منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    لعب التشبيهات، و الأصوات

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    لعب التشبيهات، و الأصوات Empty لعب التشبيهات، و الأصوات

    مُساهمة   الجمعة يناير 01, 2010 7:25 am

    لعب التشبيهات، و الأصوات

    قراءة في ديوان كأنها نهاية الأرض لرفعت سلام

    محمد سمير عبد السلام
    مصر

    محمد سمير عبد السلامفي ديوانه " كأنها نهاية الأرض " – الصادر عن مركز الحضارة العربية بالقاهرة – يكتب رفعت سلام نصا شعريا حواريا ، يقوم على التنوع في تكوين الصوت الواحد من جهة ، و اندماج مستويات الوجود الشخصية ، و التمثيلية / الإبداعية ، و الكونية في حركة لا يمكننا – في سياقها – التمييز بين صيرورة الكتابة ، و نشوء الصوت ، و مدلول الحدوث الكوني نفسه .

    إنها الكتابة خارج الأطر المعرفية ، و استقلال العمل الفني ، أو الأدبي ؛ إذ تسهم في توسيع دائرة الاحتمالية التصويرية الأصلية فيما تتصل به من تكوينات ، و أبنية تتسم بالظهور ، و الاختفاء المفاجئ ، أو الطفرات المجازية ، و الطبيعية في انحرافها المستمر باتجاه الزيادة التي تميز الحالات المتضادة في النص ، أو التساؤلات المتكررة في كتابة رفعت سلام ، و التي تترك الدال طيفا لدنا يقبل الاستبدال ، و المحو ، و النحت الشبحي في ذاكرة المتلقي في آن .

    إن الآخر يذوب في الحوارية الشعرية هنا ؛ فالانفصال الواضح بين صوتي المتكلم ، و الأنثى في الديوان ، يتجه إلى التوحد بالقوى الشعرية / الكونية المتناقضة الأسبق من الوجود الذكري ، أو الأنثوي ، و المتجاوز لحدودهما ، و هو ما تتجه إليه الأفكار المعاصرة عن النوع بطرق مختلفة .

    يعاين التكوين / الصوت تجارب الصراع ، و الولادة ، و الخلاص ، و العدم ، و الانقسام ، و التفكك ، و الاحتمالية المجازية للذات بشكل متكرر ، دون الإحالة إلى تاريخ ، أو مرجعية خارج عملية الزيادة الإبداعية المشكلة لتداعيات الصور في الديوان .

    إنه يعري الصوت من طبقاته الزائفة حتى يتركه طيفا لانهائية في انتشار الصور ، و انحرافها الأصلي عن المركز ، ثم يعيد نحته ؛ ليكشف عن خاصية التبديل المميزة لبكارة تجارب الشاعر ، و الصوت النسائي في النص .

    في كتابه " الكتابة ، و الاختلاف " يرى جاك دريدا أن الكتابة تشمل محتويات اللغة الأولي من وعي ، ولا وعي ، وحركة ، وفكر ، وتفكير ؛ فتتجاوز هويتها التي تعلقت بتسجيل الحروف إلي إنتاج وحدات إبداعية جديدة لها ؛ ولهذا التجاوز ، فإن الكتابة ستصنع اللغة الأولي باستمرار دون توقف ، وتحول الأبنية المنطقية إلى علامات ، وحركات لها بكارة الإبداع دون توقف ( راجع / جاك دريدا / الكتابة و الاختلاف / ترجمة كاظم جهاد / دار توبقال بالمغرب ، مع سوي بباريس 1988 ص 107 ) .

    إن سمة الخروج عن النصية من داخلها عند دريدا ، تبدو في عملية النقل الواضحة عند رفعت سلام ، و أعني بالنقل ذلك التمرد الخفي في مادية الدال ، و انفلاته من أية خصوصية مكتملة ؛ فصوت المتكلم في الديوان تتناوبه حالات التوحد بالأنثى ، و كونه فريسة مع تفكيكه لبنية الصيد ، و الرغبة في الاختفاء ، أو ممارسة الانقسام أمام المرآة ، و الإيحاءات الأنثوية الإنسانية .

    أما الأنثى فتتجلى في مجموعة من الأخيلة المتناقضة ؛ مثل الوردة ، و وهج النار ، و إلحاح دال الفراغ بدلالاته الجسدية ، و إنذاره المستمر برعب النهايات .

    قد تهيمن أخيلة الصيد على الأنثى حتى تصل إلى عدم صاخب ، يجمع بين حركية الحياة ، و السكون معا .

    يقول الصوت :
    " نصبت مني شركا ، أغمضت نفسي فلا أرى ، أيها الصائد الأعمى ، لماذا ؟ صائدي أم صيدي ؟ فريستان نحن لنا ، أم للثالث المرفوع بالضم .. منفردان بالكون ، رقصة الموت حتى المنتهى ... شاخ الزمان دفعة واحدة ، بوم ، و فئران ، و سحالي مبرقشة ، أطلال بلا بكاء ، أو حنين " .

    ثمة تكوين تستبقه التشبيهات التأويلية للأنثى ، و إعادة استنباتها في الحركة الكونية الاحتمالية ، لا وجود للصوت سوى في تجدد الفراغ ؛ فالمتكلم يمثل الوجود ، و العدم معا ، الإيروس ، و الرغبة في التفكك الذاتي .

    إن الأنثى تجسد الصراع فيما وراء بنيته التي تؤكد الأنا في مواجهة الآخر ؛ فهي تكتشف وهج الحياة في رقصة الموت التي تحيل إليه ، و تؤجل حدوثه في دوال الشر الفارغة من العواطف الشريرة .

    هل هي حكمة الفراغ ؟ أم أنه الصخب الإبداعي المضاد للموت ، و الشر ، و البهجة ، بوصفها مفاهيم أصيلة ؟
    و يتسع مدلول الاختفاء ، حتى يميز الهوية ، و يختلط بآثار العشق ، و الغياب ، و صخب العناصر الحلمية ، و الطبيعية . الاختفاء ينقل دلالاته إلى ذروة الاحتجاب ، ثم الصور المادية الموحشة دون أن يفقد حالته الأولى في صوت المتكلم .

    يقول :
    " أغلقي علي الأبواب من خارج بالمصاريع ، ها هنا مقامي النهائي ، و صبوتي ، أنا الداخلي المستديم ، لا خارج لي ، تصعد بي ، ما الذي جاء بالهديل ، نهر عسل ، و لبن ... شهوات شاسعة ، و جسدي ضيق ... وحوش تطارد الفرائس الهاربة ، الجوارح تنقض ، لا هوادة ، لا يأس . صحوة أم إغماءة . من الفريسة " .

    الهوية الشعرية تلج الفريسة فيما قبل الصيد ، في الظلمة الأنثوية ، و بهجة اتحاد العناصر خارج الوعي بالذات ، أو إدراك حكمة الهزيمة .

    إننا أمام باب يسلب ظهور المتكلم ، بينما يمنحه الخصوصية ، و تكرار صاخب للفريسة دون اكتمال للموت . إنها الاحتمالية الشعرية المتناقضة ؛ و لننظر إلى جملة " لا خارج لي " في النص ، حيث دال / خارج يقع بين السلب في / لا ، و إثبات الهوية في / لي ، و كأن التنازع بين القوى الكونية ، و الصور يصب في التكوين الإبداعي خارج الأصول ، و الخطابات الثابتة .

    المتكلم يطارد الغايات التمثيلية ؛ مثل الهوية ، و العشق ، و الأنثى ، و هو يرغب في إقصائها بصورة لا نهائية ؛ فهو يدفع الوصول ، و الاكتمال خلف اللغة الطيفية ؛ و لهذا نجد نشوءه الإبداعي يسخر من غاية أودسيوس ، و من الصوت الأنثوي الذي يلتحم به .

    يقول :
    " أنا البحار الأبدي ، ضعت في الخلجان و الأرخبيل ، عاريين نمضي ، نشعل الحرائق في المسافات ، و السكينة ، لا رثاء ، لا ندم ... / صوتها / يزحف في جسدي / بلا دبيب / أقتفي أثره / لا أصل " .

    إن رفعت سلام ينقل مركزية الوطن في وعي أودسيوس إلى أصالة البحر / التيه ، و كأنه الممثل الحقيقي للهوية ، هل ترتبط الأصالة – على نحو وثيق – بالضياع ؟ هل هو تيه في الذات ، أم البحر ذي النزعة الأنثوية الغائبة ؟
    إن الحرائق التي يشعلها الوعي توغل في البراءة ، و الحفاظ على سياق ما قبل البدايات ؛ حيث تندمج أخيلة اللاوعي بالكتابة ، فتشكل الحرية ، و تأجيل الحدود .

    و تختلط الشهوة ، بالتدمير ، و الاختراق في الوعي الأنثوي ، و هيمنة دال الفراغ على أخيلته ؛ إذ ينفك في سياقات العبث ، و الاستحالة ، و سطوة الغريزة .

    يقول :
    " أنا فريستك الدائمة / في دمي شهوة الفتك بي / و اختراقي من كل الجهات / شهوات معتقة في السر / محبوسة في ظلمة الجسد / ترعى حلمها بالطوفان " .

    تتعلم الأنثى لا معقولية الكينونة و تؤول اختراق الذات بالظلمة التي ينتجها السياق الشعري لغريزة التدمير الفرويدية ، و كذلك صورة الفراغ التي تشبه الذات في قابليتها للاستلاب ، و التعبير عن الامتلاء في الجنس ، و كذلك الدائرية الأنثوية في الخيال المبدع .

    و تختلط الأنساق الثقافية للنهايات في المقطع السابق بين استشرافها في الغرائز ، و البنية المادية للجسد من جهة ، و استعادة الطوفان بوصفه خلاصا ، و محوا ، و نشوءا متجددا في آن .

    و يبدو التكرار الشعري للسلب في الديوان ممثلا لما بعد البدايات الطيفية التي تناهض ثوابت المادة ، و التأويل الوجودي للذات معا ، أو تمزجه بالمحو كفعل إيجابي لبراءة البداية ؛ فالمفاهيم النسبية حول الإدراك ، و الاختيار الذاتي باتت موضع تساؤل ، و استبدال من قوى التجدد الأصيلة في الكتابة .

    يقول :
    " لا مسيرة أو مخيرة ، من يحمل عني صليب الاختيار الصعب ، لا تدخلني في تجربة ، أريد لا أريد ، فمن يقول لي ؟ بين الأبيض و الأسود لا أريم ، لا أميل ... وجهه أعرفه لا أعرفه ، ينبهني إلى الخواء ، ثم يمضي إلى الضفة المقابلة " .

    التجسد يولد الصلب ، و من ثم الألم . أما التكوين الملتبس ؛ فهو يسير ضد بنيته ، ضد العدم ، إنه يقاوم الكينونة ؛ كي يطهرها من شرك التجربة ؛ فتبدو كقصيدة ، أو كالصوت الآخر / الغائب الذي يؤول الأنثى ، و ينفصل عنها في المساحة الحرة للعب التشبيهات ، و الأصوات في الديوان .

    و من خلال دال الصوت المجرد يقرأ المتكلم حركة اللامعقول الخفية في الصراع ، و الصيد ، و الآلام الداخلية الأكثر ارتباطا بالأنا الأعلى ؛ فالصوت أثر متكرر لعمليتي الصراع ، و الولادة دون نهاية .

    يقول :
    " صرخة تؤاخي الطيور الليلية / ترف برهة غامضة / و تطعن الزوايا المنفرجة / تقضمينني / ألتهمك / هل أنت ندمي الغيبي / لا بأس / ما الذي يطرق الأبواب ، و النوافذ / ما ؟ " .

    القصيدة تستنزف الجسد في الصوت ؛ سواء أكان ممثلا لبهجة القصيدة ، أم دالا على رعب الصرخات الكونية التي تمارس صراعا لعبيا دون مركز فيما بعد النهايات .

    و قد جاء الحرف ما لتغييب أي حدود ممكنة للصوت ، إنه طيف ، أو فراغ ، و لكنه يحفر أثرا كونيا ، و يؤول وجود المتكلم ، و أخيلته .

    و قد تتفاعل مستويات الخصوبة ، و التدمير ، و الكتابة ، و ولوج الذات لتداعيات الصورة ، و كأن التكوين بحد ذاته زيادة مجازية .

    يقول :
    " كلما ابتللت ازدهرت ، نمت لي غصون أنبتت فواكه الفصول المجهولة ، كلما خطوت احترقت ذاكرتي ، و اشتعل هشيمي / لا تطفئوني ، لست حديقة ، لست بستانا ، أنا الموءودة قال كوني كنت ، أنا الصرخة الشاردة " .

    الصوت الأنثوي ينقل نفسه في تكاثر الفواكه ، و انتشار النار ، و الصرخة ، و كأن الأنثى هي احتراق اللغة المناهض للاحتراق المطلق ؛ إذ يستدعي لذة الحب ، و الولادة الجديدة .

    إن كتابة رفعت سلام هنا تقوم على الانقسامات ، و الحالات التشبيهية ، لا النهايات ؛ و لهذا سنجد الضمائر تلج نظائرها ، و كذلك الأخيلة الاستعارية ؛ كي تمنح الصوت حرية الكتابة .

    محمد سمير عبد السلام – مصر
    m-sameer@hotmail.com

    أعلى

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 8:41 am