أم أنه ـ على حد تعبير أصحاب المنهج الأسطوري ـ يصف واحدة من الآلهة و يتقرب بالصلاة إليها «فمنها الحياة و منها البهاء ،و منها كل نعيم الوجود»([11]) في البيئة الصحراوية القاسية الجافة تمثل المرأة منبع الخصب و الحياة لهذا السبب قرنت« عبادة المرأة بوظيفة الأمومة و الإخصاب»([12]). غير أن النص لا يقدم دعما لفكرة عبادة المرأة، بل يؤكد فكرة الأمومة في جمعه بين المرأة و المغزلة التي تراعي صغيرها منعزلة عن القطيع تاركة حياة الجماعة لتخص نفسها بوظيفة الأمومة، فهي أم مراعية، فياضة الحنان.
    كما يدعم النص فكرة الخصوبة، بصورة جديدة هي الرواء في الأبيات الموالية؛ حين يذكر الشاعر ريقها و يشبهه بالشراب الذي لم يجاوز«أن صار عتيقا إلى أن يفسد»([13]) فإضافة إلى أنه يحقق الارتواء بعد العطش، هو طيب المذاق. و إليه يضيف عنصرا آخر يدعم فكرة الارتواء؛ و هو الماء و مثل سابقه يخصه بالعذوبة و يزيد على ذلك النقاء؛ فهو من بئر “لينة” و هي «اسم بئر من أعذب الآبار»([14]) فالشاعر يستعين بالفضاء الجغرافي لإضفاء الوضوح و الدقة على الصورة، و يجعل المتلقي يستشعر ميله لمياه هذه البئر دون غيرها ، مما يؤكد دقة إحساس الشاعر بالفضاء الجغرافي.

    جمعت صورة المرأة/الموضوع جملة من القيم الجمالية فجاءت في صورة مثالية من حيث تصويرها الحسي، كما ارتبطت ـ على المستوى العميق ـ بمعنم الحياة ، التي تحققها في البيئة الصحراوية الأمومة ، من حيث إن استمرار ذكر الجاهلي لا يكون إلا في أولاده، مما جعل الشاعر يذكر هذه الصفة ،التي يعبر عنها غالبا بـ ” الخصوبة” إلا أنه لا يفصل في هذا المقوم و إنما جاء به من خلال التشبيه،و بعده مباشرة يعرج على مقوم الرواء الذي يحققه على المستوى الصوري في لفظمين هما الكرى و الماء، و لا يترك الصورة حرة بل يقيدها بجملة من السمات فكل من الخمر و الماء عذب ، طيب المذاق.

    كأن ريقها بعض الكرى اغتبقت من طيب الراح لما يعدو أن عتقا
    شح السقاة على ناجودها شبما من الماء لينة لا طرقا و لا رتقا([15])
    بهذا ترتبط المرأة في المستوى العميق بالحياة ممثلة في لكسيمي الأمومة و الرواء اللذين يقابلان لكسيمين غائبين عن النص هما العقم و الجذب ـ الذي سيظهران في المشروع الثاني ـ و يحيلان إلى المحور الدلالي للخصوبة . أما من وجهة النظر الأسطورية فإن المرأة تحيل على صفات الآلهة المانحة للحياة.
    فالمرأة في المستوى العميق هي مرادف للحياة،غير أن موضوع القيمة هذا،و الذي كانت الذات/الشاعر في حال اتصال به، ستنفصل عنه، و هو منذ اللحظة الأولى يعلن عن هذا الحدث، و الذي جاء في شكل دور ثيمي قام به الخليط في إطار تحقيقه لمشروعه.

    بـ ـ تقاطب الشاعر ـ الظاعنين:

    أول ما يفتتح به الشاعر قصيدة “إن الخليط أجد البين” هو ذكر الفراق الذي يحل بين الخليط و فضاء القبيلة، الذي يعاني من افتقار و يسعى الخليط إلى تعويض الافتقار من خلال الارتحال، أي الانفصال عن القبيلة.غير أنهم بهذا يؤَدون دورا ثيميا Rôle thématique يتمثل في التفريق بين الذات/الشاعر و الموضوع/المرأة ، و السبب في ذلك انتماء المرأة إلى الخليط ، في حين ينتمي الشاعر إلى القبيلة المستقرة التي لن تغادر أرضها ،و بهذا وجب على المرأة مرافقة الراحلين، في حين يلتزم الشاعر المكوث بالموطن الأول . الذات Vالموضوع

    الشاعرΛالمكان المرأة Ѵالمكان
    غير أن المرسل الذي أقنع أو دفع بالخليط إلى المغادرة غير مذكور في النص ، و لا حتى غاية المشروع السردي الذي ينفذه الفاعل الضديد/الخليط، لهذا ننتقل إلى باقي القصائد لاستكمال الدراسة . فنجده في كل من قصيدة “اردد يسار” و المعلقة يحدد الغاية إذ تتمثل في ” مشربكم” أي نبع الماء الصالح للشرب يستقرون عنده، أما في الثانية فإنه يحيل على نفس المعنم في قوله:

    فلما وردن الماء زرقا جمامـه وضعن عصي الحاضر المتخيم([16])

    بعد تحديد الغاية أو الموضوع الذي تسعى الذات الضديدة للاتصال به يمكن استنتاج العامل المرسل و هو«أن تعجز موارد المكان عن كفاية الجماعة السكانية المقيمة عليه »([17]) و بما أن الشاعر خص المشرب دون المرعى أو غيره من الموارد نستنتج أن المرسل هو فضاء الجذب، الذي أقنع الخيط بالرحيل ،مع أن الجذب لا يبدو عاملا يحرك عن طريق الإقناع إنما عن طريق الإرغام ، ذلك أنه يكسر الإحساس بالانتماء المؤسّس «على رابطة الأصل المشترك مضافاً إليها رابطة الجوار أو التحالف أو غير ذلك»([18]) من الروابط التي يمكن أن تكون قد حكمت العلاقة بين الخليط و قبيلة الشاعر.

    فانتصب الخليط ذات فاعلة تؤدي مشروع مغادرة الديار باتجاه ديار جديدة/موضوع محمل بقيمة هي الرواءـ توافر المياه ـ ؛ يؤهلها لأدائه كونها عارفة أولا: بموقع المياه فقد حدوده جغرافيا بـ :
    ثم استمروا و قالوا إن مشربكم ماء بشرقي سلمى فيد أو ركك([19])

    ثانيا: للمسار الذي عليها سلوكه لبلوغ المياه ،حتى أن الشاعر شبه مسيرهم بمسير اليد للفم فهي معرفة فطرية لا تخطئ و لا تزيغ :

    بكرن بكورا و استحرن بسحرة فهن و وادي الرس كاليد للفم([20])

    تبدأ الظاعنات مسيرهن قاصدات وادي الرس لا يخطئنه لأن المعرفة بالفعل متوفرة في الذات الفاعلة، إضافة إلى أن الارتحال صار واجبا للحفاظ على حياة هذه الجماعة البشرية في غياب الموارد التي تضمن استمرار الحياة، و بهذا يضاف إلى أهلية الفاعل صيغة الشعور بوجوب الفعل. كما تبين الأبيات أن صيغة إرادة الفعل متوفرة في الفاعل؛ نستنتجها من قوله “إن الخليط أجد البين” أي أنهم أخذوا الأمر بجدية، فالفاعل يمتلك كلا من جهات إضمار الفعل ، المتجسدة في إرادة الفعل و وجوب الفعل، إضافة إلى امتلاكه لواحدة من جهات التحيين المتمثلة في معرفة الفعل . فهو مؤهل للقيام به ، غير أن الانتقال من تحيين الفعل إلى تحقيقه،يتطلب بشكل أساسي في ـ حالة خليط يرغب بقطع الصحراء ـ امتلاك القدرة على ذلك، و إلاّ تحول السعي للاتصال بقيمة الحياة المجسدة في الموطن الخصب إلى سعي نحو الموت المحقق في الصحارى. لتجنب ذلك تسعى الذات الضديدة أولا إلى الاتصال بموضوع جهة Objet modal،هو القدرة على الفعل،و ذلك عن طريق أداء برنامج سردي ملحقProgramme narratif annexe تدخل بفضله في اتصال مع موضوع قيمة هو التوحد الذي يعد ركيزة أساسية لفعل الخوض في الصحراء ذلك أن العرب تقول أن أقل رفقة الصحراء ثلاثة ،فلا يمكن للفرد الخوض في الصحراء كما لا يمكن للجماعة أن تنقسم إلى فرق لأن ذلك يضعف قدرتها على الفعل ، و خاصة أثناء مواجهة الفضاء الجغرافي القفري، الذي يحمل قيمة سلبية ،و قد يصبح مرادفا للموت.



    على المستوى الصوري يتحقق السعي للتوحد في تجمع صوري لأفعال أداها الخليط امتدت حتى وقت الظهيرة ،تتمثل في : ـ رد جمال الحي ـ التجمع للتشاور

    ردَّ القيان جمال الحي فاحتملوا إلى الظهيرة أمر بينهم لبــك

    ما إن يكاد يخليهم لوجهتـهم تخالج الأمر، إن الأمر مشترك([21])

    يستمر السعي للاتصال بموضوع الجهة،لأن قرار الارتحال يشمل الجماعة كاملة، لهذا كان عليهم أن يتفقوا على المقصد؛و المكان الذي يسيرون إليه،فرغم كونهم متفقين على أن الديار الجديدة يجب أن تكون محملة بالقيمة المنشودة من الفعل وهي وفرة الماء، فإن الفضاء الجغرافي لم يحدد حتى وقت”الظهيرة”،و لم يحققوا الاتصال بالموضوع المنشود و هو الاتحاد على رأي مشترك، و بهذا يشكل ” تخالج الأمر” أي الاختلاف في الرأي معيقا للذات الفاعلة، يمنعها من تحقيق مشروعها الرديف فيؤجل بذلك تحقيق المشروع السردي الأساسي، يمكن رسم المخطط التالي للنموذج العاملي: ([22])


    الموضوع/المشرب

    المرسل/فضاء الجذب المرسل إليه/الخليط

    الفاعل/الخليط

    المساعد المعارض/تخالج الأمر
    الذي يجسد تداول الأمر بين أفراد الخليط و بروز العامل المعيق و هو افتقاد ـ الانفصال عن ـ الاتفاق على رأي مشترك، و الذي يؤجل تحقيق مشروع الذات الضديدة ، مع ذلك لا تستفيد الذات/الشاعر من هذا التأجيل لأنها تدرك أن الذات الضديدة ستنتهي إلى تحقيق مشروعها ؛و أن الاتجاه الذي ستسلكه ليس عاملا حاسما لأن “انتزاع” موضوعها منها سيقع عليها “أية سلكوا”([23]) .

    هذا ما يحصل بعد انقضاء الظهيرة حيث تنفد الذات الضديدة مشروعها الرديف و تتصل بموضوع القيمة و هو التوحد في جماعة واحد و الاتفاق على غاية المسير مكتسبة بذلك القدرة على الفعل معززة معرفتها بالفعل :

    ثم استمروا و قالوا :إن مشربكم ماء بشرقي سلمى فيد أو ركك([24])

    بعد أن امتلك الخليط جهة القدرة على الفعل ، يتحول إلى تحقيق البرنامج السردي الأساسي و الاتصال بفضاء الخصب موقعة الذات/الشاعر في حالة من الافتقار سببها انتزاع الحبيبة.

    II. الفضاء القفري :
    أ ـ تقاطب الظعائن ـ المكان:
    و مرة أخرى على الظعائن حتى تبلغ فضاءها الهدف بالاتصال أولا بالفضاء القفري و اجتيازه لأنه الفاصل بينها و بين هدفها ، و عليه فإنه يحتل الدور العاملي للمعارض.إضافة إلى كونه الإطار الجغرافي لفعل الارتحال الذي يشكل برنامجا رديفا يمكـّن من اجتياز المسافة الفاصلة عن الهدف، بعبارة أخرى يمكّن الذات من الهيمنة على المعارض و الدخول في وصلة بالموضوع/فضاء الخصب،بعد الانفصال عن فضاء القبيلة المتميز بقلة موارده المائية ،يتم الانتقال إلى فضاء ثان هو فضاء طوباوي يتم فيه الإنجاز([25]).لا يذكر الراوي/الشاعر صفات و لا ما يميز هذا الفضاء الجغرافي المحتمل من خصائص ،بل يذكره مباشرة بالاعتماد على اسم العلم ليحيل مباشرة على فضاء مرجعي. إلى جانب أسماء الأماكن نلاحظ جملة من المركبات الفعلية التي تجتمع كلها للدلالة على التحول من مكان لآخر، يميزها عن بعضها الضمير المسندة إليه إذ تختلف بين التأنيث و التذكير غير أن الغلبة من الناحية الإحصائية تبقى للمؤنث على حساب المذكر الذي لا يظهر إلا في قصيدة واحدة؛ يمكن تحليل شبكة المنظومات اللغوية ليتضح أن المذكر يرتبط بفضاء القبيلة ،حيث تمّ تحيين المشروع السردي للذات الضديدة/الخليط، لهذا لا نلمح ذكرا للفضاء المرجعي ، أما الفضاء الطوباوي الذي تم فيه الإنجاز فإنه مقترن بالتأنيث،لأن رحلة الظعائن مقترنة بالمرأة و لا يأتي الشاعر على ذكر الدور الذكوري فيها إلا في أفعال الحداة: يغشى الحداة بهم وعث الكثيب كما ([26])

    و ذلك في بيت واحد، في حين يهيمن التأنيث على نص الظعائن، كما تكثر فيه أسماء المواضع و المركبات الفعلية التي جاءت مسندة إلى ضمير مؤنث. هذه الأخيرة هي بمثابة مسار صوري يحيل على فعل الانتقال،و يُفصّل المشروع الملحق الذي يتوجب على الظاعنات تأديته حتى تبلغ هدفها في تحقيق مشروعها الأساسي: ترتفع الظاعنات فوق الأماكن المرتفعة، و تنزل عبر المنخفضة و هكذا…،و بما أن الأفعال(تحملن، جعلن،علون،وركن نزلن،ظهرن،جزعن،…) جاءت كلها في زمن الماضي فهذا يدل على أن الظاعنات قد تخطين هذا المعارض موضعا تلو الآخر ،و حققن برنامجهن الرديف متخطيات المعارض/الفضاء القفري .

    بـ ـ تقاطب الشاعر ـ المكان:

    و بهذا يكنّ قد جسدن دورا ثيميا ، دون قصد ، و هو انفصال الذات/الشاعر عن موضوعه/المرأة ، و بعد أن قطعت الذات الضديدة كل هذه الأفضية الجغرافية تتحول هذه الأخيرة إلى عامل معيق مرة أخرى لكن بالنسبة للذات/الشاعر،الذي لا يضطلع بأي مشروع مضاد لاجتيازها، على الرغم من وجود المعرفة بالفعل التي نستشفها من معرفته بالمسار الذي سلكته الظاعنات، و الرغبة في الفعل أيضا موجودة بالنظر إلى كون المرسل الموعزManipulateur بالحفاظ على الصلة التي تجمعه بالموضوع هي عاطفة الحب ،مما يجعل الرغبة في الاتصال بالموضوع دائما قائمة مهما اختلفت الأماكن ” و زودوك اشتياقا أية سلكوا”، كما نلحظها في تساؤله :هل تبلغني أدنى دارهم…([27])

    غير أن القدرة على الفعل تبدو ضعيفة فالذات/الشاعر تجد المعارض/المكان أقوى منها لأنها تراقبه بعيون المتأمل مما يجعلها تراه و قد تضخم اتساعه عن المألوف«من خلال التأمل ،و الموقف التأملي … تضفي اتساعا هائلا»([28])على انطباع الشاعر حول المكان ، ليجد بعد تدبره في الأمر أن أقرب موقع إلى ديارها هو ظلم :

    فاستبدلت بعدنا دارا يمانية ترعى الخريف فأدنى دارها ظلم([29])

    فإن أقرب موضع منها هو ظلم، و الاسم بغض النظر عن الموقع الجغرافي يحمل معنى الظلم ، مما يدل على أنه ليس بالمكان المحبب إلى الشاعر، بل على العكس لأنه اتخذ له اسما كريها ، ذلك أن قيمة الظلم من أبغض القيم في المجتمع الإنساني ، ولعل هذه التسمية عائدة إلى سلبية موقف المرأة من مشروع الشاعر لأنها لم تؤدي أي فعل يجعلها تحتل الدور العاملي للمساعد في برنامج الشاعر، مما يجعله يحس أنها ظالمة.

    أما إن عدنا إلى جغرافية الموقع وجدناه «جبل أسود»([30]) و الجبل يوحي بالارتفاع الشاهق، مما يجعله معيقا قويا ، كما أنه يحمل جملة من القيم السلبية في الذهنية البدائية إذ غالبا ما يرتبط أسطوريا بكونه «مكان للضياع والفقد.. الجبل.. ارتفاع وحاجز ونهاية»يستعمل عادة «بعد إحاطته بهالة من الضبابية و عدم التحديد. تبث فيه الروائح والأصوات، من همهمة وهمس وهدير.. وكل لغط غامض و غريب»([31]) حتى تمتلئ نفس المتلقي من وحدة الجبل خوفا و رعبا،مما يبطل القدرة على الفعل . غير أن هذا التفسير يبدو قاصرا بالنظر إلى فروسية الرجل الجاهلي الذي يتحدى الطبيعة في أقسى مظاهرها، ولعل السبب الفعلي وراء غياب مشروع مضاد تسعى الذات من خلاله إلى إعادة الاتصال بالموضوع هو غياب الشعور بوجوب الفعل ، فعلى الرغم من توفر الرغبة في الاتصال بالمرأة لا يشعر الشاعر بوجوب السعي للاتصال بها لأنها ـ كما ذكرنا سالفا ـ لم تؤدي أي دور يجعل منها مساعدة أو حتى محفزة للشاعر/ الذات على العكس من ذلك هي تؤدي دور المرسل الضديد من خلال مفارقتها للشاعر و صرمها حبل الود:


    و أخلفتك ابنة البكري ما وعدت فأصبح الحبل منها واهنا خلقا([32])

    و بهذا يغيب الشعور بالواجب اتجاه هذه المرأة و لا يبقى في نفس الشاعر إلا إحساسه المرهف بالاشتياق إلى زمن الوصال.

    المركبات الفعلية التي لم تسند إلى الظاعنات أسندت إلى الأماكن مثل”شطت بهم” و”سال السليل بهم” مما يجعلها تحتل الدور العاملي للمساعد بالنسبة للظاعنات، و كأن المكان هو الذي يسير بهم و ليسوا هم الفاعلين ، غير أن مساعدة الظاعنات لاجتياز المسافة بسرعة هو عامل معارض للذات/الشاعر تزيد بعد الحبيبة عنه،نستنتج ذلك من انتقاء الفعل ،فالشاعر جعل الفعل شطت أي بعدت مما يثبت القيمة السلبية لأداء المكان بالنسبة للشاعر.

    و قد حدد هذه الأفضية الجغرافية ؛التي تقطع الحبيبة بأسمائها راسما خط سيرها ، و لعل السبب هو تعلقه العاطفي بهذه الأماكن التي شكلت أخر ما يبقى في الذاكرة من الحبيبة، و كانت آخر منازل لها :”في كل منزل نزلن به”، و يمكن أن نستدل على ذلك من ذكره لأدق التفاصيل لنزول الظاعنات، حتى إنه يصف فتات الصوف المتساقط من الهوادج في المواقع التي استراح فيها الركب:

    كأن فتات العهن في كل منزل نزلن به حب الفنا لم يحطم([33])

    بغض النظر عن مكانة هذه المواضع من نفس الشاعر و الدور العاملي لها فإنه لا يحدد صفتها من حيث الخصوبة،مع أنها القيمة التي تأسست كل المشاريع لأجل الاتصال بها ، نجد أن منظومة الصفات شبه فارغة قياسا إلى العدد الكبير لأسماء الأماكن في منظومتها، و لا نعثر على تفسير لهذه الظاهرة مع علمنا المسبق أن للغياب دلالاته أيضا،فلا يبقى أمامنا إلا الاعتقاد بأن سبب الغياب هو كونها تشكل طقس عبور لا مكانا للاستقرار ،بل هي مواضع يتوجب قطعها و لن يطول البقاء بها حتى لو كانت فضاء جدب فإن ذلك لن يؤثر على قيمة الحياة المنشودة من الفضاء الخصيب.

    III. فضاء الخصب:
    تقاطب الظاعنات ـ المكان:
    بنت الظاعنات مشروعها السردي لتحقيق الاتصال بمورد مائي، ذلك أن ملفوظ الحالة في الوضعية الابتدائية ـ حين كانت في القبيلة الأولى ـ كان انفصاليا، الفصل فيها واقع بين الخليط و هو مجموعة بشرية، و بين الموارد المائية التي تعد شرطا أساسيا لاستمرار الحياة.

    في الحالة النهائية نجد أن الظعائن صرن في حالة اتصال بالفضاء الجغرافي الخصيب،و قد حدده الراوي مرة بالموقع ، في قوله : ماء بشرقي سلمى فيد أو ركك، أما في المعلقة فإنه لم يخص الخصب بفضاء بل يقدمه من حيث مجموعة القيم التي كانت تنشدها الظعائن فيه فهو:

    “ماء زرق جمامه”و عنده “وضعن عصي الحاضر المتخيم“

    ذات / الموضوع
    الذات/الخليط ۸ الموضوع/ الفضاء الخصيب الذات/الشاعر ۷ الموضوع/المرأة

    لا يحدد الراوي جغرافية الفضاء الخصيب بل يكتفي بذكر صفاته لأن«أيُّ مدفع للماء، غديراً كان أمْ بِئْراً، أم نَهْراً، أم عَيْناً، أم ساقية، أم سربّا: يكون مَظَنَّةً للحياة الناعمة، والخصب الضافي، والعمران القائم.»([34]) .أما في القصيدة الأخيرة فإنه يحدد الموضع بنسبتها إلى بلاد اليمن ثم يردف القيمة التي دفعت بالسائرات إلى هذه البلاد و هي الخصب معبر عنها بالمجاز فهي ترعى الخريف و قد «قرن الخريف إلى ناحية اليمن لأن الخريف أنفع لهم منه لغيرهم»([35]) و هي إحالة أخرى على عنصر الخصوبة الواجب توفره في الفضاء الغاية حتى تستمر حياة المجموعة البشرية.

    و بهذا يحتل الفضاء المحتمل الدور العاملي لموضوع الرغبة، في حين تحتل الظعائن دور الذات الفاعلة أما المرسل إليه الذي استفاد من الفعل فإنه الخليط (المجموعة البشرية).

    الفضاء المحتمل في مقدمة الظعائن احتل عددا من الأدوار العاملية تختلف باختلاف المشروع السردي، فبالنسبة للشاعر الذي يطلب الاتصال بالمرأة، فضاء القبيلة كان مساعدا على ربط هذه الصلة،غير أن الفضاء ذاته مثل مرسلا ضديدا بالنسبة للمجموعة البشرية التي تنتمي إليها المرأة ذلك أنه يهدد بانتزاع قيمة الحياة من هذه الموجوعة،مما دفعها لولوج الفضاء القفري الذي ذكره الشاعر في صورة أسماء علم تحيل على فضاء مرجعي كان معروفا بالنسبة للمتلقي الحاضر عصر التلفظ بالقصيدة.هذا الفضاء القفري لم يقرنه الشاعر بقيمة الخصوبة و لا حتى الجدب بل جعله مساعدا للظعائن على تحقيق مشروعها، فوقع بشكل مباشر في خانة المعارض لمشروع الشاعر كونه مشروعا ضديدا لسابقه،في الأخير فضاء الخصب يمثل موضع الرغبة لأنه يصل المجموعة البشرية بقيمة الحياة،و هي القيمة التي هدف البرنامجان السرديان للاتصال بها .
    الهوامش:

    [1] :اعتدال عثمان. إضاءة النص،قراءات في الشعر العربي الحديث. الهيئة المصرية العامة للكتاب.ص7
    [2] :علي بن تميم.السرد و الظاهرة الدرامية،دراسة في التجليات الدرامية للسرد العربي القديم.المركز الثقافي العربي.المغرب:2003،ص93

    [3]: محمد النويهي ، الشعر الجاهلي ، ص21
    [4] : شكري فيصل،تطور شعر الغزل بين الجاهلية و الإسلام،ص 120
    [5] : زهير بن أبي سلمى ، الديوان ، ص ص39،40
    [6] :حسني،عبد الجليل يوسف. عالم المرأة في الشعر الجاهلي. دار الوفاء،مصر،2007،ص 52
    [7] :سعيد بن كراد.مدخل إلى السيميائية السردية.منشورات الاختلاف،ط2 ،الجزائر:2003،ص48
    [8] :الديوان،ص39
    [9]:عبد القادر الرباعي.شاعر السمو زهير بن أبي سلمى ـ الصورة الفنية في شعره ـ جدارا للكتاب العالمي ،عالم الكتب الحديث، الأردن:2006،ص198
    [10] :يوسف الحناشي.مقومات الذوق الجمالي العربي،من خلال الشعر الجاهلي.مركز النشر الجامعي،2002 ،ص31
    [11]:عماد علي الخطيب،الصورة الفنية أسطوريا، دراسة في نقد و تحليل الشعر الجاهلي.دار جهينة،عمان ، الأردن :2006 ،ص64
    [12] : المرجع نفسه،ص64
    [13] : الديوان ،هامش ص39
    [14] الديوان، ص40
    [15] : الديوان ،ص40
    [16] : الديوان،ص 76

    [17] فاروق أحمد اسليم. الانتماء في الشعر الجاهلي ، ص229
    [18] :المرجع نفسه ،ص ص10،11
    [19] : الديوان ، ص 48
    [20] :الديوان،ص76
    [21] :،الديوان،ص47
    [22]:رشيد بن مالك،مقدمة في السيميائية السردية.دار القصبة للنشر،الجزائر:2000،ص30،نقلا عنA.J.Greimas, Sémantique structurale
    [23] : الديوان ،ص 47
    [24] : الديوان ،ص48
    [25] : سعيد بنكراد، مدخل إلى السيميائية السردية، ص89
    [25] : ،الديوان ،ص 48
    [26] : الديوان،ص 48
    [27] : الديوان،ص 48
    [28]:غاستون باشلار،جماليات المكان،ترجمةغالب هلسا،المؤسسةالجامعية،بيروت،الطبعةالخامسة،2000، ص190
    [29] : الديوان ،ص 91
    [30] :ياقوت الحموي، معجم البلدان،تحقيق:عبد العزيز الجندي،دار الكتب العلمية، بيروت،ج4،ص 80
    [31] : حبيب مؤنسي، فلسفة المكان في الشعر العربي،قراءة موضوعاتية جمالية،منشورات إتحاد الكتاب العرب، دمشق:2001،ص 68
    [32] : لديوان،ص 39
    [33] : الديوان ،ص77
    [34] : عبد الملك مرتاض.السبع المعلقات ـ مقاربة سيميائية انتروبولوجية لنصوصها ـ ص103
    [35] : عبد القادر الرباعي ،شاعر السمو زهير بن أبي سلمى ، ص

    منقول

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 5:12 am