الغموض في الشعر الحر
google_protectAndRun("ads_core.google_render_ad", google_handleError, google_render_ad); الغموض في الشعر الحر
الغموض يلف الشعر الحديث وقسماته، ويخفي جوهره وعلاقاته بأشقائه في دوحةالأدب، وزاد الفجوة التي تفصل بين كثير من النصوص الشعرية المعاصرة،وجمهور واسع من القراء. ظاهرة الغموض جاءت من أمور، منها: الغموض الدلالي،استحالة الصورة الفنية، غموض الرمز.
اللغة الشعرية
لغة الشعر هي لغة الإشارة في حين أن لغة النثر هي لغة الإيضاح ولابدللكلمة في الشعر أن تعلو على ذاتها، أن تزخر بأكثر مما تعنيه، أن تشير إلىأكثر مما تقول، عبر إدراك الشاعر لقدرات المجاز في منح اللغة مساحة أوسعمن دلالتها المعجمية، يزيدها قوة تبدو في أنه يمكن للكلمات أن تعني أكثرمما تشير إليه. الكلمات لدى الشاعر تختلف عن الكلمات المستخدمة في الحياةاليومية؛ فالشاعر يستنفذ في الكلمات كل طاقاتها التصويرية والإيحائيةوالموسيقية، اللغة الشعرية تنظم وتشد مصادر اللغة العادية وأحياناتنتهكها. وميز الرمزيون اللغة الشعرية «ودعوا إلى أن تستعمل الكلمات بمعانجديدة بعد أن تآكلت واستهلكت من فرط الاستعمال، وحاولوا إيجاد حللمشكلاتها، فاهتم «بودلير» ب«جمالية القبح» وشغل «رامبو» بلون الكلمةوإيقاعاتها الداخلية وروائح الإحساسات المنبعثة من الألفاظ ألوانا وروائحمختلفة، وأجهد «مالارميه» نفسه وحاول أن يحمل اللغة ما لم تستطع القيام بهمن قبل، وجهد أن يبتدع لغة ينبثق منها شعر جديد، شعر لا يدور على وصفالشيء بل على تأثيره وهذا ما أوصله إلى نظرته الشهيرة في طبيعة الشعر التيانبثقت منها الدراسات الحداثية وهي أن «الشعر كلمات» يروي لنا «دانياللوير DANIAL LEUWERS» حادثة الرسام «إدغارديغا» الذي اشتكى حين كان يجلسمع «مالارميه» من ضياع النهار وهو يحاول أن يكتب قصيدة قائلا: «ومع ذلك،ليست الأفكار هي ما ينقصني، فإنني مفعم بها»، فتيسر ل«مالارميه» أن يجيبه:«ليس بالأفكار تصنع القصائد ياديغا، وإنما بالكلمات»(1). النص الشعري يمثلتشكلا دلاليا جديدا وانزياحا للغة، والانزياح «الانحراف» هو خرق للقواعدوخروج على المألوف أو هو احتيال من المبدع على اللغة النثرية لتكون تعبيراغير عادي عن عالم عادي، أو هو اللغة التي يبدعها الشاعر ليقول شيئا لايمكننا قوله بشكل آخر(2). والسبب في هذا الانزياح أن «للغة الشعريةقوانينها المختلفة عن قوانين الحديث اليومي أو النثر، فالشعر يهدم اللغةليعيد بناءها وفق عالم محتمل الوقوع، ومن هنا ذهب «جان كوهين» إلى أنالانزياح شرط أساسي وضروري في النص الشعري.. ولكن الانزياح ليس هدفا فيذاته وإلا تحول النص إلى عبث لغوي وفوضى في الرسالة الشعرية ذاتها، وإنماهي وسيلة الشاعر إلى خلق لغة شعرية داخل لغة النثر، وظيفته خلق الإيحاء،وقديما قال البحتري:
والشعر لمح تكفي إشارته
وليس بالهذر طولت خطبه(3)
الصورة الشعرية
التصوير الفني عنصر أساسي وأصيل من عناصر الشعر، وهي الحد الفاصل الذييميز بينه وبين العلم، قال أرسطو: «إن أعظم شيء أن تكون سيد الاستعارات،فالاستعارة علامة العبقرية» ويقول المنفلوطي: «إن التصوير نفسه أجملالمعاني وأبدعها، بل هو رأس المعاني وسيدها(4) ويقول راي Ray: إن الصورةوحدها تكسب العمل جمالا(5) إلا أن استحالة الصورة في الشعر أدت إلى الغموضفي فهمه حيث تعبر بمهارة عن تمازج الرؤى والأفكار والأحاسيس تجمع بينالخيال والقدرة الفنية، فالخيال هو الروح والقدرة الفنية هي الجسم. الطاقةالفنية تستجيب لها إمكانات اللغة العربية في تناغم موسيقي وتصويري، وهناشاهد للشاعر أحمد العدواني تطل منه فكرة الكتابة الحاملة رؤية مستحيلة حيثتمرد الكلمة وتغادر السطور حدود الأوراق: «كتبت أسطرا على الورق
ومرت الريح بها
فأصبحت دخانا
وحينما أشعلت قلبي فاحترق
وجدت أسطري
تفجرت نيرانا»
غموض الرمز
«توظيف الرمز في القصيدة توظيفا فنيا ناجحا هدف سعى إليه الشاعر العربي المعاصر، ومطمح لا يزال يلح في الوصول إليه.
يقول عبدالوهاب البياتي في هذا الخصوص: «أما ديواني «الموت في الحياة» فهوقصيدة واحدة مقسمة إلى أجزاء، وأنا أعتبره من أخطر أعمالي الشعرية، لأننيأعتقد أنني حققت فيه بعض ما كنت أطمح أن أحققه من خلال الرمز الذاتيوالجماعي ومن خلال الأسطورة والشخصيات التاريخية القديمة والمعاصرة.. عبرتعن سنوات الرعب والنفي والانتظار التي عاشتها الإنسانية عامة، والأمةالعربية خاصة»(6).
الرمز أنواع منه: الرمز الأسطوري، الرمز الديني، الرمز التاريخي، الرمزالشعبي، وسنقف هنا عند الرمز الأسطوري. الأسطورة «الخرافة»: «هي القصصالخيالية التي نسجتها مخيلات الشعوب في العصر الأسطوري، وتبرز فيها قوىالطبيعة في صور كائنات حية، مبتدعة الحكايات الدينية والقومية وغيرها، وقدجسدها الأدباء في الملاحم والمآسي، ومن ذلك ملحمة جلجامش والإلياذةوالأوديسية، ومأساة «أوديب ملكا وسواها(7) و «الأساطير» قصص رمزية ترويحقائق أساسية ضمن مجتمعات لها تقاليد راسخة غير مكتوبة، وتعنى الأساطيرعادة بالكائنات والأحداث غير الاعتيادية، لذا كانت من أغنى مصادر الإلهامللأدب والدراما والفن في مختلف أنحاء العالم (.
و«الأسطورة تتوافق مع مرحلة الطفولة للحضارة البشرية، مثلما تتوافقالفلسفات العقلية والتقنيات المتقدمة مع مرحلة البلوغ الحضاري»(9). أما عننشأة الأسطورة «فقد اختلف الباحثون في تحديد نشأتها وطبيعتها وميدانهاومدلولاتها، ولكنهم اتفقوا في أنها تمثل طفولة العقل البشري وتقوم بتفسيرالظواهر الطبيعية.. برؤى خيالية توارثتها الأجيال.. ولا تقتصر الأسطورةعلى زمن ما، فكما أن هناك أساطير قديمة كذلك يمكننا خلق أساطيرمعاصرة(10). اعتمد الشاعر الحديث على الأسطورة في تصويره الحالة الشعريةعنده، وربما القارئ لم يفهم ماذا يعني الشاعر لعدم فهمه لوظيفة الأسطورةفي الشعر الحديث، ومما يزيد حدة الغموض أن بعض الشعراء يقتبسون الأساطيرالإغريقية اليونانية القديمة، مثل أساطير أدونيس، وتموز وسيزيف.. هذهالأساطير لغرابتها بمثابة تحد لمشاعر القارئ و «الهدف من استخدام الأسطورةفي أداء وظيفتها أن تكون مفهومة لدى المتلقي، وأن يكون مدلولها العاممتجاوبا مع حقيقة مشاعره(11). وهناك من يرى أن «صلة الشعر بالأسطورةقديمة، وثمة من يقول: إن الشعر وليد الأسطورة، وقد نشأ في أحضانها وترعرعبين مرابعها، ولما ابتعد عنها جف وذوى، ولذلك فإن الشاعر في العصر الحديثعاد ليستعين بالأسطورة في التعبير عن تجاربه تعبيرا غير مباشر، فتندغمالأسطورة في بنية القصيدة لتصبح إحدى لبناتها العضوية، وهذا ما يمنحهاكثيرا من السمات الفاعلة في بقائها، ومنها إنقاذها من المباشرة والتقريروالخطابية والغنائية، كما يخلق فيها فضاء متخيلا واسع الأبعاد زمانياومكانيا (12).. الأسطورة تخفي معنى آخر تحت المعنى الظاهر «وقد يلجأالشعراء إلى الأسطورة للتعبير عن قيم إنسانية محددة، أو لأسباب سياسية،بأن يتخذ الأسطورة «أو الشخصية الأسطورية» قناعا يعبر من خلاله عما يريدمن أفكار ومعتقدات(13). و«توظيف الرموز الأسطورية في بنية القصيدةواستلهامها يثري العمل الفني، وبخاصة إذا تضمن موقفا معاصرا وعبر عن تجربةجديدة»(14).
ومن أسباب غموض الشعر الحديث تباهي الشاعر بالثقافة وسعة الاطلاع من خلالالإكثار أو الإلحاح على استخدام الأسطورة في الثقافة الغربية إذ «يتراوحاستخدام الأسطورة في شعرنا المعاصر بين الاستخدام الخارجي الآلي منفصلة عنالتجربة المعاصرة، وهي زخرفية أو تقدم دليلا على ثقافة الشاعر أكثر منكونها دليلا على شاعريته.. وتكون الأسطورة شاهدا لا يندغم في حالة التجربةأو في السياق، وهي مقحمة على العمل الفني.. وقد استدعاها الشاعر لتكوناستعراضا لثقافة.. أكثر مما استدعاها السياق للتعبير الوظيفي(15). ومنالأفضل استخدام الأساطير والرموز العربية المفهومة للقارئ حسب سياقهاالفني في تجربة الشاعر المعاصرة.
الشاعر جاسم الصحيح استطاع استخدام الرمز بفنية فائقة في قصيدة له «عنترة في الأسر»:
سيف طريح.. شاحب اللمعان.. منكسر الصليل
ومطهم ذبلت على شدقيه رائحة الصهيل
وقصيدة مطعونة
بقيت على الرمضاء، ينزف من جراحتها العويل
والفارس «العبسي» مغلول الملامح
في انهيار المستحيل
وأنا هنا أتوجس التاريخ
وهو مفخخ الأحداث بالزيف الدخيل»
الشاعر يرى في هذا العصر الضعف العربي، فينادي البطل العربي الأسطوري:
أبا «الفوارس».. من صميم الوهم جئتك
حاملا مجد البداوة والمضارب والقفار
متأبطا أسطورتين
رضعت من ثدييهما زهوي
وعادة أمتي في الانتصار
فؤاد أحمد البراهيم
(1) الحداثة في حركة الشعر العربي المعاصر» د. خليل الموسى، دمشق، مطبعة الجمهورية، ط1، 1991. ص98.
(2) المصدر نفسه ص99.
(3) المصدر نفسه ص 99100.
(4) «النظرات» للمنفلوطي ص132.
(5) «الأسس الجمالية في النقد العربي»، عز الدين إسماعيل ص388.
(6) «أنماط من الغموض في الشعر العربي الحر»، د. خالد سليمان، منشورات جامعة اليرموك 1987، ص33.
(7) «الحداثة» د. خليل الموسى ص108.
( «معجم النقد الأدبي المعاصر» تأليف د. إبراهيم كايد محمود ود. خليل الموسى، دمشق 1421ه ص15 15.
(9) «مجلة الفيصل» العدد 265 رجب 1419 ص100 مقال «علم الأساطير» ترجمة مجيد الماشطة.
(10) المصدر نفسه ص103.
(11) مجلة الكويت العدد «200» 28 صفر 1421ه مقال «كيف نتذوق الشعر الحديث؟» لفاضل خلف.
(12) «قراءات في الشعر العربي الحديث والمعاصر» د. خليل الموسى من منشورات، اتحاد الكتاب العرب2000 ص88 89.
(13) «في نقد الشعر العربي المعاصر دراسة جمالية»، د. رمضان الصباغ، دار الوفاء 1998 ط1 ص396.
(14) «الحداثة»، د. خليل الموسى ص109.
منقول
اخر مواضيعي توظيف الأسطورة في النص الشعري العربي المعاصر
مفهوم الرمز والأسطورة ( سلافة أحمد عثمان )
أميِّ .. سَيدةُ البَهاء 1 / 4 ( لمصطفى الشليح )
قصيدة أنا مع الإرهاب - نزار قباني
الغموض في الشعر الحر
بلعربي علي +امينة ترلباس
ترلباس امينة مقالة عن الاخلاق bac 2009
قصيدة أحبك حتى ترتفع السماء قليلا - نزار قباني
google_protectAndRun("ads_core.google_render_ad", google_handleError, google_render_ad); الغموض في الشعر الحر
الغموض يلف الشعر الحديث وقسماته، ويخفي جوهره وعلاقاته بأشقائه في دوحةالأدب، وزاد الفجوة التي تفصل بين كثير من النصوص الشعرية المعاصرة،وجمهور واسع من القراء. ظاهرة الغموض جاءت من أمور، منها: الغموض الدلالي،استحالة الصورة الفنية، غموض الرمز.
اللغة الشعرية
لغة الشعر هي لغة الإشارة في حين أن لغة النثر هي لغة الإيضاح ولابدللكلمة في الشعر أن تعلو على ذاتها، أن تزخر بأكثر مما تعنيه، أن تشير إلىأكثر مما تقول، عبر إدراك الشاعر لقدرات المجاز في منح اللغة مساحة أوسعمن دلالتها المعجمية، يزيدها قوة تبدو في أنه يمكن للكلمات أن تعني أكثرمما تشير إليه. الكلمات لدى الشاعر تختلف عن الكلمات المستخدمة في الحياةاليومية؛ فالشاعر يستنفذ في الكلمات كل طاقاتها التصويرية والإيحائيةوالموسيقية، اللغة الشعرية تنظم وتشد مصادر اللغة العادية وأحياناتنتهكها. وميز الرمزيون اللغة الشعرية «ودعوا إلى أن تستعمل الكلمات بمعانجديدة بعد أن تآكلت واستهلكت من فرط الاستعمال، وحاولوا إيجاد حللمشكلاتها، فاهتم «بودلير» ب«جمالية القبح» وشغل «رامبو» بلون الكلمةوإيقاعاتها الداخلية وروائح الإحساسات المنبعثة من الألفاظ ألوانا وروائحمختلفة، وأجهد «مالارميه» نفسه وحاول أن يحمل اللغة ما لم تستطع القيام بهمن قبل، وجهد أن يبتدع لغة ينبثق منها شعر جديد، شعر لا يدور على وصفالشيء بل على تأثيره وهذا ما أوصله إلى نظرته الشهيرة في طبيعة الشعر التيانبثقت منها الدراسات الحداثية وهي أن «الشعر كلمات» يروي لنا «دانياللوير DANIAL LEUWERS» حادثة الرسام «إدغارديغا» الذي اشتكى حين كان يجلسمع «مالارميه» من ضياع النهار وهو يحاول أن يكتب قصيدة قائلا: «ومع ذلك،ليست الأفكار هي ما ينقصني، فإنني مفعم بها»، فتيسر ل«مالارميه» أن يجيبه:«ليس بالأفكار تصنع القصائد ياديغا، وإنما بالكلمات»(1). النص الشعري يمثلتشكلا دلاليا جديدا وانزياحا للغة، والانزياح «الانحراف» هو خرق للقواعدوخروج على المألوف أو هو احتيال من المبدع على اللغة النثرية لتكون تعبيراغير عادي عن عالم عادي، أو هو اللغة التي يبدعها الشاعر ليقول شيئا لايمكننا قوله بشكل آخر(2). والسبب في هذا الانزياح أن «للغة الشعريةقوانينها المختلفة عن قوانين الحديث اليومي أو النثر، فالشعر يهدم اللغةليعيد بناءها وفق عالم محتمل الوقوع، ومن هنا ذهب «جان كوهين» إلى أنالانزياح شرط أساسي وضروري في النص الشعري.. ولكن الانزياح ليس هدفا فيذاته وإلا تحول النص إلى عبث لغوي وفوضى في الرسالة الشعرية ذاتها، وإنماهي وسيلة الشاعر إلى خلق لغة شعرية داخل لغة النثر، وظيفته خلق الإيحاء،وقديما قال البحتري:
والشعر لمح تكفي إشارته
وليس بالهذر طولت خطبه(3)
الصورة الشعرية
التصوير الفني عنصر أساسي وأصيل من عناصر الشعر، وهي الحد الفاصل الذييميز بينه وبين العلم، قال أرسطو: «إن أعظم شيء أن تكون سيد الاستعارات،فالاستعارة علامة العبقرية» ويقول المنفلوطي: «إن التصوير نفسه أجملالمعاني وأبدعها، بل هو رأس المعاني وسيدها(4) ويقول راي Ray: إن الصورةوحدها تكسب العمل جمالا(5) إلا أن استحالة الصورة في الشعر أدت إلى الغموضفي فهمه حيث تعبر بمهارة عن تمازج الرؤى والأفكار والأحاسيس تجمع بينالخيال والقدرة الفنية، فالخيال هو الروح والقدرة الفنية هي الجسم. الطاقةالفنية تستجيب لها إمكانات اللغة العربية في تناغم موسيقي وتصويري، وهناشاهد للشاعر أحمد العدواني تطل منه فكرة الكتابة الحاملة رؤية مستحيلة حيثتمرد الكلمة وتغادر السطور حدود الأوراق: «كتبت أسطرا على الورق
ومرت الريح بها
فأصبحت دخانا
وحينما أشعلت قلبي فاحترق
وجدت أسطري
تفجرت نيرانا»
غموض الرمز
«توظيف الرمز في القصيدة توظيفا فنيا ناجحا هدف سعى إليه الشاعر العربي المعاصر، ومطمح لا يزال يلح في الوصول إليه.
يقول عبدالوهاب البياتي في هذا الخصوص: «أما ديواني «الموت في الحياة» فهوقصيدة واحدة مقسمة إلى أجزاء، وأنا أعتبره من أخطر أعمالي الشعرية، لأننيأعتقد أنني حققت فيه بعض ما كنت أطمح أن أحققه من خلال الرمز الذاتيوالجماعي ومن خلال الأسطورة والشخصيات التاريخية القديمة والمعاصرة.. عبرتعن سنوات الرعب والنفي والانتظار التي عاشتها الإنسانية عامة، والأمةالعربية خاصة»(6).
الرمز أنواع منه: الرمز الأسطوري، الرمز الديني، الرمز التاريخي، الرمزالشعبي، وسنقف هنا عند الرمز الأسطوري. الأسطورة «الخرافة»: «هي القصصالخيالية التي نسجتها مخيلات الشعوب في العصر الأسطوري، وتبرز فيها قوىالطبيعة في صور كائنات حية، مبتدعة الحكايات الدينية والقومية وغيرها، وقدجسدها الأدباء في الملاحم والمآسي، ومن ذلك ملحمة جلجامش والإلياذةوالأوديسية، ومأساة «أوديب ملكا وسواها(7) و «الأساطير» قصص رمزية ترويحقائق أساسية ضمن مجتمعات لها تقاليد راسخة غير مكتوبة، وتعنى الأساطيرعادة بالكائنات والأحداث غير الاعتيادية، لذا كانت من أغنى مصادر الإلهامللأدب والدراما والفن في مختلف أنحاء العالم (.
و«الأسطورة تتوافق مع مرحلة الطفولة للحضارة البشرية، مثلما تتوافقالفلسفات العقلية والتقنيات المتقدمة مع مرحلة البلوغ الحضاري»(9). أما عننشأة الأسطورة «فقد اختلف الباحثون في تحديد نشأتها وطبيعتها وميدانهاومدلولاتها، ولكنهم اتفقوا في أنها تمثل طفولة العقل البشري وتقوم بتفسيرالظواهر الطبيعية.. برؤى خيالية توارثتها الأجيال.. ولا تقتصر الأسطورةعلى زمن ما، فكما أن هناك أساطير قديمة كذلك يمكننا خلق أساطيرمعاصرة(10). اعتمد الشاعر الحديث على الأسطورة في تصويره الحالة الشعريةعنده، وربما القارئ لم يفهم ماذا يعني الشاعر لعدم فهمه لوظيفة الأسطورةفي الشعر الحديث، ومما يزيد حدة الغموض أن بعض الشعراء يقتبسون الأساطيرالإغريقية اليونانية القديمة، مثل أساطير أدونيس، وتموز وسيزيف.. هذهالأساطير لغرابتها بمثابة تحد لمشاعر القارئ و «الهدف من استخدام الأسطورةفي أداء وظيفتها أن تكون مفهومة لدى المتلقي، وأن يكون مدلولها العاممتجاوبا مع حقيقة مشاعره(11). وهناك من يرى أن «صلة الشعر بالأسطورةقديمة، وثمة من يقول: إن الشعر وليد الأسطورة، وقد نشأ في أحضانها وترعرعبين مرابعها، ولما ابتعد عنها جف وذوى، ولذلك فإن الشاعر في العصر الحديثعاد ليستعين بالأسطورة في التعبير عن تجاربه تعبيرا غير مباشر، فتندغمالأسطورة في بنية القصيدة لتصبح إحدى لبناتها العضوية، وهذا ما يمنحهاكثيرا من السمات الفاعلة في بقائها، ومنها إنقاذها من المباشرة والتقريروالخطابية والغنائية، كما يخلق فيها فضاء متخيلا واسع الأبعاد زمانياومكانيا (12).. الأسطورة تخفي معنى آخر تحت المعنى الظاهر «وقد يلجأالشعراء إلى الأسطورة للتعبير عن قيم إنسانية محددة، أو لأسباب سياسية،بأن يتخذ الأسطورة «أو الشخصية الأسطورية» قناعا يعبر من خلاله عما يريدمن أفكار ومعتقدات(13). و«توظيف الرموز الأسطورية في بنية القصيدةواستلهامها يثري العمل الفني، وبخاصة إذا تضمن موقفا معاصرا وعبر عن تجربةجديدة»(14).
ومن أسباب غموض الشعر الحديث تباهي الشاعر بالثقافة وسعة الاطلاع من خلالالإكثار أو الإلحاح على استخدام الأسطورة في الثقافة الغربية إذ «يتراوحاستخدام الأسطورة في شعرنا المعاصر بين الاستخدام الخارجي الآلي منفصلة عنالتجربة المعاصرة، وهي زخرفية أو تقدم دليلا على ثقافة الشاعر أكثر منكونها دليلا على شاعريته.. وتكون الأسطورة شاهدا لا يندغم في حالة التجربةأو في السياق، وهي مقحمة على العمل الفني.. وقد استدعاها الشاعر لتكوناستعراضا لثقافة.. أكثر مما استدعاها السياق للتعبير الوظيفي(15). ومنالأفضل استخدام الأساطير والرموز العربية المفهومة للقارئ حسب سياقهاالفني في تجربة الشاعر المعاصرة.
الشاعر جاسم الصحيح استطاع استخدام الرمز بفنية فائقة في قصيدة له «عنترة في الأسر»:
سيف طريح.. شاحب اللمعان.. منكسر الصليل
ومطهم ذبلت على شدقيه رائحة الصهيل
وقصيدة مطعونة
بقيت على الرمضاء، ينزف من جراحتها العويل
والفارس «العبسي» مغلول الملامح
في انهيار المستحيل
وأنا هنا أتوجس التاريخ
وهو مفخخ الأحداث بالزيف الدخيل»
الشاعر يرى في هذا العصر الضعف العربي، فينادي البطل العربي الأسطوري:
أبا «الفوارس».. من صميم الوهم جئتك
حاملا مجد البداوة والمضارب والقفار
متأبطا أسطورتين
رضعت من ثدييهما زهوي
وعادة أمتي في الانتصار
فؤاد أحمد البراهيم
(1) الحداثة في حركة الشعر العربي المعاصر» د. خليل الموسى، دمشق، مطبعة الجمهورية، ط1، 1991. ص98.
(2) المصدر نفسه ص99.
(3) المصدر نفسه ص 99100.
(4) «النظرات» للمنفلوطي ص132.
(5) «الأسس الجمالية في النقد العربي»، عز الدين إسماعيل ص388.
(6) «أنماط من الغموض في الشعر العربي الحر»، د. خالد سليمان، منشورات جامعة اليرموك 1987، ص33.
(7) «الحداثة» د. خليل الموسى ص108.
( «معجم النقد الأدبي المعاصر» تأليف د. إبراهيم كايد محمود ود. خليل الموسى، دمشق 1421ه ص15 15.
(9) «مجلة الفيصل» العدد 265 رجب 1419 ص100 مقال «علم الأساطير» ترجمة مجيد الماشطة.
(10) المصدر نفسه ص103.
(11) مجلة الكويت العدد «200» 28 صفر 1421ه مقال «كيف نتذوق الشعر الحديث؟» لفاضل خلف.
(12) «قراءات في الشعر العربي الحديث والمعاصر» د. خليل الموسى من منشورات، اتحاد الكتاب العرب2000 ص88 89.
(13) «في نقد الشعر العربي المعاصر دراسة جمالية»، د. رمضان الصباغ، دار الوفاء 1998 ط1 ص396.
(14) «الحداثة»، د. خليل الموسى ص109.
منقول
اخر مواضيعي توظيف الأسطورة في النص الشعري العربي المعاصر
مفهوم الرمز والأسطورة ( سلافة أحمد عثمان )
أميِّ .. سَيدةُ البَهاء 1 / 4 ( لمصطفى الشليح )
قصيدة أنا مع الإرهاب - نزار قباني
الغموض في الشعر الحر
بلعربي علي +امينة ترلباس
ترلباس امينة مقالة عن الاخلاق bac 2009
قصيدة أحبك حتى ترتفع السماء قليلا - نزار قباني