سعيد بنگـراد
الفصل الثالث:
الشخصية من منظور السميائيات السردية
الشخصية بين التحقق والوجود المحايث
لقد حاولنا في الصفحات السابقة أن نقدم - بأكبر قدر من الشمولية - عرضا لتصورين مختلفين للشخصية داخل النص السردي :
- تصور بروب من خلال كتابه "مورفولوجية الحكاية العجيبة ".
- وتصور لوتمان من خلال كتابه "بنية النص الفني" (الفصل الخاص بالشخصية).
فمن جهة توصلنا إلى أن بروب يضع الشخصية في موقعين مختلفين : الموقع الأول هو موقع البنية، أي النص باعتباره بنية عامة توجد في أساس تشكل النصوص الخاصة. ومن هذا الموقع، فإن الشخصية تختصر في سلسلة من دوائر الفعل. وهذه الدوائر نفسها ليست سوى تجميع لسلسلة من الوظائف المصنفة ضمن خانة دلالية معينة. أما في الموقع الثاني، فإن الشخصية لا تشكل سوى تنويع ثقافي لفعل أصلي يتجاوز الخاص والمتحقق ويعد عنصرا ثابتا داخل البنية : الشكل الكوني.
ومن جهة ثانية، سمح لنا عرض لوتمان باستخراج مجموعة من الخلاصات لعل أهمها أن الشخصية توجد في أساس تشكل النص كنص ذي مبنى، يضاف إلى هذا وجود بنية دلالية هي المبرر لوجود النص. فالشخصية ليست وليدة مستوى التجلي كما توهمنا بذلك القراءة العادية، بل توجد لحظة استشراف بنية مجردة تعود إلى نص ذي مبنى، أي يملك بعدا تصويريا يعد معادلا محسوسا لحد مجرد.
وسنحاول في الصفحات الآتية أن نقدم عرضا عن تصور ثالث يعد، بشكل أو بآخر، امتدادا طبيعيا ومتطورا للتصورين السابقين من حيث المتن الذي تم الاشتغال به، ومن حيث التصور المعرفي العام الذي يحكم التصورين السابقين.
الوجود المحايث
يجب التذكير منذ البداية بأن الشخصيات باعتبارها مكونا من مكونات النص السردي، لا تمتلك، في التصور الگريماصي، وجودا مستقلا يسمح بمقاربتها بعيدا عن مشكلة الدلالية ذاتها. فالتفكير في الشخصيات هو تفكير في سيرورة إنتاج الدلالة أي التفكير في المسار التوليدي الذي يسمح للمعنى بالتحول إلى شكل قابل للإدراك. وبناء عليه فإن ما اصطلح على تسميته بـ"النموذج العاملي" لا يشكل داخل الكون السردي تنظيما استبداليا لسلسلة من الأدوار تقوم بأدائها كائنات ما فحسب، إنه أكثر من ذلك. إنه مرحلة محددة داخل مسار يقود من المجرد إلى المحسوس (من الإدراك المجرد للقيم إلى إدراكها بشكل محسوس ). بل يمكن القول إن عالم المعنى، بتمنعاته وإغراءاته، لا يدرك إلا من خلال تجسده داخل أدوار، إما على شكل صفات تحدد كينونة القيمة، وإما على شكل فعل يعد وجها آخر للقيمة مجسدة داخـل حركة، أي مدرجة ضمن الممارسـة الإنسانية الفعلية : البعد المعرفي في مقابل البعد البدني.
وعلى هذا الأساس يمكن القول إن كل القيم المنتشرة في هذا الكون (بغض النظر عن مضامينها الإىجابية أو السلبية) لا يمكن أن تدرك إدراكا حقيقيا إلا من خلال تجسدها داخل جهاز، أي إسنادها إلى كائنات تقوم بترجمتها في أفعال أو صفات. ولعل هذا ما يسمح لنا بالقول إن للقيم نمطين وجوديين مختلفين يقعان ضمن مستويين مختلفين لإدراك هذا الكون :
- نمط يحدد هذه القيم على شكل ثنائيات، ومن هذا الموقع فإن هذه القيم تمتلك وجودا مستقلا عن منتجها : أي المجموعة البشرية المنتجة لكل القيم المادية والروحية ( الاستقلالية هنا استقلالية نسبية بطبيعة الحال). وهذا يجعلها تشتغل، لحظة تجسدها في سلوك (صفة) أو فعل (وظيفة) كسلطة لازمنية تمارس على الإنسان.
- ونمط يحدد هذه القيم على شكل ممارسة فعلية ( من الفعل )، وما نعنيه بالممارسة الفعلية هو استحضار السياق الثقافي باعتباره لحظة زمنية تقوم بتخصيص هذه القيم زمانيا من خلال إدراجهـا ضمن مرحلة تاريخية معينة ( تاريخانية القيم الإنسانية ) وباعتبارها مضمونا من خلال صبها داخل وعاء نص الثقافة الذي يقوم بتحديد تلوينها الخاص.
إن التجسيد هو المدخل الرئيس نحو خلق سلسلة من الأنساق التي تقوم بتنظيم مجموعة القيم في أشكال محددة في الزمان وفي المكان. وهذا التنظيم يتيح لهذه القيم بالدخول مع بعضها البعض في شبكة من علاقات التشابه أوالتقابل أو الضد. ولعل هذه العلاقات المتنوعة هي ما يحكم نمط إدراكنا للعالم، "فنحن لا ندرك إلا الاختلافات، وبفضل هذا الإدراك يتخذ هذا العالم أمامنا ولنا شكلا ...] ذلك أن الدلالة تفترض وجود العلاقة، إن ظهور العلاقة بين الحدود هو الشرط الضروري للدلالة."(1)
إن الأمـر لا يختلف مع النصوص الفنية. فبما أنه لا يمكن الحديث عن منتوج ما ماديا كان أم روحيا خارج حدود القيـم بإرغاماتها وعلاقاتها وأشكال تحققها، فإن العمل الأدبي، كما يرى ذلك تودوروف، يمكن النظر إليه باعتباره تمظهرا لبنية مجردة بالغة التعميم، ولا يشكل هذا العمل، داخل هذه البنية، سوى تحقق خاص ضمن تحققات أخرى ممكنة. وبعبارة أخرى إننا ندرك العمل الأدبي باعتباره جزءا من نص عام هو نص الثقافة.
من هنا كان تصور گريماص للسردية ولاشتغال النص السردي قائما أساسا على وجود مستوى محايث محدد في بنية دلالية مجردة ( أو محور دلالي ) تنتظم داخلها سلسلة من القيم المضمونية المتمفصلة في سلسلة من العلاقات الموجهة. ومن هذه الزاوية بالضبط سنحاول قراءة مشروع گريماص، وخاصة الجانب المتعلق ببناء الشخصية وبنمط اشتغالها داخل النص السردي.
لقد أشرنا فيما سبق إلى أنه لا يمكن أن نتحدث عن الشخصيات في التصور الگريماصي دون التساؤل عن كيفية إنتاج المعنى والتحكم فيه. ذلك أن هذا العالم يمثل أمامنا على شكل كيان متصل، أي مادة مضمونية تحتاج - لكي تدرك - إلى عملية مفصلة تمنحها شكلا للوجود. فالنموذج العاملي - إحدى المقولات الهامة داخل النموذج التحليلي الذي يقدمه گريماص - لا يمكن فصله عن النموذج التكويني باعتبار أنهما يحتلان نفس الموقع داخل المستوى المحايث، أي الشكل التنظيمي الأولي لعالم قابل للتحقق.
وبناء عليه سنتناول بالتحليل بعدين رئيسيين داخل المسار التوليدي :
1 -البعد الأول يعود إلى النموذج العاملي وموقعه داخل هذا المسار.
2 -البعد الثاني يخص بنية الممثلين وموقعها أيضا داخل هذا المسار.
واستنادا إلى هذا، سنحاول ضبط عملية التحول من العامل إلى الممثل، وارتقاء الممثل إلى موقع عامل ضمن عملية جدلية تربط محطات المسار التوليدي بعضها ببعض. وهذا الربط بين المستويات والانتقال من مستوى إلى آخـر داخل المسار التوليدي المسؤول عن إنتـاج وتداول المعنى هو ما حاولت نظرية گريماص إنجازه عبر الاعتماد على تصور يجعل من الدلالة كيانا لا يعبأ بمادة تمظهره. ومن " أجل الوصول إلى ذلك كان على هذه النظرية أن تعمق - انطلاقا من أعمال بروب - بنية التنظيم العاملي / الحدثي، واختصار التدليل اللفظي في علاقات عاملية على نفس القدر من التجريد الذي تتميز به التمفصلات المعنمية التي تقوم، إجمالا، بمراقبة التقطيع التوزيعي. ( 2 )
1 - المسار التوليدي وبناء الشخصية.
وهكذا يقترح گريماص، في أفق إنتاج الدلالة والإمساك بها، ثلاثة مستويات داخل المسار التوليدي، وكل مستوى من هذه المستويات يشتمل على مكونين :
- مكون دلالي
- ومكون تركيبي
وكل مكون يقود إلى الآخر ضمن سيرورة منتظمة تقود إلى تحديد الدلالة داخل كون مـا. إن المكون الدلالي داخل المستوى الأول يتشكل مما يسميه گريماص بالدلالة الأصولية المدركة كبنية دلالية أولية. وتتميز هذه البنية بطابعها المنطقي اللازمني. إننا أمام كتلة فكرية عديمة الشكل غير قابلة للإدراك، إلا إذا انفجرت في قيم متحققة على شكل مسارات مشخصة في المستوى السردي. وبما أن الأمر كذلك فإن "وصف هذه البنية، في استقلال عن استعمالها، أو في استقلال عن القدرة في التحكم فيها تركيبيا، سيختصر في تحيين مفصلة، أو تقطيع شكلي في وحدات دلالية مختلفة. " (3) وسنكون مع هذه البنية، أمام سلسلة من الثنائيات من نوع :
أبيض (م) أسود
طويل (م) قصير
حرية (م) استعباد الخ
وهذه الثنائيات غير قابلة، في ذاتها - لإنتاج دلالة ما إلا إذا دخلت في شبكة من العلاقات تمنحها وجها إجرائيـا. وهذا الوجه الاجرائي هو ما يشكل المكون التركيبي داخل المستوى الأول. ولا نقوم - داخل هذا المستوى - إلا بنقل البنية من وضع إلى وضع، من حالة إلى حالة أخرى. من حالة السكون والثبات إلى حالة الحركة والزمنية. إن الوجه التركيبي للبنية الدلالية يقتضي طرح سلسلة من العلاقات يجملها گريماص في :
- علاقات ضدية
- علاقات تناقضية
- علاقات اقتضائية
وهذه العلاقات هي ما يشكل المربع السميائي، أو النموذج التكويني. ذلك أننا نقوم بعملية إسقاط لحدود المقولة المعنمية التامة (المحورالدلالي ) كـ : "حجم" على المربع السميائي لنحصل على الترسيمة التالية :
فمن أجل انتقاء العنصر الضدي يجب إسقاط العنصر المناقض. وبناء عليه فإن إسقاط المحور الاستبدالي على المحور التوزيعي معناه استخراج العمليات من صلب العلاقات. فإذا كان النص السردي ينطلق من حالة بدئية إلى حالة نهائية ضمن سيرورة خطية معطاة من خلال التجلي السطحي، فإن هذا يفترض أننا ننتقل من طرح حالة من أجل نفيها للوصول إلى طرح حالة من أجل إثباتها. فما بين الحالة الأولى والحالة النهائية، تتسرب حالة لا يمكن أن تتطابق لا مع الحالة الأولى، ولا مع الحالة النهائية. إنها لحظة سردية تستوعب داخلها إمكانيات النفي والإثبات (ما يشكل، على المستوى التركيبي، دائرة التحول) . "فعندما يتم إنجاز عملية من هذا النوع على حدود مستثمرة قيميا، فإن ذلك سيؤدي إلى تحويل للمضامين: نفي المضامين المطرحة وإثبات أخرى. (4)
أما المستوى الثاني فيتكون هو الآخر من مكون تركيبي ومن مكون دلالي. فإذا كان التركيب في المستوى الأول هو عملية قلب تجعل من العلاقات تشتغل كعمليات (عوض أن ننظر إلى المربع السميائي كسلسلة من العلاقات ذات الطابع اللازمني، سننظر إليه باعتباره سلسلة من العمليات )، فإن التركيب في المستوى الثاني يقتضي عملية قلب جديدة تُجرى هذه المرة على العمليات ذاتها. وهذا القلب لن يتم إلا من خلال تحويل العمليات إلى فعل تركيبي يستدعي دخول ذات الخطاب كشرط ضروري لتحريك المربع السميائي. ويطلق گريماص على هـذه العملية : التسريد ( narrativisation) . (5)
والتسريد معناه تحويل المجرد إلى عنصر محسوس، وبعبارة أخرى منح البعد الدلالي العام وجها تصويريا قابلا للادراك من خلال التجلي النصي. وهكذا نكون أمام التباشير الأولى للبعد السردي المشخص. فعملية تحريك النموذج التكويني تفترض أننا أمام سلسلة من الحالات والتحولات (والبعد السردي ليس شيئا آخـر سوى تتايع حالات وتحولات) : من النفي إلى الإثبات أو من الإثبات إلى النفي.
يضاف إلى ذلك الأداة التي تقوم بعملية التحول، أي المحفل الذي يقوم بإنجاز التحول من مضمون إلى مضمون. وهذه العملية، بكل أبعادها، هي ما يسمح بالحديث عن النموذج العاملي باعتباره بؤرة تختصر وتكثف مجموع الادوار القابلة للتحقق انطلاقا من كون دلالي مجرد. وهذه الأدوار هي تسنين لسلسلة من السلوكات وتثبيتها في أشكال عامة.
وكما كان "المربع السميائي" وليد إسقاط حدود المحور الدلالي على شكل علاقات متنوعة، فإن النموذج العاملي هو نتاج إسقاط العمليات على شكل فعل وفاعل : وظيفة وعامل.
ومع ذلك، فإننا، لم نغادر بعد، في هذه المرحلة المستوى المحايث (المستوى العميق). فالسردية لازالت هنا منظمة بشكل مجرد بعيدا عن أي تحقق مشخص. ولن تكون كذلك إلا باستشرافنا آفاق تحول ثالث سيقود إلى التمظهر اللساني أو غير اللساني، مادامت الدلالة في - عمقها - لا تعبأ للمادة التي تشتغل كحامل تعبيري لها.
أما المكون الدلالي فيتشكل هو الآخر من عملية قلب تُجرى على الحدود المجردة، أي انطلاقا من المعانم المشكلة لحدود المحور الدلالي في بعده التجريدي. وهكذا فإن المعانم عندما تدخل في علاقة مع المعانم السياقية ( classèmes)، فإنها تولد سلسلـة من الآثـار المعنوية أو السميمات ( sémèmes ). وعملية القلب هاته تحدد "الهوة الفاصلة بين المضمون القابل للتحقق والمضمون المتحقق فعلا في هذا اللسان الطبيعي أو ذاك". (6)
والمثال التالي قد يسمح لنا بتوضيح هذا التحول، فعندما نقول : "رجل يعوي "، سنكون أمام مجموعة من العناصر المترابطة فيما بينها تجعل من إمكانية إسناد فعل "عوى" إلى "الرجل " أمرا ممكنا : ومن بين هذه العناصر يمكن ذكـر :
- سلسلة من المعانم : إنسان + عاقل + راشد + مذكـر .
: صوت + حيوان ...
ثم هناك معنمان سياقيان أساسيان :
-إنساني
- حيواني .
إلا أن المضمون المتولد عن دخول المعانم الأولى في علاقة مع المعانم السياقية يمكن أن يتحدد في ضجيج بدون فائدة أو - هذيان - همجية- وحشية، ألم ... إلى غير ذلك من الآثار المعنوية التي تفترض مستوى أعلى لكي تستقيم دلالة. وبناء عليه فإن " مجموعة محدودة من المعانم قادرة على توليد عدد هائل من السيميمات التي يمكن تحديدها في ملايين ومليارات النماذج ".( 7)
وكما أشرنا سابقا، فإن الانتقال من العمليات إلى الفعل التركيبي لا يشكل انتقالا من مستوى عميق إلى مستوى سطحي، أي مستوى التجلي اللساني. وكذلك الأمر مع المكون الدلالي. ذلك أن عملية التحول من المعانم إلى السميمات ( الآثار المعنوية ) لاتشكل تحولا من المجرد إلى المشخص. '' فالربط بين المعانم والمعانم السياقية الذي يسمح بالمرور إلى مستوى أعلى هو ما يشكل تجلي المضمون باعتباره كذلك، إلا أنه لا يجب خلطه مع التجلي اللساني أو النصي( 8 ).
إن عمليات القلب المتتالية هاته ستنتهي بنا إلى طرح آخر مستوى ( المستوى الثالث ) داخل المسار التوليدي. ويعتبر هذا المستوى أشد المستويات محسوسية داخل سيرورة إنتاج الدلالة باعتباره يعود إلى ما يبدو في الظاهر، أي إلى المعطى المباشر من خلال التجلي النصي. " فإذا سلمنا بإمكانية القلب الخاصة بإسقاط الاستبدالي( المورفولوجيا التصنيفية ) على التوزيعي ( التركيب الاجرائي ) الذي يقود إلى تحويل المعانم العميقة إلى وحدات مستترة قابلة للتناول كهويات مجردة وكوحدات مضمونية، سيكون بإمكاننا التحول إلى مستوى آخر : أي المرور من التركيب الأصولي إلى التركيب السردي المشخص ( السطحي ) ( 9 ) ''.
وهذا ما سيسمح لنا الآن بالمرور إلى المستوى الموالي داخل عملية إنتاج الدلالة ونمط وجود الشخصيات.
2 - التجلي أو الوجود المشخص.
إن وصفنا لهذا المستوى بالمحسوس والظاهر والمباشر والمعطى لايعني أننا أمام مستوى بسيط وقابل للإدراك المباشر. إنه على العكس من ذلك، يعد أشد المستويات تعقيدا وتركيبا وتنافرا. ''ولأننا تعودنا على الانسياق وراء'' الظاهر'' فإننا نجد صعوبة قصوى في إعطاء تقييم حقيقي للتجريد الگريماصي، رغم أن هذا التجريد يقوم - في التقليد العلمي الخالص -بحل اللامرئي البسيط محل المرئي المعقد (10) ."
ويشتمل هذا المستوى على تركيب خطابي ودلالة خطابية (11) وكل مكون من هذين المكونين مرتبط أشد الارتباط بالعناصر المنضوية داخل المستويين السابقين. فالتركيب الخطابي هو نتاج عملية قلب ثالثة تنصب على عناصر التركيب الأصولي. فمن جهة نقوم بإسقاط الزمن كحد فاصل بين السكون وبين الحركة، لتتحول الحدود اللازمنية إلى حدود تدرك داخل الزمن.
وبعبارة أخرى نقوم بصب التجربة المضمونية المجردة داخل وعاء الزمن. فبما أننا لايمكن أن نتحدث عن عملية إعطاء بعد تصويري للبعد المجرد دون طرح التزمين ( إدراج الفعل ضمن عجلة الزمن) كبرمجة أولية للأحداث، فإننا لانستطيع أن نتحدث عن سرد دون طرح الزمن كحد فاصل بين الصمت والكلام.
ومن جهة ثانية يأتي التفضيىء كوعاء يستوعب عملية القلب فضائيا. فإذا كان الزمن عنصرا أساسيا في الحديث عن توزيع يسمح لاحقا بإمكانية تفكيك النص إلى وحدات، فإن الفضاء هو الإطار الذي يرسم حدود الأحداث داخل الزمان. إن طرح الفضاء كوعاء قابل لاستيعاب الأحداث معناه خلق نقطة فضائية تشتغل كمرجع للاحداث، وهو ما يقابله، على مستوى التلقي، خلق وهم مرجعي أو وهم واقعي.
إن الفضاء والزمان يشتغلان - داخل هذا المستوى- كنقطة إرساء موجهة لفعل القراءة ولفعل الابداع. و'' ما يجعل من البرمجة الزمانية والفضائية أمرا ممكنا هو فردنة الممثلين .'' (12) وهذه الملاحظة تؤدي بنا إلى طرح آخر عنصر داخل التركيب الخطابي، ويتعلق الأمر بعملية خلق الممثل (actorialisation) أي الإجراء الذي يحول العوامل إلى ممثلين مفردنين.
إن التفضيىء والتزمين يشيران بشكل مباشر إلى عالم مؤنسن. وبعبارة أخرى فإن تحققهما داخل النص السردي يمكن أن يشتغل كإسقاط لوضعيات إنسانية قابلة للتصور، حيث تتحرك كائنات على شكل أفعال ومواصفات. إن هذا العالم يحتاج - لكي يشتغل بشكل تام - إلى ذوات تأخذ على عاتقها أنسنة الفضاء والزمان.
ومن هنا كانت الحاجة إلى عملية تحويل تقود من العامل إلى الممثل. وبعبارة أخرى، إن العامل ينفجر - على المستوى السطحي - في عدد لامحدود من الممثلين، وإحصاء الأدوار التي يقوم بها هؤلاء الممثلون داخل النص السردي وتجميعهما في دوائر محددة هو ما يسمح بالارتقاء مجددا إلى مستوى العامل باعتباره وحدة تركيبية دلالية ليست معطاة من خلال التجلي النصي. '' فإذا كان التركيب العاملي هو الذي يحكم الممثلين، فإن هؤلاء الممثلين سيشكلون المحفل الحاسم الذي يعد ضمانة للربط بين التركيب والدلالة، بين الخطابي والسردي داخل المسار التوليدي . '' (13)
فإذا كان بإمكاننا القول بأن الوظيفة والمواصفة مرتبطتان ارتباطا وثيقا حيث يتم الانتقال من الوظيفة كفعل متحقق إلى المواصفة كفعل محتمل، ومن المواصفة إلى الوظيفة كانتقال من الاحتمال إلى التحقق :
مستبد : مواصفة تقود إلى وظيفة ( استبد )
استبد : وظيفة تقود إلى مواصفة ( مستبد ) .
فإن الممثل سيكون هو عنصر الربط بين الوظيفة والمواصفة بين الدور العاملي والدور الثيمي. من هنا يتحدد الممثل كجمع بين دورين على الأقل : دور ثيمي ودور عاملي. إنه يعد، من هذه الزاوية، نقطة الربط الأساسية بين البنيات السردية والبنيات الخطابية (14).
أما على مستوى الدلالة الخطابية، فإننا نعثر على سلسلة من العناصر التي يمكن ردها إلى إجراء مركزي يشكل نقطة نهائية داخل المسار التوليدي. ويطلق گريماص على هذا الإجراء الصورنة ( figurativisation ). ويشتمل هذه الصورنة على الوحدات المعجمية أو الصور اللكسيمية، كما يشتمل على المسارات التصويرية، وكذا على التشكلات الخطابية. فالوحدة المعجمية الأولى تقود إلى الثانية، والثانية تقود إلى الثالثة. فالبعد التصويري داخل خطاب معين يحدد طريقة خاصة في تناول قيم العالم أو هو يشكل ما يطلق عليه عادة رؤية للعالم. وهي طريقة تستند إلى الصور التي يوفرها هذا العالم نفسه.
إن الوحدات المعجمية المنظمة لعدد هائل من المعانم، أي لسلسلة الإمكانات الدلالية (15) تتحول، بفعل العلاقات التي قد تنسجها مع وحدات أخرى من نفس البعد الدلالي، إلى مسارات تصويرية محددة لحقل دلالي موحد. وهذه المسارات ليست سوى تنظيم توزيعي لمجموعة من اللكسيمات. ويقوم هذا التنظيم، وفق هذا المحور، باختصار وتكثيف وحدات نصية متفاوتة الحجم ضمن إطار دلالي يضمن قراءة منسجمة.
ومن زاوية أخرى، يمكن التعامل مع هذه الوحدات اللكسيمية وفق المحور الاستبدالي. إن انتظامها وفق هذا المحور يؤدي بنا إلى الكشف عن التشكلات الخطابية، والتشكلات الخطابية ليست سوى تجميع لسلسلة من المسارات التصويرية ( parcours figuratifs ) بهدف تخصيص وحدات خطابية أكبر من الجملة.
وسيتضح لنا من خلال المثال التالي ( وهو مثال نطرحه للتوضيح لا للتحليل الدقيق ) مدى الترابط بين هذه الوحدات الثلاث : اللكسيم و المسار التصويري و التشكل الخطابي. ولنأخذ لكسيم : "خط ". إنه يحتوي على دلالة قارة ( نواة معنمية ) يمكن تحديدها في " كل ما يربط بين نقطتين داخل الفضاء "، ودلالات أخرى محتملة أي قابلة للتحقق جزئيا أو كليا داخل هذا الخطاب أو ذاك. ويمكن أن نصوغ هذه الدلالات المحتملة على الشكل التالي :
- خط سياسي ــــــــــــ ( المسارالتصويري 1) الالتزام بسلسلة من مقتضيات تيار ما. وتتحقق هذه الإمكانية الدلالية من خلال مجموعة من المفردات التي تحيل على الحقل الدلالي : سياسي.
- خط إيديولوجي ـــــــ ( المسارالتصويري 2) الالتزام بسلسلة من مقتضيات تصور خاص للعالم. وتتحقق هذه الإمكانية الدلالية أيضا من خلال سلسلة من الوحدات التي تحيل في مجملها على الكون الدلالي الذي تحيل عليه الإيديولوجيا.
- خط ديني ــــــــ ( المسارالتصويري 3) الالتزام بسلسلة من القواعد التي يفرضها اعتناق دين ما. وتتحقق هذه الإمكانية من خلال حقل دلالي ينظم سلسلة من الصور اللكسيمية الدالة على الدين.
- خط اجتماعي ـــــــــ ( المسارالتصويري 4) وهو ما يحيل على الامتثالية، وهي طريقة أخرى للقول إن الفرد يجب أن يمتثل في سلوكه لمقتضيات أخلاق مجتمعه وألا يتجاوزها أو يخرقها أو يسيء إليها. وهنا أيضا يمكن أن نتصورحقلا دلاليا ينظم سلسلة من الصورالتي تحيل على الكون " الامتثالية الاجتماعية".
إن مختلف هذه التصورات الخاصة باللكسيم " خط " ، تحدد لنا تشكلا خطابيا. ودور الخطاب أمام هذا التشكل يكمن في انتقاء هذه الإمكانية أو تلك، أو الجمع بين مجموع هذه الإمكانيات داخل إطار نصي يحدد للخطاب هويته. وبناء عليه، '' تبدو التشكلات الخطابية باعتبارها نوعا من المحكي الذي يملك تنظيما تركيبيا دلاليا مستقلا. إنها قابلة للانضواء داخل وحدات خطابية واسعة من خلال حصولها على دلالات وظيفية متطابقة مع الإطار العام . '' (16)
وفي ختام هذه الفقرة يمكن القول إننا لم نقم إلا باعطاء الخطوط العريضة لعملية القلب الثالثة هاته التي تقود من السميمات إلى الثيمات مجسدة في العناصر التي تمت الإشارة إليها. وسنعود في الفقرة الموالية إلى دراسة عنصر آخر داخل الدلالة الخطابية هو الدور الثيمي. وقد أجلنا الحديث عن هذا العنصر لكي ندمجه، عند تناولنا لبنية العوامل وبنية الممثلين، داخل التصور العام الذي يحكم بناء الشخصية عند گريماص.
ومن خلال كل العناصر التي حاولنا أن نعرض لها في الصفحات السابقة سيتضح لنا أن سيرورة إنتاج النصوص السردية يمكن النظر إليها كنسق من عمليات القلب المتتالية، يشكل النموذج التكويني نقطة انطلاقها الرئيسية. فهو يشكل نقطة مرجعية من الناحيتين الدلالية والتركيبية يستند إليها النص لكي يتحول إلى شكل مرئي من خلال مادة تعبيرية لسانية أو غير لسانية.
وبعبارة أخرى، إذا كان النموذج التكويني هو صيغة أخرى لعملية التسنين التي تخضع لها كل جوانب الحياة الإنسانية، فإن تسريد هذا النموذج يعتبر فكا لهذا السنين والعودة من جديد إلى مساءلة الحياة من خلال عناصرها المحسوسة مجسدة في سلوكات فردية أو جماعية خاصة.
3 - الشخصية من التجريد الى الفعل الحدثي
إن هذه الصورة التي حاولنا رسمها للنموذج المولد للنصوص السردية باعتبارها مواد تعبيرية لتجلي الدلالة، ستقودنا الآن إلى تقليص هذه السيرورة، واختصارها في عنصر واحد هو الشخصية. وتناولنا للشخصية سيفرض علينا المرور من النموذج العاملي كصيغة تنظيمية للفعل الإنساني المحتمل، للوصول إلى بنية الممثلين كوحدة تنتمي إلى التركيب الخطابي كمعطى ظاهري. وعملية التقليص هاته تدلنا على أن النموذج العاملي، باعتباره محطة من محطات المسار التوليدي، يقع في مستوى توسطي بين المحايثة والتجلي. إنه عنصر مندرج ضمن المستوى المحايث عندما ننظر إليه في علاقته بعناصر المستوى السطحي، ومندرج ضمن المستوى السطحي عندما ننظر إليه في علاقته بعناصر المستوى العميق.
وهذه النظرة المزدوجة هي ما يجعل من المستوى السردي، باعتباره البؤرة الحاضنة للنموذج العاملي، يشتغل كمستوى توسطي في سيرورة إنتاج الدلالة. ذلك أن القلب هو الذي يسمح بالمرور من مستوى النحو الأصولي إلى مستوى التركيب العاملي المشخص.
وهذا أمر بالغ الدلالة، "فالمقولات الدلالية التي لم تكن من قبل سوى قيم لسانية ستتحول إلى قيم أكسيولوجية ( valeurs axiologiques ) مودعة في موضوعات تركيبية، وستتحول العلاقات التصنيفية إلى ملفوظات حالة، كما ستتحول العمليات التركيبية المندرجة في التركيب الأصولي إلى فعل تركيبي مشخص يحكم ملفوظات حالة. وهكذا نمر من التركيب البنيوي الشكلي إلى تركيب حدثي للفعل، '' لمعنى الحياة '' و '' للرغبة ''. (17) وبناء عليه، فإن النموذج العاملي يمكن أن يشتغل، في ضوء عمليات القلب هاته، كمعادل تجريدي لبنية الممثلين (التكثيف الذي يصيب العناصر المتنوعة والمتعددة داخل التركيب الخطابي).
فمن التركيب الأصولي إلى التركيب العاملي المشخص، إلى التركيب الخطابي لا نقوم إلا بالنظر إلى نفس العنصر من زوايا مختلفة وفي مظاهره المتعددة. فإذا كان التركيب الأصولي يرسم حدود خطاطة شكلية مغرقة في التجريد تتناول الفعل الإنساني في صورته المثلى، أي في صورة علاقات مغرقة في الشكلية، فإن التركيب العاملي المشخص يحول هذا الفعل من مستواه التجريدي العام ليطرحه على شكل وضعيات إنسانية تتصف هي الأخرى بالتجريد والعمومية ولكنها قابلة للتصور من خلال تجسدها داخل سلسلة من العلاقات التقابلية ( الخانات التي يحتوي عليها النموذج العاملي ). ومن عملية التشخيص هاته ننطلق إلى تصور عملية ثالثة تقوم بتخصيص البنية العاملية داخل وضعية خاصة : أي داخل نص متحقق يملك تلوينه الإيديولوجي الخاص. وهذا يفترض استشراف بنية للممثلين تأخذ على عاتقها تجسيد العوامل في محافل ممعجمة ومتفردة ( ممثلين لهم أسماء وهويات اجتماعية واضحة، في مقابل أدوار اجتماعية مبهمة).
وهذه التحولات ليست منفصلة عن التحولات التي تلحق الدلالة الأصولية. ففي انتقالنا من مستوى النموذج التكويني ( البنية الدلالية المنظمة للمحاور ) حيث تكون الدلالة منفصلة عن مادة تمظهرها، إلى مستوى التمظهر، نقوم بمنح هذا النموذج وجها مشخصا، أي نقوم بعملية تسريد للبنية المفهومية، من خلال طرح العمليات. والعمليات تقتضي إدخال الفعل التركيبي ( الحد السردي المشخص، في مقابل الحد المفهومي المجرد ).
إن الفعل التركيبي، بما هو نشاط محسوس، يقتضي دخول ذات الخطاب باعتبارها المحفل الذي يقوم بعملية الاثبات أو النفي الخاصة بالمضامين القابلة للاستثمار داخل النص السردي. وبناء على هذا التصور، يمكن القول إن إنتاج حكاية ما ( نص سردي بغض النظر عن التسمية : رواية، قصة قصيرة، مسرح، سينما ...) ليس شيئا آخر سوى تحويل المفهومي ( المجرد ) إلى عنصر مشخص ومحسوس.
وسنقدم الآن مثالا بسيطا لتوضيح عمليات القلب هاته، وكذا التداخل الموجود بين المستويات. ويتمثل ذلك في الملفوظ التالي :
انتصر عيسى على الجهل
إننا أمام ملفوظ بسيط قادر على توليد سلسلة لامحدودة من الحكايات ويحتوي على العناصر التالية :
- ذات ( عيسى)
- موضوع ( جهل)
- وظيفة ( انتصر وتجمع بين الذات والموضوع تركيبيا ودلاليا ) .
وعليه يمكن تحديد أي ملفوظ بسيط في الشكل التالي :
م س = و ( ع )
(م = ملفوظ ، س = سردي ، و = وظيفة ، ع = عامل .)
إلا أنه بإمكاننا استخراج عناصر أخرى ليست معطاة بشكل مباشر داخل الملفوظ، بل هي مفترضة من خلال العناصر المتحققة داخله. وتتمثل هذه العناصر في التقابل :
جهل ( م ) معرفة
وهو تقابل معطى استبداليا من خلال تحقق الجهل داخل الملفوظ. فوجود الجهل يفترض وجود المعرفة، ولايمكن تصور الجهل دون طرح المعرفة كحد مقابل. فالانتصار على الجهل يفترض تحقيق المعرفة. فالذات ( عيسى ) مرتبطة بموضوعين في الآن نفسه : مرتبطة بالجهل كموضوع سلبي، ومرتبطة بالمعرفة كموضوع إيجابي.
- وهناك من جهة ثانية النظرة المحايثة لهذا الملفوظ. ذلك أن هذا الملفوظ ليس إلا تحققا خاصا ضمن تحققات أخرى ممكنة لبنية دلالية سابقة عن تمظهره. فبإمكاننا الارتقاء بهذا الملفوظ إلى مستوى أعمق، حيث نكون من جهة أمام دلالة أصولية محددة في محور دلالي ( س ) ويربط بين : جهل ( م ) معرفة.
وهذه الثنائية يمكن إسقاطها على المربع السميائي لكي نخلق سلسلة من العلاقات ( الضدية - التناقض - الاقتضاء).
فمن خلال إسقاط البنية الدلالية على شكل علاقات محددة داخل المربع، يمكن أن نتصور الخطوط العامة لاشتغال نص سردي ما. فعملية إدراك الشيء تتطلب إسقاط الحد المناقض من أجل انتقاء الحد المعاكس من :
من "الجهل "إلى"الاجهل "إلى "المعرفة " . فما يقوله الملفوظ السابق : "عيسى انتصر على الجهل " يفترض، من خلال الوظيفة ذاتها، أي فعل '' انتصر ''، أن هناك معركة ضد شيء ما، وأن هذه المعركة تتطلب زمانا، كما تتطلب فضاء. وعليه فإن الانتقال من الجهل إلى المعرفة يفترض حالة لا هي بالجهل ولا هي بالمعرفة، ويتطلب وجود دائرة ما ( فضاء نصي ما ) يتوسط الجهل (كمضمون مقلوب ) والمعرفة ( كمضمون مطروح ). وبعبارة أخرى يتطلب وجود دائرة ما تقوم بفصل المضمون المراد نفيه عن المضمون المراد اثباته، وهي الفترة الزمنية التي يتطلبها الخروج من دائرة الجهل لولوج عالم المعرفة.
- ثم هناك، من جهة ثالثة، تركيب أصولي. ويتجلى هذا التركيب من خلال تحويل هذه العلاقات إلى عمليات. وهكذا عوض أن ننظر إلى هذه العناصر باعتبارها حدودا مرتبطة فيما بينها بعلاقات ثابتة وغير موجهة، سننظر إليها من خلال عملية النفي والإثبات، أي عملية نفي الجهل وإثبات المعرفة. وهذه العمليات تتشخص ( تأخذ بعدا مشخصا) من خلال إدخال الفعل التركيبي. وفحوى الفعل التركيبي، هو استخراج الفعل من صلب العمليات، أي طرح عامل ووظيفة : ذات تقوم بنفي الجهل لتثبت المعرفة، مادام الإمساك بالمعنى وتداوله يقتضي دائما وجود عالم مؤنسن.
- ويمكن أن نضيف عنصرا آخر، وهو عنصر متحقق داخل الملفوظ، ويتحدد هذا العنصر في تحويل العوامل إلى ممثلين ( عيسى في المثال السابق ) وتحويل الوظائف إلى أفعال حدثية ( انتصر في المثال السابق). وهذه العملية الأخيرة هي ما يحدد النص السردي باعتباره شكلا مدركا من خلال مادة تعبيرية ما.
وبناء على ما سبق، وكما حاولنا شرح ذلك من خلال هذا المثال البسيط، يمكن القول إن النحو الأصولي المتميز بطبيعته المفهومية، لا يمكن أن ينتج حكايات مشخصة إلا إذا خضع، في مستوى توسطي، لعملية تمثيل تشخيصية، وهذا المستوى المشخص هو الذي نطلق عليه النحو السردي المشخص. '' (18)
إن طرح الوظيفة كأهم عنصر داخل الفعل التركيبي، وطرح العامل كمحفل يحين هذه الوظيفة على شكل ملفوظ سردي بسيط، يدفعنا إلى التساؤل عن كيفية ظهور هذا العامل، وعن كيفية ظهورالوظيفة لحظة التحقق النصي ؟
إن العالم يمثل أمامنا على شكل أفعال ومواصفات وفاعلين ضمن حركة تفاعلية تجعل من كل عنصر من هذه العناصر يستند، في تحققه، إلى العناصر الأخرى. من هنا يمكن القول بأن '' الكون المتجلي يشكل في مجمله، قسما قابلا للتحديد من خلال مقولة '' الكلية ''. وتقوم هذه المقولة التي ننظر إليها، تبعا لتصور بروندال، باعتبارها تتمفصل في :
المنفصل ( م ) المندمج
بتقسيم هذا العالم، من خلال تحقيق أحد معنميها، إلى قسمين فرعيين يتشكلان في الحالة الأولى من وحدات منفصلة وفي الحالة الثانية من وحدات مدمجة. '' (19)
وفي ضوء هذا التص،ور يمكن القول إن هذا الكون يشتمل على نوعين من الآثار المعنوية. وكل نوع من هذين النوعين يتطابق مع نشاط معين. هناك من جهة السميمات التي ندركها كمحمولات تضاف إلى ما ليس هي، وهناك من جهة ثانية السميمات التي تشكل سندا لهذه المحمولات : الأولى مندمجة والثانية منفصلة، >وسنحتفظ باسم عامل من أجل تعيين القسم الفرعي للسميمات المحددة كوحدات منفصلة، وإعطاء اسم محمول لتعيين السميمات التي ينظر إليها كوحدات مندمجة'' . (20)
وإذا تركنا العامل جانبا، لنهتم فقط بالمحمولات، فإننا نلاحظ أن هذا المحمول قابل للتناول من زاويتين:
- الزاوية التي تتحقق داخلها فكرة الدينامية
- الزاوية التي تتحقق داخلها فكرة السكونية ( 21)
ففي الحالة الأولى سننظر إلى المحمول باعتباره وظيفة، ذلك أن الدينامية تشير إلى الفعل وإلى الحركة، أي إلى كل الأفعال التي تمكن للخيط السردي بالتقدم إلى الإمام. أما في الحالة الثانية فسننظر إلى المحمول باعتباره مواصفة أي سلسلة من النعوت التي يمكن إسنادها إلى عامل ما. ويتطابق هذا المحمول عادة مع الوضعيات التي توضع إما بهدف النفي وإما بهدف الإثبات
وبناء عليه '' فإن اشتغال الخطاب يكمن في طرح عدد من الكيانات (شخصيات، أشياء، أماكن ... ) ومنحها تدريجيا سلسلة من الخصائص : بداية سنكون أمام عوامل نضيف إليها بعد ذلك محمولات، وهذا ما يتطابق مع الفعل التركيبي لحظة انتشاره في الـ "هنا والآن ". فإذا أخذنا في الاعتبارالعلاقة : عامل / محمول من منظور نسقي، بدل الاكتفاء بالنظام التوزيعي للاجراء ( النشاط التركيبي )، أمكن القول، بأن العوامل، باعتبارها مضامين مستثمرة، تتشكل من جذر من المحمولات . '' (22)
وإذا كانت القراءة البسيطة تدلنا على أن العامل هو المسؤول عن سلسلة النعوت والأفعال التي تسند إليه أثناء التجلي النصي، فإن نظرة استبدالية متجاوزة للانتشار التوزيعي تدلنا على عكس ذلك. وستكون المحمولات (وظائف، مواصفات ) هي الخالقة للعوامل. فما يبدو من جهة نظر التأويل باعتباره عنصرا سابقا ( أسبقية العامل على المحمول ) يعد من جهة نظر التوليد عنصرا لاحقا ( أسبقية المحمول على العامل ).
إن هذه التحولات التي قادتنا من المعنم ( الدلالة الأصولية ) إلى السيميم ( ما يتولد عن الدلالية السردية ) إلى استخراج عنصرين مترابطين العامل والمحمول، هي التي ستقودنا إلى تصور مستوى أعلى سيسمح لنا بتصور عملية قلب أخيرة تجسد العامل في محفل جديد هو الممثل كوحدة معطاة من خلال عناصرالتجلي. وقبل الوصول إلى هذه المرحلة، واستنادا إلى الملاحظات السابقة، يمكن الآن طرح العوامل ضمن النموذج العاملي المؤسس انطلاقا من عملية جرد شاملة لمجموع العوامل الفاعلة داخل النص السردي.
إن الإمساك الاستبدالي للكون السردي يسمح لنا بتصور ترسيمة عامة يمكن الاستناد إليها في استخراج المبادئ الأولى لتنظيم المخيال الإنساني مجسدا في سلسلة من الأدوار الموزعة على سلسلة من المحافل. ويطلق گريماص على هذه المحافل : العوامل. وتشتغل هذه العوامل كغطاء لسلسلة من المضامين الدلالية المنتشرة في النص. وبناء عليه '' إذا تعاملنا مع الحكاية باعتبارها ملفوظا شاملا أنتجته ووضعته للتداول الثنائية : ذات / سارد ، فإن هذا الملفوظ يمكن أن يفكك في مجموعة من الملفوظات المترابطة فيما بينها ( = الوظائف عند پروپ ). وإذا أسندنا وضع وظيفة للفعل / محمول داخل الملفوظ ( الوظيفة بالمعنى المنطقي للعلاقة الشكلية ) فسيكون بإمكاننا أن نعرف الملفوظ بأنه علاقة بين العوامل المشكلة له. وحينها سنحصل على نوعين من المفوظات :
( و = وظيفة)
ومهما تكن طبيعة التأويل الذي يمكن أن يعطى لهذه البنية - عل المستوى الاجتماعي حيث تنتج علاقة الإنسان مع العمل موضوعات قيمة يتم إدراجها ضمن بنية للتبادل، أو على المستوى الفردي حيث تدرج علاقة الإنسان بموضوع رغبته ضمن بنية للتواصل البيإنساني- فإن هذه الترسيمات هي من العمومية لدرجة أنها قادرة على مدنا بمفصلة أولية للمتخل الإنساني. (24) إنها تضع بين أيدينا هيكلا يمكن - انطلاقا منه - تصور سلسلة أخرى من العلاقات كانشطار داخل هذه الترسيمة.
فإذا كان الملفوظان السابقان يقدمان لنا أربعة عناصر : ذات - موضوع - مرسل - مرسل إليه إليه، باعتبارها العناصر الكافية والأساسية لإنتاج وتداول سلسلة من الإرساليات داخل الإبلاغ البيإنساني، فإن ذلك سيمكننا من تصور عنصرين آخرين يعوقان أو يسهلان هذا الإبلاغ.
فمن جهة يمكن أن نتصور محفلا يشوش على الإرسالية ويعمل جاهدا على منع وصولها، ومن جهة ثانية يمكن تصور محفل مضاد يقوم بتسهيل إنجاز هذا الإبلاغ. ففي الحالة الأولى نكون أمام معيق، وفي الحالة الثانية نكون أمام مساعد.
من هنا، ووفق تصور گريماص، يمكن إعطاء الترسيمة التالية التي تقوم باختصار مجموع الأدوار في خانات ست :
فإذا كانت السميمات هي التي تحول المعانم إلى سلسلة من الآثار المعنوية ضمن السياق الدلالي الذي يوفره النص، فإن العلاقات المشكلة للمربع السميائي، يمكن أن تقودنا إلى استخراج سلسلة من الحدود المتقابلة فيما بينها. وهكذا، إذا كانت كل عملية نفي تقابلها عملية إثبات، وكل عملية إثبات تقابلها عملية نفي، فسيكون بإمكاننا أن نطرح التقابلات التالية :
- ذات إيجابية (م) ذات سلبية ( أوذات مضادة )
- موضوع إيجابي (م) موضوع سلبي
-مرسل ايجابي (م) مرسل سلبي (أو مرسل مضاد)
-مرسل إليه إيجابي (م) مرسل إليه سلبي ( أو مرسل إليه مضاد ) (25)
وهذا الانشطار يجد أصوله في الحياة الاجتماعية نفسها. فإذا كانت الحياة تخشى الفراغ وتمقته، فإن إسقاط أية رغبة على شكل حلم ( فعل محتمل ) أو على شكل حقيقة ( فعل منجز ) هو في نهاية الأمر نفي لرغبة سابقة سواء كانت هذه الرغبة على شكل موضوع خارجي ( الموضوعات التي يوفرها العالم والتي ترغب الذات في اقتنائها ) أو على شكل موضوع داخلي ( الحالات التي ترغب الذات الوصول إليها ). فإسقاط رغبة الغنى كحالة مرغوب فيها هو في نفس الوقت نفي للفقر، وإسقاط العمل كحالة إيجابية هو نفي للبطالة باعتبارها حالة سلبية. يضاف إلى ذلك أن إعطاء بعد توتري للنص السردي يقتضي مضاعفة الأدوار وتنويعها وخلق سلسلة من الترابطات فيما بينها.
ويمكن النظر إلى النموذج العاملي من زاويتين : زاوية استبدالية وزاوية توزيعية. وكل زاوية تحيل على تنظيم معين للأدوار وعلى نمط خاص للاشتغال. فمن الناحية الاستبدالية، يمثل النموذج العاملي أمامنا باعتباره نسقا، أي سلسلة من العلاقات المنظمة داخل نموذج مثالي. وتعني النسقية في هذا المجال النسقية النظر إلى الهيكل العام المنظم للسردية وفق سلسلة من العلاقات. وكل علاقة قابلة لتوليد توتر خاص داخل النص السردي. '' حينها نكون أمام تنظيم عام متمفصل في ثلاثة أزواج من العوامل يشكل الزوج" ذات / موضوع " داخله قطب الرحى. '' (26) وكل زوج مرتبط بمحور دلالي معين. وهكذا نكون أمام :
محور الرغبة ـــــــــ ذات / موضوع
محور إلابلاغ ــــــــــ مرسل / مرسل إليه
محور الصراع ـــــــــ معوق / مساعد
أما من الناحية التوزيعية، فالنموذج العاملي يمثل أمامنا على شكل إجراء، أي تحويل العلاقات المشكلة للمحور الاستبدالي إلى عمليات. وبعبارة أخرى نقوم بتفجير النموذج العاملي في سلسلة من المسارات لعل أهمها هو الترسيمة السردية. فإذا كان بإمكاننا أن نرسم حدود نص ما تركيبيا على الشكل التالي :
ذ م ذ v م
فإن البنية التركيبية تختصر في داخلها مجموع التحولات التي عرفها النص من لحظته البدئية إلى لحظته النهائية. وهذا معناه طرح سلسلة من البرامج السردية الثانوية منها والرئيسية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن طرح سلسلة من الصيغ التي تحدد طبيعة الفعل وطبيعة المحفل القائم بالفعل. وهكذا '' فإن "الإرادة " تشكل أولى التحديدات الدلالية التي تقوم بتخصيص العوامل كذوات، أي كمنفذين محتملين للفعل، وسيتحدد الملفوظ السردي نفسه كبرنامج محتمل للفعل . '' (27)
4 - الشخصية : من الدور العاملي الى الدور الثيمي
إن هذه المرحلة من العرض ستقودنا الآن إلى تصور مستوى جديد يكف فيه العامل عن الاشتغال كوحدة مجردة وعامة. ذلك أن الحديث عن البنية العاملية باعتبارها تعميما لبنية تركيبية سيقودنا إلى الحديث عن بنية الممثلين باعتبارها تخصيصا للبنية الأولى. فحياة العامل مرهونة بتجسدها داخل بنية خاصة تجعل منه محفلا قابلا للإدراك من خلال عناصر التجلي، أي داخل التركيب الخطابي. وهذا التركيب، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، يعد مستوى من مستويات حركة المسار التوليدي.
وبناء عليه - وتبعا لعمليات القلب التي تعرفها محطات المسار التوليدي -سيكون بإمكاننا، في هذه المرحلة، تحويل السميمات * إلى ثيمات. فالأثر المعنوي يتحول إلى وحدة معجمية تختزن داخلها كل الاثار المعنوية الممكن تحققها داخل هذا الخطاب أو ذاك. ويمكن توضيح عملية التحولات هاته على الشكل التالي :
اصطاد : كل ما يحيل على الصيد ( ثيمة ) صياد ( دور ثيمي) كل ما يمكن أن يصدر عن هذا الصياد كمواصفات أو وظائف.
> فهذه الثيمات التي تمثل على شكل أدوار ثيمية سيتم انتقاؤها من طرف التنظيم العاملي ليتكفل بها بعد ذلك الممثلون داخل الحكاية <. (28)
وبناء عليه، يمكن تحديد الدور الثيمي '' كتقليص مزدوج : تقليص التشكل الخطابي في مسار تصويري واحد* متحقق أو قابل للتحقق داخل الخطاب، أما التقليص الثاني فيكمن في رد هذا المسار إلى محفل واحد قادر، احتماليا، على إنجازه '' (29).
وفحوى هذا التقليص من الناحية الدلالية، أننا نقوم بتكثيف سلسلة القيم المضمونية المنتشرة في النص، من خلال المستوى السطحي، داخل إمكان واحد متحقق من خلال مسار تصويري واحد : المثال السابق : اصطاد - صياد - صيد.
فالحصول على صياد ( وهنا نفترض أن النص يشير إلى مجموعة من المواصفات والوظائف الصادرة عن محفل ما) يتم من خلال توجيه القراءة نحو تحقيق مسار واحد. فلا يمكن، انطلاقا من العناصر التي تشير إلى الصياد، تصور مسار تصويري يشير إلى شيء لايمت بصلة إلى الصيد كمواصفة وكفعل. ومن الناحية التركيبية، نقوم برد هذه الصورة الاجتماعية المجهولة إلى محفل ( ممثل) مفردن أو قابل للفردنة (عيسى مثلا).
وتبعا للتحديد السابق > فإن المضمون الأدنى للممثل يتحدد من خلال حضور المعانم التالية : 1 كيان تصويري ( ذو بعد إنساني أو حيواني الخ ) 2 حي ، 3 قابل للفردنة (يتجسد في بعض الحكايات وخاصة الأدبية منها من خلال إسناد اسم علم ) <. (30) يضاف إلى هذه العناصر عنصر آخر يتحدد في كون الممثل وحدة معجمية ظاهرة من خلال عناصر التجلي.
انطلاقا من هذا يمكن تحديد مفهوم الدور. فهو يتجلى '' خطابيا كمواصفة، أو كسند للممثل، ومن جهة ثانية، فإن هذه المواصفة من الناحية الدلالية ليست شيئا آخر سوى تسمية تحتوي في داخلها على حقل من الوظائف ( أي سلوكات مسجلة فعلا داخل الحكاية أو ضمنية فقط )، وتبعا لذلك فإن المضمون الأدنى للدور هو نفس مضمون الممثل باستثناء معنم الفردنة. فالدور هو كيان تصويري، حي، ولكنه نكرة واجتماعي. وبالمقابل فإن الممثل هو فرد يحتوي ويقوم بدور أو بعدة أدوار. '' (31)
فمن الناحية التركيبية يشتمل على دور أو عدة أدوار عاملية وذلك وفق مبدأ القلب المشار إليه سابقا، فممثل واحد قد يقوم بعدة أدوار عاملية :
عيسى ممثل ـــــــــ دور الذات - المرسل - المرسل إليه.
ويتمتع الممثل، من الناحية الدلالية، بدور أو عدة أدوار ثيمية : عيسى ممثل ــــــــ صياد + استاذ الخ .
وبناء عليه، فإن الممثل هو نقطة الربط الحاسمة بين التركيبي والدلالي، أي بين السردي والخطابي. فالبنية العاملية تحتاج، لكي تكون حاضرة داخل الخطاب السردي، إلى نمذجة للأدوار العاملية. وهذه الأدوار المحددة من خلال حمولتها الصوغية، ومن خلال مواقعها التوزيعية في نفس الآن، تستطيع تغطية وتحريك مجموع الخطاب. وبعد ذلك فقط يمكن تصور سيرورة جديدة تعود إلى التجلي الخطابي للسردية، وهذه السيرورة ستقود إلى خلق تراكب بين بنيتين : بنية العوامل وبنية الممثلين، كما ستقود إلى خلق تداخل بين الممثل والعامل. '' (32)
وبناء عليه يمكن أن نعطي الترسيمة التالية، وهي ترسيمة كفيلة بتوضيح التداخل بين الممثل والعامل والدور الثيمي :
الهوامش :
1) Greimas : Sémantique structurale , p . 19
2) Petitot Cocorda , Jean : Morphogenèse du sens, pp 210 - 211
3) Joseph Courtès : Introduction à la Sémiotique narrative , p 45
4)Greimas, Du Sens
5) يعتقد بول ريكور أن عبقرية گريماص تكمن في بحثه عن السردية في مستوى سابق عن التجلي النصي. انظر la grammaire narrative de Greimas
6) Greimas ; Sémantique structurale, p . 109
7) نفسه ص 110
Courtèsالمرجع السابق ص 52
9) Petitot Cocorda نفسه ص 233
10) نفسه ص 254
11) يطلق گريماص على هذا المستوى : المستوى الخطابي ليميزه عن المستوى السردي
12) نفسه ص 256
13) نفسه ص 255
14) Greimas : Les actants, les acteurs et les figures, p 161 et suiv
15) يعرف گريماص اللكسيم بقوله : " إن اللكسيم هو تنظيم معنمي محتمل لا يتحقق كليا داخل الخطاب المتجلي إلا في حالات نادرة ( عندما يكون الخطاب أحادي المعنى ). فبما أن كل خطاب يختار تناظره الدلالي الخاص، فإنه لن يكون سوى استغلال جزئي جدا للاحتمالات المتعددة التي يوفرها له المخزون اللكسيمي. وإذا استمر هذا الخطاب في التحقق، فانه سينشر وراءه صور العالم التي لا تستقيم داخله والتي تستمر في ممارسة حياة احتمالية قابلة للانبعاث مع أدنى تنشيط للذاكرة " انظر المرجع السابق ص 170
16) Greimas et Courtès , Dictionnaire p 58
17) Cocorda م سابق ص 233
18) : Du sens , p 166 Greimas
19)Greimas ; Sémantique structur
الفصل الثالث:
الشخصية من منظور السميائيات السردية
الشخصية بين التحقق والوجود المحايث
لقد حاولنا في الصفحات السابقة أن نقدم - بأكبر قدر من الشمولية - عرضا لتصورين مختلفين للشخصية داخل النص السردي :
- تصور بروب من خلال كتابه "مورفولوجية الحكاية العجيبة ".
- وتصور لوتمان من خلال كتابه "بنية النص الفني" (الفصل الخاص بالشخصية).
فمن جهة توصلنا إلى أن بروب يضع الشخصية في موقعين مختلفين : الموقع الأول هو موقع البنية، أي النص باعتباره بنية عامة توجد في أساس تشكل النصوص الخاصة. ومن هذا الموقع، فإن الشخصية تختصر في سلسلة من دوائر الفعل. وهذه الدوائر نفسها ليست سوى تجميع لسلسلة من الوظائف المصنفة ضمن خانة دلالية معينة. أما في الموقع الثاني، فإن الشخصية لا تشكل سوى تنويع ثقافي لفعل أصلي يتجاوز الخاص والمتحقق ويعد عنصرا ثابتا داخل البنية : الشكل الكوني.
ومن جهة ثانية، سمح لنا عرض لوتمان باستخراج مجموعة من الخلاصات لعل أهمها أن الشخصية توجد في أساس تشكل النص كنص ذي مبنى، يضاف إلى هذا وجود بنية دلالية هي المبرر لوجود النص. فالشخصية ليست وليدة مستوى التجلي كما توهمنا بذلك القراءة العادية، بل توجد لحظة استشراف بنية مجردة تعود إلى نص ذي مبنى، أي يملك بعدا تصويريا يعد معادلا محسوسا لحد مجرد.
وسنحاول في الصفحات الآتية أن نقدم عرضا عن تصور ثالث يعد، بشكل أو بآخر، امتدادا طبيعيا ومتطورا للتصورين السابقين من حيث المتن الذي تم الاشتغال به، ومن حيث التصور المعرفي العام الذي يحكم التصورين السابقين.
الوجود المحايث
يجب التذكير منذ البداية بأن الشخصيات باعتبارها مكونا من مكونات النص السردي، لا تمتلك، في التصور الگريماصي، وجودا مستقلا يسمح بمقاربتها بعيدا عن مشكلة الدلالية ذاتها. فالتفكير في الشخصيات هو تفكير في سيرورة إنتاج الدلالة أي التفكير في المسار التوليدي الذي يسمح للمعنى بالتحول إلى شكل قابل للإدراك. وبناء عليه فإن ما اصطلح على تسميته بـ"النموذج العاملي" لا يشكل داخل الكون السردي تنظيما استبداليا لسلسلة من الأدوار تقوم بأدائها كائنات ما فحسب، إنه أكثر من ذلك. إنه مرحلة محددة داخل مسار يقود من المجرد إلى المحسوس (من الإدراك المجرد للقيم إلى إدراكها بشكل محسوس ). بل يمكن القول إن عالم المعنى، بتمنعاته وإغراءاته، لا يدرك إلا من خلال تجسده داخل أدوار، إما على شكل صفات تحدد كينونة القيمة، وإما على شكل فعل يعد وجها آخر للقيمة مجسدة داخـل حركة، أي مدرجة ضمن الممارسـة الإنسانية الفعلية : البعد المعرفي في مقابل البعد البدني.
وعلى هذا الأساس يمكن القول إن كل القيم المنتشرة في هذا الكون (بغض النظر عن مضامينها الإىجابية أو السلبية) لا يمكن أن تدرك إدراكا حقيقيا إلا من خلال تجسدها داخل جهاز، أي إسنادها إلى كائنات تقوم بترجمتها في أفعال أو صفات. ولعل هذا ما يسمح لنا بالقول إن للقيم نمطين وجوديين مختلفين يقعان ضمن مستويين مختلفين لإدراك هذا الكون :
- نمط يحدد هذه القيم على شكل ثنائيات، ومن هذا الموقع فإن هذه القيم تمتلك وجودا مستقلا عن منتجها : أي المجموعة البشرية المنتجة لكل القيم المادية والروحية ( الاستقلالية هنا استقلالية نسبية بطبيعة الحال). وهذا يجعلها تشتغل، لحظة تجسدها في سلوك (صفة) أو فعل (وظيفة) كسلطة لازمنية تمارس على الإنسان.
- ونمط يحدد هذه القيم على شكل ممارسة فعلية ( من الفعل )، وما نعنيه بالممارسة الفعلية هو استحضار السياق الثقافي باعتباره لحظة زمنية تقوم بتخصيص هذه القيم زمانيا من خلال إدراجهـا ضمن مرحلة تاريخية معينة ( تاريخانية القيم الإنسانية ) وباعتبارها مضمونا من خلال صبها داخل وعاء نص الثقافة الذي يقوم بتحديد تلوينها الخاص.
إن التجسيد هو المدخل الرئيس نحو خلق سلسلة من الأنساق التي تقوم بتنظيم مجموعة القيم في أشكال محددة في الزمان وفي المكان. وهذا التنظيم يتيح لهذه القيم بالدخول مع بعضها البعض في شبكة من علاقات التشابه أوالتقابل أو الضد. ولعل هذه العلاقات المتنوعة هي ما يحكم نمط إدراكنا للعالم، "فنحن لا ندرك إلا الاختلافات، وبفضل هذا الإدراك يتخذ هذا العالم أمامنا ولنا شكلا ...] ذلك أن الدلالة تفترض وجود العلاقة، إن ظهور العلاقة بين الحدود هو الشرط الضروري للدلالة."(1)
إن الأمـر لا يختلف مع النصوص الفنية. فبما أنه لا يمكن الحديث عن منتوج ما ماديا كان أم روحيا خارج حدود القيـم بإرغاماتها وعلاقاتها وأشكال تحققها، فإن العمل الأدبي، كما يرى ذلك تودوروف، يمكن النظر إليه باعتباره تمظهرا لبنية مجردة بالغة التعميم، ولا يشكل هذا العمل، داخل هذه البنية، سوى تحقق خاص ضمن تحققات أخرى ممكنة. وبعبارة أخرى إننا ندرك العمل الأدبي باعتباره جزءا من نص عام هو نص الثقافة.
من هنا كان تصور گريماص للسردية ولاشتغال النص السردي قائما أساسا على وجود مستوى محايث محدد في بنية دلالية مجردة ( أو محور دلالي ) تنتظم داخلها سلسلة من القيم المضمونية المتمفصلة في سلسلة من العلاقات الموجهة. ومن هذه الزاوية بالضبط سنحاول قراءة مشروع گريماص، وخاصة الجانب المتعلق ببناء الشخصية وبنمط اشتغالها داخل النص السردي.
لقد أشرنا فيما سبق إلى أنه لا يمكن أن نتحدث عن الشخصيات في التصور الگريماصي دون التساؤل عن كيفية إنتاج المعنى والتحكم فيه. ذلك أن هذا العالم يمثل أمامنا على شكل كيان متصل، أي مادة مضمونية تحتاج - لكي تدرك - إلى عملية مفصلة تمنحها شكلا للوجود. فالنموذج العاملي - إحدى المقولات الهامة داخل النموذج التحليلي الذي يقدمه گريماص - لا يمكن فصله عن النموذج التكويني باعتبار أنهما يحتلان نفس الموقع داخل المستوى المحايث، أي الشكل التنظيمي الأولي لعالم قابل للتحقق.
وبناء عليه سنتناول بالتحليل بعدين رئيسيين داخل المسار التوليدي :
1 -البعد الأول يعود إلى النموذج العاملي وموقعه داخل هذا المسار.
2 -البعد الثاني يخص بنية الممثلين وموقعها أيضا داخل هذا المسار.
واستنادا إلى هذا، سنحاول ضبط عملية التحول من العامل إلى الممثل، وارتقاء الممثل إلى موقع عامل ضمن عملية جدلية تربط محطات المسار التوليدي بعضها ببعض. وهذا الربط بين المستويات والانتقال من مستوى إلى آخـر داخل المسار التوليدي المسؤول عن إنتـاج وتداول المعنى هو ما حاولت نظرية گريماص إنجازه عبر الاعتماد على تصور يجعل من الدلالة كيانا لا يعبأ بمادة تمظهره. ومن " أجل الوصول إلى ذلك كان على هذه النظرية أن تعمق - انطلاقا من أعمال بروب - بنية التنظيم العاملي / الحدثي، واختصار التدليل اللفظي في علاقات عاملية على نفس القدر من التجريد الذي تتميز به التمفصلات المعنمية التي تقوم، إجمالا، بمراقبة التقطيع التوزيعي. ( 2 )
1 - المسار التوليدي وبناء الشخصية.
وهكذا يقترح گريماص، في أفق إنتاج الدلالة والإمساك بها، ثلاثة مستويات داخل المسار التوليدي، وكل مستوى من هذه المستويات يشتمل على مكونين :
- مكون دلالي
- ومكون تركيبي
وكل مكون يقود إلى الآخر ضمن سيرورة منتظمة تقود إلى تحديد الدلالة داخل كون مـا. إن المكون الدلالي داخل المستوى الأول يتشكل مما يسميه گريماص بالدلالة الأصولية المدركة كبنية دلالية أولية. وتتميز هذه البنية بطابعها المنطقي اللازمني. إننا أمام كتلة فكرية عديمة الشكل غير قابلة للإدراك، إلا إذا انفجرت في قيم متحققة على شكل مسارات مشخصة في المستوى السردي. وبما أن الأمر كذلك فإن "وصف هذه البنية، في استقلال عن استعمالها، أو في استقلال عن القدرة في التحكم فيها تركيبيا، سيختصر في تحيين مفصلة، أو تقطيع شكلي في وحدات دلالية مختلفة. " (3) وسنكون مع هذه البنية، أمام سلسلة من الثنائيات من نوع :
أبيض (م) أسود
طويل (م) قصير
حرية (م) استعباد الخ
وهذه الثنائيات غير قابلة، في ذاتها - لإنتاج دلالة ما إلا إذا دخلت في شبكة من العلاقات تمنحها وجها إجرائيـا. وهذا الوجه الاجرائي هو ما يشكل المكون التركيبي داخل المستوى الأول. ولا نقوم - داخل هذا المستوى - إلا بنقل البنية من وضع إلى وضع، من حالة إلى حالة أخرى. من حالة السكون والثبات إلى حالة الحركة والزمنية. إن الوجه التركيبي للبنية الدلالية يقتضي طرح سلسلة من العلاقات يجملها گريماص في :
- علاقات ضدية
- علاقات تناقضية
- علاقات اقتضائية
وهذه العلاقات هي ما يشكل المربع السميائي، أو النموذج التكويني. ذلك أننا نقوم بعملية إسقاط لحدود المقولة المعنمية التامة (المحورالدلالي ) كـ : "حجم" على المربع السميائي لنحصل على الترسيمة التالية :
فمن أجل انتقاء العنصر الضدي يجب إسقاط العنصر المناقض. وبناء عليه فإن إسقاط المحور الاستبدالي على المحور التوزيعي معناه استخراج العمليات من صلب العلاقات. فإذا كان النص السردي ينطلق من حالة بدئية إلى حالة نهائية ضمن سيرورة خطية معطاة من خلال التجلي السطحي، فإن هذا يفترض أننا ننتقل من طرح حالة من أجل نفيها للوصول إلى طرح حالة من أجل إثباتها. فما بين الحالة الأولى والحالة النهائية، تتسرب حالة لا يمكن أن تتطابق لا مع الحالة الأولى، ولا مع الحالة النهائية. إنها لحظة سردية تستوعب داخلها إمكانيات النفي والإثبات (ما يشكل، على المستوى التركيبي، دائرة التحول) . "فعندما يتم إنجاز عملية من هذا النوع على حدود مستثمرة قيميا، فإن ذلك سيؤدي إلى تحويل للمضامين: نفي المضامين المطرحة وإثبات أخرى. (4)
أما المستوى الثاني فيتكون هو الآخر من مكون تركيبي ومن مكون دلالي. فإذا كان التركيب في المستوى الأول هو عملية قلب تجعل من العلاقات تشتغل كعمليات (عوض أن ننظر إلى المربع السميائي كسلسلة من العلاقات ذات الطابع اللازمني، سننظر إليه باعتباره سلسلة من العمليات )، فإن التركيب في المستوى الثاني يقتضي عملية قلب جديدة تُجرى هذه المرة على العمليات ذاتها. وهذا القلب لن يتم إلا من خلال تحويل العمليات إلى فعل تركيبي يستدعي دخول ذات الخطاب كشرط ضروري لتحريك المربع السميائي. ويطلق گريماص على هـذه العملية : التسريد ( narrativisation) . (5)
والتسريد معناه تحويل المجرد إلى عنصر محسوس، وبعبارة أخرى منح البعد الدلالي العام وجها تصويريا قابلا للادراك من خلال التجلي النصي. وهكذا نكون أمام التباشير الأولى للبعد السردي المشخص. فعملية تحريك النموذج التكويني تفترض أننا أمام سلسلة من الحالات والتحولات (والبعد السردي ليس شيئا آخـر سوى تتايع حالات وتحولات) : من النفي إلى الإثبات أو من الإثبات إلى النفي.
يضاف إلى ذلك الأداة التي تقوم بعملية التحول، أي المحفل الذي يقوم بإنجاز التحول من مضمون إلى مضمون. وهذه العملية، بكل أبعادها، هي ما يسمح بالحديث عن النموذج العاملي باعتباره بؤرة تختصر وتكثف مجموع الادوار القابلة للتحقق انطلاقا من كون دلالي مجرد. وهذه الأدوار هي تسنين لسلسلة من السلوكات وتثبيتها في أشكال عامة.
وكما كان "المربع السميائي" وليد إسقاط حدود المحور الدلالي على شكل علاقات متنوعة، فإن النموذج العاملي هو نتاج إسقاط العمليات على شكل فعل وفاعل : وظيفة وعامل.
ومع ذلك، فإننا، لم نغادر بعد، في هذه المرحلة المستوى المحايث (المستوى العميق). فالسردية لازالت هنا منظمة بشكل مجرد بعيدا عن أي تحقق مشخص. ولن تكون كذلك إلا باستشرافنا آفاق تحول ثالث سيقود إلى التمظهر اللساني أو غير اللساني، مادامت الدلالة في - عمقها - لا تعبأ للمادة التي تشتغل كحامل تعبيري لها.
أما المكون الدلالي فيتشكل هو الآخر من عملية قلب تُجرى على الحدود المجردة، أي انطلاقا من المعانم المشكلة لحدود المحور الدلالي في بعده التجريدي. وهكذا فإن المعانم عندما تدخل في علاقة مع المعانم السياقية ( classèmes)، فإنها تولد سلسلـة من الآثـار المعنوية أو السميمات ( sémèmes ). وعملية القلب هاته تحدد "الهوة الفاصلة بين المضمون القابل للتحقق والمضمون المتحقق فعلا في هذا اللسان الطبيعي أو ذاك". (6)
والمثال التالي قد يسمح لنا بتوضيح هذا التحول، فعندما نقول : "رجل يعوي "، سنكون أمام مجموعة من العناصر المترابطة فيما بينها تجعل من إمكانية إسناد فعل "عوى" إلى "الرجل " أمرا ممكنا : ومن بين هذه العناصر يمكن ذكـر :
- سلسلة من المعانم : إنسان + عاقل + راشد + مذكـر .
: صوت + حيوان ...
ثم هناك معنمان سياقيان أساسيان :
-إنساني
- حيواني .
إلا أن المضمون المتولد عن دخول المعانم الأولى في علاقة مع المعانم السياقية يمكن أن يتحدد في ضجيج بدون فائدة أو - هذيان - همجية- وحشية، ألم ... إلى غير ذلك من الآثار المعنوية التي تفترض مستوى أعلى لكي تستقيم دلالة. وبناء عليه فإن " مجموعة محدودة من المعانم قادرة على توليد عدد هائل من السيميمات التي يمكن تحديدها في ملايين ومليارات النماذج ".( 7)
وكما أشرنا سابقا، فإن الانتقال من العمليات إلى الفعل التركيبي لا يشكل انتقالا من مستوى عميق إلى مستوى سطحي، أي مستوى التجلي اللساني. وكذلك الأمر مع المكون الدلالي. ذلك أن عملية التحول من المعانم إلى السميمات ( الآثار المعنوية ) لاتشكل تحولا من المجرد إلى المشخص. '' فالربط بين المعانم والمعانم السياقية الذي يسمح بالمرور إلى مستوى أعلى هو ما يشكل تجلي المضمون باعتباره كذلك، إلا أنه لا يجب خلطه مع التجلي اللساني أو النصي( 8 ).
إن عمليات القلب المتتالية هاته ستنتهي بنا إلى طرح آخر مستوى ( المستوى الثالث ) داخل المسار التوليدي. ويعتبر هذا المستوى أشد المستويات محسوسية داخل سيرورة إنتاج الدلالة باعتباره يعود إلى ما يبدو في الظاهر، أي إلى المعطى المباشر من خلال التجلي النصي. " فإذا سلمنا بإمكانية القلب الخاصة بإسقاط الاستبدالي( المورفولوجيا التصنيفية ) على التوزيعي ( التركيب الاجرائي ) الذي يقود إلى تحويل المعانم العميقة إلى وحدات مستترة قابلة للتناول كهويات مجردة وكوحدات مضمونية، سيكون بإمكاننا التحول إلى مستوى آخر : أي المرور من التركيب الأصولي إلى التركيب السردي المشخص ( السطحي ) ( 9 ) ''.
وهذا ما سيسمح لنا الآن بالمرور إلى المستوى الموالي داخل عملية إنتاج الدلالة ونمط وجود الشخصيات.
2 - التجلي أو الوجود المشخص.
إن وصفنا لهذا المستوى بالمحسوس والظاهر والمباشر والمعطى لايعني أننا أمام مستوى بسيط وقابل للإدراك المباشر. إنه على العكس من ذلك، يعد أشد المستويات تعقيدا وتركيبا وتنافرا. ''ولأننا تعودنا على الانسياق وراء'' الظاهر'' فإننا نجد صعوبة قصوى في إعطاء تقييم حقيقي للتجريد الگريماصي، رغم أن هذا التجريد يقوم - في التقليد العلمي الخالص -بحل اللامرئي البسيط محل المرئي المعقد (10) ."
ويشتمل هذا المستوى على تركيب خطابي ودلالة خطابية (11) وكل مكون من هذين المكونين مرتبط أشد الارتباط بالعناصر المنضوية داخل المستويين السابقين. فالتركيب الخطابي هو نتاج عملية قلب ثالثة تنصب على عناصر التركيب الأصولي. فمن جهة نقوم بإسقاط الزمن كحد فاصل بين السكون وبين الحركة، لتتحول الحدود اللازمنية إلى حدود تدرك داخل الزمن.
وبعبارة أخرى نقوم بصب التجربة المضمونية المجردة داخل وعاء الزمن. فبما أننا لايمكن أن نتحدث عن عملية إعطاء بعد تصويري للبعد المجرد دون طرح التزمين ( إدراج الفعل ضمن عجلة الزمن) كبرمجة أولية للأحداث، فإننا لانستطيع أن نتحدث عن سرد دون طرح الزمن كحد فاصل بين الصمت والكلام.
ومن جهة ثانية يأتي التفضيىء كوعاء يستوعب عملية القلب فضائيا. فإذا كان الزمن عنصرا أساسيا في الحديث عن توزيع يسمح لاحقا بإمكانية تفكيك النص إلى وحدات، فإن الفضاء هو الإطار الذي يرسم حدود الأحداث داخل الزمان. إن طرح الفضاء كوعاء قابل لاستيعاب الأحداث معناه خلق نقطة فضائية تشتغل كمرجع للاحداث، وهو ما يقابله، على مستوى التلقي، خلق وهم مرجعي أو وهم واقعي.
إن الفضاء والزمان يشتغلان - داخل هذا المستوى- كنقطة إرساء موجهة لفعل القراءة ولفعل الابداع. و'' ما يجعل من البرمجة الزمانية والفضائية أمرا ممكنا هو فردنة الممثلين .'' (12) وهذه الملاحظة تؤدي بنا إلى طرح آخر عنصر داخل التركيب الخطابي، ويتعلق الأمر بعملية خلق الممثل (actorialisation) أي الإجراء الذي يحول العوامل إلى ممثلين مفردنين.
إن التفضيىء والتزمين يشيران بشكل مباشر إلى عالم مؤنسن. وبعبارة أخرى فإن تحققهما داخل النص السردي يمكن أن يشتغل كإسقاط لوضعيات إنسانية قابلة للتصور، حيث تتحرك كائنات على شكل أفعال ومواصفات. إن هذا العالم يحتاج - لكي يشتغل بشكل تام - إلى ذوات تأخذ على عاتقها أنسنة الفضاء والزمان.
ومن هنا كانت الحاجة إلى عملية تحويل تقود من العامل إلى الممثل. وبعبارة أخرى، إن العامل ينفجر - على المستوى السطحي - في عدد لامحدود من الممثلين، وإحصاء الأدوار التي يقوم بها هؤلاء الممثلون داخل النص السردي وتجميعهما في دوائر محددة هو ما يسمح بالارتقاء مجددا إلى مستوى العامل باعتباره وحدة تركيبية دلالية ليست معطاة من خلال التجلي النصي. '' فإذا كان التركيب العاملي هو الذي يحكم الممثلين، فإن هؤلاء الممثلين سيشكلون المحفل الحاسم الذي يعد ضمانة للربط بين التركيب والدلالة، بين الخطابي والسردي داخل المسار التوليدي . '' (13)
فإذا كان بإمكاننا القول بأن الوظيفة والمواصفة مرتبطتان ارتباطا وثيقا حيث يتم الانتقال من الوظيفة كفعل متحقق إلى المواصفة كفعل محتمل، ومن المواصفة إلى الوظيفة كانتقال من الاحتمال إلى التحقق :
مستبد : مواصفة تقود إلى وظيفة ( استبد )
استبد : وظيفة تقود إلى مواصفة ( مستبد ) .
فإن الممثل سيكون هو عنصر الربط بين الوظيفة والمواصفة بين الدور العاملي والدور الثيمي. من هنا يتحدد الممثل كجمع بين دورين على الأقل : دور ثيمي ودور عاملي. إنه يعد، من هذه الزاوية، نقطة الربط الأساسية بين البنيات السردية والبنيات الخطابية (14).
أما على مستوى الدلالة الخطابية، فإننا نعثر على سلسلة من العناصر التي يمكن ردها إلى إجراء مركزي يشكل نقطة نهائية داخل المسار التوليدي. ويطلق گريماص على هذا الإجراء الصورنة ( figurativisation ). ويشتمل هذه الصورنة على الوحدات المعجمية أو الصور اللكسيمية، كما يشتمل على المسارات التصويرية، وكذا على التشكلات الخطابية. فالوحدة المعجمية الأولى تقود إلى الثانية، والثانية تقود إلى الثالثة. فالبعد التصويري داخل خطاب معين يحدد طريقة خاصة في تناول قيم العالم أو هو يشكل ما يطلق عليه عادة رؤية للعالم. وهي طريقة تستند إلى الصور التي يوفرها هذا العالم نفسه.
إن الوحدات المعجمية المنظمة لعدد هائل من المعانم، أي لسلسلة الإمكانات الدلالية (15) تتحول، بفعل العلاقات التي قد تنسجها مع وحدات أخرى من نفس البعد الدلالي، إلى مسارات تصويرية محددة لحقل دلالي موحد. وهذه المسارات ليست سوى تنظيم توزيعي لمجموعة من اللكسيمات. ويقوم هذا التنظيم، وفق هذا المحور، باختصار وتكثيف وحدات نصية متفاوتة الحجم ضمن إطار دلالي يضمن قراءة منسجمة.
ومن زاوية أخرى، يمكن التعامل مع هذه الوحدات اللكسيمية وفق المحور الاستبدالي. إن انتظامها وفق هذا المحور يؤدي بنا إلى الكشف عن التشكلات الخطابية، والتشكلات الخطابية ليست سوى تجميع لسلسلة من المسارات التصويرية ( parcours figuratifs ) بهدف تخصيص وحدات خطابية أكبر من الجملة.
وسيتضح لنا من خلال المثال التالي ( وهو مثال نطرحه للتوضيح لا للتحليل الدقيق ) مدى الترابط بين هذه الوحدات الثلاث : اللكسيم و المسار التصويري و التشكل الخطابي. ولنأخذ لكسيم : "خط ". إنه يحتوي على دلالة قارة ( نواة معنمية ) يمكن تحديدها في " كل ما يربط بين نقطتين داخل الفضاء "، ودلالات أخرى محتملة أي قابلة للتحقق جزئيا أو كليا داخل هذا الخطاب أو ذاك. ويمكن أن نصوغ هذه الدلالات المحتملة على الشكل التالي :
- خط سياسي ــــــــــــ ( المسارالتصويري 1) الالتزام بسلسلة من مقتضيات تيار ما. وتتحقق هذه الإمكانية الدلالية من خلال مجموعة من المفردات التي تحيل على الحقل الدلالي : سياسي.
- خط إيديولوجي ـــــــ ( المسارالتصويري 2) الالتزام بسلسلة من مقتضيات تصور خاص للعالم. وتتحقق هذه الإمكانية الدلالية أيضا من خلال سلسلة من الوحدات التي تحيل في مجملها على الكون الدلالي الذي تحيل عليه الإيديولوجيا.
- خط ديني ــــــــ ( المسارالتصويري 3) الالتزام بسلسلة من القواعد التي يفرضها اعتناق دين ما. وتتحقق هذه الإمكانية من خلال حقل دلالي ينظم سلسلة من الصور اللكسيمية الدالة على الدين.
- خط اجتماعي ـــــــــ ( المسارالتصويري 4) وهو ما يحيل على الامتثالية، وهي طريقة أخرى للقول إن الفرد يجب أن يمتثل في سلوكه لمقتضيات أخلاق مجتمعه وألا يتجاوزها أو يخرقها أو يسيء إليها. وهنا أيضا يمكن أن نتصورحقلا دلاليا ينظم سلسلة من الصورالتي تحيل على الكون " الامتثالية الاجتماعية".
إن مختلف هذه التصورات الخاصة باللكسيم " خط " ، تحدد لنا تشكلا خطابيا. ودور الخطاب أمام هذا التشكل يكمن في انتقاء هذه الإمكانية أو تلك، أو الجمع بين مجموع هذه الإمكانيات داخل إطار نصي يحدد للخطاب هويته. وبناء عليه، '' تبدو التشكلات الخطابية باعتبارها نوعا من المحكي الذي يملك تنظيما تركيبيا دلاليا مستقلا. إنها قابلة للانضواء داخل وحدات خطابية واسعة من خلال حصولها على دلالات وظيفية متطابقة مع الإطار العام . '' (16)
وفي ختام هذه الفقرة يمكن القول إننا لم نقم إلا باعطاء الخطوط العريضة لعملية القلب الثالثة هاته التي تقود من السميمات إلى الثيمات مجسدة في العناصر التي تمت الإشارة إليها. وسنعود في الفقرة الموالية إلى دراسة عنصر آخر داخل الدلالة الخطابية هو الدور الثيمي. وقد أجلنا الحديث عن هذا العنصر لكي ندمجه، عند تناولنا لبنية العوامل وبنية الممثلين، داخل التصور العام الذي يحكم بناء الشخصية عند گريماص.
ومن خلال كل العناصر التي حاولنا أن نعرض لها في الصفحات السابقة سيتضح لنا أن سيرورة إنتاج النصوص السردية يمكن النظر إليها كنسق من عمليات القلب المتتالية، يشكل النموذج التكويني نقطة انطلاقها الرئيسية. فهو يشكل نقطة مرجعية من الناحيتين الدلالية والتركيبية يستند إليها النص لكي يتحول إلى شكل مرئي من خلال مادة تعبيرية لسانية أو غير لسانية.
وبعبارة أخرى، إذا كان النموذج التكويني هو صيغة أخرى لعملية التسنين التي تخضع لها كل جوانب الحياة الإنسانية، فإن تسريد هذا النموذج يعتبر فكا لهذا السنين والعودة من جديد إلى مساءلة الحياة من خلال عناصرها المحسوسة مجسدة في سلوكات فردية أو جماعية خاصة.
3 - الشخصية من التجريد الى الفعل الحدثي
إن هذه الصورة التي حاولنا رسمها للنموذج المولد للنصوص السردية باعتبارها مواد تعبيرية لتجلي الدلالة، ستقودنا الآن إلى تقليص هذه السيرورة، واختصارها في عنصر واحد هو الشخصية. وتناولنا للشخصية سيفرض علينا المرور من النموذج العاملي كصيغة تنظيمية للفعل الإنساني المحتمل، للوصول إلى بنية الممثلين كوحدة تنتمي إلى التركيب الخطابي كمعطى ظاهري. وعملية التقليص هاته تدلنا على أن النموذج العاملي، باعتباره محطة من محطات المسار التوليدي، يقع في مستوى توسطي بين المحايثة والتجلي. إنه عنصر مندرج ضمن المستوى المحايث عندما ننظر إليه في علاقته بعناصر المستوى السطحي، ومندرج ضمن المستوى السطحي عندما ننظر إليه في علاقته بعناصر المستوى العميق.
وهذه النظرة المزدوجة هي ما يجعل من المستوى السردي، باعتباره البؤرة الحاضنة للنموذج العاملي، يشتغل كمستوى توسطي في سيرورة إنتاج الدلالة. ذلك أن القلب هو الذي يسمح بالمرور من مستوى النحو الأصولي إلى مستوى التركيب العاملي المشخص.
وهذا أمر بالغ الدلالة، "فالمقولات الدلالية التي لم تكن من قبل سوى قيم لسانية ستتحول إلى قيم أكسيولوجية ( valeurs axiologiques ) مودعة في موضوعات تركيبية، وستتحول العلاقات التصنيفية إلى ملفوظات حالة، كما ستتحول العمليات التركيبية المندرجة في التركيب الأصولي إلى فعل تركيبي مشخص يحكم ملفوظات حالة. وهكذا نمر من التركيب البنيوي الشكلي إلى تركيب حدثي للفعل، '' لمعنى الحياة '' و '' للرغبة ''. (17) وبناء عليه، فإن النموذج العاملي يمكن أن يشتغل، في ضوء عمليات القلب هاته، كمعادل تجريدي لبنية الممثلين (التكثيف الذي يصيب العناصر المتنوعة والمتعددة داخل التركيب الخطابي).
فمن التركيب الأصولي إلى التركيب العاملي المشخص، إلى التركيب الخطابي لا نقوم إلا بالنظر إلى نفس العنصر من زوايا مختلفة وفي مظاهره المتعددة. فإذا كان التركيب الأصولي يرسم حدود خطاطة شكلية مغرقة في التجريد تتناول الفعل الإنساني في صورته المثلى، أي في صورة علاقات مغرقة في الشكلية، فإن التركيب العاملي المشخص يحول هذا الفعل من مستواه التجريدي العام ليطرحه على شكل وضعيات إنسانية تتصف هي الأخرى بالتجريد والعمومية ولكنها قابلة للتصور من خلال تجسدها داخل سلسلة من العلاقات التقابلية ( الخانات التي يحتوي عليها النموذج العاملي ). ومن عملية التشخيص هاته ننطلق إلى تصور عملية ثالثة تقوم بتخصيص البنية العاملية داخل وضعية خاصة : أي داخل نص متحقق يملك تلوينه الإيديولوجي الخاص. وهذا يفترض استشراف بنية للممثلين تأخذ على عاتقها تجسيد العوامل في محافل ممعجمة ومتفردة ( ممثلين لهم أسماء وهويات اجتماعية واضحة، في مقابل أدوار اجتماعية مبهمة).
وهذه التحولات ليست منفصلة عن التحولات التي تلحق الدلالة الأصولية. ففي انتقالنا من مستوى النموذج التكويني ( البنية الدلالية المنظمة للمحاور ) حيث تكون الدلالة منفصلة عن مادة تمظهرها، إلى مستوى التمظهر، نقوم بمنح هذا النموذج وجها مشخصا، أي نقوم بعملية تسريد للبنية المفهومية، من خلال طرح العمليات. والعمليات تقتضي إدخال الفعل التركيبي ( الحد السردي المشخص، في مقابل الحد المفهومي المجرد ).
إن الفعل التركيبي، بما هو نشاط محسوس، يقتضي دخول ذات الخطاب باعتبارها المحفل الذي يقوم بعملية الاثبات أو النفي الخاصة بالمضامين القابلة للاستثمار داخل النص السردي. وبناء على هذا التصور، يمكن القول إن إنتاج حكاية ما ( نص سردي بغض النظر عن التسمية : رواية، قصة قصيرة، مسرح، سينما ...) ليس شيئا آخر سوى تحويل المفهومي ( المجرد ) إلى عنصر مشخص ومحسوس.
وسنقدم الآن مثالا بسيطا لتوضيح عمليات القلب هاته، وكذا التداخل الموجود بين المستويات. ويتمثل ذلك في الملفوظ التالي :
انتصر عيسى على الجهل
إننا أمام ملفوظ بسيط قادر على توليد سلسلة لامحدودة من الحكايات ويحتوي على العناصر التالية :
- ذات ( عيسى)
- موضوع ( جهل)
- وظيفة ( انتصر وتجمع بين الذات والموضوع تركيبيا ودلاليا ) .
وعليه يمكن تحديد أي ملفوظ بسيط في الشكل التالي :
م س = و ( ع )
(م = ملفوظ ، س = سردي ، و = وظيفة ، ع = عامل .)
إلا أنه بإمكاننا استخراج عناصر أخرى ليست معطاة بشكل مباشر داخل الملفوظ، بل هي مفترضة من خلال العناصر المتحققة داخله. وتتمثل هذه العناصر في التقابل :
جهل ( م ) معرفة
وهو تقابل معطى استبداليا من خلال تحقق الجهل داخل الملفوظ. فوجود الجهل يفترض وجود المعرفة، ولايمكن تصور الجهل دون طرح المعرفة كحد مقابل. فالانتصار على الجهل يفترض تحقيق المعرفة. فالذات ( عيسى ) مرتبطة بموضوعين في الآن نفسه : مرتبطة بالجهل كموضوع سلبي، ومرتبطة بالمعرفة كموضوع إيجابي.
- وهناك من جهة ثانية النظرة المحايثة لهذا الملفوظ. ذلك أن هذا الملفوظ ليس إلا تحققا خاصا ضمن تحققات أخرى ممكنة لبنية دلالية سابقة عن تمظهره. فبإمكاننا الارتقاء بهذا الملفوظ إلى مستوى أعمق، حيث نكون من جهة أمام دلالة أصولية محددة في محور دلالي ( س ) ويربط بين : جهل ( م ) معرفة.
وهذه الثنائية يمكن إسقاطها على المربع السميائي لكي نخلق سلسلة من العلاقات ( الضدية - التناقض - الاقتضاء).
فمن خلال إسقاط البنية الدلالية على شكل علاقات محددة داخل المربع، يمكن أن نتصور الخطوط العامة لاشتغال نص سردي ما. فعملية إدراك الشيء تتطلب إسقاط الحد المناقض من أجل انتقاء الحد المعاكس من :
من "الجهل "إلى"الاجهل "إلى "المعرفة " . فما يقوله الملفوظ السابق : "عيسى انتصر على الجهل " يفترض، من خلال الوظيفة ذاتها، أي فعل '' انتصر ''، أن هناك معركة ضد شيء ما، وأن هذه المعركة تتطلب زمانا، كما تتطلب فضاء. وعليه فإن الانتقال من الجهل إلى المعرفة يفترض حالة لا هي بالجهل ولا هي بالمعرفة، ويتطلب وجود دائرة ما ( فضاء نصي ما ) يتوسط الجهل (كمضمون مقلوب ) والمعرفة ( كمضمون مطروح ). وبعبارة أخرى يتطلب وجود دائرة ما تقوم بفصل المضمون المراد نفيه عن المضمون المراد اثباته، وهي الفترة الزمنية التي يتطلبها الخروج من دائرة الجهل لولوج عالم المعرفة.
- ثم هناك، من جهة ثالثة، تركيب أصولي. ويتجلى هذا التركيب من خلال تحويل هذه العلاقات إلى عمليات. وهكذا عوض أن ننظر إلى هذه العناصر باعتبارها حدودا مرتبطة فيما بينها بعلاقات ثابتة وغير موجهة، سننظر إليها من خلال عملية النفي والإثبات، أي عملية نفي الجهل وإثبات المعرفة. وهذه العمليات تتشخص ( تأخذ بعدا مشخصا) من خلال إدخال الفعل التركيبي. وفحوى الفعل التركيبي، هو استخراج الفعل من صلب العمليات، أي طرح عامل ووظيفة : ذات تقوم بنفي الجهل لتثبت المعرفة، مادام الإمساك بالمعنى وتداوله يقتضي دائما وجود عالم مؤنسن.
- ويمكن أن نضيف عنصرا آخر، وهو عنصر متحقق داخل الملفوظ، ويتحدد هذا العنصر في تحويل العوامل إلى ممثلين ( عيسى في المثال السابق ) وتحويل الوظائف إلى أفعال حدثية ( انتصر في المثال السابق). وهذه العملية الأخيرة هي ما يحدد النص السردي باعتباره شكلا مدركا من خلال مادة تعبيرية ما.
وبناء على ما سبق، وكما حاولنا شرح ذلك من خلال هذا المثال البسيط، يمكن القول إن النحو الأصولي المتميز بطبيعته المفهومية، لا يمكن أن ينتج حكايات مشخصة إلا إذا خضع، في مستوى توسطي، لعملية تمثيل تشخيصية، وهذا المستوى المشخص هو الذي نطلق عليه النحو السردي المشخص. '' (18)
إن طرح الوظيفة كأهم عنصر داخل الفعل التركيبي، وطرح العامل كمحفل يحين هذه الوظيفة على شكل ملفوظ سردي بسيط، يدفعنا إلى التساؤل عن كيفية ظهور هذا العامل، وعن كيفية ظهورالوظيفة لحظة التحقق النصي ؟
إن العالم يمثل أمامنا على شكل أفعال ومواصفات وفاعلين ضمن حركة تفاعلية تجعل من كل عنصر من هذه العناصر يستند، في تحققه، إلى العناصر الأخرى. من هنا يمكن القول بأن '' الكون المتجلي يشكل في مجمله، قسما قابلا للتحديد من خلال مقولة '' الكلية ''. وتقوم هذه المقولة التي ننظر إليها، تبعا لتصور بروندال، باعتبارها تتمفصل في :
المنفصل ( م ) المندمج
بتقسيم هذا العالم، من خلال تحقيق أحد معنميها، إلى قسمين فرعيين يتشكلان في الحالة الأولى من وحدات منفصلة وفي الحالة الثانية من وحدات مدمجة. '' (19)
وفي ضوء هذا التص،ور يمكن القول إن هذا الكون يشتمل على نوعين من الآثار المعنوية. وكل نوع من هذين النوعين يتطابق مع نشاط معين. هناك من جهة السميمات التي ندركها كمحمولات تضاف إلى ما ليس هي، وهناك من جهة ثانية السميمات التي تشكل سندا لهذه المحمولات : الأولى مندمجة والثانية منفصلة، >وسنحتفظ باسم عامل من أجل تعيين القسم الفرعي للسميمات المحددة كوحدات منفصلة، وإعطاء اسم محمول لتعيين السميمات التي ينظر إليها كوحدات مندمجة'' . (20)
وإذا تركنا العامل جانبا، لنهتم فقط بالمحمولات، فإننا نلاحظ أن هذا المحمول قابل للتناول من زاويتين:
- الزاوية التي تتحقق داخلها فكرة الدينامية
- الزاوية التي تتحقق داخلها فكرة السكونية ( 21)
ففي الحالة الأولى سننظر إلى المحمول باعتباره وظيفة، ذلك أن الدينامية تشير إلى الفعل وإلى الحركة، أي إلى كل الأفعال التي تمكن للخيط السردي بالتقدم إلى الإمام. أما في الحالة الثانية فسننظر إلى المحمول باعتباره مواصفة أي سلسلة من النعوت التي يمكن إسنادها إلى عامل ما. ويتطابق هذا المحمول عادة مع الوضعيات التي توضع إما بهدف النفي وإما بهدف الإثبات
وبناء عليه '' فإن اشتغال الخطاب يكمن في طرح عدد من الكيانات (شخصيات، أشياء، أماكن ... ) ومنحها تدريجيا سلسلة من الخصائص : بداية سنكون أمام عوامل نضيف إليها بعد ذلك محمولات، وهذا ما يتطابق مع الفعل التركيبي لحظة انتشاره في الـ "هنا والآن ". فإذا أخذنا في الاعتبارالعلاقة : عامل / محمول من منظور نسقي، بدل الاكتفاء بالنظام التوزيعي للاجراء ( النشاط التركيبي )، أمكن القول، بأن العوامل، باعتبارها مضامين مستثمرة، تتشكل من جذر من المحمولات . '' (22)
وإذا كانت القراءة البسيطة تدلنا على أن العامل هو المسؤول عن سلسلة النعوت والأفعال التي تسند إليه أثناء التجلي النصي، فإن نظرة استبدالية متجاوزة للانتشار التوزيعي تدلنا على عكس ذلك. وستكون المحمولات (وظائف، مواصفات ) هي الخالقة للعوامل. فما يبدو من جهة نظر التأويل باعتباره عنصرا سابقا ( أسبقية العامل على المحمول ) يعد من جهة نظر التوليد عنصرا لاحقا ( أسبقية المحمول على العامل ).
إن هذه التحولات التي قادتنا من المعنم ( الدلالة الأصولية ) إلى السيميم ( ما يتولد عن الدلالية السردية ) إلى استخراج عنصرين مترابطين العامل والمحمول، هي التي ستقودنا إلى تصور مستوى أعلى سيسمح لنا بتصور عملية قلب أخيرة تجسد العامل في محفل جديد هو الممثل كوحدة معطاة من خلال عناصرالتجلي. وقبل الوصول إلى هذه المرحلة، واستنادا إلى الملاحظات السابقة، يمكن الآن طرح العوامل ضمن النموذج العاملي المؤسس انطلاقا من عملية جرد شاملة لمجموع العوامل الفاعلة داخل النص السردي.
إن الإمساك الاستبدالي للكون السردي يسمح لنا بتصور ترسيمة عامة يمكن الاستناد إليها في استخراج المبادئ الأولى لتنظيم المخيال الإنساني مجسدا في سلسلة من الأدوار الموزعة على سلسلة من المحافل. ويطلق گريماص على هذه المحافل : العوامل. وتشتغل هذه العوامل كغطاء لسلسلة من المضامين الدلالية المنتشرة في النص. وبناء عليه '' إذا تعاملنا مع الحكاية باعتبارها ملفوظا شاملا أنتجته ووضعته للتداول الثنائية : ذات / سارد ، فإن هذا الملفوظ يمكن أن يفكك في مجموعة من الملفوظات المترابطة فيما بينها ( = الوظائف عند پروپ ). وإذا أسندنا وضع وظيفة للفعل / محمول داخل الملفوظ ( الوظيفة بالمعنى المنطقي للعلاقة الشكلية ) فسيكون بإمكاننا أن نعرف الملفوظ بأنه علاقة بين العوامل المشكلة له. وحينها سنحصل على نوعين من المفوظات :
( و = وظيفة)
ومهما تكن طبيعة التأويل الذي يمكن أن يعطى لهذه البنية - عل المستوى الاجتماعي حيث تنتج علاقة الإنسان مع العمل موضوعات قيمة يتم إدراجها ضمن بنية للتبادل، أو على المستوى الفردي حيث تدرج علاقة الإنسان بموضوع رغبته ضمن بنية للتواصل البيإنساني- فإن هذه الترسيمات هي من العمومية لدرجة أنها قادرة على مدنا بمفصلة أولية للمتخل الإنساني. (24) إنها تضع بين أيدينا هيكلا يمكن - انطلاقا منه - تصور سلسلة أخرى من العلاقات كانشطار داخل هذه الترسيمة.
فإذا كان الملفوظان السابقان يقدمان لنا أربعة عناصر : ذات - موضوع - مرسل - مرسل إليه إليه، باعتبارها العناصر الكافية والأساسية لإنتاج وتداول سلسلة من الإرساليات داخل الإبلاغ البيإنساني، فإن ذلك سيمكننا من تصور عنصرين آخرين يعوقان أو يسهلان هذا الإبلاغ.
فمن جهة يمكن أن نتصور محفلا يشوش على الإرسالية ويعمل جاهدا على منع وصولها، ومن جهة ثانية يمكن تصور محفل مضاد يقوم بتسهيل إنجاز هذا الإبلاغ. ففي الحالة الأولى نكون أمام معيق، وفي الحالة الثانية نكون أمام مساعد.
من هنا، ووفق تصور گريماص، يمكن إعطاء الترسيمة التالية التي تقوم باختصار مجموع الأدوار في خانات ست :
فإذا كانت السميمات هي التي تحول المعانم إلى سلسلة من الآثار المعنوية ضمن السياق الدلالي الذي يوفره النص، فإن العلاقات المشكلة للمربع السميائي، يمكن أن تقودنا إلى استخراج سلسلة من الحدود المتقابلة فيما بينها. وهكذا، إذا كانت كل عملية نفي تقابلها عملية إثبات، وكل عملية إثبات تقابلها عملية نفي، فسيكون بإمكاننا أن نطرح التقابلات التالية :
- ذات إيجابية (م) ذات سلبية ( أوذات مضادة )
- موضوع إيجابي (م) موضوع سلبي
-مرسل ايجابي (م) مرسل سلبي (أو مرسل مضاد)
-مرسل إليه إيجابي (م) مرسل إليه سلبي ( أو مرسل إليه مضاد ) (25)
وهذا الانشطار يجد أصوله في الحياة الاجتماعية نفسها. فإذا كانت الحياة تخشى الفراغ وتمقته، فإن إسقاط أية رغبة على شكل حلم ( فعل محتمل ) أو على شكل حقيقة ( فعل منجز ) هو في نهاية الأمر نفي لرغبة سابقة سواء كانت هذه الرغبة على شكل موضوع خارجي ( الموضوعات التي يوفرها العالم والتي ترغب الذات في اقتنائها ) أو على شكل موضوع داخلي ( الحالات التي ترغب الذات الوصول إليها ). فإسقاط رغبة الغنى كحالة مرغوب فيها هو في نفس الوقت نفي للفقر، وإسقاط العمل كحالة إيجابية هو نفي للبطالة باعتبارها حالة سلبية. يضاف إلى ذلك أن إعطاء بعد توتري للنص السردي يقتضي مضاعفة الأدوار وتنويعها وخلق سلسلة من الترابطات فيما بينها.
ويمكن النظر إلى النموذج العاملي من زاويتين : زاوية استبدالية وزاوية توزيعية. وكل زاوية تحيل على تنظيم معين للأدوار وعلى نمط خاص للاشتغال. فمن الناحية الاستبدالية، يمثل النموذج العاملي أمامنا باعتباره نسقا، أي سلسلة من العلاقات المنظمة داخل نموذج مثالي. وتعني النسقية في هذا المجال النسقية النظر إلى الهيكل العام المنظم للسردية وفق سلسلة من العلاقات. وكل علاقة قابلة لتوليد توتر خاص داخل النص السردي. '' حينها نكون أمام تنظيم عام متمفصل في ثلاثة أزواج من العوامل يشكل الزوج" ذات / موضوع " داخله قطب الرحى. '' (26) وكل زوج مرتبط بمحور دلالي معين. وهكذا نكون أمام :
محور الرغبة ـــــــــ ذات / موضوع
محور إلابلاغ ــــــــــ مرسل / مرسل إليه
محور الصراع ـــــــــ معوق / مساعد
أما من الناحية التوزيعية، فالنموذج العاملي يمثل أمامنا على شكل إجراء، أي تحويل العلاقات المشكلة للمحور الاستبدالي إلى عمليات. وبعبارة أخرى نقوم بتفجير النموذج العاملي في سلسلة من المسارات لعل أهمها هو الترسيمة السردية. فإذا كان بإمكاننا أن نرسم حدود نص ما تركيبيا على الشكل التالي :
ذ م ذ v م
فإن البنية التركيبية تختصر في داخلها مجموع التحولات التي عرفها النص من لحظته البدئية إلى لحظته النهائية. وهذا معناه طرح سلسلة من البرامج السردية الثانوية منها والرئيسية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن طرح سلسلة من الصيغ التي تحدد طبيعة الفعل وطبيعة المحفل القائم بالفعل. وهكذا '' فإن "الإرادة " تشكل أولى التحديدات الدلالية التي تقوم بتخصيص العوامل كذوات، أي كمنفذين محتملين للفعل، وسيتحدد الملفوظ السردي نفسه كبرنامج محتمل للفعل . '' (27)
4 - الشخصية : من الدور العاملي الى الدور الثيمي
إن هذه المرحلة من العرض ستقودنا الآن إلى تصور مستوى جديد يكف فيه العامل عن الاشتغال كوحدة مجردة وعامة. ذلك أن الحديث عن البنية العاملية باعتبارها تعميما لبنية تركيبية سيقودنا إلى الحديث عن بنية الممثلين باعتبارها تخصيصا للبنية الأولى. فحياة العامل مرهونة بتجسدها داخل بنية خاصة تجعل منه محفلا قابلا للإدراك من خلال عناصر التجلي، أي داخل التركيب الخطابي. وهذا التركيب، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، يعد مستوى من مستويات حركة المسار التوليدي.
وبناء عليه - وتبعا لعمليات القلب التي تعرفها محطات المسار التوليدي -سيكون بإمكاننا، في هذه المرحلة، تحويل السميمات * إلى ثيمات. فالأثر المعنوي يتحول إلى وحدة معجمية تختزن داخلها كل الاثار المعنوية الممكن تحققها داخل هذا الخطاب أو ذاك. ويمكن توضيح عملية التحولات هاته على الشكل التالي :
اصطاد : كل ما يحيل على الصيد ( ثيمة ) صياد ( دور ثيمي) كل ما يمكن أن يصدر عن هذا الصياد كمواصفات أو وظائف.
> فهذه الثيمات التي تمثل على شكل أدوار ثيمية سيتم انتقاؤها من طرف التنظيم العاملي ليتكفل بها بعد ذلك الممثلون داخل الحكاية <. (28)
وبناء عليه، يمكن تحديد الدور الثيمي '' كتقليص مزدوج : تقليص التشكل الخطابي في مسار تصويري واحد* متحقق أو قابل للتحقق داخل الخطاب، أما التقليص الثاني فيكمن في رد هذا المسار إلى محفل واحد قادر، احتماليا، على إنجازه '' (29).
وفحوى هذا التقليص من الناحية الدلالية، أننا نقوم بتكثيف سلسلة القيم المضمونية المنتشرة في النص، من خلال المستوى السطحي، داخل إمكان واحد متحقق من خلال مسار تصويري واحد : المثال السابق : اصطاد - صياد - صيد.
فالحصول على صياد ( وهنا نفترض أن النص يشير إلى مجموعة من المواصفات والوظائف الصادرة عن محفل ما) يتم من خلال توجيه القراءة نحو تحقيق مسار واحد. فلا يمكن، انطلاقا من العناصر التي تشير إلى الصياد، تصور مسار تصويري يشير إلى شيء لايمت بصلة إلى الصيد كمواصفة وكفعل. ومن الناحية التركيبية، نقوم برد هذه الصورة الاجتماعية المجهولة إلى محفل ( ممثل) مفردن أو قابل للفردنة (عيسى مثلا).
وتبعا للتحديد السابق > فإن المضمون الأدنى للممثل يتحدد من خلال حضور المعانم التالية : 1 كيان تصويري ( ذو بعد إنساني أو حيواني الخ ) 2 حي ، 3 قابل للفردنة (يتجسد في بعض الحكايات وخاصة الأدبية منها من خلال إسناد اسم علم ) <. (30) يضاف إلى هذه العناصر عنصر آخر يتحدد في كون الممثل وحدة معجمية ظاهرة من خلال عناصر التجلي.
انطلاقا من هذا يمكن تحديد مفهوم الدور. فهو يتجلى '' خطابيا كمواصفة، أو كسند للممثل، ومن جهة ثانية، فإن هذه المواصفة من الناحية الدلالية ليست شيئا آخر سوى تسمية تحتوي في داخلها على حقل من الوظائف ( أي سلوكات مسجلة فعلا داخل الحكاية أو ضمنية فقط )، وتبعا لذلك فإن المضمون الأدنى للدور هو نفس مضمون الممثل باستثناء معنم الفردنة. فالدور هو كيان تصويري، حي، ولكنه نكرة واجتماعي. وبالمقابل فإن الممثل هو فرد يحتوي ويقوم بدور أو بعدة أدوار. '' (31)
فمن الناحية التركيبية يشتمل على دور أو عدة أدوار عاملية وذلك وفق مبدأ القلب المشار إليه سابقا، فممثل واحد قد يقوم بعدة أدوار عاملية :
عيسى ممثل ـــــــــ دور الذات - المرسل - المرسل إليه.
ويتمتع الممثل، من الناحية الدلالية، بدور أو عدة أدوار ثيمية : عيسى ممثل ــــــــ صياد + استاذ الخ .
وبناء عليه، فإن الممثل هو نقطة الربط الحاسمة بين التركيبي والدلالي، أي بين السردي والخطابي. فالبنية العاملية تحتاج، لكي تكون حاضرة داخل الخطاب السردي، إلى نمذجة للأدوار العاملية. وهذه الأدوار المحددة من خلال حمولتها الصوغية، ومن خلال مواقعها التوزيعية في نفس الآن، تستطيع تغطية وتحريك مجموع الخطاب. وبعد ذلك فقط يمكن تصور سيرورة جديدة تعود إلى التجلي الخطابي للسردية، وهذه السيرورة ستقود إلى خلق تراكب بين بنيتين : بنية العوامل وبنية الممثلين، كما ستقود إلى خلق تداخل بين الممثل والعامل. '' (32)
وبناء عليه يمكن أن نعطي الترسيمة التالية، وهي ترسيمة كفيلة بتوضيح التداخل بين الممثل والعامل والدور الثيمي :
الهوامش :
1) Greimas : Sémantique structurale , p . 19
2) Petitot Cocorda , Jean : Morphogenèse du sens, pp 210 - 211
3) Joseph Courtès : Introduction à la Sémiotique narrative , p 45
4)Greimas, Du Sens
5) يعتقد بول ريكور أن عبقرية گريماص تكمن في بحثه عن السردية في مستوى سابق عن التجلي النصي. انظر la grammaire narrative de Greimas
6) Greimas ; Sémantique structurale, p . 109
7) نفسه ص 110
Courtèsالمرجع السابق ص 52
9) Petitot Cocorda نفسه ص 233
10) نفسه ص 254
11) يطلق گريماص على هذا المستوى : المستوى الخطابي ليميزه عن المستوى السردي
12) نفسه ص 256
13) نفسه ص 255
14) Greimas : Les actants, les acteurs et les figures, p 161 et suiv
15) يعرف گريماص اللكسيم بقوله : " إن اللكسيم هو تنظيم معنمي محتمل لا يتحقق كليا داخل الخطاب المتجلي إلا في حالات نادرة ( عندما يكون الخطاب أحادي المعنى ). فبما أن كل خطاب يختار تناظره الدلالي الخاص، فإنه لن يكون سوى استغلال جزئي جدا للاحتمالات المتعددة التي يوفرها له المخزون اللكسيمي. وإذا استمر هذا الخطاب في التحقق، فانه سينشر وراءه صور العالم التي لا تستقيم داخله والتي تستمر في ممارسة حياة احتمالية قابلة للانبعاث مع أدنى تنشيط للذاكرة " انظر المرجع السابق ص 170
16) Greimas et Courtès , Dictionnaire p 58
17) Cocorda م سابق ص 233
18) : Du sens , p 166 Greimas
19)Greimas ; Sémantique structur