[موضوع: دراسة سيميائية لرواية محاولة عيش الثلاثاء نوفمبر 16, 2010 1:23 pm
دراسة سيميائية لرواية محاولة عيش
رواية "محاولة عيش" كوثيقة أدبية برصدها لحياة الطفل "حميد " من خلال تتبعها دخوله مغامرة المحاولة ، أن تكون شاهدة على مرحلة تاريخية و اجتماعية لمدينة القنيطرة ،إنها المرحلة التي تميزت بتواجد الأمريكيين المقيمين في القاعدة الأمريكية بنفس المدينة ، وما أشاعه تواجدهم من انحلال أخلاقي ،إلى جانب تفشي ظاهرة الفقر في الأحياء القصديرية ،وما نتج عن ذلك من ارتماء في أحضان الانحراف والاستسلام للواقع المرير. والرواية في تصويرها لهذا الواقع من خلال تتبع شخصية حميد في محاولة العيش توظف عددا لابأس به من الشخوص يتفاوتون في الأهمية حسب مواقعهم في المتن الحائي يمكن جردهم كخطوة أولى لتناول البنية التي يندرجون تحتها على المستويات التالية : –موقع الراوي من المتن الحكائي – طريقة عرض وتقديم الشخصيات – أنماط الشخصيات – – تحديد البطل – النموذج العاملي
[الشخصيات المشاركة
- حميد 2- أم حميد 3- الحسن (والد حميد) 4 – رفاق حميد 5 – باعة الصحف 6حارس الباخرة ( أ) 7 –الحمال 8 –حارس الباخرة (ب) 9 - حارس الميناء 10)السينيغالي11- الضاوي 12 -– السي إدريس (رئيس حميد ) 13 –اليهودي بائع الدجاج 14 -رجال الأمن 15- رئيس المحكمة 16 – سكان الأحياء القصديرية 17- مقدم الحي 18– الأخ الأصغر لحميد 19 – الأخ الثاني لحميد 20 – الجنود الأمريكيون 21 – الرقيق الأبيض 22 –أطفال مشردون 23 –المرأة اليهودية 24– النادل 25 – صديقا الحسن 26 –البقال 27– غنو 28 – فيطونة 29 – أم فيطونة 30 – أخ فيطونة 31-الجارات .
فمحمد الزفزاف من خلال توظيفه لهذا العدد من الشخصيات لم تكن غايته كما يبدو السير بالفعل الى الأمام من أجل تعقيد الأزمة ( الحبكة ) أو حلها كما هو الشأن بالنسبة لبعض كتاب القصة ، وإنما كانت غايته إضفاء الواقعية على عمله الروائي
فإذا كان القارئ يذهب إلى اعتبار بعض الشخصيات مجرد حشو ملأ به الكاتب بعض فصول الرواية ، لاتلعب أي دور على مستوى الأحداث ، إلا أن هذه الشخصيات ليس وجودها اعتباطيا وإنما لها وظيفتها الروائية كعلامة وليس ككائن فقط. فالشخصية بمفهومها السميائي عبارة عن لانجد معناه في المعجم وإنما يتم الكشف عنه من خلال السياق الذي يقع فيه .
[الراوي
إذا كان العديد من الدارسين يعتبرون الراوي لايختلف عن الكاتب باعتباره يخلق الرواية ،لذلك فهو عالم بكل الشخصيات ولا يمتزج بها ، فإن المنهج السميائي المتبنى في هذا التحليل ينطلق أساسا من التمييز بين الراوي والكاتب باعتبار الأول واحدا من شخصيات القصة بدليل أنه قد يكون أحيانا مشاركا في الأحداث ، وبالتالي فهو شخصية خيالية لا وجود لها في الواقع الخارجي فليس الراوي هو الذي يكتب ويؤلف لأن واقع الرواية بما في ذلك الشخوص ينتمي إلى عالم متخيل قد يختلف عن عالم الكاتب . وهكذا يصبح الراوي الغائب ( الغير مشارك ) في محاولة عيش شخصية لها وجودها الخاص كباقي الشخصيات المشاركة "إنه وهمي ولكنه بين هذه الجماعة من الأشخاص الوهميين ، وكلهم يعتبرون من طبعا من ضمائر الغائب1
إلا أن الراوي في محاولة عيش لايكتفي فقط بتتبع الأحداث و الشخصيات وإنما يحاول من حين لآخر أن يعلن عن تموقعه في الرواية من خلال التميز عن كل الشخصيات وإن لم يكن مشاركا ويوحي بطبيعتة كشخصية مميزة ، ويتمثل ذلك على مستوى تدخله في سرد الأحداث من جهة ، واستباقها أحيانا إلى درجة التنبؤ بها قبل وقوعها ،مما يؤهله لمعرفة تطور الحكاية ومصير شخصية حميد . ( عرف حميد فيما بعد أن تلك هي الحقيقة وأن الضاوي لم يكن يكذب عليه ) الفصل 2 ص21 ( وقد فهم حميد فيما بعد لماذا لماذا كانت تفعل ذلك ..)ف11 ص83
كما يتمثل ذلك على مستوى السيطرة على شخصيات الرواية وإنطاقها بلغته فرضا لوجوده كسارد ،لكنه ليس من طبقة حميد أو الضاوي أو غنو ولا حتى السي إدريس .
مستويات تقديم الشخصيات
وهنا لابد من التمييز بين مفهومي العرض والتقديم ، فالأول يتناول كيفية ظهور الشخصيات على سطح الرواية في حين يهتم التقديم بكيفية التعريف بها. وأما على مستوى العرض فتخضع شخصيات "محاولة عيش " إلى طريقتين :
*العرض المباشر : وتتمثل في استهلال السرد بالحديث عن الميناء وبعض الشخصيات العاملة به ( حراس البواخر – رفاق حميد – حميد –الحمال –حارس الميناء ) ثم الانتقال إلى الحديث عن البراريك القصديرية (السكان _ لحسن والد حميد – زوجته ...)
*الغرض المؤجل : ذلك أن الراوي إذا كان قد عرض بعض الشخصيات مباشرة قبل أن تأخذ الأجداث سيرها فإنه لم يتبع نفس الطريقة في عرض باقي الشخصيات التي لايمكن للقارئ معرفتها إلا من خلال مسايرته لتطور الفعل من خلال إدماج متتابع لشخصيات جديدة ( الضاوي –السي ادريس –المقدم –غنو – فيطونة ..)
وإذا كانت رواية 'محاولة عيش 'تخضع لما يسمى الرؤية من الخارج فإن تقديم شخصياتها يحدد على مستويين كذلك :
مستوى خارجي حيث يتم التعريف بالشخصيات وتقديمها من طرف الراوي ، ومستوى داخلي حيث تعمل الشخصيات المشاركة على التعريف بنفسها أو بغيرها معتمدة في ذلك على الحوار .
أما المستوى الأول (الخارجي ) فيرتبط أساسا بالعلاقة القائمة بين الراوي وباقي الشخصيات .فالراوي كما سبقت الإشارة يعرف الكثير عنها ، فبالرغم من كونه يستعمل ضمير الغائب محاولا أن يخلق مسافة بينه وبين شخصيات الرواية إلا أنه لايستطيع أن يمنع نفسه من أي تدخل :"وقال الوغد الذي ولد وتربى في ماخور"(الفصل 1 ص 16) فهو لايكتفي بالوصف المحايد المتمثل في وصف الشخصيات انطلاقا من المظهر الخارجي (الأفعال والحركات ) بل يبحث لكل شيء عن تفسير معتمدا في ذلك التوغل في الشخصية "لم يرد حميد أن يعنفها ، قال بنفسه نعم ولكنه كان يعرف ما سيفعل "( الفصل 3 ص 28)
أما على الستوى الثاني (الداخلي ) فكل شخصية تزودنا بمعلومات كافية حول الآخرين بقدر ما تزودنا بمعلومات كافية حول نفسها أيضا ، لأن أي تصرف منها يعتبر رد فعل عن صورة الآخر ، وبذلك يحتل الحوار مكانة هامة في الكشف عن الشخصيات المشاركة في رواية محاولة عيش ومن ذلك :
قال الضاوي : إلى متى ستظل هكذا ؟ لقد أصبحت رجلا .قامتك أطول من قامة أبيك .(الفصل 2 ص19)
يسأل السي ادريس حميد : - كم عمرك ؟ -ست سنوات .....- هل تدخن ؟ - لا - هل تسكر ؟ -لآ ( ف2 ص22 )
يقول الحسن في حوار مع زوجته : - اتقي الله يا ولية ، أنا لاأحب القمار . –تكذب علي كما لو كنت لاأعرفك (ف3 ص28 )
تقول غنو : لآيهم فعلها ولد الرايس فهربت بنفسي (ف10 ص80 )
أنماط الشخصيات :
يرى فيليب هامون ( 2) أن الرواية باعتبارها إرسالية تتحدد كمركب من العلامات اللغوية من ثلاثة أصناف : *علامات مرجعية - *علامات واصلة – * علامات استذكارية
وكل نموذج من هذه العلامات الثلاثة يمكن أن يحيلنا بالتتابع على ثلاثة أنماط من الشخصيات في رواية محاولة عيش
1) الشخصيات المرجعية : وضمنها نجد الشخصيات التي تخلق مصادفتها في النص لذى القارئ عملية تذكر أو إسقاط ونمثل لها بالجنود الأمريكان – حراس الميناء – رجال الشرطة - السي ادريس .وهي شخصيات تحمل في دلالتها ماتحمله من معاني استغلال وتسلط .وقد تكون شخصيات تحيل على طبقة اجتماعية معينة . ( سكان البراريك – الضاوي – حميد – غنو -الحسن – فيطونة – غنو ...)
2) الشخصيات الواصلة ، وهي الشخصيات التي تكون بمثابة علامات على حضور السارد ويمكن ان نمثل لها بشخصية حميد ، هو وإن كان شخصية اجتماعية فهو أيضا علامة على حضور السارد في الرواية نتيجة تركيز اهتمام هذا الأخير عليه كشخصية محورية .
3) الشخصيات الإستذكارية ، ولايتم فهم هذه الشخصيات إلا بواسطة إرجاعها الى النص كنتاج سردي وتعمل على مساعدة القارئ بواسطة الوظائف التي تقوم بها ،إما بزرع إمارات أو تفسيرها ( السينيغالي الأسود –رفاق حميد –اليهودية –بائعو الصحف –النادل - الراقصة – المقدم -أصدقاء الحسن -أم فيطونة - .....)
[شخصية البطل:
تختلف كيفية تحديد البطل حسب المهتمين بدراسة العمل السردي ففلاديمير بروب مثلا يرى أن البطل يتحدد من خلال المعيار الوظيفي أي حسب دائرة الفعل التي يعمل فيها ،في حين يرى توماشوفسكي " أن الشخصية التي تتلقى المسحة العاطفية الأكثر حيوية تسمى البطل ،وهي الشخصية التي تستثير التأثر والتعاطف والفرح والحزن لذى القارئ " (3) لكن هل االاستثارة العطفية وحدها كافية للكشف عن حميد كبطل في "محاولة عيش " ؟ علما أن الدلالة العامة للرواية ترتبط بجميع الشخصيات الرئيسية وليس بشخصية حميد وحدها . لكن الراوي من خلال تعامله مع كل الشخصيات الرئيسية يجعل حميد يحتل مكانا مركزيا ويطرح مشكلة درجة بالنسبة للآخرين على حد تعبير فيليب هامون . فالبطل لايتحدد إلا من خلال عدد من الثوابث ، من بينها :
1) الأوصاف التفاضلية : فعلى الرغم من كون كل الشخصيات تتحدد على مستوى الفقر والجهل والتهميش والاستسلام الا ان تحديد شخصية جميد موسوم بالمغالاة ا" البطل شخص كالآخرين مع إضافة واحدة ،ظاهرة مغالاة " ( 4)
2) التوزيع التفاضلي :ويتعلق الأمر بملاحظتين اساسيتين نجملهما كالتالي :
-* يعتبر حميد أكثر الشخصيات ظهورا في الرواية (في كل فصولها )
-* درجة اهتمام الراوي بشخصية جميد فهو يتتبعها من ألفصل الأول إلى الأخير.
3)الاستقلال التفاضلي : وفيه توضع شخصية حميد في المقارنة مع باقي الشخصيات على مستوى التصرف بالحوار والتنقل في المكان . فعلى مستوى الحوار تعتبر شخصية حميد أكثر الشخصيات تصرفا به من غيرها . أما على المستوى الثاني فحميد أيضا أكثر الشخصيات حرية في التنقل لذلك فالراوي يتتبعه في الميناء والبارات والمقهى والبيت وفي بيت غنو ...
[النموذج العاملي[]
يتطلب تصنيف شخصيات رواية محاولة عيش حسب أدوارها العاملية تحديد النقطة التي يتقاطع فيها المستويان السردي والخطابي ، أو ما يمكن تسميته بنقطة الالتقاء بين البنيات السردية ( البرامج السردية ) التي من خلالها يتم الكشف عن الأدوار العاملية والبنيات الخطابية (المسارات التصويرية ) الني ينم تحويلها إلى إلى أدوار تيمية . هذه النقطة الالتقائية داخل العمل السردي تتشكل من الممثلين " فالممثل يشكل صورة حاملة في نفس الوقت لدور أولمجموغة من أدوار عاملية تحدد وضعا معينا داخل برنامج سردي ، ولأدوار تيمية تحدد انتماءه لمسار أوعدة مسارات تصويرية " ( 5
وبذلك يصبح من الضروري التمييز بين البرنامج السردي والمسار التصويري فالأول يعرف كتتابع لعمليات محولة للحالات والثاني يكلف بإبراز هذه العمليات داخل الرواية . إلا أننا ونحن نعمل على كشف العلاقات العاملية التي ينتظم في وفقها ممتلو رواية محاولة عيش لابد من العودة الى البرنامج السردي للرواية حتى يتسنى لنا التأكيد " ان التمييز بين الشخصية والدور العاملي أساسي بالنسبة للتحليل السميائي للنصوص ، فنفس الممثل (الشخصية الفاعلة ) يمكن أن يقوم بعدة أدوار ، كما أن دورا عامليا واحدا يمكن أن يقوم به أشخاص مختلفون عديدون ""(6)
البرنامج السردي في الرواية :
فإذا كان البرنامج السردي هو تلك السلسلة من الحالات والتحولات التي ترتبط فيما بينها انطلاقا من قاعدة علائقية ما بين الذات (ذ) والموضوع (م) فإنه لاماحلة من التمييز في محاولة عيش بين نوعين من البرامج السردية :
1) برنامج سردي رئيسي (ب س 1) ويمتد بين حالتين الأولى بدئية ويسيميها جريماس التحريك وفيها تبدو الذات
(حميد ) منفصلة عن الموضوع القيمي ( العيش الكريم ) فهذه الذات تتلقى تحريكا من طرف مرسل فتنتقل بذلك من ذات حالة إلى ذات فعل مرورا بالمرحلتين السرديتين الأهلية والإنجاز . فحميد لم يصبح ذا أهمية إلا بعد حصوله على العمل بل إن والديه فكرا في تزويجه وغنو لم تهتم به إلا بعد ان انقدها واكتشفت فيه إنسانا دا رجولة .
2) برنامج سردي مضاد (ب س 2 ) وهو برناج سردي يطرح ضمنيا في الرواية من خلال تتبع الذات /حميد في رحلتها لحاولة العيش . . إلا أن الصراع داخل رواية محاولة عيش يبقى مغيبا بشكل معين فلا يمكننا تتبع سوى رغبة الذات / حميد في تحقيق برنامجها ، فالفقر والجهل والتهميش والقهر والإستغلال كذات مضادة بكونها تحول دون تحقيق رغبة حميد تعمل على الزج به في دائرة الإستسلام والإنحراف فهي تجعل الموضوع ( العيش الكريم ) متصلا بفئة اجتماعية مستغلة لفئة حميد . يقول جريماس : " إن وجود برنامجين سرديين يسمح بإمكانية إظهار هذا البرنامج أو ذاك " (7)
وبذلك فإن البرنامج الذي يسمح الخطاب باظهاره في رواية محاولة عيش هو البرنامج الرئيسي الذي سنحدد من خلاله الأدوار العاملية .
الأدوار العاملية
يحدد جريماس الأدوار العاملية في ست خانات يمكن ان نصنف تحتها الممثلين في محاولة عيش إلى :
1) خانة العامل المرسل ( بكسر السين ) وضمنها نصنف المحرك الأساسي الذي يدفع بالذات نحو تحقيق الموضوع وهي خانة تربطنا في محاولة عيش بالضرورة بمرحلة معينة من البرنامج السردي ، وهي مرحلة التحريك وتجعلنا نتساءل عن عمن يحرك الذات الفاعلة (ذ1) ؟ ليتحدد الجواب من خلال تسجيل مجموعة من العمليات السردية التي تطبق على الذات الفاعلة نفسها فتجعل منها ذاتا تقوم بفعل الإنجاز الرسمي للبرنامج السردي ، هذه العمليات السردية في معظمها عمليات إقناع تخرج إلى جانب الذات الفاعلة دورا عامليا يسمى المرسل :
_ " إلى متى ستظل هكذا ؟ لقد أصبحت رجلا قامتك أطول من قامة أبيك
_ عندما أكبر قليلا سوف أصبح حمالا في الميناء
_ ريثما تكبر تعال لبيع الصحف مثلي " (
" بعد ذلك أصبح حميد يسمع أمه و أباه في كل مساء عندما يعود يتحدثان عن الزواج ، من يتزوج من ؟ فهم فيما بعد أنه المعهني بالأمر " (9)
" هذا جميل كم يتشهاهن في الشارع " ( 10)
فمن خلال هذه الصور ومثلها كثيرة في الرواية يمكن أن نحدد المحرك الأساسي / المرسل الذي يبعث بالذات نحو تحقيق إنجاز معين من أجل الحصول على الموضوع . إلا أن المرسل كما يتضح في الرواية لايتخذ الشكل الإنساني لإنه يتحقق كرغبة في تحقيق العيش حتى وإن لم يكن كريما " أحيانا عندما كان حميد يسمع مثل هذا الكلام يفضل ألا يأكل بتاتا يخرج إلى بائعي التين الشوكي أوبائعي البرتقال أو بائعي البطيخ الأصفر والأحمر ثم ينظم غارة هو وبعض أصدقائه ، فيختطفون أو يسرقون بعض ما يقتاتؤن به " ( 11)
2 ) خانة العامل الذات : إذا كان البرنامج السردي في الحكي يتحقق من خلال الإنتقال من حالة بدئية ( التحريك ) الى حالة نهائية ( الجزاء ) فإن هذه العملية الانتقالية تفرض وجود فاعل / ذات تقوم بتحقيق هذا التحول ويتعلق الامر هنا بدور عاملي تقوم به شخصية حميد ، ويفرض هذا النحول أن تكون الذات قادرة على تحقيق الانجاز متوفرة على مجموعة من الشروط تجعلها منتظمة ضمن مرحلة سردية تسمى الأهلية يرجعها جريماس إلى : رغبة الفعل - قدرة الفعل - معرفة الفعل . فحميد كشخصية فاعلة مندرجة ضمن خانة الذات تبدو من خلال البرنامج السردي الرئيسي مؤهلة على مستوى الرغبة لكنها على مستوى القدرة والمعرفة تعاني من عدة معوقات : " تحامل على نفسه وغادر الميناء . عند أقرب جدار انهار تماما ، مدد ساقيه وألقى بحزمة الصحف جانبا . ثم أجهش بالبكاء " (12)
فحتى على مستوى معرفة الفعل تبدو الذات /حميد غير مؤهلة لوضع خطة لبلوغ مواضيع استعمالية من أجل تحقيق موضوعها القيمي : "فكر أن يسكر هذه الليلة وكل الليالي القادمة " ( 13)
3 )خانة العامل الموضوع : وتشكل الشيء المرغوب فيه . فإذا كان الحكي يكمن في كون ذات تتحرك لكي تكون في اتصال بموضوع ، وإذا كانت الذات لايمكنها أن تتواجد إلا في علاقتها بالموضوع فإن الموضوع الذي تسعى إليه الذات / حميد يتحول إلى شيء أكثر من ملموس قد يتعدى بيع الصحف أو العمل كحمال في الميناء مستقبلا أو الزواج بفيطونة ليصبح محاولة للعيش داخل المجتمع وليس على هامشه .
4 ) خانة العامل المساعد : فالذات / حميد في رحلتها للبحث عن الموضوع القيمي / العيش قد صادفت مجموعة من المساعدين حاولوا أن يسهلوا عليها ذلك ويتعلق الأمر هنا بدور عاملي تقوم به مجموعة من الشخصيات ( السينيغالي الأسود – الضاوي – اليهودية- السي ادريس – اليهودي بائع الدجاج – غنو - .والدا حميد.)
5 ) خانة العامل المعيق : فلم تكن الذات في رحلتها للبحث عن العيش لتجد طريقها خالية من المصاعب والعراقيل ، فكما صادفت مساعدين قد صادفت أيضا معيقين . هذا العامل المعيق يمكن حصره فيما يلي :
*شكل إنساني : حراس البواخر – حارس الميناء – الشرطي – الجنود الأمريكيون – السي ادريس – المقدم لحسن والد حميد – فيطونة ..
*شكل غير إنساني : الفقر – الجهل – التهميش – الإستغلال - الإحتقار ..
6 ) خانة العامل المرسل إليه : فالحديث عن المرسل إليه كعامل ثان يدخل في علاقة الإبلاغ القائمة بين مرسل سبق تحديده ومرسل إليه يستفيد من الموضوع الذي تسعى الذات إلى تحقيقه يربطنا بمرحلة الجزاء . إلا أن هذه المرحلة السردية (النهائية ) في محاولة عيش لا تطرح تحولا بالنسبة للحالة التي كانت عليها الذات في مرحلة التحريك ، فواقع حميد لم يتغير نحو الأفضل بل ازداد سوءا باندفاعه في اتجاه الإستسلام والانحراف ليعيش غائبا ومغيبا عن الواقع " ثم ضغط على الدواسين بقوة لكي يسرع ، سوف يشرب ويشرب وسوف ينام نوما عميقا ..." (14) .وبذلك يصعب تحديد مرسل إليه مستفيد من البرنامج السردي في الرواية ، الشيء الذي يجعلنا نحكم على الذات بأنها لم تتجاوز مرحلة الأهلية في السرد إلى مرحة الإنجاز بالشكل الذي يجعلها قادرة على الانتقال من امتلاك موضوع استعمالي (العمل - ولوج عالم النساء /غنو ) إلى تحقيق موضوع قيمي هو العيش الكريم كإنسان في مجتمع تعاني أكثريته من الفقر والتهميش .
ذ – عبدالله مهداوي – خنيفرة جريدة الصباح المغربية
دراسة سيميائية لرواية محاولة عيش
رواية "محاولة عيش" كوثيقة أدبية برصدها لحياة الطفل "حميد " من خلال تتبعها دخوله مغامرة المحاولة ، أن تكون شاهدة على مرحلة تاريخية و اجتماعية لمدينة القنيطرة ،إنها المرحلة التي تميزت بتواجد الأمريكيين المقيمين في القاعدة الأمريكية بنفس المدينة ، وما أشاعه تواجدهم من انحلال أخلاقي ،إلى جانب تفشي ظاهرة الفقر في الأحياء القصديرية ،وما نتج عن ذلك من ارتماء في أحضان الانحراف والاستسلام للواقع المرير. والرواية في تصويرها لهذا الواقع من خلال تتبع شخصية حميد في محاولة العيش توظف عددا لابأس به من الشخوص يتفاوتون في الأهمية حسب مواقعهم في المتن الحائي يمكن جردهم كخطوة أولى لتناول البنية التي يندرجون تحتها على المستويات التالية : –موقع الراوي من المتن الحكائي – طريقة عرض وتقديم الشخصيات – أنماط الشخصيات – – تحديد البطل – النموذج العاملي
[الشخصيات المشاركة
- حميد 2- أم حميد 3- الحسن (والد حميد) 4 – رفاق حميد 5 – باعة الصحف 6حارس الباخرة ( أ) 7 –الحمال 8 –حارس الباخرة (ب) 9 - حارس الميناء 10)السينيغالي11- الضاوي 12 -– السي إدريس (رئيس حميد ) 13 –اليهودي بائع الدجاج 14 -رجال الأمن 15- رئيس المحكمة 16 – سكان الأحياء القصديرية 17- مقدم الحي 18– الأخ الأصغر لحميد 19 – الأخ الثاني لحميد 20 – الجنود الأمريكيون 21 – الرقيق الأبيض 22 –أطفال مشردون 23 –المرأة اليهودية 24– النادل 25 – صديقا الحسن 26 –البقال 27– غنو 28 – فيطونة 29 – أم فيطونة 30 – أخ فيطونة 31-الجارات .
فمحمد الزفزاف من خلال توظيفه لهذا العدد من الشخصيات لم تكن غايته كما يبدو السير بالفعل الى الأمام من أجل تعقيد الأزمة ( الحبكة ) أو حلها كما هو الشأن بالنسبة لبعض كتاب القصة ، وإنما كانت غايته إضفاء الواقعية على عمله الروائي
فإذا كان القارئ يذهب إلى اعتبار بعض الشخصيات مجرد حشو ملأ به الكاتب بعض فصول الرواية ، لاتلعب أي دور على مستوى الأحداث ، إلا أن هذه الشخصيات ليس وجودها اعتباطيا وإنما لها وظيفتها الروائية كعلامة وليس ككائن فقط. فالشخصية بمفهومها السميائي عبارة عن لانجد معناه في المعجم وإنما يتم الكشف عنه من خلال السياق الذي يقع فيه .
[الراوي
إذا كان العديد من الدارسين يعتبرون الراوي لايختلف عن الكاتب باعتباره يخلق الرواية ،لذلك فهو عالم بكل الشخصيات ولا يمتزج بها ، فإن المنهج السميائي المتبنى في هذا التحليل ينطلق أساسا من التمييز بين الراوي والكاتب باعتبار الأول واحدا من شخصيات القصة بدليل أنه قد يكون أحيانا مشاركا في الأحداث ، وبالتالي فهو شخصية خيالية لا وجود لها في الواقع الخارجي فليس الراوي هو الذي يكتب ويؤلف لأن واقع الرواية بما في ذلك الشخوص ينتمي إلى عالم متخيل قد يختلف عن عالم الكاتب . وهكذا يصبح الراوي الغائب ( الغير مشارك ) في محاولة عيش شخصية لها وجودها الخاص كباقي الشخصيات المشاركة "إنه وهمي ولكنه بين هذه الجماعة من الأشخاص الوهميين ، وكلهم يعتبرون من طبعا من ضمائر الغائب1
إلا أن الراوي في محاولة عيش لايكتفي فقط بتتبع الأحداث و الشخصيات وإنما يحاول من حين لآخر أن يعلن عن تموقعه في الرواية من خلال التميز عن كل الشخصيات وإن لم يكن مشاركا ويوحي بطبيعتة كشخصية مميزة ، ويتمثل ذلك على مستوى تدخله في سرد الأحداث من جهة ، واستباقها أحيانا إلى درجة التنبؤ بها قبل وقوعها ،مما يؤهله لمعرفة تطور الحكاية ومصير شخصية حميد . ( عرف حميد فيما بعد أن تلك هي الحقيقة وأن الضاوي لم يكن يكذب عليه ) الفصل 2 ص21 ( وقد فهم حميد فيما بعد لماذا لماذا كانت تفعل ذلك ..)ف11 ص83
كما يتمثل ذلك على مستوى السيطرة على شخصيات الرواية وإنطاقها بلغته فرضا لوجوده كسارد ،لكنه ليس من طبقة حميد أو الضاوي أو غنو ولا حتى السي إدريس .
مستويات تقديم الشخصيات
وهنا لابد من التمييز بين مفهومي العرض والتقديم ، فالأول يتناول كيفية ظهور الشخصيات على سطح الرواية في حين يهتم التقديم بكيفية التعريف بها. وأما على مستوى العرض فتخضع شخصيات "محاولة عيش " إلى طريقتين :
*العرض المباشر : وتتمثل في استهلال السرد بالحديث عن الميناء وبعض الشخصيات العاملة به ( حراس البواخر – رفاق حميد – حميد –الحمال –حارس الميناء ) ثم الانتقال إلى الحديث عن البراريك القصديرية (السكان _ لحسن والد حميد – زوجته ...)
*الغرض المؤجل : ذلك أن الراوي إذا كان قد عرض بعض الشخصيات مباشرة قبل أن تأخذ الأجداث سيرها فإنه لم يتبع نفس الطريقة في عرض باقي الشخصيات التي لايمكن للقارئ معرفتها إلا من خلال مسايرته لتطور الفعل من خلال إدماج متتابع لشخصيات جديدة ( الضاوي –السي ادريس –المقدم –غنو – فيطونة ..)
وإذا كانت رواية 'محاولة عيش 'تخضع لما يسمى الرؤية من الخارج فإن تقديم شخصياتها يحدد على مستويين كذلك :
مستوى خارجي حيث يتم التعريف بالشخصيات وتقديمها من طرف الراوي ، ومستوى داخلي حيث تعمل الشخصيات المشاركة على التعريف بنفسها أو بغيرها معتمدة في ذلك على الحوار .
أما المستوى الأول (الخارجي ) فيرتبط أساسا بالعلاقة القائمة بين الراوي وباقي الشخصيات .فالراوي كما سبقت الإشارة يعرف الكثير عنها ، فبالرغم من كونه يستعمل ضمير الغائب محاولا أن يخلق مسافة بينه وبين شخصيات الرواية إلا أنه لايستطيع أن يمنع نفسه من أي تدخل :"وقال الوغد الذي ولد وتربى في ماخور"(الفصل 1 ص 16) فهو لايكتفي بالوصف المحايد المتمثل في وصف الشخصيات انطلاقا من المظهر الخارجي (الأفعال والحركات ) بل يبحث لكل شيء عن تفسير معتمدا في ذلك التوغل في الشخصية "لم يرد حميد أن يعنفها ، قال بنفسه نعم ولكنه كان يعرف ما سيفعل "( الفصل 3 ص 28)
أما على الستوى الثاني (الداخلي ) فكل شخصية تزودنا بمعلومات كافية حول الآخرين بقدر ما تزودنا بمعلومات كافية حول نفسها أيضا ، لأن أي تصرف منها يعتبر رد فعل عن صورة الآخر ، وبذلك يحتل الحوار مكانة هامة في الكشف عن الشخصيات المشاركة في رواية محاولة عيش ومن ذلك :
قال الضاوي : إلى متى ستظل هكذا ؟ لقد أصبحت رجلا .قامتك أطول من قامة أبيك .(الفصل 2 ص19)
يسأل السي ادريس حميد : - كم عمرك ؟ -ست سنوات .....- هل تدخن ؟ - لا - هل تسكر ؟ -لآ ( ف2 ص22 )
يقول الحسن في حوار مع زوجته : - اتقي الله يا ولية ، أنا لاأحب القمار . –تكذب علي كما لو كنت لاأعرفك (ف3 ص28 )
تقول غنو : لآيهم فعلها ولد الرايس فهربت بنفسي (ف10 ص80 )
أنماط الشخصيات :
يرى فيليب هامون ( 2) أن الرواية باعتبارها إرسالية تتحدد كمركب من العلامات اللغوية من ثلاثة أصناف : *علامات مرجعية - *علامات واصلة – * علامات استذكارية
وكل نموذج من هذه العلامات الثلاثة يمكن أن يحيلنا بالتتابع على ثلاثة أنماط من الشخصيات في رواية محاولة عيش
1) الشخصيات المرجعية : وضمنها نجد الشخصيات التي تخلق مصادفتها في النص لذى القارئ عملية تذكر أو إسقاط ونمثل لها بالجنود الأمريكان – حراس الميناء – رجال الشرطة - السي ادريس .وهي شخصيات تحمل في دلالتها ماتحمله من معاني استغلال وتسلط .وقد تكون شخصيات تحيل على طبقة اجتماعية معينة . ( سكان البراريك – الضاوي – حميد – غنو -الحسن – فيطونة – غنو ...)
2) الشخصيات الواصلة ، وهي الشخصيات التي تكون بمثابة علامات على حضور السارد ويمكن ان نمثل لها بشخصية حميد ، هو وإن كان شخصية اجتماعية فهو أيضا علامة على حضور السارد في الرواية نتيجة تركيز اهتمام هذا الأخير عليه كشخصية محورية .
3) الشخصيات الإستذكارية ، ولايتم فهم هذه الشخصيات إلا بواسطة إرجاعها الى النص كنتاج سردي وتعمل على مساعدة القارئ بواسطة الوظائف التي تقوم بها ،إما بزرع إمارات أو تفسيرها ( السينيغالي الأسود –رفاق حميد –اليهودية –بائعو الصحف –النادل - الراقصة – المقدم -أصدقاء الحسن -أم فيطونة - .....)
[شخصية البطل:
تختلف كيفية تحديد البطل حسب المهتمين بدراسة العمل السردي ففلاديمير بروب مثلا يرى أن البطل يتحدد من خلال المعيار الوظيفي أي حسب دائرة الفعل التي يعمل فيها ،في حين يرى توماشوفسكي " أن الشخصية التي تتلقى المسحة العاطفية الأكثر حيوية تسمى البطل ،وهي الشخصية التي تستثير التأثر والتعاطف والفرح والحزن لذى القارئ " (3) لكن هل االاستثارة العطفية وحدها كافية للكشف عن حميد كبطل في "محاولة عيش " ؟ علما أن الدلالة العامة للرواية ترتبط بجميع الشخصيات الرئيسية وليس بشخصية حميد وحدها . لكن الراوي من خلال تعامله مع كل الشخصيات الرئيسية يجعل حميد يحتل مكانا مركزيا ويطرح مشكلة درجة بالنسبة للآخرين على حد تعبير فيليب هامون . فالبطل لايتحدد إلا من خلال عدد من الثوابث ، من بينها :
1) الأوصاف التفاضلية : فعلى الرغم من كون كل الشخصيات تتحدد على مستوى الفقر والجهل والتهميش والاستسلام الا ان تحديد شخصية جميد موسوم بالمغالاة ا" البطل شخص كالآخرين مع إضافة واحدة ،ظاهرة مغالاة " ( 4)
2) التوزيع التفاضلي :ويتعلق الأمر بملاحظتين اساسيتين نجملهما كالتالي :
-* يعتبر حميد أكثر الشخصيات ظهورا في الرواية (في كل فصولها )
-* درجة اهتمام الراوي بشخصية جميد فهو يتتبعها من ألفصل الأول إلى الأخير.
3)الاستقلال التفاضلي : وفيه توضع شخصية حميد في المقارنة مع باقي الشخصيات على مستوى التصرف بالحوار والتنقل في المكان . فعلى مستوى الحوار تعتبر شخصية حميد أكثر الشخصيات تصرفا به من غيرها . أما على المستوى الثاني فحميد أيضا أكثر الشخصيات حرية في التنقل لذلك فالراوي يتتبعه في الميناء والبارات والمقهى والبيت وفي بيت غنو ...
[النموذج العاملي[]
يتطلب تصنيف شخصيات رواية محاولة عيش حسب أدوارها العاملية تحديد النقطة التي يتقاطع فيها المستويان السردي والخطابي ، أو ما يمكن تسميته بنقطة الالتقاء بين البنيات السردية ( البرامج السردية ) التي من خلالها يتم الكشف عن الأدوار العاملية والبنيات الخطابية (المسارات التصويرية ) الني ينم تحويلها إلى إلى أدوار تيمية . هذه النقطة الالتقائية داخل العمل السردي تتشكل من الممثلين " فالممثل يشكل صورة حاملة في نفس الوقت لدور أولمجموغة من أدوار عاملية تحدد وضعا معينا داخل برنامج سردي ، ولأدوار تيمية تحدد انتماءه لمسار أوعدة مسارات تصويرية " ( 5
وبذلك يصبح من الضروري التمييز بين البرنامج السردي والمسار التصويري فالأول يعرف كتتابع لعمليات محولة للحالات والثاني يكلف بإبراز هذه العمليات داخل الرواية . إلا أننا ونحن نعمل على كشف العلاقات العاملية التي ينتظم في وفقها ممتلو رواية محاولة عيش لابد من العودة الى البرنامج السردي للرواية حتى يتسنى لنا التأكيد " ان التمييز بين الشخصية والدور العاملي أساسي بالنسبة للتحليل السميائي للنصوص ، فنفس الممثل (الشخصية الفاعلة ) يمكن أن يقوم بعدة أدوار ، كما أن دورا عامليا واحدا يمكن أن يقوم به أشخاص مختلفون عديدون ""(6)
البرنامج السردي في الرواية :
فإذا كان البرنامج السردي هو تلك السلسلة من الحالات والتحولات التي ترتبط فيما بينها انطلاقا من قاعدة علائقية ما بين الذات (ذ) والموضوع (م) فإنه لاماحلة من التمييز في محاولة عيش بين نوعين من البرامج السردية :
1) برنامج سردي رئيسي (ب س 1) ويمتد بين حالتين الأولى بدئية ويسيميها جريماس التحريك وفيها تبدو الذات
(حميد ) منفصلة عن الموضوع القيمي ( العيش الكريم ) فهذه الذات تتلقى تحريكا من طرف مرسل فتنتقل بذلك من ذات حالة إلى ذات فعل مرورا بالمرحلتين السرديتين الأهلية والإنجاز . فحميد لم يصبح ذا أهمية إلا بعد حصوله على العمل بل إن والديه فكرا في تزويجه وغنو لم تهتم به إلا بعد ان انقدها واكتشفت فيه إنسانا دا رجولة .
2) برنامج سردي مضاد (ب س 2 ) وهو برناج سردي يطرح ضمنيا في الرواية من خلال تتبع الذات /حميد في رحلتها لحاولة العيش . . إلا أن الصراع داخل رواية محاولة عيش يبقى مغيبا بشكل معين فلا يمكننا تتبع سوى رغبة الذات / حميد في تحقيق برنامجها ، فالفقر والجهل والتهميش والقهر والإستغلال كذات مضادة بكونها تحول دون تحقيق رغبة حميد تعمل على الزج به في دائرة الإستسلام والإنحراف فهي تجعل الموضوع ( العيش الكريم ) متصلا بفئة اجتماعية مستغلة لفئة حميد . يقول جريماس : " إن وجود برنامجين سرديين يسمح بإمكانية إظهار هذا البرنامج أو ذاك " (7)
وبذلك فإن البرنامج الذي يسمح الخطاب باظهاره في رواية محاولة عيش هو البرنامج الرئيسي الذي سنحدد من خلاله الأدوار العاملية .
الأدوار العاملية
يحدد جريماس الأدوار العاملية في ست خانات يمكن ان نصنف تحتها الممثلين في محاولة عيش إلى :
1) خانة العامل المرسل ( بكسر السين ) وضمنها نصنف المحرك الأساسي الذي يدفع بالذات نحو تحقيق الموضوع وهي خانة تربطنا في محاولة عيش بالضرورة بمرحلة معينة من البرنامج السردي ، وهي مرحلة التحريك وتجعلنا نتساءل عن عمن يحرك الذات الفاعلة (ذ1) ؟ ليتحدد الجواب من خلال تسجيل مجموعة من العمليات السردية التي تطبق على الذات الفاعلة نفسها فتجعل منها ذاتا تقوم بفعل الإنجاز الرسمي للبرنامج السردي ، هذه العمليات السردية في معظمها عمليات إقناع تخرج إلى جانب الذات الفاعلة دورا عامليا يسمى المرسل :
_ " إلى متى ستظل هكذا ؟ لقد أصبحت رجلا قامتك أطول من قامة أبيك
_ عندما أكبر قليلا سوف أصبح حمالا في الميناء
_ ريثما تكبر تعال لبيع الصحف مثلي " (
" بعد ذلك أصبح حميد يسمع أمه و أباه في كل مساء عندما يعود يتحدثان عن الزواج ، من يتزوج من ؟ فهم فيما بعد أنه المعهني بالأمر " (9)
" هذا جميل كم يتشهاهن في الشارع " ( 10)
فمن خلال هذه الصور ومثلها كثيرة في الرواية يمكن أن نحدد المحرك الأساسي / المرسل الذي يبعث بالذات نحو تحقيق إنجاز معين من أجل الحصول على الموضوع . إلا أن المرسل كما يتضح في الرواية لايتخذ الشكل الإنساني لإنه يتحقق كرغبة في تحقيق العيش حتى وإن لم يكن كريما " أحيانا عندما كان حميد يسمع مثل هذا الكلام يفضل ألا يأكل بتاتا يخرج إلى بائعي التين الشوكي أوبائعي البرتقال أو بائعي البطيخ الأصفر والأحمر ثم ينظم غارة هو وبعض أصدقائه ، فيختطفون أو يسرقون بعض ما يقتاتؤن به " ( 11)
2 ) خانة العامل الذات : إذا كان البرنامج السردي في الحكي يتحقق من خلال الإنتقال من حالة بدئية ( التحريك ) الى حالة نهائية ( الجزاء ) فإن هذه العملية الانتقالية تفرض وجود فاعل / ذات تقوم بتحقيق هذا التحول ويتعلق الامر هنا بدور عاملي تقوم به شخصية حميد ، ويفرض هذا النحول أن تكون الذات قادرة على تحقيق الانجاز متوفرة على مجموعة من الشروط تجعلها منتظمة ضمن مرحلة سردية تسمى الأهلية يرجعها جريماس إلى : رغبة الفعل - قدرة الفعل - معرفة الفعل . فحميد كشخصية فاعلة مندرجة ضمن خانة الذات تبدو من خلال البرنامج السردي الرئيسي مؤهلة على مستوى الرغبة لكنها على مستوى القدرة والمعرفة تعاني من عدة معوقات : " تحامل على نفسه وغادر الميناء . عند أقرب جدار انهار تماما ، مدد ساقيه وألقى بحزمة الصحف جانبا . ثم أجهش بالبكاء " (12)
فحتى على مستوى معرفة الفعل تبدو الذات /حميد غير مؤهلة لوضع خطة لبلوغ مواضيع استعمالية من أجل تحقيق موضوعها القيمي : "فكر أن يسكر هذه الليلة وكل الليالي القادمة " ( 13)
3 )خانة العامل الموضوع : وتشكل الشيء المرغوب فيه . فإذا كان الحكي يكمن في كون ذات تتحرك لكي تكون في اتصال بموضوع ، وإذا كانت الذات لايمكنها أن تتواجد إلا في علاقتها بالموضوع فإن الموضوع الذي تسعى إليه الذات / حميد يتحول إلى شيء أكثر من ملموس قد يتعدى بيع الصحف أو العمل كحمال في الميناء مستقبلا أو الزواج بفيطونة ليصبح محاولة للعيش داخل المجتمع وليس على هامشه .
4 ) خانة العامل المساعد : فالذات / حميد في رحلتها للبحث عن الموضوع القيمي / العيش قد صادفت مجموعة من المساعدين حاولوا أن يسهلوا عليها ذلك ويتعلق الأمر هنا بدور عاملي تقوم به مجموعة من الشخصيات ( السينيغالي الأسود – الضاوي – اليهودية- السي ادريس – اليهودي بائع الدجاج – غنو - .والدا حميد.)
5 ) خانة العامل المعيق : فلم تكن الذات في رحلتها للبحث عن العيش لتجد طريقها خالية من المصاعب والعراقيل ، فكما صادفت مساعدين قد صادفت أيضا معيقين . هذا العامل المعيق يمكن حصره فيما يلي :
*شكل إنساني : حراس البواخر – حارس الميناء – الشرطي – الجنود الأمريكيون – السي ادريس – المقدم لحسن والد حميد – فيطونة ..
*شكل غير إنساني : الفقر – الجهل – التهميش – الإستغلال - الإحتقار ..
6 ) خانة العامل المرسل إليه : فالحديث عن المرسل إليه كعامل ثان يدخل في علاقة الإبلاغ القائمة بين مرسل سبق تحديده ومرسل إليه يستفيد من الموضوع الذي تسعى الذات إلى تحقيقه يربطنا بمرحلة الجزاء . إلا أن هذه المرحلة السردية (النهائية ) في محاولة عيش لا تطرح تحولا بالنسبة للحالة التي كانت عليها الذات في مرحلة التحريك ، فواقع حميد لم يتغير نحو الأفضل بل ازداد سوءا باندفاعه في اتجاه الإستسلام والانحراف ليعيش غائبا ومغيبا عن الواقع " ثم ضغط على الدواسين بقوة لكي يسرع ، سوف يشرب ويشرب وسوف ينام نوما عميقا ..." (14) .وبذلك يصعب تحديد مرسل إليه مستفيد من البرنامج السردي في الرواية ، الشيء الذي يجعلنا نحكم على الذات بأنها لم تتجاوز مرحلة الأهلية في السرد إلى مرحة الإنجاز بالشكل الذي يجعلها قادرة على الانتقال من امتلاك موضوع استعمالي (العمل - ولوج عالم النساء /غنو ) إلى تحقيق موضوع قيمي هو العيش الكريم كإنسان في مجتمع تعاني أكثريته من الفقر والتهميش .
ذ – عبدالله مهداوي – خنيفرة جريدة الصباح المغربية