الإثنين يناير 18, 2010 12:57 pm حوار الشعر
افتراضي شعرية الأسلوب والتشاكل عند مصطفى الشليح 1
شعرية الأسلوب والتشاكل
الشاعر شاعر من خلال ما يقول، لا من خلال ما يحس.. وما يقوله لغة.. وليست لغة عادية.. بل هي لغة خارجة عن المألوف.
لغة الشعر لغة إشارة، وهي حالة تفجير للغة العادية. إذ :<< لا بد للكلمة في الشعر أن تعلو على ذاتها. أن تزخر بأكثر مما تعد به. وان تشير إلى أكثر مما تقول>>[1].
ومصطفى الشليح يعتبر لغة الشعر توغلا في عمق الإنسان.. واختراقا عجيبا للوجود.. واعتمادا على الخيال والتخييل، والاختلاف. إنه بصريح العبارة سؤال دائم.. وقلق الذات المعبرة، الباحثة دائما عن الحقيقة. ومن هنا اتسمت أشعار مصطفى الشليح بالعمق، وفنية الرؤية، وجمالية الخطاب، وقوة الرصف، والنسج. عن الشعر عنده ولغته روح تتحول كلاما سحرا، وشهدا..وحقيقة ووجودا.
بل هي أكثر من ذلك..إنها لغة الخلق.. وهذا ما دفع بأدونيس إلى القول:<< لقد انتهى عهد الكلمة- الغاية، وانتهى معه عهد تكون فيه القصيدة كيمياء لفضية. أصبحت القصيدة كيمياء شعورية. واقصد بالشعور هنا حالة كيانية، يتوقد فيها الانفعال والفكر. القصيدة إذن ،تركيب جديد يتعرض فيه من زاوية القصيدة،وبوساطة اللغة وضع الإنسان.وهذا يعني أن لغة الشعر ليست لغة تعبير بقدر ما هي لغة خلق>>[2].
الأسلوبية والأسلوب:
مصطفى الشليح شاعر مجيد، يعي جيدا أن الشعر تلعب فيه اللغة دورا كبيرا.. ولذا تميز شعره بالفنية، والأدبية ، والجمالية.. وللوقوف على هذه الخصائص الشعرية، لا بد من النظر إلى شعره من زوايا متعددة، وبرؤى مختلفة.. أي إن البحث في شاعرية وشعر الشاعر المغربي الكبير مصطفى الشليح، يجعلنا نعد غزونا لاقتحام عالم هذا الشاعر الحافل بالجمالية، والفنية، والتجديد. ولهذا الغزو لا بد من تساؤلات معرفية متعددة، نستطيع أن نخترق بواسطتها القصيدة عند شاعرنا مصطفى الشليح...والمنهج الأسلوبين يساعدنا في سبر أغوار هذه التجربة الشعرية ...
إن الأسلوبية كدراسة، أفادت النص الأدبي، وساعدت على فهمه:<< واستكشاف ما فيه من جوانب جمالية. وذلك بما تتيح للدارس من قدرة على التعامل مع الاستخدامات اللغوية، ودلالاتها في العمل الأدبي. وبهذا التفاعل مع الخواص الأسلوبية المميزة المكتشفة بطريقة علمية سليمة، تتضح مميزات النص وخواصه الفنية>> [3].
والدراسات الأسلوبية تقوم على اللغة، والتي ترتكز عليها في تحليل النصوص الإبداعية. أي إن الأسلوبية تهتم باللغة الأدبية لتميزها عن اللغة العادية:<< وهكذا فإن الأسلوبية تتجاوز مجرد نقل المعنى إلى عمق الاستعمال اللغوي المتمثل في وضع الكلمات في أنساق معينة. وكيفية انتظامها، وانتظام الجمل والفقرات، ورسم الصور، وانتظام ذلك كله مع المعنى. فالكلمة هي مادة التشكيل الفني لدى الأديب>>[4].
والأسلوبية شكل يكشف الظواهر الجمالية للنصوص، ويقيم أسلوب مبدعها، محددا المميزات الأسلوبية التي يتميز بها عن غيره من المبدعين[5].
والأسلوب كعلم هو المطلق عليه في الفرنسية la stylistique . والأسلوب هو طريقة الكلام، وهي مأخوذة من الكلمة اللاتينية stylas، بمعنى عود من الصلب كان يستخدم في الكتابة. ثم أخذت تطلق على طريقة التعبير عند الكاتب[6].
والأسلوب كلمة تطلق أصلا على السمة الشخصية لخط اليد. ثم استخدمت فيما بعد للدلالة على النوعية الخاصة لرسم خطوط الكلمات المكتوبة. ومنها انتقلت إلى النوعية الخاصة بالتعبير اللغوي لما هو مكتوب.
وعندما بدأ تدوين الريتوريكا( البلاغة)، ارتبط بها ارتباطا وثيقا. وساعدها في تصنيف القواعد المعيارية وفي فهم النص القرآني، الشيء الذي دفع بالبلاغيين إلى قرن الأساليب بالتقسيم الثلاثي المشهور وسموه بدائرة فرجيل في الأسلوب و هي:
- قصائد ريفيةBru colique وهو أسلوب بسيط.
- قصائد زراعية Géorgique. وهو أسلوب متوسط.
-الإنياذة. وهو أسلوب سام.
ومن جملة اللغويين الذين اهتموا بالأسلوب: الجاحظ. الذي قرنه بالمعنى والمبنى في كتابه( البيان والتبيين)، وأبو هلال العسكري في( الصناعتين)، والجرجاني في ( دلائل الإعجاز)، وابن خلدون الذي أفرد له صفحتين في ( المقدمة) تحت عنوان( الأسلوب).وكذلك حازم القرطاجني الذي خصص فصلا خاصا بالأسلوب في كتابه( منهاج البلغاء وسراج الأدباء).
والأسلوب عبارة عن ميكانيزمات تمكن من تكون الجمل المقلوبة، وهي ظاهرة تتمثل في النصوص المنطوقة أو المكتوبة، أو هي الطبقة العليا للنص. كما أنه دراسة طريقة التعبير عن الفكر من خلال اللغة.
والأسلوب محاولة لتفسير جانب من جوانب الظاهرة اللغوية. وهو أيضا طائفة من المعاني النحوية العامة أو معاني الجمل.
ويعتبر الجرجاني الأسلوب ضربا من النظم وطريقة فيه. فيعمد الشخص إلى الأسلوب، فيجيء في نظمه، أي انه في نظر الجرجاني الطريقة الخاصة في التعبير، وذلك مثل ما قال الفرزدق:
أترجو ربيع أن يجيء صغارها بخير وقد أعيا ربيعا كبارها
واحتذاه البعيث، فقال:
أترجو كليب أن يجيء حديثها بخير وقد أعيا كليبا قديمها
وليس ثمة فارق بين بيت الفرزدق والبعيث سوى أن الأخير قد استبدل كلمات بكلمات، وهذا الاستبدال وإن كان ينقل المعنى من هجاء ربيع إلى هجاء كليب لا يؤثر كثيرا في الأسلوب.
والأسلوب يعني- كما يرى أولريش ليو- الكلية المتكاملة الشاملة لكل السمات المتفرقة التي تتم بها كيفية التعبير.
ومن البديهي أن النوعية الخاصة لكيفية التعبير ترتبط بالمعبر عنه. فلا يمكن أن نفصل بين كيف نعبر وعما نعبر.
ويرى "شارلز بالي" بأن الأسلوب هو دراسة قضايا التعبير الكلامي من زاوية محتواه الشعوري، أي من حيث إنه تعبير عن قضايا الإحساس، وتبادل التأثير بين هذه الأخيرة والكلام.
والأسلوب قائم على نوع من المجاذبة. فهي تتصل من ناحية بعلم المعاني الزمنين ومن ناحية أخرى ترتكز على البحث عن تاريخ الكلمة التي تزود بمعلومات تاريخية مختلفة. فالكلمات تأخذ في النص معنى معينا يتصف بالتأثير، وذلك حسب رغبة الكاتب وأهوائه. وهي تتطور وتتغير تبعا للأجيال، وطبقا للصراعات والحاجات.
[1] - محمود، (محمد)، الحداثة في الشعر العربي المعاصر: بيانها ومظاهرها، الشركة العالمية للكتاب، لبنان، ط1، 1996، ص: 170
[2] - أدونيس، مقدمة للشعر العربي، دار البعث، دمشق، سوريا، (د-ط)، تشرين 2004، ص: 152/153
[3] - عودة، ( خليل)، المنهج الأسلوبي في دراسة النص الأدبي، مجلة النجاح للأبحاث، المجلد 2، العدد 8، 1994، ص: 100
[4] - عودة، ( خليل)، المرجع نفسه، ص:99
[5] - دراسة أسلوبية في شعر أبي فراس الحمداني، ص: 34/35
[6] - عبد المطلب، ( محمد)، البلاغة والأسلوبية، مكتبة لبنان،ط2، 1994، ص: 185
افتراضي شعرية الأسلوب والتشاكل عند مصطفى الشليح 1
شعرية الأسلوب والتشاكل
الشاعر شاعر من خلال ما يقول، لا من خلال ما يحس.. وما يقوله لغة.. وليست لغة عادية.. بل هي لغة خارجة عن المألوف.
لغة الشعر لغة إشارة، وهي حالة تفجير للغة العادية. إذ :<< لا بد للكلمة في الشعر أن تعلو على ذاتها. أن تزخر بأكثر مما تعد به. وان تشير إلى أكثر مما تقول>>[1].
ومصطفى الشليح يعتبر لغة الشعر توغلا في عمق الإنسان.. واختراقا عجيبا للوجود.. واعتمادا على الخيال والتخييل، والاختلاف. إنه بصريح العبارة سؤال دائم.. وقلق الذات المعبرة، الباحثة دائما عن الحقيقة. ومن هنا اتسمت أشعار مصطفى الشليح بالعمق، وفنية الرؤية، وجمالية الخطاب، وقوة الرصف، والنسج. عن الشعر عنده ولغته روح تتحول كلاما سحرا، وشهدا..وحقيقة ووجودا.
بل هي أكثر من ذلك..إنها لغة الخلق.. وهذا ما دفع بأدونيس إلى القول:<< لقد انتهى عهد الكلمة- الغاية، وانتهى معه عهد تكون فيه القصيدة كيمياء لفضية. أصبحت القصيدة كيمياء شعورية. واقصد بالشعور هنا حالة كيانية، يتوقد فيها الانفعال والفكر. القصيدة إذن ،تركيب جديد يتعرض فيه من زاوية القصيدة،وبوساطة اللغة وضع الإنسان.وهذا يعني أن لغة الشعر ليست لغة تعبير بقدر ما هي لغة خلق>>[2].
الأسلوبية والأسلوب:
مصطفى الشليح شاعر مجيد، يعي جيدا أن الشعر تلعب فيه اللغة دورا كبيرا.. ولذا تميز شعره بالفنية، والأدبية ، والجمالية.. وللوقوف على هذه الخصائص الشعرية، لا بد من النظر إلى شعره من زوايا متعددة، وبرؤى مختلفة.. أي إن البحث في شاعرية وشعر الشاعر المغربي الكبير مصطفى الشليح، يجعلنا نعد غزونا لاقتحام عالم هذا الشاعر الحافل بالجمالية، والفنية، والتجديد. ولهذا الغزو لا بد من تساؤلات معرفية متعددة، نستطيع أن نخترق بواسطتها القصيدة عند شاعرنا مصطفى الشليح...والمنهج الأسلوبين يساعدنا في سبر أغوار هذه التجربة الشعرية ...
إن الأسلوبية كدراسة، أفادت النص الأدبي، وساعدت على فهمه:<< واستكشاف ما فيه من جوانب جمالية. وذلك بما تتيح للدارس من قدرة على التعامل مع الاستخدامات اللغوية، ودلالاتها في العمل الأدبي. وبهذا التفاعل مع الخواص الأسلوبية المميزة المكتشفة بطريقة علمية سليمة، تتضح مميزات النص وخواصه الفنية>> [3].
والدراسات الأسلوبية تقوم على اللغة، والتي ترتكز عليها في تحليل النصوص الإبداعية. أي إن الأسلوبية تهتم باللغة الأدبية لتميزها عن اللغة العادية:<< وهكذا فإن الأسلوبية تتجاوز مجرد نقل المعنى إلى عمق الاستعمال اللغوي المتمثل في وضع الكلمات في أنساق معينة. وكيفية انتظامها، وانتظام الجمل والفقرات، ورسم الصور، وانتظام ذلك كله مع المعنى. فالكلمة هي مادة التشكيل الفني لدى الأديب>>[4].
والأسلوبية شكل يكشف الظواهر الجمالية للنصوص، ويقيم أسلوب مبدعها، محددا المميزات الأسلوبية التي يتميز بها عن غيره من المبدعين[5].
والأسلوب كعلم هو المطلق عليه في الفرنسية la stylistique . والأسلوب هو طريقة الكلام، وهي مأخوذة من الكلمة اللاتينية stylas، بمعنى عود من الصلب كان يستخدم في الكتابة. ثم أخذت تطلق على طريقة التعبير عند الكاتب[6].
والأسلوب كلمة تطلق أصلا على السمة الشخصية لخط اليد. ثم استخدمت فيما بعد للدلالة على النوعية الخاصة لرسم خطوط الكلمات المكتوبة. ومنها انتقلت إلى النوعية الخاصة بالتعبير اللغوي لما هو مكتوب.
وعندما بدأ تدوين الريتوريكا( البلاغة)، ارتبط بها ارتباطا وثيقا. وساعدها في تصنيف القواعد المعيارية وفي فهم النص القرآني، الشيء الذي دفع بالبلاغيين إلى قرن الأساليب بالتقسيم الثلاثي المشهور وسموه بدائرة فرجيل في الأسلوب و هي:
- قصائد ريفيةBru colique وهو أسلوب بسيط.
- قصائد زراعية Géorgique. وهو أسلوب متوسط.
-الإنياذة. وهو أسلوب سام.
ومن جملة اللغويين الذين اهتموا بالأسلوب: الجاحظ. الذي قرنه بالمعنى والمبنى في كتابه( البيان والتبيين)، وأبو هلال العسكري في( الصناعتين)، والجرجاني في ( دلائل الإعجاز)، وابن خلدون الذي أفرد له صفحتين في ( المقدمة) تحت عنوان( الأسلوب).وكذلك حازم القرطاجني الذي خصص فصلا خاصا بالأسلوب في كتابه( منهاج البلغاء وسراج الأدباء).
والأسلوب عبارة عن ميكانيزمات تمكن من تكون الجمل المقلوبة، وهي ظاهرة تتمثل في النصوص المنطوقة أو المكتوبة، أو هي الطبقة العليا للنص. كما أنه دراسة طريقة التعبير عن الفكر من خلال اللغة.
والأسلوب محاولة لتفسير جانب من جوانب الظاهرة اللغوية. وهو أيضا طائفة من المعاني النحوية العامة أو معاني الجمل.
ويعتبر الجرجاني الأسلوب ضربا من النظم وطريقة فيه. فيعمد الشخص إلى الأسلوب، فيجيء في نظمه، أي انه في نظر الجرجاني الطريقة الخاصة في التعبير، وذلك مثل ما قال الفرزدق:
أترجو ربيع أن يجيء صغارها بخير وقد أعيا ربيعا كبارها
واحتذاه البعيث، فقال:
أترجو كليب أن يجيء حديثها بخير وقد أعيا كليبا قديمها
وليس ثمة فارق بين بيت الفرزدق والبعيث سوى أن الأخير قد استبدل كلمات بكلمات، وهذا الاستبدال وإن كان ينقل المعنى من هجاء ربيع إلى هجاء كليب لا يؤثر كثيرا في الأسلوب.
والأسلوب يعني- كما يرى أولريش ليو- الكلية المتكاملة الشاملة لكل السمات المتفرقة التي تتم بها كيفية التعبير.
ومن البديهي أن النوعية الخاصة لكيفية التعبير ترتبط بالمعبر عنه. فلا يمكن أن نفصل بين كيف نعبر وعما نعبر.
ويرى "شارلز بالي" بأن الأسلوب هو دراسة قضايا التعبير الكلامي من زاوية محتواه الشعوري، أي من حيث إنه تعبير عن قضايا الإحساس، وتبادل التأثير بين هذه الأخيرة والكلام.
والأسلوب قائم على نوع من المجاذبة. فهي تتصل من ناحية بعلم المعاني الزمنين ومن ناحية أخرى ترتكز على البحث عن تاريخ الكلمة التي تزود بمعلومات تاريخية مختلفة. فالكلمات تأخذ في النص معنى معينا يتصف بالتأثير، وذلك حسب رغبة الكاتب وأهوائه. وهي تتطور وتتغير تبعا للأجيال، وطبقا للصراعات والحاجات.
[1] - محمود، (محمد)، الحداثة في الشعر العربي المعاصر: بيانها ومظاهرها، الشركة العالمية للكتاب، لبنان، ط1، 1996، ص: 170
[2] - أدونيس، مقدمة للشعر العربي، دار البعث، دمشق، سوريا، (د-ط)، تشرين 2004، ص: 152/153
[3] - عودة، ( خليل)، المنهج الأسلوبي في دراسة النص الأدبي، مجلة النجاح للأبحاث، المجلد 2، العدد 8، 1994، ص: 100
[4] - عودة، ( خليل)، المرجع نفسه، ص:99
[5] - دراسة أسلوبية في شعر أبي فراس الحمداني، ص: 34/35
[6] - عبد المطلب، ( محمد)، البلاغة والأسلوبية، مكتبة لبنان،ط2، 1994، ص: 185
