منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    تابع للإجراءات...............1

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    تابع للإجراءات...............1 Empty تابع للإجراءات...............1

    مُساهمة   الثلاثاء فبراير 23, 2010 10:23 am

    عنها في الشعر، فإن التأثير الشعري ربما كان أقصى ما يرمي إليه هو أن يحقق نوعاً من التعاطف، من اكتساب موقف المخاطَب، الممدوح في شعر المديح، المرأة في شعر التغزل، المعتَذر إليه في شعر الاعتذار، إنه نوع من الاستمالة العاطفية الخالصة يكون المخاطب مستهدفاً بها أما البيان النبوي فهو " بيان واضح لا يجنح به الشعر عن الدقة والتحديد إلى المبالغة والإغراق، ولا يميل به عن الواقع المشاهد إلى الخيال الشارد"( ) فالتأثير في الحديث النبوي الشريف لا يجنح إلى المبالغات التي تشتمل على نوع من المغالطات والمبالغات الشعرية، ولكنه أيضاً تأثير ينطلق من الغاية الإبلاغية التبليغية ويهدف إلى إقرار حقائق في عالم الشهادة أو إلى التمكين لتصورات عقائدية في عالم الغيب، ويتضافر التأثير مع الإقناع في هذا التمكين والإقرار للحقائق، فإذا كانت الظواهر البلاغية التي تنتمي إلى ما عُرف في البلاغة العربية بعلمي البيان والبديع من أهم وسائل التأثير في الشعر فإنها كذلك في الحديث النبوي الشريف، ولكنها بدورها تختلف في مبعثها وغايتها، والأهم أنها ينبغي أن تختلف في موقعها من اهتمام الباحث في البلاغة النبوية، ولكن أغلب الباحثين في البلاغة النبوية قد غاب عنهم التفريق بين الشعر والحديث النبوي الشريف في تحليل الظواهر البلاغية في الحديث وفق التصورات النظرية التي ينطلقون منها لتحليل بلاغة الشعر، وبخاصة في بحثهم عن الغاية الجمالية الخالصة وكأنها هي الغاية من الحديث النبوي الشريف، وهذا هو أساس هذه الشبهة.
    إن غاية الحديث النبوي الشريف تعليمية تبيينية تشريعية، ثم يأتي البُعد الجمالي نتيجة تالية لهذه الغايات، ومن ثم تدخل الشبهة على من قاموا بالتحليل البلاغي للحديث النبوي الشريف بلاغياً من جهتين:
    ـ أنهم كــــانوا شاخصين إلى البعد الجمــالي وما يتعلق به من غـــاية تحسينية تزيينية.
    ـ أنهم في سبيل الوصول إلى ما يرجونه استخدموا إجراءات التحليل البلاغية التي تستخدم في تحليل الخطاب الشعري.
    والحقيقة أن أكثر الدراسات التي قامت حول التحليل البلاغي للحديث النبوي الشريف لم تأخذ نفسها بالتفريق بين بلاغة الحديث النبوي وبلاغة الخطاب الشعري، ومن هنا دخلتها الشبهة، على حين نرى أنه من الضرورات المعرفية أن نفرق بين بلاغتين: بلاغة تنطلق من الحقيقة وتتأسس عليها وتهدف إلى إقرارها، وبلاغة وليدة خيال تنطلق منه وتتأسس عليه ولا تهدف إلا إلى غاية إمتاعية خالصة، ومن ثم يخطئ غير واحد ممن يتصدون للحديث عن البلاغة النبوية باختزالها في الظواهر البيانية الأكثر وضوحاً ولفتاً للانتباه من تشبيه واستعارة وغيرها ناظرين إلى هذه الظواهر نظرتهم إلى بلاغة الشعر التي تنبني على هذه الظواهر، وما فطنوا إلى أن الشعر " معاناة فردية يخاطب فيها الشاعر نفسه التي يجرد منها مستمعاً قبل التوجه إلى أي مستمع خارج الذات الشاعرة"( )، ومن ثم يجدر بنا أن ننبه إلى أن معايير الحكم على الظواهر البيانية تختلف حسب السياق الثقافي الذي يتحكم في رؤية هذه المعايير، فإن " أكثر ما يستحسن ويستقبح في علم البلاغة له اعتبارات شتى بحسب المواضع"( )، ومن هنا نقول باختلاف الظواهر البيانية في الحديث النبوي الشريف عن الشعر في منابعها وغاياتها وهذا الاختلاف ينعكس على تكوينها، ومن ثم وظيفتها التواصلية:

    نجد مصدر الظواهر البيانية عند الشاعر العاطفة والخيال، أما في الحديث النبوي الشريف فمنبعها ليس هو الخيال ولا العاطفة ولكن منبعها الحقيقة، فقد استقر عند نقاد الشعر الذين انشغلوا تماماً بالظاهرة البلاغية ذات المنبت الشعري أن الظاهرة البيانية، وبخاصة التشبيه والاستعارة، إذا كانت وليدة العقل والحقيقة فإنها تركن إلى التكلف ثم ذهبوا إلى ذم هذا اللون من الظواهر في الشعر فرأى د. محمد زكي العشماوي " مثل هذا اللون من الشعر يفضحه ويكشف عن زيفه خلوه من العاطفة، لأنه كثيراً ما ينفصل فيه العالم الخارجي عن العالم الداخلي للشاعر، فتبدو اللغة التي يستخدمها الفنان وكأنها مجرد أداة لوصف العالم الخارجي كما هو واقع لا كما يدور في نفس الفنان، وعندئذ تتحول اللغة عن وظيفتها الأساسية في الفن وتصبح مجرد إشارة إلى الشيء الذي يصفه الشاعر"( )، وهذا الرأي مبني على فكرة الخيال التي قال بها غير واحد من النقاد الغربيين، فقد ذهب ريتشاردز I.A.Richards إلى قصْر الخيال على التشبيه والاستعارة، فمن بين تعريفاته للخيال ".... لا يقصد بالخيال أكثر من استخدام لغة المجاز فيقال عن الناس الذين يستخدمون بطبعهم الاستعارة والتشبيه، ولاسيما إذا كانت الاستعارة والتشبيه من نوع غير مألوف، يقال عنهم إنهم تتوفر لديهم ملكة الخيال"( )، وقد انبنى رأي كولردج في الخيال الثانوي على أن الخيال هو الذي يذيب ويلاشي ويحطم العلاقات المستقرة العرفية بين العناصر ثم يعيد تشكيلها من جديد، فالخيال عنده " هو القوة التي بواسطتها تستطيع صورة معينة أو إحساس واحد أن يهيمن على عدة صور أو أحاسيس في القصيدة فيحقق الوحدة فيما بينها بطريقة أشبه بالصهر"( )، ولا يخفى علينا أن نفي العلاقة العقلية بين عناصر الاستعارة يمثل نظرة شعرية خالصة منبعها جمالي خالص، بل إنه من معايير بعض النقاد المحدثين أيضاً ما ذهب إليه د.عبد العزيز الأهواني في تعليل تفضيل بعض القدماء التشبيه على الاستعارة بأن ذلك يرجع إلى " أن التشبيه في كثير من الحالات مظهر من مظاهر البدائه في التفكير، والسذاجة الأولية في التعبير، وأنه يدل في بعض الحالات أيضاً على عجز الأداة اللغوية عن الوفاء بالتعبير المباشر عما في النفس من مشاعر، أو عن عجـز هذه النفــس عن التمييز الدقيق والتفطن المرهف لما يعتلج في ضميرها"( )، قد تصدق هذه الأقوال على معالجة التشبيه والاستعارة في الشعر، ولكن كيف يمكن أن تصدق هذه المبادئ والأحكام على التشبيه والاستعارة في الحديث النبوي ؟؟؟
    لا مناص من أن نعترف في وضوح وجلاء بأن هذه المعايير والرؤى لا يمكن أن تصدق بحال من الأحوال على الظواهر في الحديث النبوي الشريف، ومن هنا يتأكد لنا أن تناول الظواهر البلاغية في الحديث النبوي الشريف بمعايير الشعر شبهة من أخطر الشبهات، فالعاطفة في أبسط مفاهيمها هوى، ورسول الله  منزه عن الهوى.

    إن الحديث النبوي لا يقف عند حدود الإبلاغ

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 5:14 am