ركيزته في دعوة الناس "... فلا بد أن يكون الذي يتولى هدايتهم من الظلمات إلى النور بالبرهان والمنطق أشدهم عارضة وأقواهم حجة"( )، فقيرة إلى ما يبررها، فليس رسول الله رجل منطق أو حجاج ومناظرات وإنما هو رسول، والأصل في الرسالة هو التبليغ، وبذلك تتحدد رؤية البعد الإقناعي في الظواهر البيانية بوصف هذه الظواهر جزء لا يتجزأ في منظومة الأبعاد السياقية التي تحكم عملية الخطاب والتواصل؛ لأن الخطاب في الحديث النبوي الشريف موجه إلى المسلمين الذين آمنوا به نبياً ورسولاً وصدقوه بلا شك، كما تتحدد رؤية هذا الظواهر أيضاً في أنها رافد يدعم الغاية التمكينية للأمر والنهي.
أما التشبيه والتمثيل فقد فصل بينهما عبد القاهر وتبعه في هذا الفصل غير واحد من البلاغيين المتأخرين، ولعل أهم ما يدخل في رسم حدود نظرية بلاغة الحديث النبوي الشريف من الرؤى البلاغية هو ما فطن إليه عبد القاهر في تقسيمه التشبيه إلى ما يحتاج إلى تأول وما لا يحتاج؛ لأن ما يحتاج إلى تأول لا يقوم على مجرد عقد علاقة بين شيئين بينهما شبه في الواقع الخارجي، والتشبيه في الحديث النبوي الشريف ليس من ذلك التشبيه الشكلي الذي يقوم على رصد العلاقات، وإنما يقوم على بيان عمق العلاقات بين المشبه والمشبه به بحيث يكون التشبيه في النهاية معيناً على تمكين الحقائق في نفس المتلقي، فهو ينطلق من الغاية التعليمية التي هي الغاية من الحديث النبوي الشريف.
كما يندرج التشبيه في منبعه ضمن الظواهر البيانية التي تتباين في بلاغة الحقيقة عن وجودها في بلاغة الخيال، فليس الأمر هنا مجرد خيال واسع شأن الأدباء والشعراء، ولكنه أمر تمكين لحقائق، ومن ثم فإن منبع التشبيه في الحديث النبوي الشريف هو الحقيقة التي تخاطب العقل، فيكون التأثير بوصفه نتيجة تالية للتشبيه معيناً على التمكين للعقل ليبلغ حداً من تصور الأشياء عبر هذه العلاقة.
ولا يختلف التمثيل عن التشبيه كثيراً في تحقيق هذه الغاية وإن كانا يختلفان في العناصر المكونة لكل منهما، وإن كان لابد أن نعترف بأن التمثيل أمعن في تحقيق عملية التمكين والتمثل للقضايا، ومن هنا كثر التمثيل في الحديث النبوي الشريف، فضرب المثل استحضار لمجموعة من العناصر تربطها علاقات تقوم مقام الدليل وحمل النفس على تصور أشياء، ولن نخوض كثيراً في رصد مقولات البلاغيين عن التمثيل، فسنقتصر هنا على رصد أثره ـ وفق ما يقتضيه المقام ـ في تحقيق الغاية التمكينية للمضمون التعليمي في الحديث النبوي الشريف، ونشير هنا إلى فكرتين جوهريتين تتعلقان بغاية بحثنا اشتملت عليهما رؤية عبد القاهر الجرجاني للتمثيل:
الفكرة الأولى تتمثل في التفات عبد القاهر الجرجاني إلى البُعد الحجاجي للتمثيل، فقد ذكر البُعد النفسي للتمثيل وأثره على المتلقي بأن المعاني " إذا بَرَزَتْ في مَعرِضه، ونُقِلت عن صُوَرها الأصلية إلى صورته، كساها أُبَّهةً، وكَسَبها مَنْقَبةً، ورفع من أقدارها، وشَبَّ من نارها، وضاعف قُواها في تحريك النُّفوس لها، ودعا القُلوب إليها، واستثار لها من أقاصي الأفئدة صبابةً وكلَفاً، وقَسَر الطِّباع على أن تُعطيها محبّة وشَغَفاً"( )، إن كان مدحاً، وإن كان ذمّاً، وإن كان افتخاراً، ثم قال: " وإن كان حِجاجاً، كان بُرهانه أنور، وسلطانه أقهر، وبَيَانه أبْهر،...، وإن كان وعظاً، كان أشْفى للصدر، وأدعى إلى الفكر، وأبلغ في التنبيه والزَّجر، وأجدر بأن يُجلّي الغَيَاية، ويُبصِّر الغاية، ويُبرئ العليل، ويَشْفي الغليل"( ).
أما الفكرة الأخرى فتتمثل في التفاته إلى أن أثر التمثيل في التمكين للمعنى المقصود في نفس المتلقي يتحقق في إخراج نفس المتلقي من الخفي إلى الجلي، وفي " أن تأتيها بصريح بعد مكنى، وأن تردَّها في الشيء تعلمها إياه إلى شيء آخر هي بشأنه أعلم، وثقتها به في المعرفة أحكم"( )، وذلك بضرب المثل للحال التي يريد المتكلم تمكينها في نفس المتلقي بالحال التي هي متمكنة بالفعل في نفسه نتيجة لمقتضيات نفسية أو معرفية أو اجتماعية، وكثيراً ما يستعمل التمثيل في الحديث النبوي الشريف في مواضع يكون الشيء المراد التمكين له في النفوس غيبياً يعسر تصوره في ذاته، فيأتي في بيان أثر العمل وجزائه، أو بيان بعض الأمور الغيبية ومنها الأمور المستقبلية في عالم الشهادة، والأمور التي هي في عالم الغيب بصورة مطلقة، ولا يخفى أن هذه الأمور كلها من العسير تصورها، ومن ثم يأتي التمثيل هنا معيناً على تمكُّن المعنى ـ المقتضى التعليمي التبليغي ـ من نفس المتلقي كتمكُّنه من نفس المتكلم، ومن ثم يحقق ارتياح النفس للعمل بمقتضاها، أي التحول بالقول إلى منجز، ليأتي التمثيل في نهاية المطاف ـ شأن غيره من الظواهر البلاغية ـ تعضيداً للأمر أو النهي بوصفهما جوهر الغاية التعليمية التي تهدف إلى تمكين الحقائق في نفوس المتلقين في خطاب الحديث النبوي الشريف، فلم يكن رسول الله بالذي يقول ليُطرب ويُمتع، ولكنه يقول ليُعلم .
التي تمثل جانباً من الأصول النظرية لمعالجة بلاغة الحديث النبوي الشريف:
• مراعاة الاختلاف بين غاية الإقناع في الخطاب الحجاجي وغاية التمكين في الخطاب التعليمي في الحديث النبوي الشريف.
• مراعاة الاختلاف بين المنبع الخيالي للظواهر البيانية في الخطاب الشعري والمنبع الحقيقي لهذه الظواهر في الحديث النبوي الشريف.
• مراعاة الاختلاف بين الغاية التخييلية الإمتاعية الاحتفالية للظواهر البيانية في الخطاب الشعري، و الغاية التمكينية لهذه الظواهر في الحديث النبوي الشريف.
• مراعاة الفرق بين الذاتية في الخطاب الشعري والتواصلية في الخطاب التعليمي.
• الظواهر البيانية في الشعر غاية في ذاتها، أما في الخطاب التعليمي فهي وسيلة من وسائل التمكين لمقتضى القول.
• مراعاة حقيقة أن الغاية التحسينية الجمالية نتيجة وليست منطلقاً، فالبحث في بلاغة الحديث النبوي الشريف بحث وسائل التمكين، وهنا ننبه على خلل الرؤية البلاغية المنطلقة من البحث الأبعاد التحسينية الجمالية التزيينة.
أما التشبيه والتمثيل فقد فصل بينهما عبد القاهر وتبعه في هذا الفصل غير واحد من البلاغيين المتأخرين، ولعل أهم ما يدخل في رسم حدود نظرية بلاغة الحديث النبوي الشريف من الرؤى البلاغية هو ما فطن إليه عبد القاهر في تقسيمه التشبيه إلى ما يحتاج إلى تأول وما لا يحتاج؛ لأن ما يحتاج إلى تأول لا يقوم على مجرد عقد علاقة بين شيئين بينهما شبه في الواقع الخارجي، والتشبيه في الحديث النبوي الشريف ليس من ذلك التشبيه الشكلي الذي يقوم على رصد العلاقات، وإنما يقوم على بيان عمق العلاقات بين المشبه والمشبه به بحيث يكون التشبيه في النهاية معيناً على تمكين الحقائق في نفس المتلقي، فهو ينطلق من الغاية التعليمية التي هي الغاية من الحديث النبوي الشريف.
كما يندرج التشبيه في منبعه ضمن الظواهر البيانية التي تتباين في بلاغة الحقيقة عن وجودها في بلاغة الخيال، فليس الأمر هنا مجرد خيال واسع شأن الأدباء والشعراء، ولكنه أمر تمكين لحقائق، ومن ثم فإن منبع التشبيه في الحديث النبوي الشريف هو الحقيقة التي تخاطب العقل، فيكون التأثير بوصفه نتيجة تالية للتشبيه معيناً على التمكين للعقل ليبلغ حداً من تصور الأشياء عبر هذه العلاقة.
ولا يختلف التمثيل عن التشبيه كثيراً في تحقيق هذه الغاية وإن كانا يختلفان في العناصر المكونة لكل منهما، وإن كان لابد أن نعترف بأن التمثيل أمعن في تحقيق عملية التمكين والتمثل للقضايا، ومن هنا كثر التمثيل في الحديث النبوي الشريف، فضرب المثل استحضار لمجموعة من العناصر تربطها علاقات تقوم مقام الدليل وحمل النفس على تصور أشياء، ولن نخوض كثيراً في رصد مقولات البلاغيين عن التمثيل، فسنقتصر هنا على رصد أثره ـ وفق ما يقتضيه المقام ـ في تحقيق الغاية التمكينية للمضمون التعليمي في الحديث النبوي الشريف، ونشير هنا إلى فكرتين جوهريتين تتعلقان بغاية بحثنا اشتملت عليهما رؤية عبد القاهر الجرجاني للتمثيل:
الفكرة الأولى تتمثل في التفات عبد القاهر الجرجاني إلى البُعد الحجاجي للتمثيل، فقد ذكر البُعد النفسي للتمثيل وأثره على المتلقي بأن المعاني " إذا بَرَزَتْ في مَعرِضه، ونُقِلت عن صُوَرها الأصلية إلى صورته، كساها أُبَّهةً، وكَسَبها مَنْقَبةً، ورفع من أقدارها، وشَبَّ من نارها، وضاعف قُواها في تحريك النُّفوس لها، ودعا القُلوب إليها، واستثار لها من أقاصي الأفئدة صبابةً وكلَفاً، وقَسَر الطِّباع على أن تُعطيها محبّة وشَغَفاً"( )، إن كان مدحاً، وإن كان ذمّاً، وإن كان افتخاراً، ثم قال: " وإن كان حِجاجاً، كان بُرهانه أنور، وسلطانه أقهر، وبَيَانه أبْهر،...، وإن كان وعظاً، كان أشْفى للصدر، وأدعى إلى الفكر، وأبلغ في التنبيه والزَّجر، وأجدر بأن يُجلّي الغَيَاية، ويُبصِّر الغاية، ويُبرئ العليل، ويَشْفي الغليل"( ).
أما الفكرة الأخرى فتتمثل في التفاته إلى أن أثر التمثيل في التمكين للمعنى المقصود في نفس المتلقي يتحقق في إخراج نفس المتلقي من الخفي إلى الجلي، وفي " أن تأتيها بصريح بعد مكنى، وأن تردَّها في الشيء تعلمها إياه إلى شيء آخر هي بشأنه أعلم، وثقتها به في المعرفة أحكم"( )، وذلك بضرب المثل للحال التي يريد المتكلم تمكينها في نفس المتلقي بالحال التي هي متمكنة بالفعل في نفسه نتيجة لمقتضيات نفسية أو معرفية أو اجتماعية، وكثيراً ما يستعمل التمثيل في الحديث النبوي الشريف في مواضع يكون الشيء المراد التمكين له في النفوس غيبياً يعسر تصوره في ذاته، فيأتي في بيان أثر العمل وجزائه، أو بيان بعض الأمور الغيبية ومنها الأمور المستقبلية في عالم الشهادة، والأمور التي هي في عالم الغيب بصورة مطلقة، ولا يخفى أن هذه الأمور كلها من العسير تصورها، ومن ثم يأتي التمثيل هنا معيناً على تمكُّن المعنى ـ المقتضى التعليمي التبليغي ـ من نفس المتلقي كتمكُّنه من نفس المتكلم، ومن ثم يحقق ارتياح النفس للعمل بمقتضاها، أي التحول بالقول إلى منجز، ليأتي التمثيل في نهاية المطاف ـ شأن غيره من الظواهر البلاغية ـ تعضيداً للأمر أو النهي بوصفهما جوهر الغاية التعليمية التي تهدف إلى تمكين الحقائق في نفوس المتلقين في خطاب الحديث النبوي الشريف، فلم يكن رسول الله بالذي يقول ليُطرب ويُمتع، ولكنه يقول ليُعلم .
التي تمثل جانباً من الأصول النظرية لمعالجة بلاغة الحديث النبوي الشريف:
• مراعاة الاختلاف بين غاية الإقناع في الخطاب الحجاجي وغاية التمكين في الخطاب التعليمي في الحديث النبوي الشريف.
• مراعاة الاختلاف بين المنبع الخيالي للظواهر البيانية في الخطاب الشعري والمنبع الحقيقي لهذه الظواهر في الحديث النبوي الشريف.
• مراعاة الاختلاف بين الغاية التخييلية الإمتاعية الاحتفالية للظواهر البيانية في الخطاب الشعري، و الغاية التمكينية لهذه الظواهر في الحديث النبوي الشريف.
• مراعاة الفرق بين الذاتية في الخطاب الشعري والتواصلية في الخطاب التعليمي.
• الظواهر البيانية في الشعر غاية في ذاتها، أما في الخطاب التعليمي فهي وسيلة من وسائل التمكين لمقتضى القول.
• مراعاة حقيقة أن الغاية التحسينية الجمالية نتيجة وليست منطلقاً، فالبحث في بلاغة الحديث النبوي الشريف بحث وسائل التمكين، وهنا ننبه على خلل الرؤية البلاغية المنطلقة من البحث الأبعاد التحسينية الجمالية التزيينة.