منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    التركيب والتصوير فـي سورة الطـور قراءة أسلوبية

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    التركيب والتصوير فـي سورة الطـور قراءة أسلوبية Empty التركيب والتصوير فـي سورة الطـور قراءة أسلوبية

    مُساهمة   السبت فبراير 20, 2010 1:17 pm



    التركيب والتصوير فـي سورة الطـور قراءة أسلوبية
    طارق سعد شلبي*
    الفئات الرئيسية للموضوع
    من كنوز العربية
    Bookmark and Share

    حينما وصلنا مقال الأستاذ طارق سعد شلبي الذي نشرناه في العدد الثالث عشر بعنوان: «الأسلوبية وإعجاز القرآن» طلبنا منه أن يشفع ذلك الكلام النظري بنموذج تطبيقي يوضح فكرته ويكشف عن قيمتها، فأرسل لنا هذا المقال الذي يقرأ فيه سورة الطور قراءة أسلوبية يكشف بها عن التركيب والتصوير فيها. وبنشر هذا المقال يكون قد اكتمل للقارئ الكريم تصور متكامل ـ نظريا وتطبيقيا ـ عن هذه الفكرة، والأمر بعد يحتاج إلى مناقشة علمية موضوعية تهدف إلى بيان وجه الحق فيها، والمجلة يسعدها أن تستقبل آراء المتخصصين في هذا المجال، حتى تتجلى أبعاد هذه القضية بما لها وما عليها. التحرير (1) تقدم هذه السطور قراءة أسلوبية لسورة الطور، وهي قراءة معنية بإبراز الدور الدلالي لبعض ظواهر التركيب والتصوير في السورة الكريمة. ذلك أن الوصف اللغوي لعناصر الأسلوب قد لا يقدم فائدة للقارئ، كي يقف على ما في سور النص المعجز من دلالة؛ فلا بد أن يصاحب ذلك الوصف اللغوي تساؤل ملح وملازم عن الدور الدلالي من ناحية، والتأثير الجمالي على المتلقي من ناحية أخرى. ولا نريد أن نثقل على القارئ بقضايا نظرية تخص التحليل الأسلوبي وإجراءاته، والذي يهمنا أن نشير إليه إشارة سريعة أمران؛ الأول: أن فصلنا بين التركيب والتصوير لم يصدر عن اعتقاد أنهما منفصلان في واقع النص؛ فقد تكون وسيلة التصوير تركيبية. وقدرة المتلقي على التجاوب مع النص الكريم تنبع فيما تنبع من النظر إليه ومعايشته في مجموعه لا بوصفه وحدات منفصلة. والآخر: أن الاقتصار على هذين الجانبين كان اضطرارا حتى لا يتسع الأمر، ولا شك أن درس ظواهر المستوى الصوتي، والمستوى الصرفي على تنوعهما يمكن أن تثري إدراكنا للسورة؛ فقد تدرس الأصوات دراسة وصفية، تعنى بالمخارج من شدة ورخاوة وازدواج وسيولة، وبالصفات من جهر وهمس، وتفخيم وترقيق، وطول وقصر، ووضح سمعي. وقد تدرس البنى الصرفية بالنظر إلى صيغتها، وأحوالها من جمود واشتقاق، وإفراد وتثنية وجمع، مع ربط ذلك كله بالدلالة مما لا يتسع له المقام. * * * وتضم هذه السطور حديثا عن الظواهر التركيبية التي تمثل بلغة النقد الأسلوبي «عدولا» عن النمط المألوف في التركيب؛ وهي: التقديم والتأخير، والحذف، والزيادة، والاعتراض. ويلقي الحديث عن التصوير الضوء على أداة التصوير، وهي حال الفعل من حيث البناء للمعلوم وللمجهول، ثم يتناول واحدة من الصور الكلية الممتدة بالتحليل مع محاولة ربطها بسائر صور السورة الكريمة. (2) يتجلى دور الظواهر التركيبية المختلفة، التي سنتوقف عندها؛ وهي: التقديم والتأخير، الزيادة، الحذف، الاعتراض. في أنها تمثل مغايرة للنمط المألوف في تركيب الجملة؛ مما يجعلها قادرة على لفت انتباه المتلقي؛ إذ يصادف خروجا ومغايرة عما اعتاده من هيئة تركيبية يكاد مجيء الجمل يطرد عليها. فضلا عن وجود دلالات مصاحبة لهذه الظواهر من حيث هي أنماط تركيبية، وهو ما يضاف بدوره إلى ما يقف عليه المتلقي من دلالة معجمية للمفردات المكونة لهذه الأنماط. وليس معنى ذلك بحال أن الجمل التي تخلو من هذه الظواهر قد فقدت قدرتها على إحداث تأثير جمالي، أو النهوض بدور فاعل في الدلالة؛ فما من شيء في كتاب ا> الكريم المعجز إلا وله جمالياته اللافتة، ودلالاته الفاعلة. وقد يضع التقديم والتأخير إحدى مفردات الجملة في صدارة انتباه المتلقي، بما يحقق غاية يرمي إليها التركيب في مجموعه؛ فتقديم شبه الجملة ـ مثلا ـ في قوله سبحانه {الذين هم في خوض يلعبون}(12) يبرز «الخوض» الذي يظل المكذبون سادرين فيه بما يبلور فساد مسلكهم. وقد يدل التقديم والتأخير على «القصر» على نحو ما نجد في قوله عز وجل: {وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون}(47) فالعذاب سيكون نصيب هؤلاء الظالمين وحدهم. ويستشعر المتلقي من تنكير «عذاب» تهويلا لهذا المصير البائس الذي أعد للظالمين. ويرد ختام الآية دالا على «مفارقة» هائلة بين قصر ذلك العذاب المهول على الظالمين وحدهم في وقت يتخبطون فيه في ظلمات الجهالة. وربما نفطن من هذا إلى أن طبيعة تركيب الآية على هذا النحو تدفع الظالمين دفعا أن يثوبوا إلى رشدهم جاعلين من الإيمان والطاعة طريقا لهم. وقد يبرز التقديم والتأخير «البعد المكاني» في وعي المتلقي في نحو ما يصادفنا في معرض الحديث عن أهل الجنة: {يتنازعون فيها كأسا}(23)، أو «البعد الزماني» كما ورد في وصف يوم القيامة: {فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون}(45). ولا يخفى أن تقديم الجملة في كلتا الآيتين قد استبقى انتباه المتلقي منصبا على ما ينصب الوصف عليه. وإذا كان التقديم والتأخير الدال على القصر يفيد التلازم والارتباط على نحو تام، فإن مجيئه في سياق النفي يسلب هذا التلازم بشكل مطلق، فلا يبقى شيء من دلالة التلازم. وقد ورد ذلك في سياق بعينه؛ في معرض رد دعاوي الكافرين {أم عندهم خزائن ربك}(37)، {أم لهم سلم يستمعون فيه}(38، {أم له البنات ولكم البنون}(39)، {أم عندهم الغيب فهم يكتبون}(41)، {أم لهم إله غير الله}(43). وهذه التراكيب الحاسمة المصدرة «بأم»، وهي تعني تحريك المعنى بحيث يُضرب المرء عما قبله ويستفهم عما بعده، وهذا وضع الكلمة البلاغي في اللغة العربية، إنما تعرض النفي في صورة استفهامية تدفع إلى التأمل والتدبر والتفكير في عجز هؤلاء المكذبين. فالوصول إلى هذه الدلالة ينبع من حيوية الاستفهام في النص. بما يجعل النفي يتراءى على نحو غير مباشر، ثم يتخذ بعدا مطلقا من خلال التقديم والتأخير على النحو الذي أوضحناه. وهو ما يحيل - في النهاية - إلى مفارقة هائلة بين هذا العجز الذي يتسم به هؤلاء المكذبون من ناحية وتبجحهم في الاجتراء على الطعن في مبادئ التوحيد والرسالة من ناحية أخرى. إن هذه التراكيب أشبه ما تكون بوخزة للضمير الوثني الميت تحركه، وصوت يلسع العقل الخامد ليبعثه على التفكير ويجعله يتحرك ويعرف ربه. وقد يومئ التقديم والتأخير إيماء لطيفا خفيا إلى بعد من أبعاد المعنى؛ ففي قوله سبحانه في معرض مواجهة المكذبين بنار جهنم {أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون}(15) فتقديم الخبر - الذي هو المشار إليه - إبراز للعذاب الذي يوجدون فيه بالفعل، فليس ثمة مسافة فاصلة حائلة. قد يفهم من اسم الإشارة بعد مكاني مستمد من الإيماء. لكن تقديم المشار إليه قد طوى هذا البعد واختزله. ويضاف إلى هذا المعنى ما يثيره التعبير عن العذاب بالسحر من دلالة. فطالما رد الكافرون دعوة الهدى لأنها سحر. غير مصدقين أحوال البعث والجزاء. فالآية إذن تنطوي على تبكيت ضمني، حين وجد المكذبون أنفسهم وقد هووا فيما زعموا من قبل أنه سحر لاحقّ فيه! ويشي تقديم شبه الجملة في قوله عز وجل: {يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا}(46) بلهفة الكافرين يوم القيامة لما ينجيهم يوم الفزع الأكبر، فقد أهمتهم أنفسهم، تلك الأنفس التي برزت في التركيب والدلالة من خلال تقديم «عنهم»، وقد جاء التنكير في «شيء» مع النفي ردا لأي أمل قد يتراءى لهم في تحقيق غناء يذكر. ويرد التقديم في قوله سبحانه: {فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين}(34) إعلاء من شأن القرآن الكريم، وكونه معجزة ينماز بها الحق من الباطل، فإثبات الصدق على ما يدعيه المرء لا يكون بالجدال والمراء وإطلاق الافتراءات على نحو ما يفعل هؤلاء المكذبون الضالون، وإنما يكون في الإتيان بمثل ما أتى به الرسول < برهانا معجزا على صدق الرسالة. (3) ü وجيء بحرف الجر مزيدا في سياق النفي. وقد آزر مجيئه دلالة النفي وأكدها، وأدى دخوله على نكرة في المواضع التي زيد فيها إدخال العموم والشمول - المستفاد من التنكير دائرة التأكيد - وذلك على نحو ما نجد في قوله سبحانه: {إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع}(7، Cool، وقوله: {فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون}(29). ü وقد يقدر المتلقي محذوفا في سياق العطف، وربما كان وقوع الحذف إظهارا أن دلالاته من البداهة والوضح بحيث لا يتوقف فهم المعنى على ذكره. إن تقدير المحذوف ليس تسوية شكلية للصنعة النحوية، بل تحرك مع ما يحدثه ظهور بعض المفردات أو غيابها من دلالة. ففي الآية الكريمة {يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم}(23) نجد أن نفي التأثيم منصرف حتما إلى الكأس التي انتفى عنها اللغو؛ فلا حاجة لذكر الجار والمجرور، بل يصبح طيهما آكد في دلالة الإبانة عن طبيعة الكأس التي يتنازعها المتقون في الجنة. وهو نفس ما نجده من دلالة طي فعل الأمر في قوله {ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم}(49) فوقوع التسبيح وقت إدبار النجوم مأمور به حتما، وهي حتمية لا تدع ثمة احتياجا لذكر الأمر بالتسبيح معها. ونحب أن نختم حديثنا عن الظواهر التركيبية بوقفة عند قول الحق سبحانه{والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين}(21) لنرى كيف تلاقى التأثير الدلالي لطائفة من ظواهر التركيب في مركز واحد هو نفس ما يراه القارئ من دلالة كلية للآية. إن الجزاء الإلهي جزاء عادل؛ فلا تجزى كل نفس إلا بما كسبت. وإلحاق الذرية بالمتقين رهن بإيمانها وعملها لا بمجرد انتمائها لهؤلاء المتقين الصالحين. وقد ظهر ذلك في الاعتراض بـ{واتبعتهم ذريتهم بإيمان}، وهو اعتراض فاصل بين المبتدأ والخبر اللذين بهما ينعقد تركيب الجملة؛ فلا وجود للخبر بمعزل عن المبتدأ الذي ينصب الحديث عنه. فإذا علمنا أن هذا الخبر قد اتخذ مع الجملة المعترض بها علاقة سببية تلازمية؛ فلا إلحاق إلا بالإيمان! - إذا علمنا ذلك أدركنا مدى أصالة دور التركيب في الدلالة. ويتأكد هذا العدل في مظهر آخر عنيت الآية بإبرازه؛ وهو استبقاء الأعمال كاملة غير منقوصة ومن هنا زيد حرف الجر على المفعول به النكرة {وما ألتناهم من عملهم من شيء}. وختام الآية كما يرد تتويجا لها من حيث الصوت؛ فهو آخر ما يتبقى في أذن السامع، وكما يرد تركيزا لمضمونها من حيث الدلالة. جاء أيضا كذلك تتويجا لها من حيث التركيب فقد تضمن الختام تقديما وتأخيرا {كل امرئ بما كسب رهين} إن الجزاء إذن منوط بالعمل وبما تكسبه يدا المرء، واللافت أن هذا التركيب - على اتساعه النسبي - قد اطرد التفكير فيه بما له من دلالة على العموم والشمول. (4) كانت طبيعة الفعل من حيث بناؤه للمجهول أو للمعلوم وسيلة للتصوير في السورة الكريمة، وهي وسيلة حافزة لإدراك المتلقي لمكونات الصورة وأبعادها. فالفعل لا يسهم في الصورة بدلالته المعجمية وحسب، بل يدفع المتلقي إلى إدراك ظلالها النفسية ببنيته كذلك. فقد جاء الفعل للمعلوم ليجعل من المفعول به في المعنى فاعلا في التركيب {يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا}(9، 10) فهذه الظواهر الكونية التي هي أشد الموجودات ثباتا ورسوخا تمور وتميد، وإنما يراها الإنسان على هذه الهيئة الجديدة المخيفة من تلقاء نفسها، وهو ما يزيد الصورة رهبة، إذ تتبدل أحوال الكائنات والموجودات. وهوان المكذبين وهم يساقون إلى النار {يوم يدعون إلى نار جهنم دعا}(13) أكده بناء الفعل للمجهول، ولعلنا لا نفهم ذلك إلا حين نقرأ ما نجده في الصورة الكلية المقابلة {فاكهين بما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم}(18) ولا يخفى ما في البناء الصوتي للفعل «يُدَعُّونَ» من دور في الدلالة ففي صوت العين من المشقة الصوتية والجرس المرير ما لا يخفى، فضلا عن الإيماء بالتدافع والتجمع في توالي تكرار صوت الضم مع التشديد. * * * وينصب الحديث عن التصوير الكلي الممتد في السورة الكريمة على الآيات (17:28) لنجعل من تحليلنا لمكونات هذه الصورة منطلقا إلى فهم ما تضمه السورة من صور أخرى. إذ ترمي هذه الصور - فيما يبدو - إلى تحقيق غاية الحض على الإيمان والعمل الصالح. تقدم الآيات (17:28) صورة كلية ممتدة لما أعده ا> من ثواب للمتقين في جنات الخلد فقد دلت بداية الصورة المتلقي أنه إزاء نعيم فريد؛ يكمن تفرده في أنه عطاء من الله {فاكهين بما أتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم}(18). وتشير الصورة إلى مظهرين للنعيم؛ الأول: معنوي تمتلئ فيه نفوس هؤلاء الصالحين بالسكينة وهم يتلقون هذا الخطاب {كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون}(19) ويسعدون فيه بلقاء ذريتهم وقد سلكت مسلكهم في العمل الصالح {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء}(21). والآخر: مادي نجده في سائر آيات الصورة. وتسبغ الصورة على هذه المظاهر جميعا تقريرا وتأكيدا؛ يستمد من الأفعال الماضية بدلالتها على التحقيق والثبوت، وتسبغ عليها كذلك دواما وتجددا يستفاد من الأفعال المضارعة بدلالتها على البقاء والاستمرار. والحق أن هذه الأفعال المضارعة قد نهضت بدور دلالي مزدوج ذي بعدين؛ أحدهما: إفادة الاستمرار، والآخر: إكساب الصورة قدرا من الحيوية بما يجعل مظاهر النعيم حية شاخصة متحركة في مخيلة المتلقي، وربما آزر هذه الدلالة الاشتقاق في قوله سبحانه {متكئين على سرر مصفوفة}(20) فالآية - من خلال الاشتقاق - بينت هيئة المتقين وهيئة سررهم في الجنة. ويتضاعف التأثير النفسي الذي تتركه هذه الصورة الممتدة في وعي المتلقي من خلال ما ورد فيها من إرشادات عابرة إلى المصير المقابل؛ إذ يتيح ذلك أن يعقد المرء مقارنة بين هذا النعيم المقيم من ناحية. والعذاب الأليم من ناحية أخرى. فيتعاظم في نفسه الإحساس برحمة ا> التي تغمد بها عباده. وقد ورد ذلك مرتين؛ الأولى: في بداية الصورة {ووقاهم ربهم عذاب الجحيم}(18) والأخرى: في ختامها {وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم} (25:27). وربما نجم عن ذلك إدراك أعمق لطبيعة الجنة ونعيمها. والحق أن هذا التقابل داخل الصورة إنما يوازي تقابلا أوسع نطاقا لا يقع بين الجمل والمفردات وإنما يقع بين الصور على امتدادها؛ فالآيات التي انصب عليها الحديث بوصفها صورة كلية للجنة ومن فيها من المتقين (17:28) قد وردت مقابلة لصورة كلية لنار جهنم ومن فيها من المكذبين (11:16). وهكذا نفطن إلى أن الصورة الأخرى التالية قد استبقت إشارات من الصورة الأولى السابقة. مما قد يحقق دلالة كلية كبرى تنبع من هاتين الصورتين معا؛ يمكن أن يتمثلها المتلقي على هيئة حض على الإيمان والعمل الصالح. وربما يتأكد لنا هذا الوجه إذا تتبعنا الصور الكلية على مستوى السورة كلها؛ فبعد القسم المفتتحة به السورة يرد تصوير ليوم القيامة {يوم تمور السماء مورا. وتسير الجبال سيرا} (9، 10) فتصوير كلي لمصير المكذبين (11:16) فتصوير كلي لثواب المتقين (17:28) ويعود آخر ما نجده من تصوير كلي في السورة إلى يوم القيامة وما ينتظر المكذبين فيه (45:47). * * * وبعد: فليست هذه السور إلا محاولة للوقوف في رحاب القرآن الكريم، ومحاولة لإلقاء الضوء على ضرورة الاهتمام بدرسه درسا لغويا وبلاغيا، فلا يبقى الموروث من منظوم كلام العرب ومنثوره الميدان الأكبر الذي يستقطب عناية الدرس النقدي. فلا بد أن يكون للدرس القرآني وجوده الظاهر والفاعل في حياتنا المعيشة. ولعلنا بذلك قد حاولنا أيضا إيضاح أن أدوات التحليل الأسلوبي قد تثمر في الاقتراب من لغة النص القرآني العظيم. ــــــــــــــــــــــــــــ * قسم اللغة العربية وآدابها ـ كلية الآداب ـ جامعة عين شمس ـ مصر نشر في مجلة (الأدب الإسلامي)عدد(15)بتاريخ (1418هـ)

    حقوق الطبع محفوظة ©️
    geek

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 08, 2024 1:56 am