قدماء ومحدثين ـ الشاخصة للبُعد الشعري ـ في البحث البلاغي الأسلوبي في الحديث النبوي الشريف، بل لعلنا لا نكون مبالغين إذا زعمنا أن معظم الجهود السابقة التي انطلقت من بلاغة الشعر في البحث في بلاغة الحديث النبوي الشريف بحاجة إلى مراجعة، ولا أحسب دراسة واحدة قد شذت عن هذه القاعدة.
ولن نستطيع أن نوضح الأبعاد الإقناعية التمكينية جميعها للظواهر البيانية وما يتعلق بها من أبعاد تداولية تخص المتكلم والمخاطب من ظروف نفسية وملابسات سياقية، ولكننا نعود ونستحضر هنا مقولة د. محمد العمري عن أن الظواهر البيانية المرتبطة بتحليل الخطاب الشعري تعد عنصراً تالياً في الخطابة الأرسطية، نستحضر هذا الملمح لأهميته في إقرار حقيقة تتعلق بالإقناع أو التمكين في بلاغة الحديث النبوي، خلاصة هذه الحقيقة أن الظواهر البيانية تأتي رافداً من الروافد التي تغذي الإطار الأوسع للغاية التعليمية المتمثل في الأمر والنهي، ومن ثم تقتصر رؤية هذه الظواهر على إسهامها في التمكين للأمر والنهي في الحديث النبوي الشريف.
تعرضت دراسات الحجاج إلى البعد الإقناعي في الظواهر البيانية، وقد كان للاستعارة الحظ الأوفر في هذه الدراسات، وقد اعتمدت الرؤية الحجاجية للاستعارة على روافد المنجزين المعرفيين العربي والغربي، ولعل من أوثق الرؤى علاقة بالبُعد الحجاجي في التراث العربي رؤية الفلاسفة المسلمين، فقد تجاوزوا الرؤية الشعرية الخالصة للاستعارة ببحثهم في الفرق بين التصديق والتخييل، ولكن مقولاتهم أدخل في الحجة المنطقية لأنها تعيش في بيئة الفلاسفة، وإن لم يفرقوا في معالجاتهم بين الاستعارة في الخطابين الشعري والإقناعي، وقد أشرنا إلى هذه الملاحظة في دراسة سابقة على أنه ضرب من الخلط قد لا يكون مقبولاً في الاستعارة الشعرية التي منبعها الخيال، ومن ثم رأينا أن رؤيتهم هذه من الرؤى المؤسسة على المستوى التنظيري لظاهرة التكلف في الشعر، ربما كانت مفاهيم أرسطو مسئولة عن تلك النظرات المنطقية إلى الاستعارة التي انبنت على القرب والظهور والملاءمة والمناسبة بين طرفيها، فقد ترددت هذه المفاهيم بشواهدها في مباحث الفلاسفة المسلمين الذين أقرُّوا بقيام العلاقة بين طرفي الاستعارة على نوع من التناسب المنطقي بأشكاله المختلفة، وعلى الرغم من قبول ابن سينا للعلاقات المتباعدة بين طرفي الاستعارة فإنه لم يهمل شرط التناسب المنطقي( )، وقد جاءت رؤية الظواهر البيانية من تشبيه وتمثيل واستعارة تحت مظلة مصطلح متداخل مع هذه الظواهر جميعها على الرغم من خصوصيته التي يتفرد بها عن هذه الظواهر في بعض المواضع، هذا هو مصطلح التخييل، فقد تشعب البُعد المنطقي في رؤية هذا المصطلح بين بيئة الفلاسفة وخصوصاً الفارابي وابن ســـينا، والبلاغييـــن وخصوصاً عبد القاهر الجــــرجاني وحازم القرطاجني( )، بيد أن واحداً من هؤلاء الفلاسفة والبلاغيين لم يفصل فصلاً واضحاً بين الخطابين الإقناعي والشعري، ولعل الملاحظة الوحيدة في هذا الصدد تُذكر لعبد القاهر الجرجاني إذ استبعد ظاهرة التخييل من القرآن الكريم، وهذا جعله يفصل بينه وبين الاستعارة لوجود الاستعارة في القرآن الكريم( )، وكان من الممكن لهذه الملاحظة أن تستثمر بوصفها مقدمة أولى للفصل بين البلاغتين، ولعل هذا ما جعل عبد القاهر يستغرق استغراقاً كاملا في الرؤية الشعرية للتخييل في اتصاله بالظواهر البلاغية الأخرى وفي انفصاله عنها.
أضف إلى هذا أن قول الفلاسفة المسلمين بأن الغاية من الاستعارة هي تحسين الشيء بقصد إيثاره والإقبال عليه أو تقبيحه بغرض كراهيته والنفور منه يتوافق مع الغاية التعليمية للحديث النبوي الشريف المبنية على أسلوبي الأمر والنهي، مما يذكر لرؤية الفلاسفة المسلمين، فالالتفات إلى غاية الإفهام يتلاقى مع الغاية التعليمية بمقوماتها التمكينية التبليغية، وإن كانت رؤيتهم هذه تتطلب تدقيقاً يراعي خصوصيات الخطاب، فقد ذهبوا في تعليل التحسين والتقبيح بالقول بالتخييل، والقول بالتخييل من الممكن قبوله مع تحديده في تمكين الحقائق ونفي خاصية التهويم الخيالي الخالص، إلا أنهم ربطوا وجود التخييل بنفي صحة الاعتقاد من المتكلم أو المخاطب، وهذا ما لا يُقبل بحال في معالجة خطاب الحقيقة أو بلاغة الإقناع، ومن ثم نقول بأن أمر قبول المقولات النظرية يبقى مرهوناً بالخصوصيات السياقية التداولية للخطاب.
فإن ما ذهبوا إليه في حجاجية الاستعارة ـ مثلاً ـ لا يصدق كثير منه على الاستعارة في الحديث النبوي الشريف، من ذلك ـ مثلاً ـ قولهم بأن الاستعارة قول حجاجي، ثم ذهبوا إلى أن حجاجيته من الصنف التفاعلي التحاج( )، وما هكذا جاءت الاستعارة في الحديث النبوي الشريف، وإنما يُعذرون في ذلك لاشتغالهم بالتنظير البلاغي للاستعارة بشكل مطلق واضعين في بؤرة اهتمامهم النموذج التفاعلي للحجاج وظواهره المختلفة، وتأتى عدم توافق هذه الرؤية التنظيرية مع الخطاب في الحديث النبوي الشريف من ناحيتين:
فمن ناحية نرى مراعاة المحددات السياقية والأبعاد التداولية الخاصة بالحديث النبوي الشريف، بل الخاصة بكل خطاب تقتضي غير ذلك، ومن ناحية أخرى نجد استقراء المجاز الاستعاري في الحديث النبوي الشريف يشهد بأن الحقيقة غير ذلك، ومن ثم فإن الحجاج هنا ليس حجاجاً حوارياً( ) وفق المستوى التنظيري، وقد خلص الباحث نفسه بعد مناقشات إلى وضع البُعد التداولي السياقي في دائرة اهتمام الحجاج الاستعاري بإشارته إلى مقولة د. طه عبد الرحمن أن القول الاستعاري قول عملي( )، ثم جعل الاستعارة أبلغ وجوه تقيد اللغة بمقام الكلام , ذاهباً إلى أن هذا المقام يتركب من المتكلم والمستمع ومن أنساقهما المعرفية الإرادية والتقديرية ومن علاقاتها التفاعلية المختلفة، وهذا التقيد الاستعاري بالمقام سبب كاف لأن يجعل الاستعارة تدخل في سياق التبليغ الخطابي بوصفه نسقاً من القيم والمعايير العملية؛ فإن هدف هذا السياق هو بالذات إجراء تغيير في الأنساق الاعتقادية والقصدية والتقويمية للناطقين ودفعهم إلى الانتهاض إلى العمل , ويظهر هذا التوجه العملي للاستعارة في ارتكازه على المستعار منه , سواء أصرح به أم لم يصرح وغالباً ما يقترن المستعار منه فيها , حالياً أو مقامياً , بنسق من القيم العليا؛ إذ ينزل منزلة الشاهد الأمثل والدليل الأفضل , فتكون الاستعارة بذلك أدعى من الحقيقة بتحريك همة المستمع إلى الاقتناع بها والالتزام بقيمها , فالمستعير يقصد أن يغير المقاييس التي يعتمدها المستمع في تقويم الواقع والسلوك , وأن يتعرف المستمع على هذا القصد منه , وعلى معنى كلامه وما يلزمه منه , وأن يكون هذا التعرف سبيلاً لقبوله لخطابه وإقباله على توجيهه، ثم يخلص من تحديد هذه الحقيقة إلى إثبات أمرين: الأول أن وشائج الاتصال قائمة بين الاستعارة ونظام الموازين العملية التي ينبني عليها التواصل الاجتماعي , والآخر إبطال دعوى انحصار الاستعارة في الغاية التحسينية الجمالية الخالصة، أي اقتصار الاستعارة على المفهوم الذي روج له أصحاب اتجاه تحليل الخطاب التخييلي من نقاد وبلاغيين( ).
ولكن على الرغم من حضور هذا البُعد التواصلي الاجتماعي في المعالجة السابقة فإن غياب النص أو الخطاب موضوع البحث والتحليل يطرح أبعاداً لا تخطر لأي مُنظِّر ـ في الغالب ـ على بال مهما كان حذقه، فلكل خطاب بلاغته، ولكل خطاب قدرته على أن يقترح على النظرية من الإضافات والتعديلات ما يحقق لها مزيداً من التألق والحياة؛ فإن دوام الرؤية التنظيرية واستمرارها مرهون بمرونتها ومدى قدرتها على قبول مقترحات النصوص وألوان الخطاب المختلفة وصهرها في منظومتها، نؤكد بهذا على ضرورة مراعاة خصوصية المحددات السياقية والعناصر التداولية للخطاب في الحديث النبوي الشريف التي لا تتواءم مع كثير من آراء البلاغيين التي كانت شائعة إلى أنواع أخرى من الخطاب، فالأمر في الحديث النبوي الشريف ليس على هذا النحو، فهو ليس حجاجاً حوارياً وإنما خطاب إقناعي وبين الأمرين بونٌ بعيد، فالمتلقي للخطاب في الحديث النبوي الشريف ليس بحاجة إلى حجة، وإن كان بحاجة إلى بيان وتبليغ، فإن أطلقنا على هذا البيان كلمة اقتناع فإنه من الحقائق التي لا جدال فيها أن عملية الاقتناع هنا تنشأ بضمان المحددات السياقية، فالمخاطب مقتنع سلفاً بقدسية النص التي انبنت على مقام المتكلم، وهنا نقول إن الاقتناع لا يعدو أن يكون تمكيناً للحقائق في نفس المتلقي ليتحول الخطاب إلى منجز، إن أقوى دعائم الحجة هنا هي دعائم السياق ولا شيء غير السياق، ومن هنا أيضاً يتضح أن الأقوال العاطفية الخطابية عن قدرته الحجاجية، وأن هذه القدرة الحجاجية هي
ولن نستطيع أن نوضح الأبعاد الإقناعية التمكينية جميعها للظواهر البيانية وما يتعلق بها من أبعاد تداولية تخص المتكلم والمخاطب من ظروف نفسية وملابسات سياقية، ولكننا نعود ونستحضر هنا مقولة د. محمد العمري عن أن الظواهر البيانية المرتبطة بتحليل الخطاب الشعري تعد عنصراً تالياً في الخطابة الأرسطية، نستحضر هذا الملمح لأهميته في إقرار حقيقة تتعلق بالإقناع أو التمكين في بلاغة الحديث النبوي، خلاصة هذه الحقيقة أن الظواهر البيانية تأتي رافداً من الروافد التي تغذي الإطار الأوسع للغاية التعليمية المتمثل في الأمر والنهي، ومن ثم تقتصر رؤية هذه الظواهر على إسهامها في التمكين للأمر والنهي في الحديث النبوي الشريف.
تعرضت دراسات الحجاج إلى البعد الإقناعي في الظواهر البيانية، وقد كان للاستعارة الحظ الأوفر في هذه الدراسات، وقد اعتمدت الرؤية الحجاجية للاستعارة على روافد المنجزين المعرفيين العربي والغربي، ولعل من أوثق الرؤى علاقة بالبُعد الحجاجي في التراث العربي رؤية الفلاسفة المسلمين، فقد تجاوزوا الرؤية الشعرية الخالصة للاستعارة ببحثهم في الفرق بين التصديق والتخييل، ولكن مقولاتهم أدخل في الحجة المنطقية لأنها تعيش في بيئة الفلاسفة، وإن لم يفرقوا في معالجاتهم بين الاستعارة في الخطابين الشعري والإقناعي، وقد أشرنا إلى هذه الملاحظة في دراسة سابقة على أنه ضرب من الخلط قد لا يكون مقبولاً في الاستعارة الشعرية التي منبعها الخيال، ومن ثم رأينا أن رؤيتهم هذه من الرؤى المؤسسة على المستوى التنظيري لظاهرة التكلف في الشعر، ربما كانت مفاهيم أرسطو مسئولة عن تلك النظرات المنطقية إلى الاستعارة التي انبنت على القرب والظهور والملاءمة والمناسبة بين طرفيها، فقد ترددت هذه المفاهيم بشواهدها في مباحث الفلاسفة المسلمين الذين أقرُّوا بقيام العلاقة بين طرفي الاستعارة على نوع من التناسب المنطقي بأشكاله المختلفة، وعلى الرغم من قبول ابن سينا للعلاقات المتباعدة بين طرفي الاستعارة فإنه لم يهمل شرط التناسب المنطقي( )، وقد جاءت رؤية الظواهر البيانية من تشبيه وتمثيل واستعارة تحت مظلة مصطلح متداخل مع هذه الظواهر جميعها على الرغم من خصوصيته التي يتفرد بها عن هذه الظواهر في بعض المواضع، هذا هو مصطلح التخييل، فقد تشعب البُعد المنطقي في رؤية هذا المصطلح بين بيئة الفلاسفة وخصوصاً الفارابي وابن ســـينا، والبلاغييـــن وخصوصاً عبد القاهر الجــــرجاني وحازم القرطاجني( )، بيد أن واحداً من هؤلاء الفلاسفة والبلاغيين لم يفصل فصلاً واضحاً بين الخطابين الإقناعي والشعري، ولعل الملاحظة الوحيدة في هذا الصدد تُذكر لعبد القاهر الجرجاني إذ استبعد ظاهرة التخييل من القرآن الكريم، وهذا جعله يفصل بينه وبين الاستعارة لوجود الاستعارة في القرآن الكريم( )، وكان من الممكن لهذه الملاحظة أن تستثمر بوصفها مقدمة أولى للفصل بين البلاغتين، ولعل هذا ما جعل عبد القاهر يستغرق استغراقاً كاملا في الرؤية الشعرية للتخييل في اتصاله بالظواهر البلاغية الأخرى وفي انفصاله عنها.
أضف إلى هذا أن قول الفلاسفة المسلمين بأن الغاية من الاستعارة هي تحسين الشيء بقصد إيثاره والإقبال عليه أو تقبيحه بغرض كراهيته والنفور منه يتوافق مع الغاية التعليمية للحديث النبوي الشريف المبنية على أسلوبي الأمر والنهي، مما يذكر لرؤية الفلاسفة المسلمين، فالالتفات إلى غاية الإفهام يتلاقى مع الغاية التعليمية بمقوماتها التمكينية التبليغية، وإن كانت رؤيتهم هذه تتطلب تدقيقاً يراعي خصوصيات الخطاب، فقد ذهبوا في تعليل التحسين والتقبيح بالقول بالتخييل، والقول بالتخييل من الممكن قبوله مع تحديده في تمكين الحقائق ونفي خاصية التهويم الخيالي الخالص، إلا أنهم ربطوا وجود التخييل بنفي صحة الاعتقاد من المتكلم أو المخاطب، وهذا ما لا يُقبل بحال في معالجة خطاب الحقيقة أو بلاغة الإقناع، ومن ثم نقول بأن أمر قبول المقولات النظرية يبقى مرهوناً بالخصوصيات السياقية التداولية للخطاب.
فإن ما ذهبوا إليه في حجاجية الاستعارة ـ مثلاً ـ لا يصدق كثير منه على الاستعارة في الحديث النبوي الشريف، من ذلك ـ مثلاً ـ قولهم بأن الاستعارة قول حجاجي، ثم ذهبوا إلى أن حجاجيته من الصنف التفاعلي التحاج( )، وما هكذا جاءت الاستعارة في الحديث النبوي الشريف، وإنما يُعذرون في ذلك لاشتغالهم بالتنظير البلاغي للاستعارة بشكل مطلق واضعين في بؤرة اهتمامهم النموذج التفاعلي للحجاج وظواهره المختلفة، وتأتى عدم توافق هذه الرؤية التنظيرية مع الخطاب في الحديث النبوي الشريف من ناحيتين:
فمن ناحية نرى مراعاة المحددات السياقية والأبعاد التداولية الخاصة بالحديث النبوي الشريف، بل الخاصة بكل خطاب تقتضي غير ذلك، ومن ناحية أخرى نجد استقراء المجاز الاستعاري في الحديث النبوي الشريف يشهد بأن الحقيقة غير ذلك، ومن ثم فإن الحجاج هنا ليس حجاجاً حوارياً( ) وفق المستوى التنظيري، وقد خلص الباحث نفسه بعد مناقشات إلى وضع البُعد التداولي السياقي في دائرة اهتمام الحجاج الاستعاري بإشارته إلى مقولة د. طه عبد الرحمن أن القول الاستعاري قول عملي( )، ثم جعل الاستعارة أبلغ وجوه تقيد اللغة بمقام الكلام , ذاهباً إلى أن هذا المقام يتركب من المتكلم والمستمع ومن أنساقهما المعرفية الإرادية والتقديرية ومن علاقاتها التفاعلية المختلفة، وهذا التقيد الاستعاري بالمقام سبب كاف لأن يجعل الاستعارة تدخل في سياق التبليغ الخطابي بوصفه نسقاً من القيم والمعايير العملية؛ فإن هدف هذا السياق هو بالذات إجراء تغيير في الأنساق الاعتقادية والقصدية والتقويمية للناطقين ودفعهم إلى الانتهاض إلى العمل , ويظهر هذا التوجه العملي للاستعارة في ارتكازه على المستعار منه , سواء أصرح به أم لم يصرح وغالباً ما يقترن المستعار منه فيها , حالياً أو مقامياً , بنسق من القيم العليا؛ إذ ينزل منزلة الشاهد الأمثل والدليل الأفضل , فتكون الاستعارة بذلك أدعى من الحقيقة بتحريك همة المستمع إلى الاقتناع بها والالتزام بقيمها , فالمستعير يقصد أن يغير المقاييس التي يعتمدها المستمع في تقويم الواقع والسلوك , وأن يتعرف المستمع على هذا القصد منه , وعلى معنى كلامه وما يلزمه منه , وأن يكون هذا التعرف سبيلاً لقبوله لخطابه وإقباله على توجيهه، ثم يخلص من تحديد هذه الحقيقة إلى إثبات أمرين: الأول أن وشائج الاتصال قائمة بين الاستعارة ونظام الموازين العملية التي ينبني عليها التواصل الاجتماعي , والآخر إبطال دعوى انحصار الاستعارة في الغاية التحسينية الجمالية الخالصة، أي اقتصار الاستعارة على المفهوم الذي روج له أصحاب اتجاه تحليل الخطاب التخييلي من نقاد وبلاغيين( ).
ولكن على الرغم من حضور هذا البُعد التواصلي الاجتماعي في المعالجة السابقة فإن غياب النص أو الخطاب موضوع البحث والتحليل يطرح أبعاداً لا تخطر لأي مُنظِّر ـ في الغالب ـ على بال مهما كان حذقه، فلكل خطاب بلاغته، ولكل خطاب قدرته على أن يقترح على النظرية من الإضافات والتعديلات ما يحقق لها مزيداً من التألق والحياة؛ فإن دوام الرؤية التنظيرية واستمرارها مرهون بمرونتها ومدى قدرتها على قبول مقترحات النصوص وألوان الخطاب المختلفة وصهرها في منظومتها، نؤكد بهذا على ضرورة مراعاة خصوصية المحددات السياقية والعناصر التداولية للخطاب في الحديث النبوي الشريف التي لا تتواءم مع كثير من آراء البلاغيين التي كانت شائعة إلى أنواع أخرى من الخطاب، فالأمر في الحديث النبوي الشريف ليس على هذا النحو، فهو ليس حجاجاً حوارياً وإنما خطاب إقناعي وبين الأمرين بونٌ بعيد، فالمتلقي للخطاب في الحديث النبوي الشريف ليس بحاجة إلى حجة، وإن كان بحاجة إلى بيان وتبليغ، فإن أطلقنا على هذا البيان كلمة اقتناع فإنه من الحقائق التي لا جدال فيها أن عملية الاقتناع هنا تنشأ بضمان المحددات السياقية، فالمخاطب مقتنع سلفاً بقدسية النص التي انبنت على مقام المتكلم، وهنا نقول إن الاقتناع لا يعدو أن يكون تمكيناً للحقائق في نفس المتلقي ليتحول الخطاب إلى منجز، إن أقوى دعائم الحجة هنا هي دعائم السياق ولا شيء غير السياق، ومن هنا أيضاً يتضح أن الأقوال العاطفية الخطابية عن قدرته الحجاجية، وأن هذه القدرة الحجاجية هي