منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    سيميائيات الصورة ( بين آليات القراءة وفتوحات التأويل )

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

     سيميائيات الصورة ( بين آليات القراءة وفتوحات التأويل )  Empty سيميائيات الصورة ( بين آليات القراءة وفتوحات التأويل )

    مُساهمة   الأحد أكتوبر 14, 2012 2:31 pm

    أستاذ: عبد الحق بلعابد

    أستاذ اللسانيات والترجمة،قسم اللغة العربية وآدابها

    إن الصورة علامة تمثل خاصيةكونها قابلة للتأويل

    - ر.دوبري -

    عتبة منهجية :

    كيف يمكننا اليوم في ظل عالم المتغيرات،عالم الحياة الرقمية والتسوق
    الإلكتروني،الذي تغذيه خطابات العولمة،والتكنولوجيات الجديدة،من أن نتوقف
    ونقرأ صورة،أونفهمها ونتأولها،وهي تحاصرنا في كل مكان، مخاطبة غرائزنا قبل
    عقولنا،تغرينا فنغتر،لتسلب إرادتنا لنقتنع بشراء منتوجاتها؟

    إنها
    حضارة الصورة تعود من بعيد،لتزحزح حضارة الكتابة شيئا فشيئا،فقد آن الأوان
    لنكون وعيا بصريا،وثقافة بالصورة،قصد الإنخراط في حضارتها وفهم لغتها
    المتكثرة،لأن الشريك/الآخر (الإقتصادي،والتجاري،والثقافي…) لن يمهلنا
    لنلتقط أنفاسنا حتى يغرقنا

    في عالم من الصور والبصريات
    الإفتراضية،لهذا لابد من أن نستعد من الآن،إن على مستوى قراءة الصور
    وتحليلها،وإن على مستوى تأويلها وتداولها،فالصورة نحيا بها وتحيا بنا،ما
    فقهناها قراءة وتأولا.

    لهذا جاء بحثنا في سيميائيات الصورة،باحثا
    عن معناها ورهاناتها المعرفية والدلالية،وكيف تلقيها داخل مجتمع
    الصورة،واضعين لها آليات قرائية تمكننا من فهم طبيعتها،وتحدبد
    أنواعها،وتحليل مكوناتها،وتسنين لغتها،خاصة وأن خطاب الصورة تمارس علين
    إغراءاتها وخطابها الإقناعي لتسويق منتوجاتها،دون نسيان أفقها القابل
    لتأويل المفتوح ،لهذا يقول ريجيس دوبري،المتخصص في الصورة إن الصورة علامة
    تمثل

    خاصية كونها قابلة لتأويل،فهي تنفتح على جميع الأعين التي
    تنظر فيها وإليها،إذ تمنحنا إمكانية الحديث عنها،وتقديم تأويلات متعددة
    ومختلفة حولها فقراءة الصورة وتأولها من البنيات المؤسسة لثقافة الصورة في
    العالم والوطن العربي على وجه الخصوص.

    أولا - من السيميائيات البصرية إلى سيميائيات الصورة :

    إن السيميائيات كما تنبأ إليها دوسوسور(1)،وشعبها تشارلس بيرس(2)،قد
    اشتغلت على مجالات عدة ليصعب حصرها،إلا أنها لم تعمق البحث ف بعضها،كما هو
    الحال مع الصورة،وهذا راجع إما لقصور الإجراءات التحليلية لدى الباحث،وإما
    لعدم إكتمال جهازه المفاهيمي والمصطلحي لمثل هذه المقاربات.

    وهذا
    مما حذا ببعض الباحثين في الشأن السيميائي من أن يوسعوا البحث في مجال
    البصريات،قصد الإجابة على أسئلتها المهمة : كيف نتواصل بصريا ؟،وكيف نقرأ
    رسالة بصرية ؟،وكيف نكوّن ثقافة بصرية ؟،وكل هذه الأسئلة،وأسئلة أخرى تصدى
    لها رولان بارث بالإجابة في بحثه عن عناصر السيميولوجيا(3) التي طبق بعضا
    منها على الصورة باستعادته للطروحات والمقولات اللسانية
    لدسوسور(اللسان/الكلام،الدال/المدلول،الإعتباطية الضورية…)،وما جاء به
    يالمسلاف في سيميائيته حول مصطلحي(التعيين/التضمين أوالإيحاء)(4)،وما جاء
    به بيرس في مفهومه للإيقون بتفريعاته اللامتناهية،ليبحث بارث عن بلاغة
    للصورة،وكيف يأتي المعنى إليها ؟،وأين ينتهي؟،,إذا كان ينتهي فماذا يوجد
    وراءه؟(5).

    إلا أن هذا الإنتقال من السيميائيات العامة إلى سيميائيات الصورة،لم يكن بهذه السهولة،

    فكيف نقارب ماهو لساني بما هو بصري/إيقوني؟

    علما بأن اللغة الطبيعية تختلف من حيث خصائصها وتوظيفاتها عن اللغة
    البصرية،وهذا ما أدى بالسيميائيين إلى أن يجدوا حلا لهذا الإشكال الجوهري
    والدقيق لمشروعية دراسة سيميائيات الصورة.

    إذ نجد كيستيان ميتز أحد
    أكبر المشتغلين على سيميائيات السينما،يقول في إحدى مقالاته: إن اللغات
    البصرية تقيم مع باقي اللغات علاقات نسقية متعددة ومعقدة،ولا أهمية لإقامة
    تعارض ما بين الخطابين اللغوي والبصري،كقطبين كبيرين يحظى كل واحد منهما
    بالتجانس والتماسك في غياب أي رابط بينهما(6)،وهذا نابع من خصوصيا كل خطاب،
    وكل رسالة(7):

    - فالرسالة اللسانية تظل حبيسة قواعد النحو
    والتداول،أي خطية،خلاف الرسالة البصرية التي لا تخضع لقواعد تركيبية
    صارمة،إضافة إلى أن عناصرها تدرك بشكل متزامن.

    - الرسالة اللسانية تقبل التفكيك إلى عناصر يقوم المتلقي بإعادة تركيبها ليحصل المعنى،

    في حين الرسالة البصرية تركيبية لا تقبل التقطيع إلى عناصر صغرى مستقلة لأنها ترابطية تختزن في بنائها دلالات لا تتجزء.

    - الرسالة اللسانية تقوم على الخاصية الإعتباطية،أما الرسالة البصرية فهي قائمة على المماثلة والمشابهة.

    وقد فصّل في هذه النقاط رومان غوبارن ليجد أن التعايش بين الصورة واللغة
    تعايش ضارب بجذوره في عمق التاريخ(Cool،فمنذ ظهور الكتاب صار الإرتباط بين
    الصورة والنص عاديا،لأنه ليس هناك في الحقيقة أي معنى أن نكون (ضد)
    اللغة،أومعها،,لا(مع) الصورة أو ضدها،إن محاولاتنا تصدر عن قناعة بأن
    سيميولوجيا الصورة ستشتغل جنبا إلى جنب مع سيميولوجيا الموضوعات اللسانية
    وأحيانا تتقاطع معها…(9) كما يرى ك.ميتز.

    ثانيا - أينما نولي وجوهنا فثمة صورة…تنـ(ـتـ)ظرنا :

    أصبحنا اليوم نعيش في مجتمع الصورة،فهي رفيقنا ومرافقنا،فأينما نولي وجهنا
    وجوهنا فهناك صورة تنظر إلينا في الجرائد أو المجلات،أوتنتظرنا في المكتب
    أو المنزل،أوفي الشوارع والطرقات،أوتطالعنا في اتلفزيزن إو عبر هواتفنا
    الجوالة،فالصورة بحق نحيا بها وتحيا بنا،ولكن لابد من معرفة حياتها
    وموتها(بتعبير دوبري)،وهذا لا يكون إلا بمعرفة حدودها ومحدادتها،فلكل شئ
    بدء ومنتهى،والصورة دائما في خلق جديد :

    2-1- الصورة بين الخفاء والتجلي :

    الناظر
    لسيميائيات الصورة يجدها قد تمفصلت على نفسها لمجالات بحثية كثيرة،وهذا
    لتعدد وسائل الإتصال البصري على وجه الخصوص،فمن سيميائيات الرسوم المتحركة،
    إلى سيميائيات السينما،إلى سيميائيات الفيدو…،كل هذه اللغات البصرية التي
    نواجهها وتواجهنا يوميا تحمل حدودا ومحدادت عن أصل بدئها ونشأتها،فلابد
    علينا من معرفة هذه معنى الصورة وطبيعنها التي تعمل بين الخفاء
    والتجلي،والغياب والحضور:

    1-1- حدود الصورة :

    الصورة في
    أصلها اللاتيني مشتقة من كلمة(imago)،المقصود منها كل تمثيل مصور مرتبط
    بالموضوع الممثل عن طريق التشابه المنظوري(10)،فأصلها الإشتقاقي يحيل على
    فكرة النسخ والمشابهة والتمثيل،وهي إما أن تكون ثنائية الأبعاد مثل الرسم
    والتصوير، أوثلاثية الأبعاد مثل النقوش البارزة والتماثيل.

    كما
    أنها في أصولها الإغريقية واللاتينية ترادف أيضا كلمة إيقون والتي يراد
    منها أيضا المشابهة والمماثلة،وعليها بنى بيرس سرح نظريته
    السيميائية،ليعتمدها اتجاهه كمصطلح مركزي لمقاربة الصورة(11).


    فالذاكرة المصطلحية للصورة ومرجعيتا التاريخية والمعرفية ترجعانها إلى
    مصطلحي المشابهة والمماثلة،وكذلك إلى مصطلحات تجاورها وتقاربها منها(12):

    * مصطلح الشبح (fantôme)،وهو مفهوم يطلق على الصنم باعتباره شبحا للأموات.

    *
    مصطلح النظرة(le regard)، وهي عند الإغريق أن تحيا يعني أن تنظر،وأن تموت
    يعني أن ينعدم فيك النظر،فتتقلص بذلك الصورة عند الميت،لتضعف القدرة
    التواصلية مع الآخرين.

    * مصطلح السيمولاكر(simulacrum)،وهو عند اللاتنيين الخيال أوتلك الصورة التي نصنعها للميت حتى نمنحه حياة جديدة.

    *
    مصطلح النزعة الإيقونية(iconoclature)،وهي نزعت أتت من الشرق كتعبير عن
    العقيدة المسيحية الشرقية،وإعادة حياة قديس ما من خلال تخليد هذه الإيقونة.

    *
    مصطلح التمثيل/التمثل(représentation)،وهو مفهوم مركزي للصورة حيث نعطي
    لكل ما نراه صورة حتى نتمثله على وجه لائق،وهنا يدخل مفهوم الرمز ككاشف
    لحقيقة الصورة التي تتكلمه منذ البدء والتاريخ.

    فالصورة في عرف
    الحكماء وغيرهم تطلق على معان منها كيفية تحصل العقل الذي يعتبر آلة ومرآة
    لمشاهدة الصورة،وهي الشبح والمثال الشبيه بالمتخيل في المرآة،ومنها ما
    يتميز به الشئ مطلقا سواء كان في الخارج،ويسمى صورة خارجية،اوفي الذهن
    ويسمى صورة ذهنية…(13).

    أما التعريف الإصطلاحي للصورة في المعاجم السيميائية المتحصصة فهي تعتبر

    السيميائيات
    البصرية كوحدة متمظهرة قابلة للتحلي،وهي عبارة عن رسالة متكونة من علامات
    إيقونية،لهذا فسيميولوجيا الصورة تجعل من نظرية التواصل مرجعها…(14).

    لتتطور الصورة بتطور الإتصال والإعلام والتيكنولوجيات الرقمية،لتصبح صورا
    ذات أنواع وأصناف عديدة،فقد قام بول ألماسي بوضع خطاطة تصنيفية للصور،فجاءت
    في صنفين(15):

    * الصنف الأول: يدخل تحته

    - الصور السينمائية : التي تندرج تحتها كل من (السينما،التلفزيون،الفيديو…)

    * الصنف الثاني : وتندرج تحته ما يعرف بالصور الثابتة،والتي تنقسم إلى قسمين :

    1- الصور الجمالية.

    2- الصور النفعية : ويدخل تحتها كل من :

    1- الصور الوثائقية.

    2- الصور الإشهارية.

    3- الصور الإخبارية.

    2- الصور بين التعيين والتضمين(الإيحاء) :

    ترتكز
    هذه النقطة على مبدأين لسانيين وسيميائيين مهمين يعتمدهما كل مشتغل على
    سيميائيات الصورة،وبهما تنتقل الصورة من عالم التحقيق إلى عالم التخييل
    المنفتح على كل تأويل.

    لهذا نجد بأن رولان بارث استثمرهما في
    قراءته للصورة(16) بعدما طوعهما لجهازه المفاهيمي والمصطلحي،آخذا مصطلحي
    التعيين والتضمين كقطبين ووظيفتين مهمتين في سيميائية يالمسلاف (17)،فإذا
    كانت الوظيفية التعيينية تطرح سؤال ماذا تقول الصورة؟والتي ستجيب عنها
    القراءة الوصفية،فإن الوظيفة التضمينية أو الإيحائية ستطرح

    سؤالا
    إجرائيا وتأويليا،وهو كيف قالت/تقول الصورة ما قالته/تقوله؟(18) وهذا ما
    ستجيب عليه القراءة التأويلية،باحثة في بنياتها التكوينية
    والتشكيلية،طارحين عدة أسئلة أخرى منها :

    - ما هو أول شئ يجلب الإنتباه للصورة؟

    - ما هو التأثير الذي توقعه علينا؟

    - ما هي العلاقة الموجودة بين الصورة والنص(في حالة وجوده)؟

    - كيف تنتظم عناصر الصورة،وما هي مكوناتها؟

    - ما تأويلنا للألوان الموجودة في الصورة ؟

    كل هذه الأسئلة وكثير منها دعانا لوضع قراءة منهجية متأملة ومتأولة لها.

    ثالثا - إقرأني فإني هذه الصورة Sadمن نظرة القارئ إلى منظور التأويل)

    إن
    القاعدة الذهبية لقراءة الصورة هي أن نتقبلها ونستقبلها دون أحكام
    مسبقة،وهذه الأحكام المسبقة تأتي إما من مرجعياتنا
    الدينية،أوالتاريخية،أوالثقافية،أوالإيديولوجية،أوالجمالية(19) التي تعتمد
    على قانون المنهيات والأمريات(أنظر ولا انظر،إفعل ولا تفعل،قل ولا
    تقل..)،إلا أنه لا بد من الإعتراف بالمبدأ الذي تطرحه علينا قراءة
    الصورة،وهو تعدد

    التأويلات،أوجمعية التأويل،لأن الصورة كما يقول
    ج.دوبري علامة تمثل خاصية كونها قابلة للتأويل(20)،فهي تنفتح على جميع
    الأعين التي تنظر فيها إليها،إذ تمنحنا إمكانية الحديث عنها،وتقديم تأويلات
    متعددة ومختلفة حولها،فبقدر ما هناك قراءات للصورة هنالك قراء
    لها،والمعرفة المكوِّنة للصورة في هذا المجال ليست دائما هي الحجة التي
    تسمح بتجزيئها،ففي هذه الجمعية يكمن غناء الصورة،فالصورة تتكلم في صمتها مع
    كل واحد منا؟،قائلة بصوتها إقرأني فإني هذه الصورة ؟

    3-1- من قراءة النص إلى قراءة الصورة :

    لابد علينا قبل أن نأتي على آليات قراءة الصورة بأنواعها،معرفة كيفية
    انتقالنا من قراءة النصوص إلى قراءة الصور،واضعين في عين الاعتبار
    الخصوصيات المائزة بين لغة تحليل النصوص،ولغة تحليل الصور،لذا سنعمل على
    إظهار الفوارق المنهجية والمعرفية بين القراءتين

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد نوفمبر 24, 2024 5:17 am