منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    دلالات الأصوات..........3

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    دلالات الأصوات..........3 Empty دلالات الأصوات..........3

    مُساهمة   الخميس يونيو 30, 2011 7:15 am


    المبحث الثاني: في المقوم التركيبي
    يتحقق المستوى التركيبي أو المقوم اللغوي، في عنصرين من عناصر عمود الشعر،
    إذ يمكن عد حيثيات جزالة اللفظ واستقامته. من ضمن ما يقرأ أسلوبياً في
    مستوى التركيب، وكذلك شرف المعنى وصحته، ثم التحام أجزاء النظم عند
    اقترانها ببناء القصيدة عمودياً على مستوى الأبيات، وليس أفقياً فقط، على
    مستوى البيت الواحد، وما يصدر عنه من أثر إيقاعي أُشيرَ إليه في المستوى
    الصوتي، وكذلك مشاكلة اللفظ للمعنى واقتضائهما للقافية، من جهة تركيب البيت
    الشعري، أي الجملة الشعرية، لا من جهة ما يصدر عنها من تلوين صوتي سبقت
    الإشارة إليه في المقوم الصوتي أولاً.

    أخذ المستوى التركيبي بوصفه مقوماً لغوياً أهمية في التراث النقدي، لأنه
    جعل جل اهتمامه منصباً على الجانب اللغوي للنص الشعري، فاللغة هي الأساس
    الأول الذي بني عليه النقد العربي. وهي الهاجس الأول لدى المهتمين بحقلي:
    اللغة والأدب، والشعر كان يمثل –لدى النقاد –وعاء يحفظ اللغة من الفوضى
    والضياع" فاللغة بهذا المعنى تكاد تؤلف جوهر الشعر، ولا عجب إذن. إن حظيت
    لدى القدماء بكل عناية واهتمام، حتى لكأن النقد اللغوي هو عمود النقد
    العربي برمته وكأن غرام العرب بالشعر، إنما كان منصرفاً قبل كل شيء إلى
    غرامهم بلغته" ([1]).
    ومن هنا نقرأ مكونات الشعر وصفاته وقد تركزت في لغته ([2])، وقد نظر النقاد العرب في لغة الشعر من خلال اللفظ والتركيب كونهما مادته.

    وقد لخص عمود الشعر الصفات التي يجب أن يتوفر عليها اللفظ في أمرين أو
    صفتين هما: الجزالة والاستقامة، "فاللفظ في عمود الشعر ينبغي أن يتوفر فيه
    أمران أو شرطان هما: الجزالة والاستقامة" ([3]).

    وقد أطلقت هاتان الصفتان استناداً إلى قوتين سيطرتا على العقلية النقدية وهما:
    البيئة والمثال (الأنموذج) فالبيئة لها قوة تأثير وسيطرة على صفة المصطلح
    النقدي، إذ استمد منها، قوته ووجوده. أما المثال (الأنموذج) فقد أخذت
    العملية النقدية بالنظر في الأنموذج الجاهلي (الشعر الجاهلي) على أنه القمة
    الأعلى في فن الشعر، وبسبب الظروف التي نشأ فيها، من صحراء وخشونة أصبح
    يمثل شعر القوة والبطولة، ألفاظه قوية جزلة "ومرجع هذه القوة والمتانة في
    اللفظ الجزل، إنه من كلام العرب الفصحاء الذين يرجع إليهم في أمور اللغة
    فيكون ما ينقل عنهم موضع ثقة وأمان من الزيف والانحراف" ([4]).

    فالجزل: الحطب اليابس، وقيل الغليظ، وقيل ما عظم من الحطب ويبس ثم كثر
    استعماله حتى صار كل ما كثر جزلاً، واللفظ الجزل خلاف الركيك ([5]).
    والملاحظ أن الجزالة تدل على القوة والمتانة، فهي تدل على الحطب اليابس
    الكثير والغليظ، وعلى ما عظم من الحطب ويبس، ثم تطورت الدلالة من خلال
    الاستعمال. أما الاستقامة فهي الاعتدال. يقال: استقام له الأمر. أي اعتدل،
    والمتانة والاعتدال صفتان ملازمتان للفظ، يحسن بوجودهما ([6]).

    واللفظ بوصفه (النواة الأولى) التي يتشكل عليها البناء الشعري، أخذ حيّزاً
    من عناية النقاد فأكثروا من صفاته باحثين عن الجانب الجمالي وصولاً إلى
    تحديد ذروة الحسن، لكن الجمال ظل محكوماً بالتصور المحدود بأنماط المعيشة.
    ففعل (القول /الشعر) يمثل الجانب المادي الأول في فعلهم الإنتاجي. والشعر
    ممارسة مادية، أصبحت تشكل لديهم نسغ الحياة، لذا فهم حريصون على تجنب
    الغريب، والعمل على حفظ الصورة الناصعة للشعر الجاهلي، فهو يمثل اللغة
    النقدية الخالية من الدخيل، وهو السور الذي يحفظ اللغة من الاختلاط مع ما
    هو غير عربي، لذا نجد أن كل ما حدث من تليف وتدوين استهدف حفظ النظام
    المعرفي الأول، والثقافة التي تسورها الفطرة، وكل محاولة للخروج على هذا
    الذي صار قاعدة تعد خرقاً وتجاوزاً ([7]). على نحو ما كان من شعراء البديع.

    واستعمال أبي تمام لنمط جديد في الكتابة الشعرية، يقوم على أساس إعطاء النص
    الشعري، بما يحمله من لفظ وتركيب، بُعْداً جديداً، لا يقوم على أساس
    القراءة الأفقية، وإنما على أساس القراءة العمودية (التوليدية) القراءة
    التي تولد معنى يصل بك لـ (معنى المعنى) ([8]) لكن سائر النقاد تأسس حكمهم
    على الوضوح، فالكلام الجيد هو ماتصل إلى معناه من دون كد أو أعمال فكر.
    يقول أبو هلال العسكري: "إن الكلام إذا كان لفظه حلواً عذباً وسلساً سهلا،
    وسطاً، دخل في جملة الجيد، وجرى مع الرائج النادر" ([9]).

    وقد تحددت عيوب اللفظ لديهم في ضوء ما قالوه من شروط أو وضعوه من ضوابط أو
    معايير، فمن عيوب اللفظ: "أن يكون ملحوناً، وجارياً على غير سبيل الإعراب
    واللغة،...، وأن يركب الشاعر منه ما ليس يستعمل إلا في الفرط، ولا يتكلم به
    إلا شاذاً.." ([10]).
    ولما كانت الكلمة الواحدة "لا تشجو، ولا تحزن، ولا تتملك قلب السامع، إنما
    ذلك فيما طال من الكلام، وأمتع سامعيه، بعذوبة مستمعه، ورقة حواشيه"
    ([11])أي عند التركيب، فقد نظر النقاد العرب إلى التركيب على أساس (التركيب
    اللغوي) و(التركيب البلاغي) ويقصد بالتركيب اللغوي ما قد يحمله الشعر من
    تقديم وتأخير، أو أخطاء نحوية وغيرهما. أما التركيب البلاغي فهو ما يحمله
    الشعر من أساليب بلاغية يعتمد عليها الشاعر، وقد أخذ هذا الجانب حيزاً
    كبيراً من اهتمام النقاد لأسباب منها:
    - إن التمكن من اللغة أو الإحاطة (بتقنيات اللغة) لا يجعل الإنسان شاعراً، بدليل عدم صدور شعر كبير عن علماء اللغة والنحو.

    - إن اعتماد الشعراء على الأساليب البلاغية جعل النقاد يبحثون في أصول هذه
    الأساليب ليضعوا القواعد لها، فقد صار الأسلوب البلاغي محط نظر النقاد،
    لأنه شكل نمطاً أسلوبياً جديداً في الكتابة الشعرية.

    - إن المعنى قد يكون غامضاً ومعقداً، إذا دخل الشعر شيء من الأساليب
    البلاغية، وقد تقدم أن النقاد، كانوا يسعون إلى وضوح المعنى، لذلك جعلوا
    للأسلوب البلاغي حدوداً وقواعد، يجب على الشاعر الالتزام بها.
    ومفهوم عمود الشعر للمستوى التركيبي بلاغي يتوفر على الوجهين: اللفظ
    والمعنى، فقد نعت اللفظ بالجزالة والاستقامة، والمعنى بالشرف والصحة، أما
    اللفظ فقد جعل عياره: الطبع والرواية والاستعمال، وما صدر عن كل هذا ووافقه
    فهو المستقيم، وخلاف هذا فإن وقوع اللفظة في نسق غير متوافق يجعل "الجملة
    هجيناً" ويعد الآمدي مثالاً لهذا قول أبي تمام ([12]).
    خانَ الصفاء أخٌ، خانَ الزمان أخاً
    عنه فلم يَتَخوّن جسمهُ الكمد
    إذ عده البلاغيون من الكلام المتعاضل، وما هو بذاك، لأن الشاعر "على
    المستوى التركيبي صاغ نسقاً جعل فيه لفظة (أخ) فاعلاً في حال، ومفعولاً به
    في حالة أخرى وذلك ما اقتضى هذا التداخل البنائي في السياق، لقد كان هم أبي
    تمام أن يجعل البنية مترابطة دلالياً لتوليد المعنى، ولم يكن همه الوضوح،
    لذلك كان البيت خارج عمود الشعر، ولكنه في القياس المقابل، يعد متغيراً
    أسلوبياً، في مفهوم الاستقامة المجرد" ([13]).
    على أن مؤاخذات القدماء على هذا البيت وما شاكله، إنما صدرت عن مفهوم
    لجزالة اللفظ واستقامته، ذلك المفهوم الذي يشترط في اللفظ أن يكون: "رشيقاً
    عذباً، وفخماً سهلاً" ([14])وقد دعا الجاحظ في هذا المفهوم إلى عدم تنافر
    الحروف بالشكل الذي تصعب فيه على المنشد عند الإنشاد ([15]) كما قال بضرورة
    الابتعاد عن العامي والساقط والسوقي والوحشي من الألفاظ، لأن هذه الصفات
    تتعارض مع جزالة اللفظ واستقامته ([16])، على أن بعض النقاد القدماء يجمع
    بين جزالة الألفاظ واستقامتها ([17]).

    وقد بدا المرزوقي ومن أشار قبله لهذا الأمر، باحثاً عن اللفظ الذي يشكل
    بانضمامه إلى غيره سياقاً شعرياً يتسم بالتوازن والتوافق، في خلال تجانسه
    مع قرائنه من الألفاظ على نحو فني.
    أما رأيه في شرف المعنى وصحته، فقد كان أخذاً بما تواضع عليه العرف بدءاً
    من بشر بن المعتمر، حين اشترط في المعنى أن يكون "طاهراً مكشوفاً، وقريباً
    معروفاً، أما عند الخاصة إن كنت للخاصة قصدت، وأما عند العامة إن كنت
    للعامة أردت، والمعنى ليس يشرف بأن يكون من معاني الخاصة، وكذلك ليس يتضح
    بأن يكون من معاني العامة، وإنما مدار الشرف على الصواب، وإحراز المنفعة،
    مع موافقة الحال، وما يجب لكل مقام من المقال" ([18]).

    فالمعنى عند بشر متصف بثلاث صفات هي: الصواب أو الصحة ثم النفع أو الفائدة ثم المطابقة لمقتضى الحال.

    والمرزوقي لم يخرج على الآمدي أو الجرجاني اللذين قالا بضرورة تناسب اللفظ
    والمعنى في الخطاب الشعري، فقد قال الآمدي "ينبغي أن تعلم أن سوء التأليف،
    ورداءة اللفظ، يذهب بطلاوة المعنى الدقيق، ويفسده ويعميه، حتى يحوج مستمعه
    إلى طول تأمل، وهذا مذهب أبي تمام في معظم شعره.. وحسن التأليف وبراعة
    اللفظ يزيد المعنى المكشوف بهاء وحسناً ورونقاً.. وهذا مذهب البحتري.. وإذا
    جاء لطيف المعاني في غير بلاغة ولا سبك جيد، ولا لفظ حسن، كان ذلك مثل
    الطراز الجيد على الثوب الخلق أو نفث العبير على خد الجارية القبيحة الوجه"
    ([19]).

    وينحو عبد العزيز الجرجاني هذا المنحى في ضرورة تناسب اللفظ والمعنى في
    الخطاب الشعري، إذ قال: "أقل الناس حظاً في هذه الصناعة (يعني صناعة الشعر)
    من إقتصر في اختياره ونفيه، وفي استجادته واستسقاطه على سلامة الوزن
    وإقامة الأعراب، وأداء اللغة ولا يقابل بين الألفاظ ومعانيها، ولا يستنير
    ما بينها من نسب، ولا يمتحن ما يجتمعان فيه من سبب، ولا يرى اللفظ إلا ما
    أدى إليه المعنى، ولا الكلام إلا ما صور له الغرض" ([20]).
    ولعل أوضح فهم لعملية الربط بين اللفظ والمعنى، هو ما كان عند الجاحظ
    أولاً، ثم ما قال به عبد القاهر الجرجاني بعد ذلك في نظرية النظم.

    أما الجاحظ في (نظرية المعاني المطروحة) فلم يذهب –حين قال "المعاني مطروحة
    في الطريق يعرفها العجمي والعربي، والبدوي والقروي والمدني، وإنما الشأن
    في إقامة الوزن وتخير اللفظ، وسهولة المخرج، وكثرة الماء، وفي صحة الطبع
    وجودة السبك، فإنما الشعر صناعة وضرب من النسج وجنس من التصوير" ([21])
    -إلى الفصل بين اللفظ والمعنى أو تقديم إحداهما على الآخر، بدليل قوله
    أيضاً: "والاسم بلا معنى لغوي، كالظرف الخالي، والاسم في معنى الأبدان،
    والمعاني في معنى الأرواح: اللفظ للمعنى بدن، والمعنى للفظ روح" ([22])
    وهذا يشير إلى عدم تصور أن من يرى صلة اللفظ بالمعنى هي صلة الجسد بالروح
    يمكن أن يتصور بينهما ممكناً، أو تفضيل أحدهما معقولاً، هذا يشير إلى أن
    براعة الشاعر، لا تتمثل في استخدامه الألفاظ دون المعاني، ولا يصح العكس.
    ثم إن اللفظ عند الجاحظ "لا يعني اللفظ المفرد، بل ما ينتظم بالألفاظ من
    العبارات، شعراً أو نثراً، الشيء الذي يجعل منه الملهم لـ (نظرية النظم)
    التي شهدها الجرجاني" ([23])، وهذا ما يكشف عن رأى الجاحظ بقوله في الشعر
    الجيد، إنه: "ما رأيته متلاحم الأجزاء سهل المخارج، فتعلم بذلك أنه قد أفرغ
    إفراغاً واحداً، وسبك سبكاً واحداً، فهو يجري على اللسان كما يجري
    الدهان"([24])


      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 7:46 am