منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    تابع للإجراءات......................................2

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    تابع للإجراءات......................................2 Empty تابع للإجراءات......................................2

    مُساهمة   الثلاثاء فبراير 23, 2010 10:24 am

    والإخبار والأمر والنهي ولكنه يتجاوز ذلك ويتخطاه إلى التمكين لمضمون هذه الأساليب في نفس المتلقي، وإنه من بين الخصوصيات التي تتوفر لأساليب الخطاب في الحديث النبوي الشريف أن الغاية التعليمية لا تعني مجرد نقل معرفة في حياد من ناقلها، أي أن ناقل هذه المعرفة يلقيها عن كاهله بذكرها ولكن الغاية التعليمية تلتبس بغايات التفهيم والإقناع والتمكين للحقائق، فالمعلم هنا لا تتوفر له أبعاد سياقية تؤكد على التباس مضمون القول التعليمي بذاته فهو ﭽ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﭼ (التوبة: 128)، فهذا الحرص وهذه الرأفة وهذه الرحمة حيثيات سياقية تتعلق بالمتكلم تستحضر البُعد النفسي الذي يجعل من المضمون التعليمي مضموناً نفسياً، فلا تقف غاية المتكلم عند حدود نقل المعلومة أو الخبر، ولكنها تتجاوز هذه الغاية إلى استخدام الوسائل الأسلوبية التي تؤدي إلى التمكين للخبر بمضمونه وأسلوبه في نفس المتكلم، فما الأسلوب هنا سوى وسائل لهذا التمكين، الذي لا يقف بدوره عند غاية التمكين، ولكنه يتجاوز هذه الغاية أيضاً إلى التحول بمضمون الخبر (المضمون التعليمي) إلى فعل مُنجَز، على مستوى المتلقي المبلَّغ الشاهد والمبلَّغ المتلقي الغائب المستقبلي، فليس ثم من شك في احتياج المتلقي الغائب المستقبلي إلى وسائل أسلوبية بلاغية تعينه على مراحل التواصل التي تبدأ بمعرفة المضمون التعليمي للخبر، ثم الاقتناع بهذا المضمون والإيمان به، ثم التمكين لهذا المضمون بوصفه حقائق، ثم التحول بهذا المضمون التعليمي إلى أفعال مُنجَزة.
    كيف تحقق الظواهر البلاغية الأسلوبية هذه الغايات ؟ إنها جوامع الكلم بكل ما لها من خصوصية، وبكل ما تستوجب من خصوصية في بحثها وتحليلها، فإن التحسين متحقق، ولكنه هنا يكتسب جماله من الدقة والإتقان والإحكام، وليس من الإغراق في المبالغات والخيال، لأن هذه الظواهر لا تُسرف في المبالغة والخيال، ولكن الخيال يأتي هنا محكماً في اقتصاره على إثارة تصورات ذهنية عند المتلقي تعين على تصور أمور غيبية فيما يتعلق بالجزاء على الأعمال في الآخرة أو التحذير من أمور غيبية في المستقبل في عالم الشهادة.
    إن غاية الحديث النبوي الشريف الإبانة والتبليغ والتمكين للحقائق، وهذه الظواهر البلاغية وسيلة من وسائل التمكين للحقائق التشريعية والحقائق الغيبية في نفس المخاطب، ومن ثم يكون المنطلق في البحث عن إسهام الظواهر البلاغية في التمكين لهذه الحقائق، وليس فقط لإبلاغ هذه الحقائق، ويخطئ غير واحد من دارسي هذه الظواهر في الحديث النبوي الشريف في أنهم يجعلون الغاية التحسينية الجمالية هي المنطلق الذي ينطلقون منه في عمليات التحليل التي يقومون بها، وليس هذا الخطأ إلا نتيجة من نتائج الخلط بين المنطلقات النظرية لتحليل الشعر والمنطلقات النظرية لتحليل الحديث النبوي الشريف، فإن هذا الخطأ لا يمثل فقط اجتراء على خصوصية الخطاب، بل إنه ليمثل قصوراً معرفياً عاماً وجذرياً في فهم أبعاد البلاغة بشكل كُلّىّ، وهذا الصنيع ينطلق فيه الدارسون متعجلين تحيط بهم نزعة المجهود الأدنى فيجترؤون على درسٍ ما يزال بحاجة إلى جهود باحثين مخلصين لسبر أغواره " وكيف يظن إنسان أن صناعة البلاغة يتأتى تحصيلها في الزمن القريب، وهي البحر الذي لم يصل أحد إلى نهايته مع استنفاد الأعمار ( )، وإذا كانت البلاغة تحتاج إلى هذه الجهود فإن الخطاب موضوع الدراسة بحاجة مضاعفة إلى تمثل خصوصيات ظواهره، وتمثُّل آليات معالجته.
    إن رؤية هذه الظواهر البلاغية في خطاب الحقيقة قد باءت بتقصيرين، فهي من جانب لم تتوفر لها الدراسات والأبحاث التي تضع الحدود الفاصلة بينها وبين بلاغة الشعر، ومن ناحية أخرى لم تتيسر لها جهود تكشف عن خصائصها بقدر ما توفر للخطاب الشعري الجمالي الخالص، فلم تقم حدود معرفية واضحة في التراث العربي بين البلاغتين، فربما " لا تطرح كلمة بلاغة في السياق العربي إشكالاً في كونها علم الخطاب الاحتمالي بنوعيه التخييلي والتداولي ـ يقصد المؤلف بالتداولي الخطابي أو الإقناعي أو خطاب الحقيقة أو ما أطلق عليه هو الخطابية في مقابل الشعرية ـ، وذلك نتيجة الدمج الذي مارسه، في المرحلة الثانية من تاريخها، كل من عبد القاهر الجرجاني وابن سنان الخفاجي ثم السكاكي وحازم القرطاجني، وذلك بعد المحاولة التلفيقية التي قام بها العسكري تحت عنوان: الصناعتين، فبرغم ما أدت إليه هذه العملية من إقصاء واختزال أحياناً، ومن تحويل المركز أحياناً أخرى (من التخييل إلى التداول خاصة) فقد ظل شعار الوحدة البلاغية مرفوعاً"( ).
    فإذا عدنا إلى الرؤية العربية الحديثة الغائمة وجدنا أن البعد المفقود المتمثل في بلاغة الحجاج الذي جدَّ الغربيون في استرجاعه ظل بعيداً عن الرؤية العربية، ولا يكاد يستثنى من هذا الحكم سوى المدرستين التونسية والمغربية، أما المدرسة المصرية فقد استغرقت استغراقاً تاماً حتى نهاية القرن العشرين في بلاغة واحدة هي بلاغة الشعر، أو البُعد الشعري للبلاغة، أو البُعد التخييلي، أو المدرسة الأدبية أو المدرسة الفنية، كما راق لأمين الخولي أن يُطلق عليها وسار على دربه غير واحد من الأمناء عن قصد وعن غير قصد، حين عمد إلى تأثيل المدرسة الفنية فاستغرق استغراقاً تاماً في البُعد الجمالي الفني الخالص؛ لأنه ربط الجمود والجفاف والتعقيد في الدرس البلاغي بعلاقة البلاغة بالمنطق والاستدلال( )، ملقياً بالتبعة على السكاكي لعقده فصلاً عن الاستدلال في كتابه مفتاح العلوم، إن هذا الاستغراق التام في البُعد الشعري للبلاغة جعل د. محمد العمري " يستغرب انقطاع دارسينا عن القديم، وعدم مسايرتهم للحديث، في دراسة الخطاب الإقناعي، وتراثنا الحجاجي يضاهي التراث الشعري أو يأتي بعده، ولعل من آثار ذلك أن المعالجات البلاغية للظواهر البيانية من تشبيه واستعارة وتمثيل التي لم تتأسس على أصول نظرية، تراعي خصوصيتيهما في الحديث النبوي الشريف، لم تلتفت إلى الجانب الإقناعي في وظيفتيهما الالتفات الكافي الذي يقف بنا على سمات هذه الخصوصية وما تستلزمه من مراعاتها للأبعاد السياقية الخاصة بالخطاب النبوي الشريف، وهي في هذا تأتي ضمن منظومة الخلط والاضطراب في كثير من الرؤى العربية " فقد اعتاد الدارسون العرب المحدثون معاملة النص الخطابي الإقناعي نفس معاملتهم للنص الشعري أو أي نص إنشائي آخر، وهذا يجافي الروح المنهجية التي تقتضي أخذ طبيعة الموضوع بعين الاعتبار عند تحديد منهج تناوله"( ).
    لقد جاء الالتفات إلى الغاية التعليمية في الدراسات البلاغية للحديث النبوي الشريف متمثلاً في تعليقات متناثرة ذات طبيعة استثنائية أثناء التعليقات التي توزعت بين الشرح والجانب الوعظي وما يُرشد إليه الحديث وبعض المسائل الفقهية التي تعرضت لها الشروح التراثية، وهذه هي السمة الغالبة على كتاب د. عبد الباري طه سعيد: " أثر التشبيه في تصوير المعنى، قراءة في صحيح مسلم"( )، أما كتاب د. محمد الصباغ: " التصوير الفني في الحديث النبوي " الذي تعرض لأكثر من ثمانمائة حديث فقد طغى فيه تتبع الأبعاد الجمالية الخالصة إلى جانب ما ذكرنا من أمور الشرح والتفسير، ومن ثم جاء الكتاب مكدساً بعبارات الإعجاب بالبعد الفني الجمالي والوقوف عند تحديد نوع الظاهرة البلاغية نحو: " صورة حية ومشهد مثير ـ صورة فنية رائعة ـ الحديث زاخر بالتصوير الرائع ـ... إلى آخر هذه التعليقات التي لا يكاد يخلو منها تعقيب على حديث، ومعاذ الله أن أقصد المؤاخذة على الكتابين، أو أُنصب نفسي حكماً عليهما؛ فهما من الإنجازات المعرفية في هذا الباب التي أفادت الباحثين، بيد أن العلم إنما هو مراجعة مستمرة وجدل دائم يضيف اللاحق إلى السابق من غير نكران أو جحود، فقط أردت أن أؤكد على ضرورة تحديد إطار تنظيري للبحث البلاغي في الحديث النبوي الشريف.

    إن انصراف اهتمام المعالجات البلاغية للحديث النبوي الشريف إلى رصد الظواهر البيانية خلل منهجي واضح، ثم إن انصراف اهتمام من انغمسوا في تتبع هذه الظواهر إلى البُعد الجمالي لهو مجافاة للمقتضيات المعرفية، يشهد بضبابية علمية معرفية تأباها الأمانة العلمية، ولا تليق ـ من ناحية أخرى ـ بقدسية النص الذي يتم انتهاكه معرفياً باختزاله في هذه النظرات العجلة التي لم تأخذ نفسها بشيء من التثبت والتدبر، شاهدة بذلك على ابتلاء المشهد العقلي العربي بنزعة المجهود الأدنى وعشوائية الممارسات المعرفية والتخبط والخلط والاضطراب.
    خلاصة القول أن البُعد الحجاجي الإقناعي ظل بعيداً بشكل لافت عن بؤرة الاهتمام في رؤية الظواهر البلاغية في الحديث النبوي الشريف، وبخاصة التشبيه والاستعارة، ومن هنا يتأكد لنا ضرورة وضع هذه الأصول النظرية؛ لأنه ليس من الصواب أن نستند على معايير البلاغيين والنقاد

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 8:51 am