منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    قراءة أسلوبية في نص شعري

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    قراءة أسلوبية في نص شعري Empty قراءة أسلوبية في نص شعري

    مُساهمة   الأربعاء ديسمبر 15, 2010 11:17 am

    قراءة أسلوبية في نص شعري

    زاهر جميل قط




    (1)



    مقدّمة:



    كوّنتِاللسانياتُ الحديثةُ مادّةً خاماً تشكّلتْ منها و تطوّرت عنها مناهجُجديدةٌ نظر كلٌّ منها إلى النّصّ الأدبيّ من جهة، إلاّ أنّها جميعاًتعتمدُ اللغةَ أساساً لها في قراءتها النصَّ الأدبيّ، فمن البنيويةبفروعها إلى التفكيكية و من الأسلوبيّة و التداوليّة إلى الشّعرية إلىالسّيميائية.

    وهذا التعدّدُ في المدارس اللسانية ما كان إلا إغناءً لتعدّدِ قراءاتِالنصّ الأدبيّ، إذ يمكنُ أن نتناولَ النصَّ من عدّة مناحٍ تبعاً للمنهجالمُختار للقراءة، فبات النصُّ نصوصاً أخرى لم نكنْ لنراها إلا بعدسة تلكالمدارسِ المتنوّعة.

    وقد وقع اختيارُنا على الأسلوبيّة لما لها من رؤيةٍ عميقةٍ للنّصّ الأدبيّإذ تتناولُه بلاغيّاً و جماليّاً و دلاليّاً، و بذلك تغدو مكوّناتُ الجملةتحملُ معانيَ مسطَّحةً، و أخرى عميقةً تصل إليها الدّراسةُ الجادّة.

    فعمدْنافي بحثنا إلى قسمين، الأوّل نظريّ قُسّم أيضاً على قسمين: الأوّل تناولْنافيه الأسلوبيةَ في نشأتها و مفهومها و كيفيّة تعاملها مع النّصّ الأدبيّ وكلّ ذلك حاولْنا فيه الاختصارَ لتكونَ المعلوماتُ مُوجزةً مفيدةً تحاولُقدْرَ الإمكان تقديمَ مفهوم الأسلوبيّة بشكلٍ قريب. و القسمُ الثّانيتكلَّمْنا فيه على آلياتِ التحليل الأسلوبيّ، و أوضحْنا مصطلحاتِ (الاختيار، التركيب، الانزياح ) حادينا فيه الإيجازُ و الدّخولُ إلى الفكرةمباشرةً و عدمُ الدّوران حولَها.

    أمّاالقسمُ الثاني من البحث فهو القسمُ الإجرائيّ، و قد طبَّقْنا فيه بعضَآلياتِ التحليل الأسلوبيّ على نصٍّ للشّاعر المصري أمل دنقل، و قد وقعَاختيارُنا على هذا النّصّ و هذا الشّاعر تحديداً لما عُرِفَ عنه من شُغْلٍعلى اللغة، فتتداخلُ في نصّه العلاقاتُ بين الجمل و التراكيب لتشكِّلَبنىً عميقةً تخدمُ المعنى العامَّ للنّصّ، و قد وقفْنا على بعض الخصائصِالأسلوبيّة في النصّ مُحاولين دراسةَ الدّلالة المترتّبة على استخدامِهامن مثل ( التقديم و التأخير، و استخدام الأفعال بأنواعها، و الضّمائر، والألوان ... إلخ ).

    و ختمْنا بحثَنا بخاتمةٍ حملتِ النتائجَ التي توصّلْنا إليها، ثمّ ثبتاً بالمصادرِ و المراجع التي أفدْنا منها في البحث.

    وقد واجهْنا بعضَ العقبات في بحثنا، و لعلّ أهمَّها عدمُ الحصول علىتطبيقاتٍ أسلوبيّة على نصوص أدبيّة، فكلُّ ما استطعْنا الاطّلاعَ عليهإنّما كان تنظيراتٍ أسلوبيّة. لذلك جهدْنا في فهم تلك التنظيرات و الخروجمنها بفهمٍ متواضعٍ طبّقناه على نصّ الشّاعر أمل دنقل.

    وبعد، فإنّ المرءَ ليكتبُ عملَه و يتعبُ عليه، و ما إن يمرّ عليه أيامٌقلائلُ حتى تهاجمه جنودُ الرّغبة في تطوير عمله و الإضافة عليه و حذف شيءٍمنه، و هذا شأوُ الإنسان السّاعي أبداً – دونَ وعي – إلى الكمال الذي لايُبلَغ.

    وإنّا إذْ نستمتعُ بعناء البحث نتوجّهُ بالشّكر الجزيل إلى أستاذِناالدكتور محمّد بصل الذي قدّم لنا كلَّ المساعدة الممكنة و التسهيلات فيالحصول على الكتب، فجزاه اللهُ عنّا أحسنَ الجزاء.

    و اللهُ من وراء القصد

    زاهر جميل قط

    اللاذقية 17 تموز 2005


    أولاً : القسم النظري :


    1- الأسلوبية بوصفها منهجاً :


    إذا كان لكلّ إنسان بصمةٌ يختلف بها عن الآخر ( و إن تقاربت ملامحُ بعضها ) فإنّ الأسلوبَ بصمةٌ لصاحبه نستطيع أن نعرفَه من خلاله.

    فالأديبو الكاتبُ عموماً يتخذ لنفسه طريقةً في الكتابة هي حصيلةُ ثقافته و فكره ومعتقداته و ذائقته الجمالية، تأخذ شكلَها تباعاً بين أوراقه، فالأسلوب (طريقةُ الكتابة أو الإنشاء أو طريقةُ اختيار الألفاظ و تأليفها للتعبيربها عن المعاني قصْدَ الإيضاح و التأثير ). (1)

    منهنا اهتمّتِ اللسانياتُ الحديثة بدراسة هذا الأمر، فنشأ ما سُمِّيَ علمَالأسلوب أو الأسلوبية، و عُدّتِ الأسلوبيةُ ابناً شرعياً للبلاغة ( 2 )،إلا أنّ البلاغة علمٌ معياريٌ يرسل الأحكام التقييمية و يرمي إلى تعليممادته، بينما تنفي الأسلوبيةُ عن نفسها كلَّ معيارية و تعزف عن إرسالالأحكام التقييمية ( 3 )، كما يمكننا أن نلحظَ أنّ البلاغة تحددّ كيفيكونُ الكلامُ جميلاً ذا أثرٍ فنيٍّ فهي تعليمية، على حين أنّ الأسلوبيةتتجه إلى النص بعد إنجازه لدراسة ميّزاته الأسلوبية فهي تنحو نحوَ التوصيفو تبتعد عن التقييم كشأن المناهج اللسانية الأخرى. و إذا كانت البلاغةُ (علماً فيما نتلقّاه بالإحاطة و التعلّم و الإتقان من بحوثها و أبوابها وفروع ذلك – و هي فنٌّ في حسن استعمال هذه الوجوه لرفع قدرة الأداء علىالإشراف و العمق و الإغناء و التأثير ) ( 4 ) فإنّ الأسلوبيةَ بوصفهامنهجاً له ضوابطُه و آلياتُه كما يقول رومان جاكبسون ( بحثٌ عمّا يتميّزبه الكلامُ الفني عن بقية مستويات الخطاب أولاً، و عن سائر أصناف الفنونالإنسانية ثانياً ) ( 5 ) فهي تُعْنى بطريقة القول، و ما يعتريها من مجازٍو تقديمٍ و تأخيرٍ و انزياح ... إلخ

    إذاً نميّز هنا بين الأسلوب بوصفه طريقةً في التعبير، و الأسلوبية بوصفها منهجاً في قراءة النّصوص.

    إنّمقولةَ الأديب الفرنسي بيفون ( 1 ) : ( الرّجل هو الأسلوب ) تدلّ على أنّاللغة في صياغتها و نظام الأفكار التي تحملها إنما تكشفُ عن شخصية صاحبها( 2 ).

    فالأسلوبُهو ربطُ الألفاظ إلى بعضها لتشكّل نسيجاً يتسم بمميّزاتٍ تميّزه عن أسلوبٍآخر، فهو حدَثٌ يمكن ملاحظتُه، ( إنّه لسانيٌّ لأنّ اللغةَ أداةُ بيانه، وهو نفسيٌّ لأنّ الأثرَ غايةُ حدوثه، و هو اجتماعيٌّ لأنّ الآخرَ ضرورةُوجوده ) ( 3 ).

    وقد تناول اللسانيون الأسلوبَ و الأسلوبية تحليلاً و تعريفاً، ولعلّمعظمَها يتفق على أنّ الأسلوبَ طريقةٌ في التعبير و استخدام اللغة، والأسلوبية منهجٌ وصفيّ للنصوص يتكِئ على البلاغة و لا يقف عند حدودها بليتخطّاها ليتخذ طابعاً علمياً له أسسه و قوانينه. و قد تأسست قواعدُالأسلوبية على يد أحد تلاميذ دي سوسير هو ( شارل بالي ) ( 4 ) الذي يرىأنّ اللغة ( تتكون من نظامٍ لأدوات التعبير التي تتكفّل بإبراز الجانبالفكري من الإنسان، و ليست مهمة اللغة مقصورةً على الناحية الفكرية وحدها،بل إنّها تعمل أيضاً على نقل الإحساس و العاطفة ) ( 5 ). فدورُ الأسلوبيكون في إيصال أمرين اثنين: الفكرة و الإحساس، و غاية الأسلوبية هنا الكشفعن الخصائص الفنية المميّزة للنّص، و ربط هذه الخصائص و المميّزاتبالدلالات المترتّبة عليها.

    إنّالتعامل مع اللغة بتقنية معيّنة تقوم على إخراج المفردة عن معناها المعجميإلى معنى جديدٍ ذي دلالة يشكّل جزءاً من الأسلوب الذي يتّسم به كاتبٌ ما،( فالذي يقرأ الأدبَ و منه الشعرُ يدرك بسهولة أنه لعبٌ لغويٌ سواءٌ أكانلعباً ضرورياً تحتّمه إمكاناتُ اللغة المحدودةُ أم كان لعباً اختيارياً )( 6 ).

    وهذا يعني أنّ المجاز يساعد على إيضاح القصد و التأثير، لذلك يلجأ الكاتبإمّا مضطرّاً إلى هذا لأنّ اللغة العادية لا تكفي لإيضاح ما يجول في نفسه،أو يتخذ هذا المجاز شكلَ التزيين الموظّف و هو ما أطلق عليه الدكتور محمدمفتاح ( لعباً اختيارياً ).

    إنّطريقة استخدام اللغة التي تقف الأسلوبيةُ على خصائصها تعطيها نفسَاًشعرياً، فالكاتب عندما يلجأ إلى أسلوب ٍما قاصداً منه التوضيحَ والتأثيرإنّما يستعملُ الانزياحاتِ والاستعاراتِ وأشكالاً أسلوبيةً أخرى كالتكراروالتقديم والتأخير والرمز وغيرها، وهذا ما يجعل اللغةَ تنحو نحوَ الشعرية،يقول أدونيس: ( إنَّ الفرقَ بين لغة الشعر والنثر ليس في الوزن بل فيطريقةِ استخدام اللغة، النثرُ يستخدم النظامَ العاديَّ للغة أي يستخدمالكلمةَ لما وُضعت له أصلاً، أمّا الشعرُ فيغتصب أو يفجّر هذا النظام، أييحيد بالكلمات عما وُضعت له أصلاً )( 1 ). واضحٌ أنَّ أدونيس لا يقصد كلَّالنثر هنا، لأنَّ هناك نثراً يقومُ على اللغة الشعرية، وإنّما المقصودُبالنثر هنا الذي يستخدم اللغةَ دون انزياح أو استعمال لأساليب البلاغةلأنّه لا يرمي إلى التأثير بل إلى الإيضاح وتبيان المقصود فقط. ومن جانبآخر نجد أنَّ هناك علاقةً قائمةً بين الأسلوبية والشعرية، فشعريةُ جاكبسونمثلاً تدرس ضمنَ نطاقٍ منحى أسلوبيّاً معيّناً يتمثّل هذا المنحىبالأسلوبية التي تقرّر أنّ ماهيّة الأسلوب تتحدّد بنسيجِ الرّوابط بينالطّائفتين التعبيريّتين في الخطاب الأدبي: طاقة الأخبار * وطاقة التضمين( 2 ).

    فالأسلوبالذي هو النسيج الجامع للمفردات يخبر ويضمِّن مقصدَه في إطارٍ من التأثيرالذي يساهم في الارتقاء بعملية التفاعل بين المرسل والمتلقي.


    2- آليات التحليل الأسلوبي :


    إذاكان علمُ اللغة يدرس ما يقال فإنّ الأسلوبية تدرس كيفيةَ ما يقال مستخدمةًالوصفَ و التحليل ( 1 )، و على هذا الأساس يكون توجّهُ الأسلوبية نحوتحليل النص لاستكشاف العنصر التأثيري للأدوات البلاغية التي يوظّفهاالكاتبُ في نصّه.

    والمهمُّ الإشارةُ إلى أنّ التناول الأسلوبيّ إنّما ينصبّ على اللغةالأدبية لأنها تمثّلُ التنوّعَ الفرديّ المتميّزَ في الأداء بما فيه منوعيٍٍٍ و اختيارٍ، و بما فيه من انحرافٍٍٍ عن المستوى العاديّ المألوفبخلاف اللغة العادية التي تتميز بالتلقائية و التي يتبادلها الأفراد بشكلدائم و غير متميّز ( 2 ) .

    تستندالأسلوبية إلى ازدواجية الخطاب حيث نجد مجموعةً من الألفاظ يمكن للمتكلّمأن يأتيَ بواحدٍ منها في كلّ جملة من جمل الكلام ( 3 )، و يمكن أن تقومَواحدةٌ مكان الأخرى ،فاختيارُ المتكلّم و الكاتب ( المرسل ) هذه المفردةَدون الأخرى يخضع لخصوصية أسلوبه، فتدرس الأسلوبية هذا الاختيارَ و تبيّندلالتَه و أثرَه الفنيَّ في المرسَل إليه، فمجالُ الأسلوبية يكون مقتصراًعلى مكوِّنات النص الداخلية فلا يتعدّاها إلى ما هو خارجيّ من العواملالمؤثرة.

    و ينطلق البحثُ الأسلوبيّ في مقاربته النصَّ الأدبيّ من المقولات الآتية:

    الاختيار - التركيب - الانزياح

    ً1- الاختيار :

    يقصدبه انتقاءُ المنشئ لسماتٍ لغويةٍ معيّنة بغرض التعبير عن موقفٍ معيّن ( 4)، و هذا الانتقاء يجعل من الأسلوب عملاً واعياً لأنّ اختيارَ المبدع هذااللفظَ أو التركيب دون غيره إنّما لأنّه أقدرُ على حمل مراده إلى حيّزالورق حسبَ تقدير هذا المبدع.

    وللاختيار صورٌ متعدِّدةٌ ،فمنها ما يُختار على مستوى اللفظ أو المعجم ومنها على مستوى التركيب ( النحو ) فيغدو الأسلوبُ بذلك استثماراً وتوظيفاً للطاقات الكامنة في اللغة ( 5 ) .

    و من صور الاختيار ما ينشأ من التعبيرات المجازية و هذا يتجاوز المفردة لينظر إلى التركيب مجملاً، فمن أمثلته قول بشارة الخوري:

    انشروا الهولَ و صبُّوا نارَكمْكيفما شئْتُمْ فلن تلقَوْا جبَانا

    يمكنأن نجدَ على محور الاختيار فيما يتعلّق بالتركيب ( صبّوا نارَكم ) بدائلَكثيرةً مثل: أطلقوا، ارموا، اقذفوا، صبّوا ... إلخ، لكنّ الشاعرَ آثر(صبّوا) ظنّاً منه أنّ الفعلَ (صبّ) الذي يوحي بالغزارة يمكن أن يؤدّيَالمرادَ أكثرَ ممّا تؤدّيه بقيةُ الأفعال المنتظرة على جدول الاختيار.

    - التركيب :


    يقومالتركيب بنظم الكلمات المختارة في الخطاب الأدبي متوسّلاً في ذلك بعمليتيالحضور و الغياب، الحضور للكلمات المختارة و الغياب للكلمات الأخرىالمصفوفة في جدول الاختيار، و الدخول في علاقة جدلية أو استبدالية،فالكلمات الأخرى تتوّزع غيابياً في شكل تداعيات للكلمات المنتمية لنفسالجدول الدلالي ( 1 ).

    (إنّ صورة الغياب هذه تعطي للأفعال معانٍ* إضافيةً لأنها بالنصّ دائماًحافّةٌ، كما تعطيها أيضاً قيمةَ الشهادة على أسلوبية الجملة ) ( 2 ).

    فالتحليلهو دراسة الانسجام الحاصل بين المفردات و الأثر الجمالي و الفني الذييتركه في ذهن المتلقّي، و على هذا يكون الأسلوبُ عند ( جاكبسون ) تطابقاًلجدول الاختيار على جدول التأليف أو التركيب ( 3 ).

    إنّالدّرسَ الأسلوبيّ لا يقف عند توصيف بنية التركيب في الخطاب الأدبي بليستقصي من خلال ما يتفرّع عنها من أشكالٍ تعبيرية كالتقديم و التأخير والحذف و الذكر و التعريف و التنكير ... إلخ فكلّ شكلٍٍ من هذه الأشكال هوخاصيةٌ أسلوبية ذاتُ دلالة خاصّة بتركيبها ضمن النّسق اللغوي.


    يتبع=



      الوقت/التاريخ الآن هو السبت نوفمبر 23, 2024 2:10 pm