العشوائية الإيقاعية والتدوير في القصيدة الحديثة
علاء هاشم مناف
z_munaf@yahoo.com
الحوار المتمدن - العدد: 2838 - 2009 / 11 / 23
المحور: الادب والفن
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع Bookmark and Share
البنية الإيقاعية هي صياغات من التماثل الإفتراضي الذي يقع في المجال الأوسع من العروض الشعري، وهي إنعطافة تؤكد مظهراً يتكرر بإطار زمني، وتكون مكوناته وعناصره أداة من العلامات والإشارات الصوتية والموسيقية ، كالأزمنة المشدودة والمتداخلة بكم من الإيقاع بالمعنى الموسيقي للكم وهذا لا يتوفر إلا بإقامة مزدوجين من الكمية تكون العلاقة بينهما تشمل التحديد الواضح والدقيق من حيث عملية الاستغراق الزمني لكل منهما، والمزدوجة هي أيقونة وزنية تشكل أبسط أشكال التغاير الكمي الذي يفترض توفره، وقد تكون عناصر الكم المزدوجة أكثر من طرفي مزدوجة كما في النظرية الموسيقية وهذا المزدوج الثاني الذي يتخذ الشكل الإيقاعي وهو نتاج صورة خالصة من الكم كما قلنا لتحقق الصفاء والخلاصة الكمية على أساس من التعادل بين الوحدات الإيقاعية وهي ناتجة من تركيب عدد من تلك العناصر الكمية وهي بالمقابل لا تستند إلى تلك الترتيبات والمكونات الزمنية ضمن إطار الوحدة المستقلة ولكن القرار التعادلي الكمي يكون بين وحدتين مثال على ذلك:
" " و" " رغم الاختلاف في تركيب النوى.( )
والايقاع كما هو معروف يقع في الجانب الاحتمالي للبنية الايقاعية " المتكررة والمتجاورة" داخل زمنية بنوية متناسبة بالشكل التعاقبي ، ولازال الإيقاع يسير في أطرٍ ضيقة ومحدودة لا يتجاوز الأسس العامة للإيقاع الشعري باعتباره هو المقدمة الحيوية والمهمة التي لا تخلو منه أية لغة كُتب فيها هذا الشعر، والإيقاع يتشكل من إعادة للمنظومة الصوتية المركبة بالمعجم الموسيقي وبالدلالة اللغوية ، ثم يأتي الوزن الموسيقي في حدوده الكمية كما قلنا وبالكيفية المرتبطة زمنياً، ويتم ترشيحها على أساس الرجع والتكرار الذي يحدث في الصدى، فهو إشارة للعناصر التناسبية المتكونة من هذه الخلاصات الايقاعية ، والتأسيس يتم على التكرار المستمر للعناصر المختلفة في LSS, SSL في تركيب النوى( )وإنه نوع من المنظومة العشوائية التي لا تخضع لمتطلبات الذوق الذاتي أحياناً بل تتحقق أحياناً بالشكلية ، من هنا كان للمعنى العروضي مترجماً فعله الإيقاعي على أرض الواقع الشعري . وإن دراسة العروض في الشعر العربي تحول إلى قوالب جاهزة لنمطية تحدد الكم الزمني الذي تستغرقه دلالة المعنى في الشعر وفي حدود المعاني والصور. وكان الابتعاد عن الجانب الجمالي في الايقاع سبب تأخرا في العملية الجوهرية، ومن المعروف في كل اللغات يكون الوعي الشعري متاتٍ من الوعي الايقاعي، فالجزئي هو جزء من الكلي على مستوى العروض داخل الايقاع ، من جهة أخرى فإن البنوية الداخلية للغة الشعرية التي يتم فيها بناء منظومة نحوية راجع إلى البنية اللغوية التي تقوم بتأسيس الجملة المقطعية حسب ما يقرره الايقاع ، كذلك يتأثر التركيب وتطول الجملة المقطعية الشعرية أو تقصر حسب ما تقتضيه الحرية في بناء القصيدة الحديثة التي تتأسس على كم التفعيلات القانونية وفقاً للنمذجة الإيقاعية. من القصائد الطويلة التي تتبنى الأشطر المدوّرة داخل جملة مقطعية طويلة تؤلف شطراً واحداً أو أشطراً يلفها التدوير وهي في حقيقة الأمر إذا نظرنا إليها فهي كلها شطراً واحداً ، وفي الشعر الحديث تكون عملية التدوير عملية اعتباطية تفتقر إلى الاختلاف في الايقاع لأنها خالية من التفاصيل الاستنباطية قياسا إلى العروض العربي ونزولاً إلى الذوق البدائي ، والظروف الجديدة في الطبيعة البيئية البدائية يستوجب أن تتطور الآلية القواعدية لمنظومات الإيقاع العروضي. والعشوائية التدويرية في الشعر الحديث تأخذ منحنيات عديدة ولها أسبابها الموجبة في التشديد على الخلاف في الاشارات الايقاعية لأنها تتحقق بدرجات إعتباطية لسبب بسيط، هو أن القصيدة الحديثة تتحدد بأصطلاحية الشطر الواحد والشطر الواحد من حيث الدرجة النسبية في الإشارة الايقاعية يكون مستقل ولا يمكن تدويّره داخل هذه الأشكالية العروضية عند العرب وهو يتماشى مع معنى الدلالات التدويرية التي تقع في آخر الشطر وهي كلمة قسم منها في الشطر الأول والقسم الآخر في الشطر الثاني ، وهذا بالتحديد يعود إلى القصائد ذات الشطرين . إذن التدويّر عملية تلازم القصائد التي تنظم وفق نمطية الشطرين وبأسلوب القصيدة العمودية مثال ذلك:
قول المتنبي :
وحقوق ترُقّق القَلْبَ للقّلْـ
بِ ولو ضمنتْ قُلُوبَ الجمادِ
هذِهِ دَوْلة المكارمِ والرأ
فةِ والمجدِ والندى والايادي( )
)
وقول الحرث بن حلزة في معلقته:
فَرياض القطا فأودية الشُّرْ
ببِ فالشعبتانََِِ فالأبْلاءُ
مَن لنا عِنده من الخير آيا
تٌ ثلاثُ في كُُلِّهن القضاءُ( )
)
وقول المنخلًّ بن الحرث اليشكري
لا تسألي عن جُلُ ما
لي وآسألي كرمي وخيرْي
وفوارسً كأوارِ حـ
رَّ النَّار أحلاسِ الذُّكُورِ( )
)
إضافة إلى الإطلاق الذي يحصل في عملية التدوّير والذي يبدأ في الشطر التالي بنصف الكلمة كما في الأمثلة أعلاه وهذا لا يجوز في الشطر الواحد إنما ينطبق على البيت الكامل في الشعر العمودي لأشطره، لأنه يبدأ دائماً بكلمة لا بنصفها .ومن خصائص التدوّير في القصيدة الحديثة هو القضاء على القافية .
بين النبر والتدوير
هناك إشكالية تتعلق بالنبر اللغوي كما حصل في اللغة العربية قبل هذا القرن. والنبر الشعري كان قد تجلى عند العرب في الإلقاء قبل هذا القرن كذلك يعزوها بعض الباحثين أن البداية كانت مع الشعر ومع اللغة ، والفرضية الثالثة تقول : إنها بدأت وفق الخصائص الإيقاعية " للقرآن" كانت قد جسدت حقيقة النبر اللّغوي والإيقاعي ، أما النبر الشعري ، فالقرآن لم يكن شعراً وإن ورد موزوناً ، من هنا نريد أن نصل إلى محصلة منطقية بأن نبر القرآن ليس هو النبر الإيقاعي في الشعر إلاّ أن القرآن كان متحداً بألنبر اللّغوي وهذا إحتمال ، وقد طور هذا النبر اللّغوي في إطار الظواهر اللّغوية المختلفة . مثل الأبدال، والإعلال، والقلب، وقد نصل إلى حالة من نمط الأشارات من هذه الظواهر الإيقاعية الصرفة المتعلقة بالنبر وتفاصيله اللغوية وعلاقة كل ذلك" بعملية التدوّير" في القصيدة الحديثة إنطلاقاَ من النبر اللغوي والنبر الشعري ، وهذا يتم تحديده بالتركيب الصوتي وتحليل صيغ المشتق في اللغة العربية وإكتناه كل أفعال العوامل المكتسبة وكل صيغة ذات الارتباط الصميمي بخواص النبر( ) ولنا عودة أخرى إلى هذا الموضوع. والقصيدة الحديثة تجاوزت القيود وتجاوزت النبر اللّغوي والنبر الشعري في الإطالة الإيقاعية ، ويستطيع كاتب القصيدة الحديثة أن يطيل الشطر الإيقاعي دون التدوّير بدلاّ من كتابة شطر ذات ثلاث تفعيلات مدوّرة ليلحقه بثلاثة تفعيلات آخرى بشطر واحد، فإنه يستطيع أن يجمع الشطرين في شطرٍ واحٍد ذي ست تفعيلات وهذا مباح في الشعر الحر والتدوير ليس ملازماً لتلك الإشارات من العبارات الطويلة ، قد تكون العبارة قصيرة ويقوم الشاعر بتدوير البيت الشعري ، والتدوّير لا يتصل بأنماط الطول للعبارات ، فهو يقوم بشطر الكلمات إلى شطرين وكل من هذه الكلمات يضعه في تفعيلة ومن ثم تبدأ المطبات في الأشطر ، وقد تظهر العبارة في منتصف الشطر المدوّر وتنتهي في النصف الثاني ، ثم تبدأ عبارة أخرى في منتصف الشطر المدوّر الثاني ثم تنتهي في الشطر ا الذي يليه، من هنا تكون الصلة مقطوعة بين التدوّير في الطول أو القصر للعبارة( ).
نعود الآن إلى موضوع النبر، النحاة لهم رأي، إن الأمر متعلّق بالنسبة إلى التدوّير بألتركيب الصوتي سواء بالحذف أو في نظائره في عملية النبر في مثال الإبدال، والأعلال، القلب كما قلنا قبل قليل ، هناك إمتحان للنتائج قد تكون وراء هذه الظواهر، منظومة إيقاعية صرفة ترتبط بألنبر وموقفه وموقعه من التدوير وهي قضية الحذف للتفعيلة بدل الإطالة في تفعيلة الشطر واختصارها بدل الشطرين بشطر واحد كما قلنا، وإن أسباب الحذف تعد موضع دراسة في نظائر الأبيات المنبورة سواء بالأفعال أو بالكلمات المنبورة دون ثقل وهو لا يتحقق في النطق دون الثقل الظاهر لأن النبر إثقال وضغط وصعوبة في تحقيق النطق الجزئي ، والخلاصة في هذه القضية هو وضع إنفتاح حتى يقوم الشاعر بإيراد أكثر من ست تفعيلات أو ثمان في الشطر الواحد، إن هذا الموضوع يعطينا نتيجة مفادها أن الصعوبة تكمن في النطق وصعوبة ثقيلة بالإسقاط للإيقاعات ، لأن هذا الاسقاط مرتبط بالتركيب الصوتي وبالجملة المقطعية الشعرية ويؤدي ذلك إلى فقدان الغنائية حدتها وتأثيرها بعد إن تتراكم التفعيلات ولا وقفة عروضية بينها، إضافة إلى تواتر التفعيلات ، وهذا يعد ظاهرة للتواتر بين التفعيلات لأنها تترك أثراً سيئا على المخارج الصوتية ورتابة في الإيقاع( )،في عملية النبر هناك إرتباط بين الصوت المقطعي والمعنى الذي تعبر عنه الكلمة، فالتركيب الصوتي والنبر اللغوي الأول للكلمة ، والنبر في المقطع اللغوي الأول هو ذات دلالة معينة" وإعتبار التركيب الصوتي الثاني لها، والنبر على حدود الكلمة المقطعية في الثاني، ذا دلالة أخرى؟"( ) فالإحالة تكون على مستوى الدلالة ، والاستبدال يتم وفق المستوى النحوي ، والإحالة تتعلق بدلالة التفعيلة وهي العماد اللغوي وصيغة خاصة تتحقق " بالضمائر واسماء الأشارة والفاظ المقارنة التي أعتبرت خطأ من الإحالة "رغم إن الاستبدال ظاهرة نحوية فهي محكومة بقواعد نحوية ووزنية إيقاعية، وهي تستند إلى نظرية النحو النظامي الوزني، والاستبدال الوزني يتحقق بشروط المطابقة بين المستبدِل ، والمستبدَل منه وهو خلاف الإحالة النحوية في البيت الشعري القديم المستند إلى الشطرين، ويتم إشتراك شطراه في كلمة واحدة بحيث يكون بعضها في الشطر الأول ويكون جزء الكلمة الباقي في الشطر الثاني ، وأن العلاقة المحورية هذه تستند إلى قيمة الاستبدال في اجزاء النص الشعري في القصيدة الحديثة ، فتمثيل الإيقاع يؤكد العلاقة بين عمليتا الإستبدال لأنها علاقة فنية إيقاعية تتعلق بين عناصر النص الشعري وتفعيلاته وموسيقاه( ).
التدوير في شعر حسب الشيخ جعفر
لقد كان النمط المفيد من زيادة عدد التفعيلات في الشطر الواحد، وغالباً ما يوصف "بأنماط الإشارات الإيقاعية" وتقوم هذه المنظومة من العلاقات على قاعدة" حامل الإشارة ومدلولها إيقاعياً" وفق الإنموذج المفتوح للتفعيلات دون قيود ولكن وفق الشروط القانونية للإيقاع أي ان النظام الأيقاعي A يحقق الشرط واحد ولا يحقق الشرط 2 فإن وصفه بأنه كميّ هو وصف غير دقيق ويكون غامض الدلالة . ذلك إن الكمية في التعريف القانوني هي إصطلاح موسيقي ثابت في دلالته، وليس من الدقة القانونية إطلاق هذا الاصطلاح على ظاهرة لا تحقق الشروط الواجبة في الكمية ضمن التأليف الموسيقي، والدلالة الدقيقة للمصطلح "كمي" حين نطلق على المنظومة A لا تتجاوز كون المنظومة تقع داخل خصوصية جذرية للمكونات الصوتية للغة حيث تكون مقاطعها هو الاستغراق الزمني في خلق الازدواجية الايقاعية الاختلافية التي تشكل الأساس التجذيري للانتظام النغمي في الشعر، ويتم وصف خاصية ذلك الاستغراق الذهني في هذه الحالة ، بأنها تقع في الخاصية الكمية المكونات اللغوية تميزها عن الخاصية الكيفية الأخرى لهذه المكونات ( ) في العروض الشعري التقليدي ، ولكن أساس التنوع في أعداد التفعيلات من الواحدة إلى العشر ولكن في الشعر العربي القديم تكون الأشطر ذات خمس تفعيلات والشعر العربي وعبر مختلف مراحله التاريخية لم يعرف الشطر ذات التفعيلات الخمس ، إنما كان التمثيل في الشطر يكون بتفعيلتين كما في : الهزج ، والمجتث ، والمضارع ، أو يكون أستخدامه لثلاث كما في الرجز، والرمل، والكامل، أو من أربع كما في الطويل، والبسيط ، والمتقارب ، والخبب، وعند هذا وقف الشاعر العربي ولم نقرأ له شطراً في خمس تفعيلات ، وأما في المجزوء فإن طول الشطر لم يزد على تفعيلتين أو ثلاث ، وعندما يكون الشطر المجزوء" مدوّراً" فإن طول الشطر يصبح في حقيقية الأمر" ست تفعيلات" وإن سمّيناه بيتاَ لأن التدوّير في حقيقته وفي الشطر " الواحد حصراً" هو " شطر لا شطران"( ) وجاء التمثيل المعاصر للشعر والخروج عن إيقاع الشعر العربي وأصبح السؤال غير ذي قيمة وفقد منطقه الدلالي وأصبح الإحساس بالنسبة إلى المتلقي يتشكل بالصورة الموجبة للإيقاع "في الشطرين" هو الحقيقة المطلقة ، وهذا الأحساس تم وتكامل لا عن طريق الكم بل عن طريق "النبر" وهكذا أصبح النبر هو الدلالة الروحية المتشكلة بالايقاع ،هذه الروح التي تجاوزت التركيبية الكتلية ، لأنها تنبع من علاقات وعلامات أكثر جذرية من الناحية البنوية لحركة الإيقاع في الشعر ، وتفاعل النوى، والنبر ليس تفاعلاً خارجياً بل تفاعلاً داخلياً يقوم بتحدِّد الوحدات خاصة تحدِّد بداية " الموجة" وقمتها ونهايتها والمتلقي في هذه الحالة يحس بوجود الوحدات ويحسها إيقاعياً لكنه بالمقابل لم يكتشف هذه الطبيعة وفق كتلة التتابعات وتحليلها على ضوء طريقة العروضيين . فالنبر حدد الوحدات الايقاعية عند المتلقي وحدد الصورة الموجبة للكتل الوزنية في سياق شعري فيزيائي لأنه سياق البيت المناقش كذلك حدود القصيدة التي ينتمي إليها. وتظهر إمكانية النبر الشعري وبالطريقة الموسيقية والصياغة تمت على الشكل النهائي في البيت.
ولنرمز له بالحرف " D " وهو الحاجز الذي يوضح كل نبر قوي إفترضناه في هذه المناقشة
الشطر الأول
D1Nm
"
الشطر الثاني
خارج القيمة الكمية للوحدة الأولى
D2Nm
"( )
النتيجة
تأتي النتيجة بشكلها الطبيعي حسب قيمة النظام الجديد الذي يتأسس ويتبين ، أن البيت من البحر الطويل رغم طبيعة الوحدات الأولى يقع شطره الأول في الحالة الكمية ، ويتبين كذلك إن وحداته الايقاعية هي " علن فا/ علن فافا" لا مستفعلن / مستفعلن / متفاعلن" من هنا نصل إلى محصلة نهائية هو إن تحديد الوحدة الإيقاعية هي وجه من وجوه الفاعلية الدقيقة للنبر في منظومة الشعر العربي ، وعند ما يتم تحديد الوحدات، في الوقت نفسه يتم تحديد الإيقاع ، وبواسطة النبر نستطيع أن نستنتج الفاعلية العميقة للإيقاع في الشعر العربي.
في منهجية التحليل
في تحليل "D" يكون ظهور المعادلة دون صعوبة ، هو أن النبر يمنح الكتل الوزنية إيقاعاً خاصاً و"M يمنعها في سياق البيت الشعري ، والقصيدة تتخذ طبيعة إيقاعية في "S" وفي الاستنتاج النهائي ، تمنح الكتل الوزنية نفسها" "D1" الايقاع "S" إذا كانت رغبة الشاعر في إظهار هذا الايقاع في سياق بيت آخر وقصيدة أخرى.
هذه هي الفروق الجذرية في مفهوم الكمية في التفعيلات ، تقع ضمن إيقاع عشوائي للشعر، لكن الفرق بين الجوهري بين هذين المفهومين هو الوحدة الوزنية في الشعر وهو خلاف المقياس الموسيقي ، وقد حقق مخطط حدود الايقاعات للمتلقي شرطا جوهرياً في تعادله مع وحدات البيت الايقاعية وتركيب النوى جاء من النمط الموسيقي المتوافق مع منطق الإيقاع كما يظهر في الحساب الجذري لحركة الإيقاع الموسيقي في الشعر وهذا يقود إلى تعميمات عشوائية من ناحية عدد التفعيلات ولكن موسيقياً حقق منطق دلالي للإيقاع من الناحية الجذرية.
وتأتي قصيدة حسب " الإقامة على الأرض" وهي تقع ضمن مجموعته " زيارة السيدة السومرية" وهي من القصائد المدوّرة :
هل يهجرُ النخلة الطيرُ في الفجر؟
" قمصاننا أبحرت وحدها"
في المطار الزجاجي يبتل وجهكَ
" أني أخبئ في وجهي
النخل والمنزل القصبي"
الموائدُ تحت المظلات مشغولة
والغصون النحيلة تقطرُ..
" في المدن الممطراتِ الدخانُ
الجنوبي يذكره الطيرُ.."
يكبرُ في وجهه الجوع يلتف امرأة من قرى
القش مبتله تسأل العابر المتعجل عن أي
مستوصف، في الجرائد صورة جاكلين في الميني( )
جوب،
هذا الوصف الايقوني الحسي للزمكان ، وهي صيغة لا يشبه فيهما الدال والمدلول ، لأن حركة التفعيلات من الاوزان الاعتباطية المجردة هي الأساس المحض في هذا الأقرار المتوجس " في هجرة الطير داخل رمز لغوي" إضافة إلى ألملف اللغوي المضمر في القصيدة التي يلفها التدوير من خلال التوقفات والعلامات ، والإشارات " إني اخبئ في وجهي" " النخل والمنزل القصبي" وهي إشارة إلى التراكيب في الجمل الشعرية ، والإيقونة المدوّرة يعتبر فيها الدال شبيهاً بالمدلول ، ويمكن التعرف من خلال هذه الايقونة المدوّرة على حركة الايقاع في " الصورة والصوت" " الموائد تحت المظلات مشغولة، والغصون النحيلة تقطر " في المدن الممطرات الدخان الجنوني يذكره الطيرُ" والاحساس بحقيقة المذاق والرائحة ، والمثال على ذلك حركة الايقونة الايقاعية ولوحة التشبيه في " وجهي النخل والمنزل القصبي" وهذا تأكيد على المكان ، واصوات إيقاع المطر في " مدن الدخان الجنوبي" هناك موسيقى مرافقة للإيماءات في هذا التدوير الشعري والمؤشر الاعتباطي يرتبط بطريقة تسبب حركية المدلول الزمني لحركة الايقاع في طبيعة الحياة الجنوبية . في الدخان، والمطر، والقصب ، والطير، وكل هذه الاستنتاجات من المؤشرات الطبيعة " يكبر وجه الجوع" ثم يلتف باطر إيقاعية لتصبح المرأة هي صدى الإيقاع لذلك القش الذي يقاس به ميزان الحرارة الايقاعي وهو سؤال عن صورة جاكلين في الميني جوب، من هنا تبدأ أدوات التأشير الايقاعية تأخذ جانبها العشوائي في البناء التدويري للقصيدة ، وهي صورة شعرية في صوت يعبر بدون أثر إيقاعي ، ففي الاختزال للإنموذج البيرسي في منظوره وهو تحويل العلامة الثلاثية إلى علامة ثنائية لان ما نريده هو التركيز على البناء الكيفي للإيقاع رغم أحتواء الشطر في هذه القصيدة على الكثير من التفعيلات المختلفة ، ولكن ما نريد التركيز عليه هنا هو الكيفية المتمركزة في الإيقاع الوزني الكلي وهو يلملم شتات القصيدة وإقامتها في المتن البنوي وهذا ما حدا بنا إلى التركيز على المنهجية البيرسية التي تنتمي إلى حدود الإحتمال الايقاعي الذي يستخدم الإرجاع اللغوي غير المباشر في النمذجة الثنائية ، أي إننا ندرس نتاج حسب الشيخ جعفر الشعري في إطار عملية التدوّير في القصيدة الحديثة ، ونضع أمامنا نقطتين الأولى هي حركة التفعيلات ومخالفتها لأصول الشعر الحر ، ونحن نقرأ الأشكاليات التي يحدثها التدوير، ولكن في المقابل لا ننزلق مع هذه الاشكالية حيث نقوم بتحديد المعنى من خلال عملية التقطيع للتفعيلات لأننا نتبنى مفهوم الايقونة الشعرية عند حسب الشيخ جعفر والتأثيرية البيرسية التي نحتاج لها في المرجع النسقي الثلاثي بعد تحويلها إلى النسق الثنائي ، ولكن بسياق إرجاعي إيقاعي للشعر الحديث، بالحدود النسقية التي أشرنا إليها قبل قليل ، والارجاع السياقي يتعدي منظومة الإشارة الثلاثية عند بيرس ، وحسب في شعره يستند دائما إلى تفاصيل الايقونة الشعرية وأرتباطها المباشر بمرجعياتها المحسوسة سيكولوجياً إلا إننا وفق الرابط المباشر نستند إلى المدرك الحسي في تبني الحدود الرسمية التي تبناها سوسير في العملية البنائية ، " "بحسب جاكوبسون حتى وإن لم تبين كل تلك المعالجات البيرسية بالنسبة إلى علاقة الدال والمدلول"( ).
وهكذا تكون الاعتباطية العشوائية في المنظومة الإيقاعية للشعر الحديث لأنها انبنت على مرتكزات من التفعيلات العشوائية المختلفة ، وبالمقابل فإن النسبية في هذه التفعيلات الإشارية تأخذ شكل العلاقة النسبية بين الدالات ومدلولاتها والتحديد يعود إلى التمييز إلى البديهي بين حركة الإيقاع وكمية الايقاع في الأشطر المدوّرة وعملية الموازنة بين الايقاع والموسيقى داخل البنية الشعرية .
علاء هاشم مناف
z_munaf@yahoo.com
الحوار المتمدن - العدد: 2838 - 2009 / 11 / 23
المحور: الادب والفن
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع Bookmark and Share
البنية الإيقاعية هي صياغات من التماثل الإفتراضي الذي يقع في المجال الأوسع من العروض الشعري، وهي إنعطافة تؤكد مظهراً يتكرر بإطار زمني، وتكون مكوناته وعناصره أداة من العلامات والإشارات الصوتية والموسيقية ، كالأزمنة المشدودة والمتداخلة بكم من الإيقاع بالمعنى الموسيقي للكم وهذا لا يتوفر إلا بإقامة مزدوجين من الكمية تكون العلاقة بينهما تشمل التحديد الواضح والدقيق من حيث عملية الاستغراق الزمني لكل منهما، والمزدوجة هي أيقونة وزنية تشكل أبسط أشكال التغاير الكمي الذي يفترض توفره، وقد تكون عناصر الكم المزدوجة أكثر من طرفي مزدوجة كما في النظرية الموسيقية وهذا المزدوج الثاني الذي يتخذ الشكل الإيقاعي وهو نتاج صورة خالصة من الكم كما قلنا لتحقق الصفاء والخلاصة الكمية على أساس من التعادل بين الوحدات الإيقاعية وهي ناتجة من تركيب عدد من تلك العناصر الكمية وهي بالمقابل لا تستند إلى تلك الترتيبات والمكونات الزمنية ضمن إطار الوحدة المستقلة ولكن القرار التعادلي الكمي يكون بين وحدتين مثال على ذلك:
" " و" " رغم الاختلاف في تركيب النوى.( )
والايقاع كما هو معروف يقع في الجانب الاحتمالي للبنية الايقاعية " المتكررة والمتجاورة" داخل زمنية بنوية متناسبة بالشكل التعاقبي ، ولازال الإيقاع يسير في أطرٍ ضيقة ومحدودة لا يتجاوز الأسس العامة للإيقاع الشعري باعتباره هو المقدمة الحيوية والمهمة التي لا تخلو منه أية لغة كُتب فيها هذا الشعر، والإيقاع يتشكل من إعادة للمنظومة الصوتية المركبة بالمعجم الموسيقي وبالدلالة اللغوية ، ثم يأتي الوزن الموسيقي في حدوده الكمية كما قلنا وبالكيفية المرتبطة زمنياً، ويتم ترشيحها على أساس الرجع والتكرار الذي يحدث في الصدى، فهو إشارة للعناصر التناسبية المتكونة من هذه الخلاصات الايقاعية ، والتأسيس يتم على التكرار المستمر للعناصر المختلفة في LSS, SSL في تركيب النوى( )وإنه نوع من المنظومة العشوائية التي لا تخضع لمتطلبات الذوق الذاتي أحياناً بل تتحقق أحياناً بالشكلية ، من هنا كان للمعنى العروضي مترجماً فعله الإيقاعي على أرض الواقع الشعري . وإن دراسة العروض في الشعر العربي تحول إلى قوالب جاهزة لنمطية تحدد الكم الزمني الذي تستغرقه دلالة المعنى في الشعر وفي حدود المعاني والصور. وكان الابتعاد عن الجانب الجمالي في الايقاع سبب تأخرا في العملية الجوهرية، ومن المعروف في كل اللغات يكون الوعي الشعري متاتٍ من الوعي الايقاعي، فالجزئي هو جزء من الكلي على مستوى العروض داخل الايقاع ، من جهة أخرى فإن البنوية الداخلية للغة الشعرية التي يتم فيها بناء منظومة نحوية راجع إلى البنية اللغوية التي تقوم بتأسيس الجملة المقطعية حسب ما يقرره الايقاع ، كذلك يتأثر التركيب وتطول الجملة المقطعية الشعرية أو تقصر حسب ما تقتضيه الحرية في بناء القصيدة الحديثة التي تتأسس على كم التفعيلات القانونية وفقاً للنمذجة الإيقاعية. من القصائد الطويلة التي تتبنى الأشطر المدوّرة داخل جملة مقطعية طويلة تؤلف شطراً واحداً أو أشطراً يلفها التدوير وهي في حقيقة الأمر إذا نظرنا إليها فهي كلها شطراً واحداً ، وفي الشعر الحديث تكون عملية التدوير عملية اعتباطية تفتقر إلى الاختلاف في الايقاع لأنها خالية من التفاصيل الاستنباطية قياسا إلى العروض العربي ونزولاً إلى الذوق البدائي ، والظروف الجديدة في الطبيعة البيئية البدائية يستوجب أن تتطور الآلية القواعدية لمنظومات الإيقاع العروضي. والعشوائية التدويرية في الشعر الحديث تأخذ منحنيات عديدة ولها أسبابها الموجبة في التشديد على الخلاف في الاشارات الايقاعية لأنها تتحقق بدرجات إعتباطية لسبب بسيط، هو أن القصيدة الحديثة تتحدد بأصطلاحية الشطر الواحد والشطر الواحد من حيث الدرجة النسبية في الإشارة الايقاعية يكون مستقل ولا يمكن تدويّره داخل هذه الأشكالية العروضية عند العرب وهو يتماشى مع معنى الدلالات التدويرية التي تقع في آخر الشطر وهي كلمة قسم منها في الشطر الأول والقسم الآخر في الشطر الثاني ، وهذا بالتحديد يعود إلى القصائد ذات الشطرين . إذن التدويّر عملية تلازم القصائد التي تنظم وفق نمطية الشطرين وبأسلوب القصيدة العمودية مثال ذلك:
قول المتنبي :
وحقوق ترُقّق القَلْبَ للقّلْـ
بِ ولو ضمنتْ قُلُوبَ الجمادِ
هذِهِ دَوْلة المكارمِ والرأ
فةِ والمجدِ والندى والايادي( )
)
وقول الحرث بن حلزة في معلقته:
فَرياض القطا فأودية الشُّرْ
ببِ فالشعبتانََِِ فالأبْلاءُ
مَن لنا عِنده من الخير آيا
تٌ ثلاثُ في كُُلِّهن القضاءُ( )
)
وقول المنخلًّ بن الحرث اليشكري
لا تسألي عن جُلُ ما
لي وآسألي كرمي وخيرْي
وفوارسً كأوارِ حـ
رَّ النَّار أحلاسِ الذُّكُورِ( )
)
إضافة إلى الإطلاق الذي يحصل في عملية التدوّير والذي يبدأ في الشطر التالي بنصف الكلمة كما في الأمثلة أعلاه وهذا لا يجوز في الشطر الواحد إنما ينطبق على البيت الكامل في الشعر العمودي لأشطره، لأنه يبدأ دائماً بكلمة لا بنصفها .ومن خصائص التدوّير في القصيدة الحديثة هو القضاء على القافية .
بين النبر والتدوير
هناك إشكالية تتعلق بالنبر اللغوي كما حصل في اللغة العربية قبل هذا القرن. والنبر الشعري كان قد تجلى عند العرب في الإلقاء قبل هذا القرن كذلك يعزوها بعض الباحثين أن البداية كانت مع الشعر ومع اللغة ، والفرضية الثالثة تقول : إنها بدأت وفق الخصائص الإيقاعية " للقرآن" كانت قد جسدت حقيقة النبر اللّغوي والإيقاعي ، أما النبر الشعري ، فالقرآن لم يكن شعراً وإن ورد موزوناً ، من هنا نريد أن نصل إلى محصلة منطقية بأن نبر القرآن ليس هو النبر الإيقاعي في الشعر إلاّ أن القرآن كان متحداً بألنبر اللّغوي وهذا إحتمال ، وقد طور هذا النبر اللّغوي في إطار الظواهر اللّغوية المختلفة . مثل الأبدال، والإعلال، والقلب، وقد نصل إلى حالة من نمط الأشارات من هذه الظواهر الإيقاعية الصرفة المتعلقة بالنبر وتفاصيله اللغوية وعلاقة كل ذلك" بعملية التدوّير" في القصيدة الحديثة إنطلاقاَ من النبر اللغوي والنبر الشعري ، وهذا يتم تحديده بالتركيب الصوتي وتحليل صيغ المشتق في اللغة العربية وإكتناه كل أفعال العوامل المكتسبة وكل صيغة ذات الارتباط الصميمي بخواص النبر( ) ولنا عودة أخرى إلى هذا الموضوع. والقصيدة الحديثة تجاوزت القيود وتجاوزت النبر اللّغوي والنبر الشعري في الإطالة الإيقاعية ، ويستطيع كاتب القصيدة الحديثة أن يطيل الشطر الإيقاعي دون التدوّير بدلاّ من كتابة شطر ذات ثلاث تفعيلات مدوّرة ليلحقه بثلاثة تفعيلات آخرى بشطر واحد، فإنه يستطيع أن يجمع الشطرين في شطرٍ واحٍد ذي ست تفعيلات وهذا مباح في الشعر الحر والتدوير ليس ملازماً لتلك الإشارات من العبارات الطويلة ، قد تكون العبارة قصيرة ويقوم الشاعر بتدوير البيت الشعري ، والتدوّير لا يتصل بأنماط الطول للعبارات ، فهو يقوم بشطر الكلمات إلى شطرين وكل من هذه الكلمات يضعه في تفعيلة ومن ثم تبدأ المطبات في الأشطر ، وقد تظهر العبارة في منتصف الشطر المدوّر وتنتهي في النصف الثاني ، ثم تبدأ عبارة أخرى في منتصف الشطر المدوّر الثاني ثم تنتهي في الشطر ا الذي يليه، من هنا تكون الصلة مقطوعة بين التدوّير في الطول أو القصر للعبارة( ).
نعود الآن إلى موضوع النبر، النحاة لهم رأي، إن الأمر متعلّق بالنسبة إلى التدوّير بألتركيب الصوتي سواء بالحذف أو في نظائره في عملية النبر في مثال الإبدال، والأعلال، القلب كما قلنا قبل قليل ، هناك إمتحان للنتائج قد تكون وراء هذه الظواهر، منظومة إيقاعية صرفة ترتبط بألنبر وموقفه وموقعه من التدوير وهي قضية الحذف للتفعيلة بدل الإطالة في تفعيلة الشطر واختصارها بدل الشطرين بشطر واحد كما قلنا، وإن أسباب الحذف تعد موضع دراسة في نظائر الأبيات المنبورة سواء بالأفعال أو بالكلمات المنبورة دون ثقل وهو لا يتحقق في النطق دون الثقل الظاهر لأن النبر إثقال وضغط وصعوبة في تحقيق النطق الجزئي ، والخلاصة في هذه القضية هو وضع إنفتاح حتى يقوم الشاعر بإيراد أكثر من ست تفعيلات أو ثمان في الشطر الواحد، إن هذا الموضوع يعطينا نتيجة مفادها أن الصعوبة تكمن في النطق وصعوبة ثقيلة بالإسقاط للإيقاعات ، لأن هذا الاسقاط مرتبط بالتركيب الصوتي وبالجملة المقطعية الشعرية ويؤدي ذلك إلى فقدان الغنائية حدتها وتأثيرها بعد إن تتراكم التفعيلات ولا وقفة عروضية بينها، إضافة إلى تواتر التفعيلات ، وهذا يعد ظاهرة للتواتر بين التفعيلات لأنها تترك أثراً سيئا على المخارج الصوتية ورتابة في الإيقاع( )،في عملية النبر هناك إرتباط بين الصوت المقطعي والمعنى الذي تعبر عنه الكلمة، فالتركيب الصوتي والنبر اللغوي الأول للكلمة ، والنبر في المقطع اللغوي الأول هو ذات دلالة معينة" وإعتبار التركيب الصوتي الثاني لها، والنبر على حدود الكلمة المقطعية في الثاني، ذا دلالة أخرى؟"( ) فالإحالة تكون على مستوى الدلالة ، والاستبدال يتم وفق المستوى النحوي ، والإحالة تتعلق بدلالة التفعيلة وهي العماد اللغوي وصيغة خاصة تتحقق " بالضمائر واسماء الأشارة والفاظ المقارنة التي أعتبرت خطأ من الإحالة "رغم إن الاستبدال ظاهرة نحوية فهي محكومة بقواعد نحوية ووزنية إيقاعية، وهي تستند إلى نظرية النحو النظامي الوزني، والاستبدال الوزني يتحقق بشروط المطابقة بين المستبدِل ، والمستبدَل منه وهو خلاف الإحالة النحوية في البيت الشعري القديم المستند إلى الشطرين، ويتم إشتراك شطراه في كلمة واحدة بحيث يكون بعضها في الشطر الأول ويكون جزء الكلمة الباقي في الشطر الثاني ، وأن العلاقة المحورية هذه تستند إلى قيمة الاستبدال في اجزاء النص الشعري في القصيدة الحديثة ، فتمثيل الإيقاع يؤكد العلاقة بين عمليتا الإستبدال لأنها علاقة فنية إيقاعية تتعلق بين عناصر النص الشعري وتفعيلاته وموسيقاه( ).
التدوير في شعر حسب الشيخ جعفر
لقد كان النمط المفيد من زيادة عدد التفعيلات في الشطر الواحد، وغالباً ما يوصف "بأنماط الإشارات الإيقاعية" وتقوم هذه المنظومة من العلاقات على قاعدة" حامل الإشارة ومدلولها إيقاعياً" وفق الإنموذج المفتوح للتفعيلات دون قيود ولكن وفق الشروط القانونية للإيقاع أي ان النظام الأيقاعي A يحقق الشرط واحد ولا يحقق الشرط 2 فإن وصفه بأنه كميّ هو وصف غير دقيق ويكون غامض الدلالة . ذلك إن الكمية في التعريف القانوني هي إصطلاح موسيقي ثابت في دلالته، وليس من الدقة القانونية إطلاق هذا الاصطلاح على ظاهرة لا تحقق الشروط الواجبة في الكمية ضمن التأليف الموسيقي، والدلالة الدقيقة للمصطلح "كمي" حين نطلق على المنظومة A لا تتجاوز كون المنظومة تقع داخل خصوصية جذرية للمكونات الصوتية للغة حيث تكون مقاطعها هو الاستغراق الزمني في خلق الازدواجية الايقاعية الاختلافية التي تشكل الأساس التجذيري للانتظام النغمي في الشعر، ويتم وصف خاصية ذلك الاستغراق الذهني في هذه الحالة ، بأنها تقع في الخاصية الكمية المكونات اللغوية تميزها عن الخاصية الكيفية الأخرى لهذه المكونات ( ) في العروض الشعري التقليدي ، ولكن أساس التنوع في أعداد التفعيلات من الواحدة إلى العشر ولكن في الشعر العربي القديم تكون الأشطر ذات خمس تفعيلات والشعر العربي وعبر مختلف مراحله التاريخية لم يعرف الشطر ذات التفعيلات الخمس ، إنما كان التمثيل في الشطر يكون بتفعيلتين كما في : الهزج ، والمجتث ، والمضارع ، أو يكون أستخدامه لثلاث كما في الرجز، والرمل، والكامل، أو من أربع كما في الطويل، والبسيط ، والمتقارب ، والخبب، وعند هذا وقف الشاعر العربي ولم نقرأ له شطراً في خمس تفعيلات ، وأما في المجزوء فإن طول الشطر لم يزد على تفعيلتين أو ثلاث ، وعندما يكون الشطر المجزوء" مدوّراً" فإن طول الشطر يصبح في حقيقية الأمر" ست تفعيلات" وإن سمّيناه بيتاَ لأن التدوّير في حقيقته وفي الشطر " الواحد حصراً" هو " شطر لا شطران"( ) وجاء التمثيل المعاصر للشعر والخروج عن إيقاع الشعر العربي وأصبح السؤال غير ذي قيمة وفقد منطقه الدلالي وأصبح الإحساس بالنسبة إلى المتلقي يتشكل بالصورة الموجبة للإيقاع "في الشطرين" هو الحقيقة المطلقة ، وهذا الأحساس تم وتكامل لا عن طريق الكم بل عن طريق "النبر" وهكذا أصبح النبر هو الدلالة الروحية المتشكلة بالايقاع ،هذه الروح التي تجاوزت التركيبية الكتلية ، لأنها تنبع من علاقات وعلامات أكثر جذرية من الناحية البنوية لحركة الإيقاع في الشعر ، وتفاعل النوى، والنبر ليس تفاعلاً خارجياً بل تفاعلاً داخلياً يقوم بتحدِّد الوحدات خاصة تحدِّد بداية " الموجة" وقمتها ونهايتها والمتلقي في هذه الحالة يحس بوجود الوحدات ويحسها إيقاعياً لكنه بالمقابل لم يكتشف هذه الطبيعة وفق كتلة التتابعات وتحليلها على ضوء طريقة العروضيين . فالنبر حدد الوحدات الايقاعية عند المتلقي وحدد الصورة الموجبة للكتل الوزنية في سياق شعري فيزيائي لأنه سياق البيت المناقش كذلك حدود القصيدة التي ينتمي إليها. وتظهر إمكانية النبر الشعري وبالطريقة الموسيقية والصياغة تمت على الشكل النهائي في البيت.
ولنرمز له بالحرف " D " وهو الحاجز الذي يوضح كل نبر قوي إفترضناه في هذه المناقشة
الشطر الأول
D1Nm
"
الشطر الثاني
خارج القيمة الكمية للوحدة الأولى
D2Nm
"( )
النتيجة
تأتي النتيجة بشكلها الطبيعي حسب قيمة النظام الجديد الذي يتأسس ويتبين ، أن البيت من البحر الطويل رغم طبيعة الوحدات الأولى يقع شطره الأول في الحالة الكمية ، ويتبين كذلك إن وحداته الايقاعية هي " علن فا/ علن فافا" لا مستفعلن / مستفعلن / متفاعلن" من هنا نصل إلى محصلة نهائية هو إن تحديد الوحدة الإيقاعية هي وجه من وجوه الفاعلية الدقيقة للنبر في منظومة الشعر العربي ، وعند ما يتم تحديد الوحدات، في الوقت نفسه يتم تحديد الإيقاع ، وبواسطة النبر نستطيع أن نستنتج الفاعلية العميقة للإيقاع في الشعر العربي.
في منهجية التحليل
في تحليل "D" يكون ظهور المعادلة دون صعوبة ، هو أن النبر يمنح الكتل الوزنية إيقاعاً خاصاً و"M يمنعها في سياق البيت الشعري ، والقصيدة تتخذ طبيعة إيقاعية في "S" وفي الاستنتاج النهائي ، تمنح الكتل الوزنية نفسها" "D1" الايقاع "S" إذا كانت رغبة الشاعر في إظهار هذا الايقاع في سياق بيت آخر وقصيدة أخرى.
هذه هي الفروق الجذرية في مفهوم الكمية في التفعيلات ، تقع ضمن إيقاع عشوائي للشعر، لكن الفرق بين الجوهري بين هذين المفهومين هو الوحدة الوزنية في الشعر وهو خلاف المقياس الموسيقي ، وقد حقق مخطط حدود الايقاعات للمتلقي شرطا جوهرياً في تعادله مع وحدات البيت الايقاعية وتركيب النوى جاء من النمط الموسيقي المتوافق مع منطق الإيقاع كما يظهر في الحساب الجذري لحركة الإيقاع الموسيقي في الشعر وهذا يقود إلى تعميمات عشوائية من ناحية عدد التفعيلات ولكن موسيقياً حقق منطق دلالي للإيقاع من الناحية الجذرية.
وتأتي قصيدة حسب " الإقامة على الأرض" وهي تقع ضمن مجموعته " زيارة السيدة السومرية" وهي من القصائد المدوّرة :
هل يهجرُ النخلة الطيرُ في الفجر؟
" قمصاننا أبحرت وحدها"
في المطار الزجاجي يبتل وجهكَ
" أني أخبئ في وجهي
النخل والمنزل القصبي"
الموائدُ تحت المظلات مشغولة
والغصون النحيلة تقطرُ..
" في المدن الممطراتِ الدخانُ
الجنوبي يذكره الطيرُ.."
يكبرُ في وجهه الجوع يلتف امرأة من قرى
القش مبتله تسأل العابر المتعجل عن أي
مستوصف، في الجرائد صورة جاكلين في الميني( )
جوب،
هذا الوصف الايقوني الحسي للزمكان ، وهي صيغة لا يشبه فيهما الدال والمدلول ، لأن حركة التفعيلات من الاوزان الاعتباطية المجردة هي الأساس المحض في هذا الأقرار المتوجس " في هجرة الطير داخل رمز لغوي" إضافة إلى ألملف اللغوي المضمر في القصيدة التي يلفها التدوير من خلال التوقفات والعلامات ، والإشارات " إني اخبئ في وجهي" " النخل والمنزل القصبي" وهي إشارة إلى التراكيب في الجمل الشعرية ، والإيقونة المدوّرة يعتبر فيها الدال شبيهاً بالمدلول ، ويمكن التعرف من خلال هذه الايقونة المدوّرة على حركة الايقاع في " الصورة والصوت" " الموائد تحت المظلات مشغولة، والغصون النحيلة تقطر " في المدن الممطرات الدخان الجنوني يذكره الطيرُ" والاحساس بحقيقة المذاق والرائحة ، والمثال على ذلك حركة الايقونة الايقاعية ولوحة التشبيه في " وجهي النخل والمنزل القصبي" وهذا تأكيد على المكان ، واصوات إيقاع المطر في " مدن الدخان الجنوبي" هناك موسيقى مرافقة للإيماءات في هذا التدوير الشعري والمؤشر الاعتباطي يرتبط بطريقة تسبب حركية المدلول الزمني لحركة الايقاع في طبيعة الحياة الجنوبية . في الدخان، والمطر، والقصب ، والطير، وكل هذه الاستنتاجات من المؤشرات الطبيعة " يكبر وجه الجوع" ثم يلتف باطر إيقاعية لتصبح المرأة هي صدى الإيقاع لذلك القش الذي يقاس به ميزان الحرارة الايقاعي وهو سؤال عن صورة جاكلين في الميني جوب، من هنا تبدأ أدوات التأشير الايقاعية تأخذ جانبها العشوائي في البناء التدويري للقصيدة ، وهي صورة شعرية في صوت يعبر بدون أثر إيقاعي ، ففي الاختزال للإنموذج البيرسي في منظوره وهو تحويل العلامة الثلاثية إلى علامة ثنائية لان ما نريده هو التركيز على البناء الكيفي للإيقاع رغم أحتواء الشطر في هذه القصيدة على الكثير من التفعيلات المختلفة ، ولكن ما نريد التركيز عليه هنا هو الكيفية المتمركزة في الإيقاع الوزني الكلي وهو يلملم شتات القصيدة وإقامتها في المتن البنوي وهذا ما حدا بنا إلى التركيز على المنهجية البيرسية التي تنتمي إلى حدود الإحتمال الايقاعي الذي يستخدم الإرجاع اللغوي غير المباشر في النمذجة الثنائية ، أي إننا ندرس نتاج حسب الشيخ جعفر الشعري في إطار عملية التدوّير في القصيدة الحديثة ، ونضع أمامنا نقطتين الأولى هي حركة التفعيلات ومخالفتها لأصول الشعر الحر ، ونحن نقرأ الأشكاليات التي يحدثها التدوير، ولكن في المقابل لا ننزلق مع هذه الاشكالية حيث نقوم بتحديد المعنى من خلال عملية التقطيع للتفعيلات لأننا نتبنى مفهوم الايقونة الشعرية عند حسب الشيخ جعفر والتأثيرية البيرسية التي نحتاج لها في المرجع النسقي الثلاثي بعد تحويلها إلى النسق الثنائي ، ولكن بسياق إرجاعي إيقاعي للشعر الحديث، بالحدود النسقية التي أشرنا إليها قبل قليل ، والارجاع السياقي يتعدي منظومة الإشارة الثلاثية عند بيرس ، وحسب في شعره يستند دائما إلى تفاصيل الايقونة الشعرية وأرتباطها المباشر بمرجعياتها المحسوسة سيكولوجياً إلا إننا وفق الرابط المباشر نستند إلى المدرك الحسي في تبني الحدود الرسمية التي تبناها سوسير في العملية البنائية ، " "بحسب جاكوبسون حتى وإن لم تبين كل تلك المعالجات البيرسية بالنسبة إلى علاقة الدال والمدلول"( ).
وهكذا تكون الاعتباطية العشوائية في المنظومة الإيقاعية للشعر الحديث لأنها انبنت على مرتكزات من التفعيلات العشوائية المختلفة ، وبالمقابل فإن النسبية في هذه التفعيلات الإشارية تأخذ شكل العلاقة النسبية بين الدالات ومدلولاتها والتحديد يعود إلى التمييز إلى البديهي بين حركة الإيقاع وكمية الايقاع في الأشطر المدوّرة وعملية الموازنة بين الايقاع والموسيقى داخل البنية الشعرية .