الأسس التكوينية لمفهوم التناص.
د. شكير فيلالة
ناقد وباحث من المغرب
د. شكير فيلالة
ناقد وباحث من المغرب
تمثل
التناصية Intertextualitéتلك الفعالية الماثلة والمنتشرة بين ثنايا اللغات
وخطاباتها المتعددة، وبين غيرها من المعارف الأخرى . وتحضر تلك الخطابات
بسجلاتها المجتمعية والفئوية والمهنية، وبسننها الخاص المنطلق منها
والمكبوح. كما توزعت نظريات التناصية بين اتجاهين أساسين هما:
• اتجاه "هـ. بلوم H. Bloom" وينحو منحى "التأثير" أكثر من منحى"التناصية".
• اتجاه كانت بدايته مع "م.باختين M.Bakhtin"وطوره فيما بعد كل من "كريستيفيا J.Kristiva"و"ج.جنيتG.Genette" وينحو منحى "التناصية".
فانطلاقا
من هذه التطورات التي لحقت المفهوم كان لزاما علينا التعرض إلى الأسس
التكوينية الداخلة في نشؤه وتبلوره من خلال أهم محطاته الكبرى.
1- مستويات الحضور المؤسس
إذا
كان غالبا ما ينتقل "المنهج " أو"المصطلح" النقدي من ثقافة إلى أخرى مشوبا
بالاضطراب، فإن مفهوم التناصية (Intertextualité). قد عرف التباسا في
بيئته الأصلية (الغرب) نتيجة للتطورات وللتعديلات التي كانت تلحقه، كما
توزع بين عديد من المجالات التي تداولته. و إضافة إلى هذه الصعوبات، هناك
مشكل ترجمة المصطلح، ففي اللغة الفرنسية نقلت لفظة Intertextualité)) إلى
العربية تحت مصطلحات كثيرة، من أبرزها (التداخل النصي).(1) وقد آثرنا
الإبقاء على مصطلح (التناصية) في ترجمته إلى (Intertextualité) نظرا لشيوعه
داخل الأوساط النقدية العربية، كما أن مادة "نص"(2) في اللغة العربية تحمل
معنى التنضيد، واختزاله في نوع واحد فقط من أنواع المتعاليات النصية
(Intertextualité). لذلك يأتي اختيارنا لهذا المصطلح لكوننا نجانب تعميق
التباس المفهوم ومقابلته باستعمال مصطلحات أخرى، وسنبقي على تداول مصطلح
التناصية باعتباره المنظم للعلاقات النصية، تحويلا و محاكاة وتضمينا وسرقة
وتحريرا ...الخ.
كما سيكون تعاملنا مع مستويات الحضور المؤسس للتناصية
كما طرح مع الأوائل، وسنعمل على إبراز مستويات الحضور المرسخ بشكل أعم مما
طرحته "كريستيفيا J.Kristiva"، إذ سنعتمد على ما طرحه "جنيتG.Genette" في
كتابه التطريسات (Palimpsestes) حول المتعاليات النصية" لكونه طور آراءها
المطورة عن أفكار "م.باختين M.Bakhtine" حول الحوارية في صياغة مفاهيمها
حول التناصية.
أ- التناص في النقد العربي القديم
لقد كان العرب
من السباقين إلى معالجة مفهوم التناصية تحت مسمى السرقات الأدبية، وانتقل
الموضوع من مبحث في النقد إلى مبحث في البلاغة. وخلال بداية القرن
الأخير،لم يكن في وسع النقد العربي تجاوز المقولات التقليدية في النقد حول
السرقة الأدبية، إذ ظلت الاتهامات متبادلة بين النقاد والمبدعون.
حينما
أطلق مصطلح (سرقة) في النقد العربي القديم على ظاهرة انتقال المعاني من نص
إلى آخر، لم يكن ذلك يعد قدحا في الظاهرة، بدليل أن هناك تمييز بين سرقة
ممدوحة وأخرى مذمومة، وفي هذا السياق يقول ابن رشيق عن السرقات" باب متسع
جدا، لا يقدر أحد من الشعراء أن يدعي السلامة منه، وبه أشياء غامضة إلا على
البصير الحاذق بالصناعة، وأخرى فاضحة لا تخفى إلا على الجاهل المغفل".(3)
فأهمية رأي "ابن رشيق" تكمن في كونه يعتبر موضوع السرقة متسعا، لأن هناك
صعوبة بادية في حصر ما هو سالف من النصوص المتواجدة داخل النص
المنتج(اللاحق) سواء كتنصيص أو اقتباس أو استعارة أو صدى، كما يرى انه لا
يمكن لأي شاعر أن يدعي السلامة منه، فمن الضروري أن يستند الشاعر على نصوص
سابقيه من أجل بناء قصيدته، وهذه النصوص السابقة المتسللة إلى نص الشاعر
تتفاوت في درجة التعرف عليها من قارئ إلى آخر، لذلك نجد الناقد العربي
القديم قد حصر السرقة في المعاني دون "الألفاظ ليست محظورة على أحد"،(4)
وبذلك خص المعاني المتداولة بمصطلح (الاتفاق). من هنا كان اهتمامه منصبا
على استخراج معاني الغير من القصيدة والتي يصعب الكشف عنها، فرأى أن ذلك من
مهمته، بينما المعاني المتداولة (تشبيهات العامة-الأمثال) فهي معروفة عند
العامة يسهل تبينها، لهذا تخرج عن كونها سرقة.
أما السرقات عند "ابن
رشيق" هي تلك التي تكون من جنس أدبي إلى آخر (شعر/ نثر). فيقول " أجل
السرقات نظم النثر، وحل الشعر".(5) كما أن هناك فرع آخر من العلاقات
النصية، وهو التضمين، الذي يخرج عن باب السرقات عند "ابن رشيق"، الذي يعني"
قصدك إلى البيت من الشعر أو القسيم فتأتي به في آخر شعرك أو وسطه
كالمتمثل".(6)
ومن النقاد الذين يميزون بين السرقة والاحتذاء هناك عبد
القاهر الجرجاني إذ ينكر على النقاد "وصمهم الشاعر بالسرقة ما دام محتذيا،
وذلك لأنه يفرق بين الاحتذاء والسرقة".(7) ورغم ما ذكرت من التفاتات نقدية
متميزة عند نقادنا القدامى، فإنه يمكن أن نخرج بالملاحظات التالية:
استحكام النظرة التجزيئية: حيث لم يتعامل الناقد العربي القديم مع القصيدة
في شموليتها من أولها إلى آخرها، بل البحث هده السرقات بشكل جزئي،أي على
مستوى البيت أو البيتين فحسب.
استحكام النظرة المعيارية: ودلك بجعل مقاربتهم لمسألة السرقات من زاوية معيارية لا من زاوية وصفية.
بروز النزعة المتعالية: لقد كان ينظر إلى الناقد العربي القديم بأنه خزان
من المحفوظات، وهذه المقدرة تمكنه من رد المعاني إلى أصولها، وهي عملية
كانت تعلي من شأن الناقد وتجعله فوق كل شاعر، وتجعله يمارس الرقابة على كل
منتج شعري.
تحامل بعض النقاد العرب القدامى على بعض الشعراء: إن تعالي
الناقد العربي القديم على الشاعر العربي، وشعوره بأهمية المكانة التي
يحتلها، خولت له التحامل على بعض الشعراء لأسباب أو لأخرى، مثال ذلك تحامل
الحاتمي على المتنبي.
عموما إذا كان للعرب القدامى تصورهم للتناصية
كسرقة أدبية، وان اختلفوا في توصيف هذه السرقات والبحث عن مسوغات أدبية
وفنية لها، فان للغرب تصوره الخاص به وفق مرجعياته الفكرية والتاريخية.
ب- التصور التقليدي لمفهوم التناصية.
يقوم
هذا التصور على إرجاع ظاهرة التناصية إلى مفاهيم لا ترقى إلى مستوى
العلمية، كونها ترد إلى قضايا ظاهرية وعلاقات بسيطة وسببيات لا تقوم على
منطقية مقبولة، هكذا نجد "L’aurent Jenny" يعتبر بعض هذه الدراسات ناقصة
ولا ترقى إلى مستوى العلم، حيث تكتفي بمقاربة اجتماعية أو نفسية أو تاريخية
لظاهرة التناصية " كل واحد له طريقته في البحث عن قانون لترتيب تاريخ
التناصية، داخل الظروف النفسية والاجتماعية وليس في أشكاله"،( ويضرب
مثالا على ذلك بما قام به "هـ. بلوم Bloom. H" و"مكليهان Maklehan".
يرى
"هـ. بلوم H.Bloom" في جمعه بين الشخصيات والموروث اصطراعا بين" العبقرية
السابقة والطموح الحالي، جائزتها أو ثمنها البقاء أو الانضواء في السنة"(
). فالسنة والمعيار وما يحتويه من أسماء كبيرة لها روائعها المعروفة،"
متمظهرا كوسواس تأثير يكزن ويشوه كل كتابة جديدة تطمح إلى الخلود".(10) وفي
كتابه ( الشعر والكبت1976)ظهر "بلوم Bloom"أكثر وضوحا: فثمة وعي بالعلاقة
بين الأحفاد و الآباء، وثمة انجراف وتحريف. لهذا يقول"إن أي شاعر، وحتى
هومر لو عرفنا بسابقيه، هو في موقف الاثنين من بعد.... فانه بالضرورة لاحق.
ولهذا في أحسن الأحوال يسعى للانتقاء من بين آثار لغة الشعر عبر الكبح: أي
أن يكتب بعض من هذه بينما يبقى على اخرى".(11) من هنا يقترب "بلوم Bloom"
من فكرة لا عبقرية خارج الموروث ليذهب إلى القول بان " حتى الشاعر الأقوى
ينبغي أن يتخذ مكانه وموقفه داخل اللغة الأدبية. أما إذا وقف خارجها فانه
لا يقدر عندئذ على كتابة الشعر، لان الشعر يحيا دائما في ظل الشعر".(12)
لذلك
ينشغل "بلومBloom" بحدي العلاقة بين الكبار ، سابقين ولاحقين، أباء
وأحفاد، داخل الموروث بصفته المتصلة داخل اللغة الأدبية. من ثم يحتدم
الصراع في نظره داخل"حلبت الموروث الشعري" ثم يجزم بان" التناصية هي أرشيف
العائلة" عندما يبقى الشاعر"تماما داخل السنة المتوارثة للشعراء
الكبار"(13)
يرد الأول ظاهرة التناصية إلى بعد نفسي بحيث يتأثر كل شاعر
بالذي سبقه، مما يدفعه إلى إحداث شاعريته وفق سابقيه، ويرجع هذه الفرضية
إلى قضية في تطور الأدب "إن كل شاعر يتلقى"وسواس تأثير" حقيقي ومعقد من
أوديب، وهذا ما يدفعه إلى تغيير الأشكال التي هو حساس أمامها إلى صور
متعددة".(14) إن هذا التصور دفع" لوران جيني L’aurent Jenny"إلى أن يصف
موقف"بلوم"بالهش والفظيع" إن نظرية بلوم تخلط بشكل فضيع بين النظرية
الشكلانية ونظرية المنابع".(15)
أما "مكليهان Maklehan" فيرجع مسالة
التناصية إلى تطور وسائل الاتصال السمعية والبصرية كالمذياع والتلفزيون
والسينما والصحافة، وليس إلى الأشكال التاريخية للظاهرة؛ فالذاكرة الأدبية
عنده قوية و فعالة، تختزل هذه التطورات لتولد أشكالها الجديدة. غير أن
"لوران جيني L'aurent Jenny" يعتبر هذا الموقف غير كامل وناضج، لكونه يقصي
البعد الإيديولوجي للتناصية" إن نظرة "مكليهانMaklehan" تقوم على آلية
بسيطة مقلصة، وفي نفس الوقت، تفرغ التناصية من كل دلالة أيديولوجية"(16).
ج- التناصية مع الشكلانيين الروس وحلقة براغ :
لقد
أحدثت الشكلانية زلزالا قوض ما صارعت المناهج الأدبية التقليدية للحفاظ
عليه، حيث جعلت هذه المناهج العمل الأدبي مجرد انعكاس وتسجيل للظروف
التاريخية والاجتماعية، لذلك ناهضتها الشكلانية من خلال الاقتراب من
الأعمال الأدبية من الداخل، وتجريدها من العناصر الخارجية الداخلة في
تكوينها، لتحدث القطيعة مع كل ما هو تاريخي واجتماعي ونفسي، و بلورة مفاهيم
تناهض كل من يحاول التعاطي مع العمل الأدبي بمراعاة العوامل الخارجية
الداخلة في تكوينه.
إن هذا التموضع أمام الإبداع جعل مفهوم "التناصية"
في مأزق، وقذف به خارج حقل دراسات الأدب. إلا أنه في الثلاثينيات من هذا
القرن، تم تصدير الإرث النظري للشكلانيين الروس إلى جماعة حلقة براغ،
المرهصة للاتجاه البنيوي الذي أعاد هذه المفاهيم عمقها، إذ جعل الإبداع
مجرد أنظمة بنيات ترتبط مكوناتها بعلاقات خاصة، و يحكمها مبدأ المحايثة
الذي يقر باستقلالية النص. ولعل هذا المنظور للعمل الأدبي، هو الذي جعل
البنيويين يغفلون ظاهرة التناصية "إن التشبث باستقلالية النص ضد النزعة
السيكولوجية السوسيولوجية أنسى الشكلانيين الجدد قضية البحث في التناصية،
وسقطوا في الدعوة التقديسية لشكل النص"،(17) وهذا ما أكد عليه "لورون
جينيL'aurent Jenny" الذي اعتبر أن قانون المحايثة معيقا لمفهوم التناصية،
مما يفسر تباطؤ الشاعرية المعاصرة بحساسيتها اتجاه النص. إن فكرة المحايثة
هي من خطئ الشباب".(18)
لكن رغم هذا الموقف المسجل على الشكلانيين
الجدد، نجد هناك في كثير من الدراسات إشارات إلى بعض المفاهيم المتقدمة،
والمؤشرة على مفهوم التناصية بشكل ضمني "بالرغم من توزع اهتمام الشكلانيين،
وتعدد معاركهم، فإنهم لم ينسوا أن يطرحوا الأسئلة حول النص وسياقه
الخارجي، كما حاولوا أكثر من مرة مراجعة مصطلح "السانكروني" وتجديده مما
يعتبر إرهاصا متقدما في طرح مسألة التناصية" .(19)
وقد أشار
"ياكبسونJakbsone " إلى وجود رصيد تاريخي وأفق مستقبلي يشكلان عنصرين
بنيويين للنص الأدبي ولا يمكن الاستغناء عنهما "إن التاريخ نظام، وهكذا
تتجلى النزعة التزامنية الخاصة، وهي الآن أشبه بوهم، فكل نظام تزامني يتضمن
ماضيه و مستقبله اللذين هما عنصراه البنيويان المتلازمان (أ) نزعة التقليد
القديم كواقعة أسلوب، أي الخلفية اللسانية والأدبية التي نحس بها كأسلوب
متجاوز وبال، و(ب) الميولات التجديدية في اللغة والأدب، والتي نشعر بها
كتجديد للنظام. (20)
كما أن قيمة الانفتاح النصي في العمل الأدبي على
نصوص أخرى نجدها مع "تينيانوف Tynianov"، وإن كان لم يدرج في تعبيره عن هذه
القيمة مفهوم التناصية، فرغم عدم مناصرته للآراء التي تقول بتداخل الأدبي
والاجتماعي، وتبنيه لمبدأ المحايثة الصارم والرافض لكل دخيل ووارد على
مكونات النص الداخلية، فإنه يتساءل عن هذه الإمكانية ومدى نجاعتها في
مقاربة النص الأدبي "إن الدراسة التي نسميها "المحايثة" للعمل كنظام، والتي
تجعل كل العلاقات مع الأنظمة الأدبية الأخرى مردودة، هل من الممكن أن
يطبقها النقد الأدبي بوفرة وبنجاح على الأعمال الأدبية المعاصرة؟ (21)
غير
أن "تينيانوفTynianov" يؤكد على بعد آخر يستند عليه انفتاح العمل المتمفصل
في أنظمة أخرى فيما بينها" إن وجود حدث ما كحدث أدبي يقوم على خاصية
أخلاقية أي تداخله إما مع مجموعة أدبية أو مجموعة أخرى خارج أدبية بعبارة
أخرى مع وظيفته"، (22) أما في حديثه عن الباروديا يرى أنه لا يمكن فهم
وظيفة الأعمال الأدبية بتجريدها عن التاريخ الزمن "إنه من المستحيل إعطاء
تعريف لازمني ولا تاريخي للمفهوم السابق (الوظيفة البارودية )". (23)
إن
ما ينطبق على شكلانيي روسيا أو حلقة براغ، ينطبق على بنيويي فرنسا خاصة
مع"تودروفTodorov" أحد ممثلي هذا الاتجاه الأكثر شهرة، فمقولاته تشي برفض
صارم لكل حضور خارجي عن ذاتية الإبداع، وإقراره والتزامه بمبدأ المحايثة،
إلا أننا نجده يتطرق إلى مفهوم التناصية بشكل عابر "إنه من الوهم أن نعتقد
بان العمل الأدبي له وجود مستقل، إنه يظهر مندمجا داخل مجال أدبي ممتلئ
بالأعمال السابقة. إن كل عمل فني يدخل في علاقة معقدة مع أعمال الماضي التي
تكون حسب المراحل التاريخية تراتبية مختلفة"(24).
إلا أن الأفكار التي
ظهرت فيما بعد أفرزت لنا اسما مثورا للمفاهيم التقليدية المتشددة التي ركزت
على داخلية النص الأدبي وألغت كل الوسائل الأخرى، ألا وهو"م. باختين
M.Bakhtine " فكان هذا الباحث هو المؤسس الفعلي لمفهوم التناصية والمبلور
له بشكل شمولي وواضح.
فما هي حدود التثوير والتجاوز التي قام بها "م.باختين M.Bakhtine"؟
2- مستويات الحضور المرسخ
أ- التناص عند "ميخائيل باختين"
يكاد
يجمع الدارسون على أن "م.باختينM.Bakhtine" هو المطور لمفهوم التناصية،
وإن كان قد طرحه في صيغة مفهوم " الحوارية"، فهذا المفهوم استعمل من طرفه
لوصف العلاقة القائمة بين الخطابات، خاصة وأنه يعتبر أن الحوارية تنتمي إلى
عالم الخطاب لا إلى عالم اللسان، تتعلق بالعبر-لسانية وليس باللسانيات،
وبالتالي فالعلاقات الحوارية تقام على المستوى الدلالي المشترك.
كما أن
نظريات التناصية اللاحقة خرجت عن التأثر بالسابقين والأجداد من كبار
المبدعين إلى الانتقال للنصوص لا إلى الأسماء، ف"فروFrow" قد تحدث عن الدور
الذي لعبه "م.باختين M.Bakhtine" في تفجير الاعتبارات التقليدية في
القراءة النقدية، وذلك بتعامله مع التمثيل الأدبي على انه تمثيل خطابي،
مشيرا إلى أن التمثيل الأدبي هو أولا لغة" يمكن التنظير للجريان السردي على
انه بناء يجمع في داخله سوية خطابات متعددو ومتباينة، فكل شيء في النص هو
لغة" (25)
لقد انطلق "م.باختين M.Bakhtine" في بناء طرحه من التراكم
المعرفي الذي أحدثته الشكلانيون الروس، غير أن علاقته بأفكارهم لم تبق في
حدود الأخذ السلبي، بل تأسست على منطق الخرق والتجاوز. فإذا كان الشكلانيون
قد أسندوا كل مهماتهم العملية إلى مبدأ السانكرونية، فإنه سيضيف البعد
الدياكروني "إن باختين هو أول من أدخل مفهوم التناصية في الدراسات الأدبية،
منطلقا في ذلك من منظور تراكمي تكاملي أساسه المزج بين كل ما هو سكوني
ودياكروني". (26)
إن الازدواجية التي بلورها "م.باختين M.Bakhtine" هي
نتيجة تراكمات سابقة، وبداية لواقع نصي جديد، نص بمثابة حلقة بين سابق
ولاحق وتقاطع بين كل هذا ، مما يعني أن النص ما هو إلا موازييك من
التنصيصات ذابت وتحولت آخذت من بعضها الآخر. وقد أكد "م.باختينM.Bakhtine"
على فكرة التداخل والارتباط الأركيولوجي بين النصوص "الجنس يعيش في الحاضر
لكنه يتذكر ماضيه وأصله باستمرار، فهو يمثل الذاكرة الفنية عبر امتداد
التطور الأدبي". (27)
ويعد كتابه "الماركسية وفلسفة اللغة"، (28) مرجعا
أساسيا صاغ من خلاله تصوراته، حيث انطلق من تقزيم حجم الاتجاه اللغوي
الذاتي الذي كان يعتبر الكلام مجرد فعل للإبداع الفردي "من هنا يركز أصحاب
هذا الاتجاه على لسانيات الكلام، حيث يعتبر أصحابه أن الكلام مجرد فعل
للإبداع الفردي، فهؤلاء ينطلقون من تصور للنفس بالتعامل مع الكلام الإنساني
كمظهر لسيكولوجية فردية ". (29) أما الاتجاه الآخر والذي يسميه
"م.باختينM.Bakhtine" بالنزعة الموضوعية التجريدية، فقد انطلق فيه من
الرصيد اللساني السوسيوري الذي يميز بين اللغة والكلام واللسان ولا يعترف
إلا بما هو سانكروني في الكلام، الشيء الذي أسقطه في نزعة تجريدية ومتطرفة
تعمد إقصاء باقي العناصر الأخرى.
بعد ذلك قدم "م.باختين M.Bakhtine"
مفهوم (الأيدولوجيم) الذي يعرفه "فيكتور أرليخ" كما ورد عند أنور المرتجي
ب" إنه يتمظهر على شكل كلمات، طرق اللباس، العلاقات التنظيمية بين البشر،
إن كل أيديولوجيم هو جزء من الواقع المادي الاجتماعي". (30) وتتقاطع وحدة
الأيدولوجيم مع الوحدة الأدبية، إلا أنه قبل أن نشير إلى الكيفية التي يتم
بها هذا التقاطع بين الأدب والأيدولوجيم وكذا ميكانيزم التناصية بين النصوص
الأدبية ، يبدو لزاما علينا عرض موقفه من التلفظ وشروط تقاطعه مع
الأيديولوجيم.
إن التلفظ عند "م.باختينM.Bakhtine " هو الشرط الوحيد
الذي يمكنه أن يحقق الأيديولوجيم، لأن تمثيلية الصور المادية للمجتمع لا
يمكن أن توجد إلا داخل التلفظ. الذي يعد الوحدة القادرة على اختزال
الأيدولوجيم والتقاطه "فالتلفظ يتميز بحركته التواصلية باعتباره سلوكا، إنه
المجال الأولي من أجل الاستثمار الأيدلوجي، إنه لا توجد تجربة خارج شكل
الدلائل". (31)
أما اللفظ عنده هو نتيجة التفاعل بين الطرفين،
مرسل/ومرسل إليه "إن اللفظ هو فعل ذو جانبين إنه محدد بطريقة متساوية من
طرف ذلك الذي يفهم اللفظ، باعتباره لفظا، هو إنتاج للعلاقة المتبادلة بين
المرسل/والمتلقي". (32) فاللفظ إذن، يحمل بداخله نواة تواصلية بين الأنا
والآخر، فوجود لفظ ما مرهون بلفظ الآخر، أي تقوم بينهما علاقة تقاطع
وامتداد وهذا التفاعل اللفظي interaction verbal هو ما يسميه
"م.باختينBakhtine" بالحوارية، أي "العلاقة بين خطاب الآخر، وخطاب الأنا".
(33) فالتجاور اللفظي بين خطاب وخطاب هو الذي أفضى ب"م.باختين M.Bakhtine"
إلى الحوارية الأدبية "ففي نص أدبي معين عندما نجد استعمالات اللغة الوطنية
واللغة الأجنبية ، فإن هذا الاستعمال يؤكد ويحدد صورة العالم لكل لغة
باعتبار اللغة تصور للعالم الذي تقدمه". (34)
هكذا، فهذه الحوارية معززة
بهجنة تلاقي المرجعيات والسجلات وهوامش اللغات في كل نص جامع أو جنس أدبي
مكتنز بكل هذه اللغات التي يقوم بينها صراع غير برئ ، إنه الصراع حول
الهيمنة كمفهوم يحيل على احتواء يؤدي إلى ولادة ، وبالتالي كل حوارية
(تناصية) هي اكتناز لمجموعة من التلفظات.
ب- التناص عند "ج.جوليا كريستفا J.Kresiva"
إذا
كان مفهوم التناصية الذي قد أرتبط في مراحله الأولى بـ"م. باختين
M.Bakhtine" فإن "ج.كريستيفا J.Kresiva" استعادت هذا المفهوم وطورته
انطلاقا من الكم المفاهيمي المعاصر لها، ووفق مشروعها السيميائي ونظرتها
للنص الأدبي بشكل عام، حيث"استبدلت مصطلح الحوارية بالتناصية، ولا يعتبر
عملها استنساخا للمفهوم الباختيني نظرا لاختلاف المرحلة المعرفية التي تفصل
بينهما. فلقد استفادت من المنطلق النظري الذي وظفه باختين، وأضافت إليه
حوارا مع المعرفة الحديثة ممثلة في الماركسية في آخر مستجداتها، وعلم النفس
في أحدث مراجعاته". (35)
وإذا كان التحليل البنيوي يطبق في حدود
الملفوظ ولا يتعدى ذلك إلى طرح أسئلة حول ذات النص، أي انه يبقى في
حدود"ظاهرة التناصية" فإن كريستيفاKresiva تقابل هذا كله ب"توليدية النص"
أي اعتبار النص كبنية غير مكتملة ومعلقة. لهذا نجدها تعتبر النص"مجموع
علامات تم بناؤها وتحطيمها، ذلك لأنها لا تنظر إليه كنسق لغوي مكتمل
ومغلق"(36)
إن التناصية إذن، هو المفهوم المفتاح الذي استبدلت به
"ج.كريستيفاJ.Kresiva" مصطلح الحوارية عند باختين، وأدرجته في مشروعها
النقدي، لأنها ترى أن التحليل التحويلي لا يفي بإدخال بنية النص في النص
الاجتماعي أو التاريخي، بل ترى أن مختلف مقاطع بنية نصية ما عبارة عن
تحويلات لمقطوعات مأخوذة من نصوص أخرى.
من تم استبدلت Dialogisme"
الباختيني بمصطلح التناصية Intertextualite الذي تعني به عملية التداخل
والتحاور، وكذا العلاقة التحويلية القائمة بين النصوص الأدبية "إن مصطلح
التناصية يدل على هذا التحول القائم بين واحد أي (مجموعة) من أنظمة
العلامات لتطور مفهوم التناصية، وهذا المصطلح قد استعمل في معناه السلبي مع
اتجاه نقد المنابعCritique Sources للنص ونحن نفضل مصطلح التحول لأن له
امتيازا في تحديد عبور نظام دال إلى آخر، مما يفرض تمفصلا جديدا لوضعية
التلفظ Inonciative والتعيين Dénotation". (37)
وقد تعرصت "ج.كريستيفا
J.Kresiva" بشكل كبير لمركزية اللغة في قراءة" م. باختين M.Bakhtine"، من
ثم تعتبر أن كل الملفوظات مكتظة بالآخرين. لذلك تؤكد كما يقول"فروFrow" على
أن" المدلول الشعري يحيل على مدلولات أخرى استطرادية بطريقة تجعل من
خطابات أخرى عديدة مقروءة وبينة داخل الملفوظ الشعري". وهذا ما تعتبره فضاء
تناصي مكون من عدة نصوص أو هو التقاء مجموعة من النصوص في نص جامع ونافذ
المركزية ينتظم حوله المعنى، ويجعل كل نص مكون فسيفيسائيا من مجموعة نصوص.
وهذا التكوين الفسيفيسائي سبقها إليه"رولان بارثR.Barthes " في إطار حديثه
عن "موت المؤلف" عندما أشار إلى أن النص فضاء متعدد الأبعاد وتقيم فيه شتى
الكتابات، معتبرا إياه نسيجا من المقتبسات المأخوذة من عدد لا يحصى من
المراكز الثقافية. كما أن النص الأدبي هو "المكان حيث تلتقي أنظمة العلامات
المتولدة من المتعدد ومن المجتمع.(38) والنص عندها أيضا "يتشكل كفسيفساء
من الإسنادات، حيث كل نص يمتص ويحول نصوصا أخرى". (39)
هكذا، فالنص عند
"ج.كريستيفا J.Kresiva" هو ّمجال لإعادة تشكل الإبستيمولوجي والاجتماعي
والسياسي، فهو متعدد لسانيا وصوتيا. لتؤكد بذلك على أن فكرة الحوار اللساني
كانت تشغل الشكلانيين الروس الذين شددوا على الطابع التواصلي اللساني
ويعتبرون المونولوج شكلا مستجدا بالنسبة للحوار"(40) وتشير أيضا إلى أنه
يمكن أن نجد العلاقات الحوارية في مستويات متعددة من اللغة وحصرتها في
العناصر التالية:"
ثنائية لسان/كلام: ففي اللسان نجد العقد الاجتماعي
والقيم، وفي الكلام ليس هناك إبداع خالص، بل تشكيل فردي ينبني على قاعدة
تبادل العلامات.
الطابع المزدوج للغة: هو طابع استبدالي ونسقي، إذ من
المهم القيام بتحليل لساني للتبادلات الحوارية بين هذين المحورين
باعتبارهما أرضية لازدواجية الرواية.
العلاقات بين السنن والإرسالية: التي تساعد على تدقيق الفكرة الباختينية الكامنة في اللغة.
علاقة
النص باللغة التي يوجد فيها: وهي علاقة توزيعية بنائية، فالنص عبارة عن
تبادل للنصوص، إنه تناصية، ففي فضائه تتقاطع عدة ملفوظات مأخوذة من نصوص
أخرى"(41).
ويعد كتابها "نص الرواية" (42) من أهم أعمالها التي اختزلت
فيه مجموع تصوراتها ومفاهيمها حول النص والتناصية والإنتاجية... وكذا
كتابها "أبحاث في التحليل التدليلي". (43)
فالكتاب الأول يعد أهم محطة
في تاريخ سميولوجيا الرواية، ففيه حددت مشروعها بشكل واضح ومعمق، حيث زاوجت
النظرية بالتطبيق على متن رواية "أوستن دولا سالOsstine Delassale"، لتبرز
تجليات ظاهرة التناصية فيها. فانطلقت من اعتبار أي نص هو متتالية من
النصوص، وبناء مكون من أنظمة أخرى "لقد دعت في الكتاب الأول إلى أن
القراءات الصحيحة للنصوص عليها أن تنبني على إعادة البناء الداخلية، وربط
النص المدروس بالنصوص السابقة أو المعاصرة، المخالفة أو الخارجة عن حدود
ذلك النص نفسه".(44) كما ذهبت إلى أن أي فهم للنص الروائي لا يكون إلا
باستحضار مفهوم التناصية، ولتحديده قامت بتفكيك العلاقات الموجودة بين
الكتابة والكلام في نص رواية " أوستن دولا سال Osstine Delassale" فميزت
بين مستويين من التلفظ:
المستوى الأول:
• الأوصاف التقريضية للملفوظات (اللباس–الأسلحة) أو للأحداث (انطلاقة الجند، مآدب، معارك)
• الاستشهادات حيث يستشهد الكاتب بسقراط تريميد، وبالإنجيل، وسانت اغسطن، وابن سينا ....
المستوى الثاني:
وهو
المتعلق بالمكتوب الذي قراه "دولاسل Delassale" في كتب أدبية أو فلسفية،
فهذا المقروء ينزلق إلى مساحة النص ليشغل موقعا فيه ويتناص مع باقي مكونات
النص. فالمقروء والمسموع حسب "ج.كريستيفا J.Kresiva" نصوص تتناصص فيما
بينها لتحقق نصية النص، وهذه العملية تتم سواء بشكل واع، حيث يكون فيها
المبدع متعمدا دمج هذه النصوص لدلالة أو لمقصدية ما، أو بطريقة لاواعية
ينزلق فيها المكتوب والمسموع إلى أحضان النص المولود، ليتراص مع باقي
مكونات النص الحاضر.
عموما يمكن تحديد عناصر التناصية المتفاعلة فيما
بينها عند"ج.كريستيفا J.Kresiva" في موضوع (الكتابة المتلقي، النص الخارجي )
على محورين متقاطعين:
• محور تركيبي يتناص فيه (موضوع الكتابة والمتلقي).
• محور عمودي يتجاوز فيه (النص مع نصوص أخرى).
بذلك
زادت من فاعلية هذا المفهوم (التناصية) ووسعت من بعده وعمقت من حضوره في
الممارسة الأدبية، والممارسة النقدية "التناصية" عند "ج.كريستيفا
J.Kresiva" يصبح مفهوما إجرائيا عاما، يدفعنا إلى اعتبار النص عملية مزدوجة
قراءة/كتابة سواء على المستوى الداخلي للمتوالية الأدبية أو على المستوى
علاقة هذه المتوالية بالمتواليات الثقافية و الاجتماعية والتاريخية". (45)
ج- جرار جنيت والمتعاليات النصية(Transtextualité )
لقد
رأى "ج.جنيت Genette. G" في كتاباته السابقة (مدخل لجامع النص) أن موضوع
الشعرية ليس هو النص وإنما معمار النص (Architexte), أي دراسة مجموع
الخصائص العامة والمتعالية لكل نص، غير أنه في السنوات الأخيرة تم العدول
عن هذا التصور، واعتبر أن موضوع الشعرية هو الـمتـعاليات النصيـة
(Transtextualié) . ويعرف "ج.جنيت Genette. G" – بشكل عام – المتعاليات
النصية بأنها "ما يجعل النص في علاقة خفية أو جلية مع غيره من النصوص".
(46)
وفي هذا الإطار يميز بين خمسة أنماط من المتعاليات النصية، منطلقا
في ذلك بشكل تراتبي من الـملموس إلى المجرد فالأكثر تجريدا، وهذه الأنواع
هي: التناص (Intertextualité)، والمناصة Pratextualité))، والميتانصية
(Métatextualité)، والتعلق النصي Hypertextualité)، وأخيرا معمارية النص
(Architextualité) .
3- ضـوابــط مـفهومـيــة
أ- تمظهرات التناصية:
لقد
صرح "ج.جنيت Genette. G" بأن مصطلح"التناص" وظف لأول مرة من طرف "ج.
كريستيفاJulia Kristivia" ، مؤكدا تصورها عن التناصية بأنه "الحضور الفعلي
لنص في آخر ". (47) وداخل هذا النوع يميز بين ثلاث صور :
الاستشهاد
(Citation) : وهي الصورة الأكثر وضوحا وسطحية، وهي التطبيق التقليدي الذي
يعتمد على استعمال المعقوفتين والإحالة المحددة وغير المحددة.
السرقة الأدبية (Plagiat): وهي استعارة غير معلنة ولكنها سطحية.
التلميح (الإيحاء)(Allusion): وهو الصورة الأقل وضوحا وسطحية، وهي علاقة
يعتمد في تحديدها على الذكاء (اطلاع القارئ) انطلاقا من العلاقة التي بين
ملفوظ (énoncé) وآخر.
ب- المناصة (Pratextualité) :
وهو نوع أقل
التصاقا بالنص، ويتجلى في علاقة النص بالعناوين، والعناوين
الفرعية،والمقدمات، والذيول، الإنذارات، وكلمات الناشر، والإحالات
الهامشية، والادعاءات ... وتتحدد هذه العلاقة –أيضا– بمجيء
المناصParatexte) ) كبنية مستقلة داخل النص المنتج تربط بينهما علاقة
تجاور، ومن هذا المنطلق يمكن لرواية ما أن توظف كمناص (Paratexté) لرواية
أخرى، كأن تستحضر شخصية روائية أحداث رواية أخرى.
ج - الميتناصية (Métatextualité)
يقول
عنه جنيت Genette: "النوع الثالث من التعالي النصي (Transcen Textuelle)
والذي أسـمـيـه الـميتناصية (Métatextualité)، هو علاقة التعليق
(Commentaire) التي تربط نصا بآخر، والذي يتحدث عنه دون ذكره أو الإشارة
إليه ضرورة (....) إنه بوضوح العلاقة النقدية". (48)
ويؤكد أيضا على أن
الحديث قد ساد عن ( الميتانص/Meta texte ) باعتباره جنسا (أدبيا)، (النقد،
تاريخ النقد) لكن هذا الحديث لم يتطرق إلى دراسة العلاقة بين النص
والميتناص.
د- التعلق النصي (Hypertextualité)
ويعني به
"ج.جنيتGenette.G" "كل علاقة تجمع بين النص "ب" (والذي أسميه النص اللاحق
(Hypertexte) والنص السابق "أ" Hypotexte(49)، وذلك باتخاذ النص(أ) لنص (ب)
سندا له، إما بتحويل أو محاكاة؛ ويضيف "جنيت" "أسـمي النـص الـلاحق
(Hypertexte) كل نص مشتق من نص سابق بتحويل بسيط (...) أو بتحويل غير مباشر
ونقول إنه محاكاة، "Imitation".(50) وضمن علاقة التحويل هذه يدرج المحاكاة
الساخرة ( Parodie) .
هـ - معمارية النص(Architextualité )
إنه
النوع الخامس من المتعاليات النصية وهو النوع الأكثر تجريدا و تضمنا "هو
معمارية النص (...)، ويتعلق الأمر بعلاقة خرساء، تتخذ بعدا مناصيا (Para
textuelle)".(51) مثل: أشعار بحوث رواية. ويرى "جنيت" أنه ليس من مهام النص
الكشف عن جنسه، فهي مهمة يقوم بها (معمار النص)، وتبقى الكلمة الأخيرة في
رفض هذا التحديد أو قبوله للقارئ والناقد والجمهور.
وتعد هذه الأنواع
الخمسة من المتعاليات النصية –في نظر جنيت Genette– متداخلة، إذ يمكن أن
يتداخل التعلق النصي ب: (الميتناصية)، أو بـ (المناصة).