التجديد في الشعر العربي
إن الخطوات الوئيدة التي سار بها التجديد في الشعر العربي،
على سمت عصوره المختلفة، أخذت تسرع في السنوات القليلة الماضية بحيث تثير
هذه السرعة ضروباً من الدهشة والتساؤل والبحث حول ما يكمن وراءها من أسباب
فكرية وفنية ونفسية واجتماعية.
ولا شك أنه منذ بدأت حركة التجديد الحديثة في هذا الشعر بكسر الأطواق
والأطر التقليدية في الأربعينيات ثار جدل طويل حول قيمة هذه الحركة
التجديدية وجدواها على الشعر وأثرها في استمراره وبقائه واختلف في قضايا
التجديد جمهور النقاد ومؤرخو الأدب وكل من يهمهم أمر هذا الفن القولي
الرفيع حتى الشعراء أنفسهم وقفوا من هذه القضايا مواقف شتى بين رافض ومؤيد
ومعتدل ومنتظر .
ولنا أن نتساءل ..كيف ظل الشعر العربي جامداً هذه القرون الطويلة منذ هلهل
القريض المهلهل بن ربيعة حتى أيامنا هذه؟ وهل لذلك علاقة بالأصول
التاريخية والظروف النفسية والاجتماعية؟
الواقع الذي لا مراء فيه أن الشعر العربي صورة فنية تعكس تاريخ هذه الأمة
العربية وظروفها الحضارية والنفسية المختلفة وأنه ما دام التاريخ يحدثنا
بأن هذه الأمة لم تكن جامدة وأن ظروفها لم تكن ثابتة فان الشعر أيضاً لم
يكن جامداً ولا ثابتاً في يوم من الأيام و نحن لا نتعرض هنا للمضمون
بطبيعة الحال لأنه لا يستقر ولا يهدأ مهما كانت الظروف وان كنا نمس هذا
المضمون بقدر ما يؤثر على الصورة الإيقاعية والموسيقية للشعر وهذه الصورة
الأخيرة هي التي تعرضت في هذا العصر لأكبر هزة شهدها الشعر العربي في
تاريخه الطويل.
وفي لمحة عابرة راسية في هذا التاريخ نجد أن الصورة الموسيقية تنوعت بين
الرجز والتشطير والتقطيع والتقسيم واستحداث البحور فالتربيع والتخميس
والتسديس وسائر صور الموشحات وتنويع القوافي في القصيدة الواحدة ومن وحدة
البيت إلى وحدة الجزء أو وحدة القسم فوحدة القصيدة .
وينبغي أن نشير إلى حقيقة مهمة في الفنون القولية العربية وهي أن العربي
القديم مغرم إلى حد بعيد بالإيقاع الموسيقي فيما ينطقه ويعبر به من فنون
الكلام ويبدو هذا في الشعر وفي النثر جميعاً وإذا نظرنا إلى الخطب
والأمثال وسجع الكهان والمقامات والرسائل نجدها نماذج من الإيقاع الفني
العالي فهذا الغرام بالموسيقا ليس ظاهرة سطحية أو شكلية في طبيعة العربي
وطبعه وإنما هي صفة جوهرية لازمة عميقة المدى بعيدة الغور تملك عليه حسه
وشعوره وتفكيره وخياله بحيث تهز وجدانه وكيانه هزاً عنيفاً يتجلى في لغة
قوله وأسلوبه البياني .
والتفسير الطبيعي لهذه الصفة القوية اللازمة لا يكمن في الظروف الاجتماعية
والاقتصادية والنفسية المتغيرة بقدر ما يكمن في قوة اللغة واتساعها ورهافة
حسها وان كان لذلك كله دلالات وأسباب تتعلق بالظروف المذكورة باعتبار أن
اللغة صدى للوعي الإنساني في تجاربه وخبراته وآماله والإنسان وليد، في ذلك
كله ، لظروف البيئة في أوسع معانيها.
وكل محاولات التجديد التي حدثت على مر العصور لم تنظر إلى اللغة على أنها
عائق يحول دون الاستمرار في قول الشعر مع تغير الصور والأخيلة والمعاني
والمضامين جميعاً من عصر إلى عصر ومن بيئة إلى أخرى وإنما ركز التجديد في
اتجاهاته على الموضوع والأسلوب والصياغة ونظام القصيدة ونسقها وترتيبها
ونماذج من صور الإيقاع التي لا تنفك عن الموسيقا القوية الطبيعية في اللغة
وفي الإنسان الناطق بهذه اللغة.
وطبيعي أن ينسب كل تغير لاسيما في الأدب إلى التطور الحضاري بأبعاده
المختلفة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والنفسية ، وقد حدثت تطورات
حضارية في تاريخ الأمة العربية فكان من الطبيعي أن يحدث تغيير في مضامين
الشعر وأنماطه بما يلائم عمق التطور واتساعه من جيل إلى جيل ومن بيئة إلى
أخرى.
وقد أثر الإسلام – باعتباره عنصراً حضارياً فذاً ومناخاً ثقافياً عقلياً
ووجدانياً جديداً – على الصور الموسيقية بما فيها من ضخامة وصخب فهدهدها
وطمأن من حدتها وهذب سورتها، واعتمدت الصور الموسيقية في الأغلب بعد مجيء
الإسلام على الإيقاع الهادئ العاقل الرزين ويتضح هذا بجلاء في موسيقا شعر
المخضرمين أمثال حسان بن ثابت والخنساء وكعب والحطيئة وغيرهم .
وكما أثر الإسلام في النفوس برقة أسلوبه وسماحته وبساطته و بالتالي في
إيقاعات الشعراء الموسيقية فان بيئات شعرية بعد هذا اتسمت بالترف والنعمة
والمرح والغناء وكثرة الرقيق – في مقدمتها مكة والمدينة – كان لها أثر
واضح على موسيقا الشعر إذ اعتمدت على الإيقاعات الرقيقة الناعمة التي توفر
التطريب في اللحن والغناء وعمد الشعراء إلى الأوزان الخفيفة المرحة
كالوافر والسريع والخفيف والرمل والمتقارب والهزج في نظام قريضهم بل عمدوا
إلى ما هو أكثر من ذلك في التخفيف من الأطر الموسيقية التقليدية حين خففوا
أوزاناً خفيفة كالرمل والخفيف والمتقارب .
غير أن التغيير الذي أصاب موسيقا الشعر فيما مر كان دقيقا بحيث يحتاج إلى
تأمل عميق وأناة وإنصات وشيء من الاستغراق .. أما النقلة الواسعة التي
أصابت موسيقى الشعر بتغير أكبر و ظهور أشد فقد حدثت فيما يمكن أن نسميه
عصر الثقافة العربية على يد طائفة من الشعراء رفضوا النظام القديم للقصيدة
بمقدمتها الطللية والانتقال بين موضوعات مختلفة من وصف إلى طراد إلى مدح
أو هجاء أو حكمة كما رفضوا بعض الأغراض القديمة واستحدثوا مما تفرضه عليهم
ظروف معيشتهم وبيئتهم موضوعات جديدة تنتسب إلى حياتهم وواقعهم في اللهو أو
الزهد ..في الخمر أو في الوصف الناعم المترف .
ففي العراق تغيرت صورة الحضارة فتغيرت صورة الشعر في المضمون وفي الشكل .
وتقدم إلى زعامة التغيير في البصرة بشار وأبو نواس وهما من أصل غير عربي
وتقدمها في الكوفة شاعران عربيا الأصل هما مطيع بن إياس من كنانة ووالبة
بن الحباب من أسد وثالث هو أبو العتاهية النبطي الأصل.
وامتد التغيير إلى غير هؤلاء وأصبحت بغداد باعتبارها مركزاً للتطور الحضاري الثقافي قاعدة الدعوة إلى تغيير الأنماط القديمة للشعر.
وكان الخليل بن أحمد المتوفى سنة ( 170 هـ ) قد وضع البحور الخمسة عشر
المعروفة أوزانها – وزادها الأخفش واحداً هو المتدارك _ واستكمل دوائرها
وزحافها وعللها وكل ما يتصل بالفجوات والمسافات الإيقاعية للشعر في ضوء ما
درس واستقصى من الشعر الموجود حتى عصره ولكن ذوي النزعة التجديدية من
الشعراء لم يحترموا هذا الاستقصاء بل عمدوا إلى الفجوات والمسافات
فاستغلوها في تنويع الموسيقا الشعرية والاتساع في هذا التنويع .وتولدت
أوزان عند نفر من أصحاب الشعر التقليدي على إيقاعات مولدة .
بيد أن أبا العتاهية كان أكثرهم تحدياً للأطر الموسيقية القديمة ولما سئل في هذا التحدي قال: أنا أكبر من العروض
وذكر الصولي أن له أوزانا لا تدخل في أوزان الخليل وللشاعر في ديوانه
قصيدة طويلة تسمى ذات الأمثال تدل على نزوع إلى تحدي القوالب الشعرية
القديمة وكسر الأطر الموسيقية التقليدية وتحطيم الموروثات الشعرية
المتداولة وهي التي فتح بها باب المنظومات التي جاءت مزدوجة تتغير قافيتها
بيتا بعد الآخر أي مع كل بيت .
فإذا كانت موسيقى الشعر العربي لها حدان يضبطان الصورة الإيقاعية فيها
ونقصد بهما الوزن الذي يعتمد على الوحدة الإيقاعية في داخل السطر أو البيت
أي التفعيلة والضابط الآخر هو الحاجز أو الطرف الذي يحكم إغلاق الأسطر أو
الأبيات واحداً بعد الآخر معتمداً على الروي والقافية ..فان أحد هذين
الحدين قد تم كسره منذ قرون طويلة على يد الشعراء الذين ذكرنا طائفة منهم
وعلى يد من جاؤوا بعدهم بنظام الموشحات أو القصائد ذات القوافي المنوعة .
فإذا ينبغي ألا ننسى أن الثورة الحالية على الحاجز الموسيقي للإيقاع لها
جذور قديمة منذ بدأها أبو العتاهية بقافية متغيرة في منظومته ذات الأمثال
وقلده بعض معاصريه في ذلك .
لقد كان ذلك العصر الذي تفتحت فيه نوافذ الحضارة العربية وترعرعت في مناخه عوامل التجديد.
إن الخطوات الوئيدة التي سار بها التجديد في الشعر العربي،
على سمت عصوره المختلفة، أخذت تسرع في السنوات القليلة الماضية بحيث تثير
هذه السرعة ضروباً من الدهشة والتساؤل والبحث حول ما يكمن وراءها من أسباب
فكرية وفنية ونفسية واجتماعية.
ولا شك أنه منذ بدأت حركة التجديد الحديثة في هذا الشعر بكسر الأطواق
والأطر التقليدية في الأربعينيات ثار جدل طويل حول قيمة هذه الحركة
التجديدية وجدواها على الشعر وأثرها في استمراره وبقائه واختلف في قضايا
التجديد جمهور النقاد ومؤرخو الأدب وكل من يهمهم أمر هذا الفن القولي
الرفيع حتى الشعراء أنفسهم وقفوا من هذه القضايا مواقف شتى بين رافض ومؤيد
ومعتدل ومنتظر .
ولنا أن نتساءل ..كيف ظل الشعر العربي جامداً هذه القرون الطويلة منذ هلهل
القريض المهلهل بن ربيعة حتى أيامنا هذه؟ وهل لذلك علاقة بالأصول
التاريخية والظروف النفسية والاجتماعية؟
الواقع الذي لا مراء فيه أن الشعر العربي صورة فنية تعكس تاريخ هذه الأمة
العربية وظروفها الحضارية والنفسية المختلفة وأنه ما دام التاريخ يحدثنا
بأن هذه الأمة لم تكن جامدة وأن ظروفها لم تكن ثابتة فان الشعر أيضاً لم
يكن جامداً ولا ثابتاً في يوم من الأيام و نحن لا نتعرض هنا للمضمون
بطبيعة الحال لأنه لا يستقر ولا يهدأ مهما كانت الظروف وان كنا نمس هذا
المضمون بقدر ما يؤثر على الصورة الإيقاعية والموسيقية للشعر وهذه الصورة
الأخيرة هي التي تعرضت في هذا العصر لأكبر هزة شهدها الشعر العربي في
تاريخه الطويل.
وفي لمحة عابرة راسية في هذا التاريخ نجد أن الصورة الموسيقية تنوعت بين
الرجز والتشطير والتقطيع والتقسيم واستحداث البحور فالتربيع والتخميس
والتسديس وسائر صور الموشحات وتنويع القوافي في القصيدة الواحدة ومن وحدة
البيت إلى وحدة الجزء أو وحدة القسم فوحدة القصيدة .
وينبغي أن نشير إلى حقيقة مهمة في الفنون القولية العربية وهي أن العربي
القديم مغرم إلى حد بعيد بالإيقاع الموسيقي فيما ينطقه ويعبر به من فنون
الكلام ويبدو هذا في الشعر وفي النثر جميعاً وإذا نظرنا إلى الخطب
والأمثال وسجع الكهان والمقامات والرسائل نجدها نماذج من الإيقاع الفني
العالي فهذا الغرام بالموسيقا ليس ظاهرة سطحية أو شكلية في طبيعة العربي
وطبعه وإنما هي صفة جوهرية لازمة عميقة المدى بعيدة الغور تملك عليه حسه
وشعوره وتفكيره وخياله بحيث تهز وجدانه وكيانه هزاً عنيفاً يتجلى في لغة
قوله وأسلوبه البياني .
والتفسير الطبيعي لهذه الصفة القوية اللازمة لا يكمن في الظروف الاجتماعية
والاقتصادية والنفسية المتغيرة بقدر ما يكمن في قوة اللغة واتساعها ورهافة
حسها وان كان لذلك كله دلالات وأسباب تتعلق بالظروف المذكورة باعتبار أن
اللغة صدى للوعي الإنساني في تجاربه وخبراته وآماله والإنسان وليد، في ذلك
كله ، لظروف البيئة في أوسع معانيها.
وكل محاولات التجديد التي حدثت على مر العصور لم تنظر إلى اللغة على أنها
عائق يحول دون الاستمرار في قول الشعر مع تغير الصور والأخيلة والمعاني
والمضامين جميعاً من عصر إلى عصر ومن بيئة إلى أخرى وإنما ركز التجديد في
اتجاهاته على الموضوع والأسلوب والصياغة ونظام القصيدة ونسقها وترتيبها
ونماذج من صور الإيقاع التي لا تنفك عن الموسيقا القوية الطبيعية في اللغة
وفي الإنسان الناطق بهذه اللغة.
وطبيعي أن ينسب كل تغير لاسيما في الأدب إلى التطور الحضاري بأبعاده
المختلفة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والنفسية ، وقد حدثت تطورات
حضارية في تاريخ الأمة العربية فكان من الطبيعي أن يحدث تغيير في مضامين
الشعر وأنماطه بما يلائم عمق التطور واتساعه من جيل إلى جيل ومن بيئة إلى
أخرى.
وقد أثر الإسلام – باعتباره عنصراً حضارياً فذاً ومناخاً ثقافياً عقلياً
ووجدانياً جديداً – على الصور الموسيقية بما فيها من ضخامة وصخب فهدهدها
وطمأن من حدتها وهذب سورتها، واعتمدت الصور الموسيقية في الأغلب بعد مجيء
الإسلام على الإيقاع الهادئ العاقل الرزين ويتضح هذا بجلاء في موسيقا شعر
المخضرمين أمثال حسان بن ثابت والخنساء وكعب والحطيئة وغيرهم .
وكما أثر الإسلام في النفوس برقة أسلوبه وسماحته وبساطته و بالتالي في
إيقاعات الشعراء الموسيقية فان بيئات شعرية بعد هذا اتسمت بالترف والنعمة
والمرح والغناء وكثرة الرقيق – في مقدمتها مكة والمدينة – كان لها أثر
واضح على موسيقا الشعر إذ اعتمدت على الإيقاعات الرقيقة الناعمة التي توفر
التطريب في اللحن والغناء وعمد الشعراء إلى الأوزان الخفيفة المرحة
كالوافر والسريع والخفيف والرمل والمتقارب والهزج في نظام قريضهم بل عمدوا
إلى ما هو أكثر من ذلك في التخفيف من الأطر الموسيقية التقليدية حين خففوا
أوزاناً خفيفة كالرمل والخفيف والمتقارب .
غير أن التغيير الذي أصاب موسيقا الشعر فيما مر كان دقيقا بحيث يحتاج إلى
تأمل عميق وأناة وإنصات وشيء من الاستغراق .. أما النقلة الواسعة التي
أصابت موسيقى الشعر بتغير أكبر و ظهور أشد فقد حدثت فيما يمكن أن نسميه
عصر الثقافة العربية على يد طائفة من الشعراء رفضوا النظام القديم للقصيدة
بمقدمتها الطللية والانتقال بين موضوعات مختلفة من وصف إلى طراد إلى مدح
أو هجاء أو حكمة كما رفضوا بعض الأغراض القديمة واستحدثوا مما تفرضه عليهم
ظروف معيشتهم وبيئتهم موضوعات جديدة تنتسب إلى حياتهم وواقعهم في اللهو أو
الزهد ..في الخمر أو في الوصف الناعم المترف .
ففي العراق تغيرت صورة الحضارة فتغيرت صورة الشعر في المضمون وفي الشكل .
وتقدم إلى زعامة التغيير في البصرة بشار وأبو نواس وهما من أصل غير عربي
وتقدمها في الكوفة شاعران عربيا الأصل هما مطيع بن إياس من كنانة ووالبة
بن الحباب من أسد وثالث هو أبو العتاهية النبطي الأصل.
وامتد التغيير إلى غير هؤلاء وأصبحت بغداد باعتبارها مركزاً للتطور الحضاري الثقافي قاعدة الدعوة إلى تغيير الأنماط القديمة للشعر.
وكان الخليل بن أحمد المتوفى سنة ( 170 هـ ) قد وضع البحور الخمسة عشر
المعروفة أوزانها – وزادها الأخفش واحداً هو المتدارك _ واستكمل دوائرها
وزحافها وعللها وكل ما يتصل بالفجوات والمسافات الإيقاعية للشعر في ضوء ما
درس واستقصى من الشعر الموجود حتى عصره ولكن ذوي النزعة التجديدية من
الشعراء لم يحترموا هذا الاستقصاء بل عمدوا إلى الفجوات والمسافات
فاستغلوها في تنويع الموسيقا الشعرية والاتساع في هذا التنويع .وتولدت
أوزان عند نفر من أصحاب الشعر التقليدي على إيقاعات مولدة .
بيد أن أبا العتاهية كان أكثرهم تحدياً للأطر الموسيقية القديمة ولما سئل في هذا التحدي قال: أنا أكبر من العروض
وذكر الصولي أن له أوزانا لا تدخل في أوزان الخليل وللشاعر في ديوانه
قصيدة طويلة تسمى ذات الأمثال تدل على نزوع إلى تحدي القوالب الشعرية
القديمة وكسر الأطر الموسيقية التقليدية وتحطيم الموروثات الشعرية
المتداولة وهي التي فتح بها باب المنظومات التي جاءت مزدوجة تتغير قافيتها
بيتا بعد الآخر أي مع كل بيت .
فإذا كانت موسيقى الشعر العربي لها حدان يضبطان الصورة الإيقاعية فيها
ونقصد بهما الوزن الذي يعتمد على الوحدة الإيقاعية في داخل السطر أو البيت
أي التفعيلة والضابط الآخر هو الحاجز أو الطرف الذي يحكم إغلاق الأسطر أو
الأبيات واحداً بعد الآخر معتمداً على الروي والقافية ..فان أحد هذين
الحدين قد تم كسره منذ قرون طويلة على يد الشعراء الذين ذكرنا طائفة منهم
وعلى يد من جاؤوا بعدهم بنظام الموشحات أو القصائد ذات القوافي المنوعة .
فإذا ينبغي ألا ننسى أن الثورة الحالية على الحاجز الموسيقي للإيقاع لها
جذور قديمة منذ بدأها أبو العتاهية بقافية متغيرة في منظومته ذات الأمثال
وقلده بعض معاصريه في ذلك .
لقد كان ذلك العصر الذي تفتحت فيه نوافذ الحضارة العربية وترعرعت في مناخه عوامل التجديد.