المحاكاة .. مصطلح نقدي
بينت دراسات الادب مفهوم المحاكاة على انه مصطلح نقدي استعمله اقدم الفلاسفة لتفسير الاعمال الفنية والكشف عن طريقة خلقها ، وقد اختلف تفسير نظرية المحاكاة للفنعلى مر العصور اعتمادا على نوع المرجع الذي يحاكيه الفنان ومنه صنفت انواع المحاكاة بضوء المرجع الى :
1- العمل الفني يُخلق بمحاكاة مرجع خارجي موجود في الطبيعة وكائناتها :
اعتمدت هذه الطروحات على اقدم الفلاسفة ( افلاطون وارسطو ) مبينة اختلافها في تفسير معنى مصطلح " الطبيعة " ، فالفن من وجهة نظر افلاطون هو محاكاة لجوهر الطبيعة ، وهذا الجوهر ينتمي لعالم عقلي ( عالم المثل العليا ) .
اما الفن من وجهة نظر ارسطو فهو محاكاة للجوهر الطبيعة الكائن في واقعها ، وليس في عالم مثالي غير ملموس .
ومنها يتبين الفرق ، حيث افلاطون يفسر المحاكاة بنظرة مثالية عقلانية ، بينما يفسرها ارسطو بنظرة واقعية .
فالمحاكاة عند افلاطون استندت الى " نظرية المثل العليا " حيث يفسرها في : " يخلق الأله مثالا اولياً لكل شيء في الحياة ، وهذا المثال كاملاً ومتكاملاً , ولكننا لا نستطيع لمسه في عالم الواقع ... وعلى هذا فالعالم الواقعي الذي نعيشه خالٍ من المثل العليا .. وكل ما نجده فيه ما هو الا تقليد ومحاكاة لما هو كائن في عالم المثل " ..
اما ارسطو فانه يرى تفسير المحاكاة كما جاء في كتابه المعنون " الشعر " بـ : " العملية الشعرية ليست مجرد نسخ وتقليد حرفي ، وانما هي رؤية ابداعية يستطيع الشاعر بمقتضاها ان يخلق عملاً جديداً من مادة الحياة والواقع ، طبقاً لما كان ، أو لما هو كائن ، أو لما يمكن أن يكون ، أو كما يعتقد إنه كان ، وبهذا تكون دلالة المحاكاة ليست إلا " اعادة خلق " . فالشعر عند ارسطو كغيره من الفنون عبر عن محاكاة وليست تقليد حرفي لسطح الواقع , وانما محاكاة يلعب الخيال فيها دوره ومن ثم يقدم حقيقة أسمى ، أي واقع جديد تعلو منزلته على الواقع الفعلي ، فالشاعر يحوّر مادته الخام ويعيد ترتيب اجزائها ويحذف زوائدها ويؤكد ضرورتها في سبيل تحقيق ما هو عالمي ومثالي . ويمكن القول الى ان المحاكاة الشعرية هي توصل الى خلق المثال الذي يتحقق فيه الواقع الذي يتجاوز الطبيعة وهكذا يحول الحقائق والوقائع الى اشياء لم تحدث ولا يمكنها ان تحدث في عالم التجربة العملية ومن ثم فهو لا يقدم الواقع وانما " فكرة الواقع " كما طرأت في ذهن الشاعر او الفنان التشكيلي او الموسيقي او النحات ..
والمحاكاة هي عامل مشترك بين الشعر والفنون الجميلة الاخرى ففي ذهن الشاعر مثلا تصور لشيء ما يسعى الى استيلاده عملا ملموسا ليمتّع به الاخرين وكذا الرسام الذي يرسم لوحة لانسان ، فإن النتيجة لن تكون انسانا من دم ولحم وانما محاكاة لهذا الانسان عن طريق الخط واللون والمساحة , ومنها بين ارسطو : " بانه ان كان التصور الذي يحاكيه الفنان يمثل الموضوع فان الالوان هي مادة المحاكاة ".
ميـــــــــنا