منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    دلالات الأصوات..........2

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    دلالات الأصوات..........2 Empty دلالات الأصوات..........2

    مُساهمة   الخميس يونيو 30, 2011 7:13 am


    ....
    أي إذا الشعر مستكرهاً، وكانت ألفاظ البيت من الشعر، لا يقع بعضها مماثلاً
    لبعض، كان بينها من التنافر ما بين أبناء العلات. وإذا كانت الكلمة ليس
    موقعها إلى جنب أختها مرضياً موافقاً، كان على اللسان عند إنشاد ذلك الشعر
    مؤنة، قال:

    وأجود الشعر، ما رأيته: متلاحم الأجزاء، سهل المخارج، فتعلم بذلك أنه قد
    أفرغ إفراغاً واحداً، وسبك سبكاً واحداً، فهو يجري على اللسان كما يجري
    الدهان" ([55]). وهذا الأمر على صعيد بناء البيت الشعري الواحد وما يصدر عن
    نظمه من تلوين صوتي يسهم في تكوين ملامح المكون الصوتي وتحديدها.
    أي أن المكون الصوتي المتمثل في التئام أجزاء النظم، يعتمد على مشاكلة
    اللفظ للمعنى في خلق تناسب صوتي متوافق، لا يجعل الجملة هجيناً، بأسلوب
    تأتي القافية فيه مكونة القمة التي يتصاعد إليها الأداء الإيقاعي الصوتي.

    وهنا نفهم مشاكلة اللفظ للمعنى وشدة اقتضائهما للقافية حتى لا منافرة
    بينهما، على أنها فهم مستفاد من فهمه للمعنى الذي هو "الغرض المفاد بألفاظ
    التراكيب، لا المعنى الموضوع له اللفظ، لأن المعنى الموضوع له اللفظ، لا
    يتصور في اشتراكه، مشاكلة بينه وبين اللفظ الدال عليه، فالمراد أن الغرض
    تناسبه الألفاظ الموضوعة لمعان حميدة، والغرض الخسيس تناسبه الألفاظ
    الموضوعة للمعاني الخسيسة" ([56]) وهو ما ذهب إليه الجاحظ بقوله: "إلا إنني
    أزعم أن سخيف الألفاظ مشاكل لسخيف المعاني، وقد يحتاج إلى السخيف في بعض
    المواضع وربما أمتع بأكثر من إمتاع الجزل الفخم من الألفاظ، والشريف الكريم
    من المعاني" ([57]) وهو ما ذهب إليه بشر بن المعتمر حين قال: أن "من أراد
    معنى كريماً، فليتمس له لفظاً كريماً، فإن حق المعنى الشريف اللفظ الشريف،
    ومن حقهما أن تصونهما عما يفسدهما ويهجنهما" ([58]).
    وفي ختام البيت الشعري بقافية على نحو متناسب ما يشير إلى عناية العرب
    بالقافية، تلك العناية التي تكشف عن موقعها في تشكيل الأسلوب الصوتي بوصفها
    خصيصة أسلوبية.

    والقافية بوصفها أصواتاً تتكرر على نحو متناسب في أواخر الأشطر، وتكرارها
    جزءاً من بنية الموسيقى الشعريّة، فهي فواصل صوتية يتوقع السامع ترديدها،
    والمتلقي يستمتع بهذا التردد الذي يطرق الآذن في مدد زمنية منتظمة، وبعدد
    معين من مقاطع ذات نظام خاص يسمى الوزن ([59]).
    وعلى هذا النحو تعطي القافية للوزن "بعداً من التناسق والتمائل يضفي عليه
    طابع الانتظام النفسي والموسيقي والزمني" ([60]) وهذا ما انطلق منه حازم
    القرطاجني حين عرف القافية على أنها "حوافر الشعر، عليها جريانه واطراده،
    وهي مواقفه، فإن صمت استقامت حريته وحسنت مواقفه ونهاياته" ([61])،
    فالقافية أداة إيقاعية تبعث الإيقاع الأصلي للوزن، ذلك الإيقاع الذي يفترض
    ثباته جزءاً من الشكل الشعري. وقد أولاها النقاد والبلاغيون اهتماماً
    واشترطوا فيها شروطاً منها: التمكن وصحة الوضع والتمام. مما يجعل موقعها في
    النفس مؤثراً، بشروط: أن تكون حروف الروي في كل قافية من الشعر حرفاً
    واحداً بعينه، غير متسامح في إيراد ما يقاربه معه ([62]).

    وبلغ أمر العناية بالقافية حد الحرص على التكرار الصوتي الذي لا يتناسب مع
    طبيعة الشعر كما في لزوميات المعرى، التي تؤكد أهمية الدور الموسيقي
    إحساساً منه بمدى فاعليتها في خلق الشعرية ([63]).
    لأنها تؤدي إلى بنية التوازي التي "يحظى فيها الصوت حتماً بالأسبقية على
    الدلالة" ([64])، والوظيفة الدلالية التي يؤديها الوزن للقافية تكشف عن
    "أننا لا نفكر في القيم الصوتية منفصلة عن المعنى بل نفكر في المعنى، من
    خلال مستويات متعددة، تتجاوب تجاوباً لا يسمح بالتفكير فيها، منفصلة عن
    غيرها" ([65]).

    وهذا كله يحدد شعرية الوزن والقافية في بنية الشعر العربي كونهما يعدان أحد
    مقومات هذه الشعرية، فهما ركنان في القصيدة "لا يمكن أن يقوم بناؤها إلا
    عليهما" ([66]) ولا نجد ناقداً عربياً قديماً، نفى أهمية الوزن والقافية عن
    الشعر، بل أن الوزن عند العرب "أعظم أركان حد الشعر، وأولاها به خصوصية
    وهو مشتمل على القافية، وجالب لها ضرورة" ([67]).

    وقد أشار الفارابي إلى أن الجمهور وكثير من القراء يرون القول شعرياً متى
    كان موزوناً، مقسوماً بأجزاء، ينطلق بها في أزمنة متساوية، وإذا لم يكن
    موزوناً بإيقاع فليس يعد شعراً إنما هو قول شعري ([68]). والفارابي يفرق
    بين الشعر والقول الشعري، على أساس أن الشعر هو قول مخيل موزون، والقول
    الشعري قول مخيل غير موزون. أما ابن سينا فيرى القول الموزون غير المخيل
    لنا، إنما هو شعر ناقص، أما القول المخيل الموزون فهو الشعر الكامل، والقول
    المخيل غير الموزون هو النثر ([69]).

    فالوزن بوصفه أحد مقومات الشعرية العربية إنما هو "إبراز أو إحداث لفجوة
    حادة في طبيعة اللغة، خلق لمسافة توتر عميقة بين المكونات اللغوية العائمة
    في وجودها العادي خارج الشعر ووجودها داخله، الوزن هو تناول للمادة اللغوية
    بأبعادها الصوتية" ([70]). أما النظم فهو، حتى في الدراسات الحديثة: خطاب
    يكرر كلياً أو جزئياً، الصورة الصوتية نفسها متجاوزاً في الواقع حدود
    الشعر، إلا أن الشعر يستلزم في الوقت نفسه الوظيفة الشعرية ([71]).

    واقتضاء اللفظ الشعري للقافية، متصل بما لها من حضور في موسيقى الشعر وكاشف
    عنه، إذ أنها تطغى على البنية الموسيقية للشعر، لأنها الوقفة التي تبرز
    عندها النغمة الموسيقية، وأن التوازن الصوتي بين قافية البيت الشعري والبيت
    الذي يليه تجعل النفس في حضور دائم مع النص الشعري، والغنائية التي تحدثها
    القافية تولد التواصل الدائم بين المتلقي والنص الشعري.







      الوقت/التاريخ الآن هو السبت نوفمبر 23, 2024 3:17 am