منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    دراسة سيميائية لنص سردي1

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    دراسة سيميائية لنص سردي1 Empty دراسة سيميائية لنص سردي1

    مُساهمة   الخميس ديسمبر 17, 2009 12:05 pm

    دراسة سيميائية لنص سردي تراثي

    د. جمال حضري

    مقدمة:

    في هذا العرض المختصر تجربة وتطبيق لأحد أخصب المناهج التحليلية للنص الأدبي، التحليل السيميائي، على مدونة هي من أرسخ نصوص التراث ثراء باعتبار النص منتقى من البيان والتبيين الذي يشكل في ذاته رؤية سيميائية خصبة أغرت ولا تزال الكثير من الباحثين على البحث في طياتها، ولا أجزم بندرة التجربة وأوليتها وقد شهدت تطبيقات لبعض الباحثين الجزائريين على النص السردي التراثي، ولكن يمكنني الإدعاء بأنها محاولة سبقت إلى هذا النموذج السردي الذي يتداخل فيه برنامجان سرديان أحدهما رئيسي والآخر فرع عنه، بحيث يصبحان متعالقين تعالق الخادم بالمخدوم، أقصد نصا خادما وآخر مخدوما، وتوصلت إلى ما أسميه البرنامج السردي المحفز، بحيث يكون عاملا معنويا محفزا لتنفيذ البرنامج السردي الرئيسي، ومبررا له في الآن ذاته، كما توصلت إلى نموذج وصل وفصل متداخلين بالنظر إلى تعدد موضوع القيمة باختلاف مواقع العناصر، وخلاصة الأمر أن هذا التناول الوظائفي وفر آلية خصبة جدة لاستيعاب الاستطراد الذي عرف به النص الجاحظي والذي كثيرا ما فسر بعامل خارج المدونة وبعيدا عن البناء الذكي للنص الإبداعي الجاحظي، وهو خاصية الثقافة الموسوعية، وهو ما تصدت له هذه التجربة البسيطة والأولية والمنفتحة على الإثراء والتوجيه، خاصة وأني قرأت فيما أذكر للدكتور محمد العمري صاحب الخطابة العربية كلاما عن المنهجية التأليفية عند الجاحظ تصب في توكيد تلك السمة ولكن ربما تسمح هذه الرؤية التحليلية وغيرها بتجاوز بعض هذه المسلمات، خاصة وأن هذه المناهج في منابتها قد سلطها أصحابها على نصوصهم الكلاسيكية وهم في صدد التنظير والكشف ولم لا يكون هم الكشف هو الرائد لنا بعيدا عن كل حكم مسبق.

    أ-الجهاز المفهومي(1):

    1-العلاقات والعمليات:

    - العلاقات هي المتبلورة في التضاد والتناقض والتضمين

    - أما العمليات فهي تمفصل لعلاقات ثابتة تتحول بموجبها قيم المعاني.

    - ويحاول المربع السيميائي وضع نموذج تركيبي يضبط تنظيم العمليات، وتناسب علاقة التناقض التي يبرزها عملية النفي التي تكفل الانتقال من س1 إلى سَ1 بنفي س1 وإبرازسَ1، أما علاقة التضمين فتناسب عملية الانتقاء التي تكفل الانتقال من سَ1 إلى س2: انتقاء س2 وإبرازه باعتباره المضاد لس1 انطلاقا من سَ1.

    - يرتب المربع السيميائي بعدي العلاقات والعمليات الكامنة في عمق النص، بينما يشتغل على السطح المكون السردي الذي ينظم الحالات والتحولات والمكون الخطابي الذي ينظم المسارات الصورية (الأشكال الخطابية)، ويتم الانتقال من السطح إلى العمق من خلال تحليل السمات الدلالية وتتبع أفعال التحول السردي والانزياحات الحالية، وإيجاد التشاكلات الممكنة للفضاء الدلالي من خلال مقولات جامعة.

    2-البرنامج السردي والبنية العميقة:

    البرنامج السردي تمظهر لصور فعل تستمد من إيزوتوبيات الفضاء الدلالي.وكما تمد هذه التشاكلات صور فعل البرنامج السردي فإنها تعكس تشكلات على مستوى العمق، فبنية العلاقات تتمظهر في العمليات _وهذه بدورها تتمظهر في المسارات الصورية_ من خلال: عمليات تحول (فعل) أو انزياح (من حال إلى حال)

    3- أبعاد النص وتحليل الوظائف:

    ينخرط النص في رسم ثلاثة أبعاد هي: البعد الأولي والبعد التحويلي والبعد النهائي، وتشتغل في رسم هذه الأبعاد شبكة من العوامل والوظائف، فالعوامل هي الكائنات والأشياء التي تسهم في الحدث من خلال أداء وظائف بأية صفة أو طريقة حتى بشكل صامت أو بطريقة سلبية.

    وتمثل هذه الشبكة بالترسيمة الأولية التالية:

    و: وظيفة

    ف: العامل/الفاعل

    م: الموضوع

    وتشتغل الوظيفة في ملفوظ حالة كما يلي: و(ف، م):

    و/ صلة (ف/م) و/ تحويل ](ف، م)[

    ولتحقيق الوصلة والأداء يوضع شرط الكفاءة كما تصوره قريماس موسعا مقولة شومسكي النحوية: الكفاءة والإنجاز:

    فعنده نوعان من الأداء:

    - نوع يستهدف امتلاك قيم الجهة

    - نوع يستهدف امتلاك وإنتاج قيم الوصفية

    والكفاءة هي ضمان تنفيذ البرنامج السردي يضمره كل سلوك مبرر، تنبني هذه الكفاءة على تنظيم متدرج الجهات توجه الفعل وهي:

    - إرادة الفعل

    - إضمار

    - وجوب الفعل

    - القدرة على الفعل

    تحيين

    - معرفة الفعل

    فالأداء إذا مشروط بمواضيع الجهة هذه التي تندرج ضمن جهتين:

    1-جهات إضمار (إرادة الفعل / وجوب الفعل):

    ويتأسس الفاعل في اللحظة التي يدرك فيها أنه يجب أو يريد تنفيذ برنامج معطى وقد يقف وراءه مرسل تسند له مهمة التبليغ.

    2- جهات تحيين (معرفة الفعل/ القدرة على الفعل):

    وترتبط المعرفة بالخبرات والتجارب للفاعل تجعله قادرا على توقع وبرمجة العمليات الضرورية لتنفيذ برنامج معطى وتتموضع على الصعيد المعرفي.

    3-جهة التحقيق:

    وهو إسقاط عناصر الكفاءة على الأداء الأساسي المحول للحالات وتختفي الأطراف المحفزة له (المرسل) وتظهر الأطراف المضادة للفاعل والمعيقة لرغبته مما ينتج مواجهة تتم عبرها تحويلات أساسية وتنشأ في إطاره المواقع الاستراتيجية للعوامل ومواضيع القيمة وتنقلاتها من طرف إلى آخر تبعا لقوة الأطراف وضعفها.

    تتفرع التحويلات إلى قسمين:

    - سعي الفاعل إلى امتلاك قيمة الجهة

    - سعي الفاعل إلى الدخول في وصلة بالقيم الوصفية

    وباعتبار النص السردي المعالج يتسق وسعي الفاعل إلى حالتي فصل ووصل مع موضوعي قيمة فتجدر الإشارة إلى:

    - أداء يتجلى في ملفوظ سردي وصلي ينتقل الفاعل فيه من وضعية فصلة عن موضوع القيمة إلى وضعية وصلة به:

    - ف (ت) (ف1) [ (ف1 U م) (ف1 ∩ م) ]

    أو من خلال ملفوظ سردي فصلي ينتقل الفاعل فيه من وضعية وصلة بالموضوع إلى وضعية فصل:

    ف(ت) (ف1) [(ف1∩ م) (ف1 U م) ].

    ب-النص السردي(2):

    "قال: وكان المنصور داهيا أريبا، مصيبا في رأيه سديدا، وكان مقدما في علم الكلام، ومكثرا من كتاب الآثار، ولكلامه كتاب يدور في أيدي الوراقين معروف عندهم، ولما هم بقتل أبي مسلم سقط بين الاستبداد برأيه والمشورة فيه، فأرق في ذلك ليلته، فلما أصبح دعا بإسحاق بن مسلم العقيلي، فقال له: حدثني حديث الملك الذي أخبرتني عنه بحران. قال: أخبرني أبي عن الحضين بن المنذر أن ملكا من ملوك فارس يقال له سابور الأكبر كان له وزير ناصح قد اقتبس أدبا من آداب الملوك، وشاب ذلك بفهم في الدين، فوجهه سابور داعية إلى أهل خراسان وكانوا قوما عجما يعظمون الدنيا جهالة بالدين، ويخلون بالدين استكانة لقوت الدنيا، وذلا لجبابرتها، فجمعهم على دعوة من الهوى يكيد بها مطالب الدنيا، واغتر بقتل ملوكهم لهم وتخولهم إياهم، وكان يقال (لكل ضعيف صولة ولكل ذليل دولة) فلما تلاحمت أعضاء الأمور التي لقح، استحالت حربا عوانا شالت أسافلها بأعاليها، فانتقل العز إلى أرذلهم، والنباهة إلى أخملهم، فأشربوا له حبا مع خفض من الدنيا افتتح بدعوة من الدين، فلما استوسقت له البلاد بلغ سابور أمرهم وما أحال عليهم من طاعتهم، ولم يأمن زوال القلوب وغدرات الوزراء، فاحتال في قطع رجائه عن قلوبهم، وكان يقال:

    وما قطع الرجاء بمثل يأس تبادره القلوب على اغترار

    فصمم على قتله عند وروده عليه برؤساء أهل خراسان وفرسانهم، فقتله، فبغتهم بحدث، فلم يرعهم إلا ورأسه بين أيديهم، فوقف بهم بيت الغربة ونأي الرجعة، وتخطف الأعداء، وتفرق الجماعة، واليأس من صاحبهم، فرأوا أن يستتموا الدعوة بطاعة سابور، ويتعوضوه من الفرقة، فأذعنوا له بالملك والطاعة، وتبادروه بمواضع النصيحة، فملكهم حتى مات حتف أنفه.

    فأطرق المنصور مليا ثم رفع رأسه وهو يقول:

    لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا وما علم الإنسان إلا ليعلما

    وأمر إسحاق بالخروج ودعا بأبي مسلم، فلما نظر إليه داخلا قال:
    قد اكتنفتك خلات ثلاث جلبن عليك محذور الحمام

    خلافك وامتنانك ترتميني وقودك للجماهير العظام

    ثم وثب إليه ووثب معه بعض حشمه بالسيوف على أبي مسلم، فلما رآهم وثب، فبدره المنصور فضربه ضربة طوحه منها، ثم قال:

    إشرب بكأس كنت تسقي بها أمر في الحلق من العلقم

    زعمت أن الدين لا يقتضى كذبت فاستوف أبا مجرم

    ثم أمر فحز رأسه وبعث به إلى أهل خراسان وهم ببابه، فجالوا حوله ساعة ثم رد من شغبهم انقطاعهم عن بلادهم، وإحاطة الأعداء بهم، فذلوا وسلموا له.

    فكان إسحاق إذا رأى المنصور قال:

    وما أحذو لك الأمثال إلا لتحذو إن حذوت على مثال

    وكان المنصور إذا رآه يقول:

    وخلفّها سابور للناس يقتدى بأمثالها في المعضلات العظائم ".

    ج- التحليل:

    1-المسارات الصورية:

    أ-مسار صوري رئيسي:

    المنصور هم بقتل أبي مسلم الخراساني – أرق فدعا وزيره (مستشاره) _ قص عليه قصة تتضمن رأيه_ أطرق المنصور ثم قال شعرا يبرز قراره _ أمر الوزير بالخروج _ دعا أبا مسلم للدخول_ قال شعرا أمامه يتضمن اتهامات ثلاثة _ وثب عليه ومن معه فقتله _ رمى برأسه أمام أهل خراسان فبغتهم _ أحيط بهم فذلوا وأذعنوا وأبدوا الطاعة والولاء.

    ب-مسار صوري ثانوي:

    سابور يرسل وزيره داعية إلى أهل خراسان _ جمعهم على دعوته_ تقدم أراذلهم وأخملهم على أعزهم وأنبههم_ أطاعوه وأحبوه لزهد أظهره ودينا افتتح به دعوته_ لما بلغ سابور أمرهم ارتاب ولم يأمن الغدر_ فاحتال في قطع قلوبهم عن رجائه_ صمم على قتله إذا جاء بهم_ فبغتهم بحدث وروعهم برأسه بين أيديهم_ أطاعوه لما وجدوا أنفسهم منقطعين.

    2-البرامج السردية:

    أ-برنامج سردي رئيسي: تثبيت السلطان/ نفي المنافس:

    المنصور يريد قتل أبي مسلم
    تثبيت سلطانه

    المساعد (المستشار) خطة دعوتهم لعزلهم

    قتله بين أيديهم

    فرض الأمر الواقع

    النموذج التاريخي (مسار سردي ثانوي):


    ب- برنامج سردي ثانوي: تثبيت السلطان ونفي المنافس
    سابور يريد قتل وزيره

    إخضاع أهل خراسان

    تثبيت سلطانه

    المنافس (الوزير الناصح تحول إلى منافس أو عائق)



    خطة: دعوتهم معه لعزلهم

    قتله بين أيديهم

    فرض الأمر الواقع عليهم

    العلاقة بين البرنامجين:

    يشكل البرنامج السردي الثانوي جملة أدوار هي:

    - دور تشكيل الكفاءة: في جهتها المعرفية، باعتبار جهة المعرفة هي رصيد الخبرات والتجارب الحياتية.

    - دور تشكيل الحافز والنموذج التاريخي والعامل المعنوي المساعد: فالعامل الفاعل في البرنامج السردي الثانوي(ب.س.ث) يواجه الخلل الاستراتيجي نفسه وهو عدم التوازن السياسي وإضافة إلى ذلك فإن موضوع القيمة متمثلا في العامل المنافس كان بالتعبير التراثي "عيبة نصح" أي أنه يشغل موقعا وصليا.

    كما أن العامل المضاد والمعيق هو نفسه في البرنامجين: يمثله في المسار الصوري الحيز المكاني الخطر: خراسان، وأعوان العامل المنافس: وهم أهل خراسان وفرسانهم.

    - دور التبرير والمشروعية: المتعلقة بالعملية التحويلية الرئيسية وهي عملية النفي لمن يعتبر "صنيعة الملك" السياسية، بما ينطبق تماما على أبي مسلم باعتباره صنيعة بني العباس لا غير.

    وتنعكس هذه العلاقة بين البرنامجين السرديين على مستوى المسار الصوري في قول السارد:

    "فكان إسحاق إذا رأى المنصور قال:

    وما أحذو لك الأمثال إلا لتحذو إن حذوت على مثال

    وكان المنصور إذا رآه قال:

    وخلفها سابور للناس يقتدى بأمثالها في المعضلات العظائم"

    3-بنية العمليات والعلاقات:

    *بنية العمليات

    من الفصل إلى الوصل على صعيد التثبيت(موضوع القيمة هو تثبيت السلطان)

    لا توازن سياسي تحول حالي (أرق + حيرة = لا توازن نفسي):

    وهذه حال الماقبل.

    إرادة قتل المنافس (عزم) تحول نفسي مؤقت

    دعوة المنافس ومناصريه

    تنفيذ النفي فعل (تحول فعلي)، وهذه حال المابعد.

    من الوصل إلى الفصل على صعيد المنافس (وصل بالاستوزار وفصل بالقتل)

    عودة التوازن السياسي (عنصر متبوع ) عودة التوازن النفسي (عنصر تابع): الما بعد

    فتكون ترسيمة العمليات كما يلي:

    وضع أولي (لا استقرار) وضع مؤقت (تحويل بالنفي) وضع نهائي (استقرار)

    *بنية العلاقات:

    علاقة التناقض: أمير لجميع المؤمنين ولاء أهل خراسان لأبي مسلم

    علاقة التضاد: بسط السلطان وجود أبي مسلم بين أنصاره وبعيدا عن العاصة (بغداد)

    علاقة التضمن: السعي إلى بسط السلطان التخلص من أبي مسلم

    4- التحليل العاملي:

    أ- العامل الفاعل: تأسيس العامل الفاعل الذي يستهدف امتلاك القيمة الوصفية وهي الملك الحقيقي لا الصوري: يتأسس هذا الفاعل على كفاءة ضمنية وقدرة أدائية إنجازية تتضح من خلال:

    الكفاءة: يبرزها السارد في مقدمة النص بقوله:"وكان المنصور داهيا أريبا، مصيبا في رأيه سديدا، وكان مقدما في علم الكلام ومكثرا من كتاب الآثار، ولكلامه كتاب يدور بين أيدي الوراقين معروف بينهم" (227/1) ، وعلى ضوء هذا تتأسس الكفاءة كما يلي:

    جهات الإضمار:

    -إرادة الفعل

    لما هم بقتل أبي مسلم..) تأسيس الفاعل


    -وجوب الفعل (سقط بين الاستبداد برأيه

    والمشاورة فيه..وهو تردد في الكيفية)

    جهات التحيين:

    -معرفة الفعل ( مكثرا من كتاب الآثار)

    تأهيل الفعل

    -القدرة على الفعل ( داهيا مصيبا في رأيه سديدا)

    *ويلاحظ أن السارد أورد جهات التأهيل قبل جهات التأهيل لهدف تبريري.

    جهات التحقيق: وهي إسقاط الكفاءة على الإنجاز

    -ماهية ( هم بقتل ..)

    لتحويل وبروز الفاعل

    - فعل ( وثب، بدره بضربة طوحه بها ..)


    *ويلاحظ علاقة الإنجاز بالفعل الكلامي وخصوصيته في النص السردي العربي في ارتباط الإنجاز الكلامي بالشعر الذي عدّه سورل وأوستن(3) مناط التخييل، فالقرار عبّر عنه المنصور قائلا:

    لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا وما علم الإنسان إلا ليعلما

    ولما باشر إنجاز الفعل عبر عنه باستيفاء الدين:

    اشرب بكأس كنت تسقي بها أمر في الحلق من العلقم

    زعمت أن الدين لا يقتضى كذبت فاستوف أبا مجرم

    وقد تم التحيين الإنجازي كما يلي:

    - دعوة موضوع القيمة ( أبو مسلم) للدخول بعد تحييد العامل المحفز " وأمر إسحاق بالخروج"، فينشأ إطار الصراع العاري: العامل الفاعل / موضوع القيمة (المنافس)

    - إبلاغ صيغة الاتهام من خلال فعل كلامي منزاح تداوليا وهو بيتا الشعر:

    قد اكتنفتك خلات ثلاث جلبن عليك محذور الحمام

    خلافك، وامتنانك ترتميني وقودك للجماهير العظام

    - بدء العمل التحويلي الرئيسي: وهو نفي المنافس بوثبة تستهدف إعادة خلخلة المواقع السياسية لإعادة التوازن المفقود لصالح العامل الفاعل صاحب القوة في الحيز الزماني المشهود.

    هذا التحويل تجلى في المسار السردي بقول السارد: " ثم أمر فحز رأسه وبعث به إلى أهل خراسان وهم ببابه، فجالوا ساعة ثم رد من شغبهم انقطاعهم عن بلادهم وإحاطة الأعداء بهم، فذلوا وسلموا له".

    ب-العامل المساعد: وقد تمظهر من خلال عدة ممثلين:

    الممثل الأول: مستشار المنصور إسحاق وكان عاملا محفزا

    الممثل الثاني: النموذج التاريخي ( عامل معنوي)

    الممثل الثالث: أعوان المنصور الذين وثبوا معه

    ج-العامل المضاد ( العوائق):

    الممثل الأول: أبو مسلم حين يكون موضوع القيمة هو تثبيت السلطان

    الممثل الثاني: أنصار أبي مسلم ( رؤوس أهل خراسان)

    الممثل الثالث: بعد الإقليم عن العاصمة

    فتكون ترسيمة العوامل كما يلي:

    موضوع ( مق1/ مق2)




    مهمة أساسية ( تثبيت/ نفي)



    مرسل (محفز) فاعل مرسل إليه ( ممجد)

    تحول إلى ممجد


    وفي الترسيمة تم تغييب العامل المضاد عمدا لتداخله مع موضوع القيمة حين يكون هذا الأخير هو العامل المضاد ذاته. وهي بهذا الاختزال تصلح للبرنامجين السرديين الرئيسي والثانوي.

    ويمكن توضيح هذا التداخل بالإشارة إلى الانبناء المزدوج للبرنامجين: انبناء وصلي وآخر فصلي، ففي الفصلي: ينتقل العامل الفاعل من حال فصل عن موضوع القيمة مق1 ( تثبيت السلطان) إلى حال وصل معه. أما على المستوى الدينامي فإن العامل الفاعل ينتقل من حال وصل مع موضوع القيمة مق2 ( العامل المنافس: أبو مسلم) إلى حال فصل معه بعد النفي( القتل).

    وتكون ترسيمة الحالين كما يلي:

    التحويل الوصلي:
    ت ف1 [ ( ف1 U مق ∩ ف2) ( ف1 ∩ مق U ف2) ]

    التحويل الفصلي:
    ت ف1 [ ( ف1 ∩ مق) ( ف1 U مق ) ]

    في التحويل الوصلي ثلاثي العناصر ( ف1/ ف2/ مق) يكون موضوع القيمة هو تحقيق قيمة وصفية ويكون فاعلان متنافسان على موضوع القيمة: الفاعل العامل (المنصور) والعامل المنافس ( أبو مسلم) وموضوع القيمة هو السلطة وولاء الرعية.

    في التحويل الفصلي ثنائي العناصر ( ف1/ مق) حيث موضوع القيمة هو أبو مسلم ذاته كموضوع للنفي والإزالة: وحيث التحويل انتقال من وصل بين ف1 ومق لما كان أبو مسلم عونا للمنصور إلى فصل بين ف1 ومق بعد التخلص منه.

    ولكن هل الترسيمة الفصلية مبررة؟

    أقول نعم: وذلك اعتبارا للبنية العاملية في البرنامج السردي الثانوي، حيث يغيب دور العامل المساعد، الذي كان في حالة وصل مع العامل الفاعل ثم تحول هو ذاته إلى موضوع قيمة مستهدف بعملية النفي. فعلاقة المطابقة الضمنية التي تسلط فيها الماضي على الحاضر تسمح باعتبار موضوع القيمة عاملا مساعدا في حالة وصل وبالتالي لدينا ممثلا إضافيا للعامل المساعد، ثم جرى تحول عاملي، أخذ العامل المساعد ( أبو مسلم) موقع موضوع القيمة المستهدف بفعل النفي، فالتحول على صعيد المواقع السياسية أدى إلى تحول على صعيد العلائق الاجتماعية مما استوجب فعلا يترجم بالعلاقة الفصلية بين العامل الفاعل: (المنصور) وموضوع القيمة (أبو مسلم ) المتحول عن موقعه.


    خاتمة:

    بغض النظر عن درجة الملاءمة بين منهج التحليل ومادته ممثلة في هذا النص التراثي الجاحظي، فإن مجرد إنزال المنهج ليباشر عملية الوصف للبنية الكامنة في النص هو عمل مطلوب بالنظر إلى شح الأعمال التطبيقية في الساحة النقدية العربية عموما والجزائرية خصوصا،فقد طال تعامل الدارسين مع المناهج التحليلية الغربية في أطرها النظرية، ومما نفخ في عمر هذه الحالة تضارب الترجمات وتداخل المصطلحات الذي أودى بمعظم جهود تمثل هذه المناهج واستيعابها، وللقارئ نماذج كثيرة تؤكد هذا الادعاء، في حين بقيت النصوص مبعدة عن هذا الخضم كله مع أنها المعنية أساسا بهجرة هذه المناهج وتوطينها، بل إن معركة الملاءمة وعدمها ظلت في ساحة النظرية دون أن يكلف أغلب المتعاركين نفسه بمحاولات تطبيقية سواء لإثبات ملاءمة المناهج المهاجرة للنصوص "المحلية"أو حتى لإثبات غربتها عنها وبالتالي طرحها وتجاوزها.

    أما إشكالية قراءة التراث بهذه المناهج فتلك جبهة ساخنة أخرى تضع هذا التحليل في دائرة الضوء خاصة وأن أنصار قدسية التراث كثيرون كثرة تغري بالعزوف عن إثارة ركامه وتصفح مجاهله بعين جددت منظارها وزاوية فحصها، ولئن سُلم بخصوصية التراث فإنه لا يتم التسليم البتة باستعصائه عن تناول مغاير للسائد والشائع.

    إن طموح التجريب ومغامرة البدء كفيلتان بتجاوز الأحكام المسبقة والمواقف المتصلبة، بل إن الإطلالة على التراث السردي من خلال المنهج السيميائي مثلا لا يضع غاية له حشر هذا النص أو ذاك ضمن قوالب مقولية وإجرائية بقدر ما هو محاولة لاكتشاف مدى عالمية المنهج التي ادعاها واضعوه، كيف لا و جذور المنهج قد نبتت شرقا وأينعت غربا ونبقى نحن نأبى ثمارها جنوبا وما بالنا إذا انهال علينا من النص المحلل قطاف هذه المناهج، فإذا الملاحظات الانطباعية والقراءات المعجمية والإعجاب بتلك الالتفاتة هنا والأخرى هناك قد استعيض عنها برؤية فكرية منسجمة ومتجانسة ومتشاكلة الأجزاء تنم عن منهجية في بناء النص وتحريك فواعله وربط ذكي بين فقرات تبدو في الظاهر تعبا وحشوا هي سمة تراثية ، فإذا هي بعد التحليل بنية كامنة واحدة تجمع الكل ولا تحتاج في كشفها إلا إلى منهج كفء ذي إجراءات ملائمة وينفتح في الآن ذاته على ما تزوده به التطبيقات من آليات ووجهات نظر جديدة.

    الإحالة:

    1-رشيد بن مالك، القاموس، ص 23- 40

    الأصول اللسانية والشكلانية للنظرية السيميائية، ص 83- 122

    عبد الحميد بورايو، الحمامة المطوقة، مقاربة سيميائية بنيوية، ص 187- 203

    سامي سويدان، اللص والكلاب درا

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 5:02 am