- تاريخ التسجيل : 31/12/1969
الثلاثاء يوليو 16, 2013 11:38 am
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لقد أدت عناية القراء بضبط قراءة النص القرآني و تلاوته تلاوة صحيحة إلى نشأة الدرس الصوتي العربي . فكان نزول القرآن الكريم الدافع الأساسي لظهور العلوم عامة و علوم اللغة خاصة ، فبعد نزوله طرح مشكل ضبط مخارج الحروف ، وبدأ التفكير في صون القرآن من التلاوة التي لا تحترم القوانين الصوتية الصحيحة . فاستوجب هذا البحث في المجال الصوتي . و سأشيرـ هنا ـ إلى اهتمام العلماء العرب بعلم الأصوات وإسهاماتهم فيه ،و إن كانت دراستهم له دراسة وصفية قائمة على الملاحظة الذاتية نظرا لانعدام الوسائل التي يستعين بها علم الأصوات الآن كعلم الفيزياء و التشريح و علم وظائف الأعضاء ، هذا بالإضافة إلى تقدم أجهزة الملاحظة و القياس الخاصة بتسجيل الصوت . ولكن رغم اعتماد العرب على وسيلة التأمل و النظر إلا أنهم وضعوا اللبنات الأساسية ـنوعا ما ـ لهذا العلم و اهتموا به بشكل كبير : ـ فأغلب كتب النحو لاتخلو من إشارات إلى هذا العلم ـ علم الأصوات ـ فسيبويه الذي عاصر قراء القرآن الكريم نجده يصف مخارج الحروف وصفا دقيقا ، يقول في "الكتاب " : "هذا باب عدد الحروف العربية و مخارجها و مهموسها و مجهورها ...وهذه الحروف لا تتبين إل ا بالمشافهة " ـ و اهتم به أصحاب المعاجم كذلك ، فأدرجوه في مقدمات معاجمهم ، فنجد ابن منظور ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ يورد معلومات متعلقة بالحروف العربية و صفاتها ، مع تحديد مخرج كل حرف على حدة . ـ أما أصحاب القراءات القرآنية فنظرا لكون معرفة هذا العلم من الأسس الهامة لديهم ، فإنهم خصصوا فصولا مطولة في كتبهم لمخارج الحروف وطريقة نطقها نطقا صحيحا ، ونمثل لذلك " بالنشر في القراءات العشر" لابن الجزري ، و"الإدغام" للداني ، و "جمال القراء و كمال الإقراء " للسخاوي وغيرها من المؤلفات الكثيرة في هذا المجال . ـ والخليل هو أول من وضع معجما عربيا على أساس صوتي صرف حتى أنه سماه " العين "على اعتبار أن حرف العين ـ عنده ـ هو أول حرف حلقي . كما سجل له التاريخ بأنه واضع الميزان الصرفي المعروف الذي يضبط أوزان الكلمات على الأساس الصوتي الذي بنيت عليه . ـ والسكاكي هو أول من قام في تاريخ البشرية برسم تشريحي للجهاز الصوتي يبين فيه مخارج الأصوات . ـ بل إن أهمية علم الأصوات عند العرب دعت حتى علماء البلاغة كذلك إلى الاهتمام به حيث تحدث الجاحظ في "البيان و التبيين " عن الصوت و اعتبره الجزء الجوهري من اللغة ، كما أشار إلى بعض الانحرافات الصوتية التي تعيق مستعمل اللغة عن النطق بالحروف نطقا صحيحا كاللثغة مثلا . كما أفرد الجرجاني المكون الصوتي بدراسة خاصة في كتابيه "دلائل الإعجاز " و "أسرار البلاغة " وعده ركنا أساسيا من أركان النظم إلى جانب المكونات الأخرى : الصرف و التركيب و الدلالة و التداول و الأسلوب . هذا بالإضافة إلى بلاغيين آخرين مثل ابن سنان الخفاجي و حازم القرطاجني و غيرهم ممن اعتبروا الدراسة الصوتية مدخلا للدراسة البلاغية . |
| |