[center]
اقتباس:
وأََحْرَقَتْ رَسائِلَــهُ
تَسلَّلتْ ريحُ تِشرين الباردة إلى رُوحِها تُنبِئُها بقدوم شتاءِ عاصفٍ .. فلم يكُ منها إلا أن
استعدت لاستقبالِ ذاكَ الفصل وتلكم التقلبات.. فبدأت بجمع الذكريات...
أغلفةٌ وأوراق ووريقات زهر مجففةٌ بِعَبَراتِ الأحداق ..رسوماتٌ تَجْمَعُ اسمَيْهِما بنِصْفَي قمر ...
و خطوطُ قلبٍ مكتملٌ يَقْطُرُ أملاً باللقاء ...صورٌ مفاجئةٌ سَرقاها بزيٍّ مدرسي وأشرطةٍ خضراء.......
وبَقايا.. البَقايا من عِطْرِِ الكلمات ومواعيدِ اللّقاء....
رسائلهُ كانت لآلِئَ فَرَحٍ ...جُمانَ شوق ...تِبْرَ بَسَمَات ......أحجارَألم
كانت أغلى ما تملُكُهُ إنّها ثَرْوتُها التي جُمِعَت في نضالٍ مِنْ زَمنِ الحُبِّ و ثورةِ
العشقِ ومعركةِ العبورِ لقلبِهِ .
كان ذاك كَنزُها وحَرِصَتْ كثيراً على إخفائه بشِعابِ روحِها
لمُواجَهة كلُّ الصّراعات الموسِمية والغير موسِمية بعد زمن كُتِبَ لهما فيهِ اللقاء.
تَذْكُرُ.. في ذلك المَسَاء الفاتر كيفَ كان شاردَ الذّهن قَلِقَ النظرات يُخفِي ملامحَ وجَهَهُ
خلف سُـحِبِ الدُخان المُنْبَعِث من حَرائقِه المُتتابعة .
تمتمَ قائلاً :
ـ سأُغادر.
ـ لماذا؟!
ـ لا شـيء يُغري بالبقاء .
- ولا حتى أنا .
ـ لولاكِ ما انتظرتُ للآن .
ـ هنا التقينا .. لعِبنا ...كبُرْنا وكَبُرَ الحبُ معنا ..واجتَمَعنا.. ورسائلُنا شواهدٌ علينا.
ـ أجل! أين هيَ تلكَ الشواهد ؟.
- هنا... مخطوطةٌ على جدران القلب ومحفورةٌ في سَراديب العقل ويُغَرَّدُ بها اللسان..
وفتحت عُلبتَها الذهبيةِ ..فانتشر أَلَقُ الذكرياتِ وبريقُ الأُمْنِيات
قَرأ قليلاً ... ابتسم وكطاووس نفشَ ريشه مزهواً قال :
- كنتُ فارساً ممسكاً بلجام الحَرْف .
ـ كنتُ ليلى ، وأنت المجنون .
ـ كنتِ فراشةً مصلوبةً على أوراقي .
ـ كنتُ عبيَر الكلمات .وأنتََ مدى اللّحظات .
- كنتُ فنانَ كتابة.. شيَدتُ لكِ قصراً عمادُه الشِّعْر،
أدراجُه سطورٌ من النثر ،سياجُه أقلام ،و عرُشٌ من بديع كلمات .
- كنتَ لي أملَ الحياة ، ودنيا الأمل ، هل تعود تلك الأيام؟
- لن تتكررَ إلا إن غادرتُ هذا المكان .
ـ ستَئِدُني لو ابتعدتَ عنّي .
ـ سأعيد تشكيلَكِ من جديد .
طيرٌ هو ومولع بالرحيل ...
وأتى كانون ..
سكونٌ موحشُ يلفُ المكان .. في ذلك الصباح الباكر المتجمد كانت وحيدةٌ تقفُ خلفَ زُجاج نافذتِها تَرقبُ السماءِ الرّمادية ، تُفَسِّر الضبابُ الذي يَمْحَقُ خلفه ملامح َ الرصيف و كل ما دبّت في أوصاله منابع حياة . شَعَرت بقشعريرةٍ تعَْتَريها زحفت يداها مُتَسلَّقةً ذراعيها تَنْشُدُ شيئاً من الدَفء في جَنَباتِها. .. جالَت بعينيها في الغرفة تمسحُ الجدران ..تمشطَ الزوايا والأركان.. التقَتْ عيناها بصور تتطاول بحوافها مِن بين أوراق قديمةٍ مُتلَفَةَ الجوانبِ معتّقةَ الشذا باهِتَةُ الألوان . حيثُ كانت قد قضَت ليلتُها مُبْحِرَةٌ في لُجّةِ السُّطور تْلطِمُها موجة تِلْوَ الموجةِ تنبهها من دِوارِها فتستوي أخيرا ًعلى صفحاتها مع اختراق أول خيط من خيوط الضوء لروحها.
وهناكَ في ركنٍ رَكين كانت تقبَْعُ ورقةٌ جديدةٌ تلْمَعُ بالضوءِ بتَحدٍ وبهاء تناولتَها في هدوء و كان ينبعثُ منها عطرٌ نفاذ وبدأت تقرأ مسرعة وللمرة الأخيرة :
_ حبيبتي .. اشتقتكِِـ ... أميرتي.. ..فُراقُكِـ ... ليلةَ كان الوداع.........اعلمي أنني ......... أمل اللقاء......... ....... ...... الإمضاء......حبيبـ.....
قََْهَقهَتْ عالياً وقالت : .حُقَ له..أنه فنانُ كتابةٍ ، يعرفُ كيف يمتطي صهوةَََ الحرفِ وكيفَ يُمسكُ بلجامِِ الَقلم وكيفَ يُطلِق سهامُ الكلمات .
في تلك اللحظة انتفضت من قشعريرة برد ثانية ..فما كان منها إلا أن أطبقت على الورقة بكلتي يديها ثم كَوِّرَتها ووضعتها على الطاولة ..ثم سَحبت سَّلتَها الفَضِّيّة برشاقةٍ و حمَلَتها بيدها اليسرى وبَدَأت تجمع كلُّ الأوراق المبعثرة بيدها اليمنى وتلملم القُصاصات المُتناثرة وبطاقات الأعياد المُطَوّاة وما تبقى من أغلفة مزركشة وفوضى الأشرطة الملونة ثم وضَعت كُرَتَها الأخيرة على رأسِ تلك الكوْمة ...أشْعَلَت عود ثقاب وتوقفت لثوانٍ حتى توهّج نورُه فأَلْقَتْ به وسط ذاك الجمع... وشيئاً فشيئا تصاعدت ألسنةُ اللّهب وعَرْبَدت خيوطُ الدُخَانِ وتسّللَ أريجُ عطرٍ هادئ وعَبَقَ بفضاءِ الغُرفة ففرَكَتْ كَفيّها ثم بَسطتْهما فوق الشُّعلات المتناغمة والمتراقصة في استحياء. وعندها شَعرَتْ بالدِّفء يتخللُ أطرافها.. و.. بدأت الحرارة تنتشر في أرجاء المكان .
الرانية
10/2/2007
انتهى*******
توقيع : فاي
......
رد مع اقتباس
فاي
مشاهدة ملفه الشخصي
زيارة موقع فاي المفضل
البحث عن المزيد من المشاركات المكتوبة بواسطة فاي
قديم منذ /03-29-2007, 12:29 PM #2
معلومات العضو
فاي
عضو شرف
التوقيت
رقم العضوية : 3
تاريخ التسجيل : Aug 2006
الحاله : فاي غير متواجد حالياً
اين تقيم : حيثُ يتكـرر الأمس
المشاركات : 267
عدد المواضيع :
عدد الردود :
آخر مواضيعي
0 " ذاكـرة الأرصفـة " قصة قصيرة
0 خربشاتٌ على حواشي بردية قديمة " خواطر "
0 " خرجنا من الأمس " لــ "نبض المطر " ( قراءة انطباعية )
0 خربشاتٌ على حواشي بردية قديمة " خواطر "
0 علـى .. حـافة البـوح
Lightbulb توطئة
توطئـة
وهل تملك وقتها إلا أن تبتسم ؟!!
وكيف لا تبتسم وأنت تدلف لنصٍ نثري من تلك النصوص التي يمكن أن تطلق عليها نصوص "المواجهة " !!
نصنــا اليوم نصٌ "متحفز" لقارئه!
حرفٌ ينسج شرنقته باقتدار دودة قز تعرف – ويا للدهشة – مآل ما تنسج من حرير!
حرفنا اليوم حرفٌ بخيل لو كانت تبخل الحروف !
أميرٌ في ثوب بسيط يسري وسط العامة يتخذ من بساطته ومشيته المتئدة ما يضمن لروحـه أن تعبر بين الجموع في أمان !
لا نختلف على أن النص الأدبي النثري قطعة من روح كاتبه
ولكننا – ويا للأسف – نفهم المقولة بروح قارئ لقصيدة !!
يعاني النص الأدبي النثري من مشاكل متعددة في طريقة التعامل معه وقراءته والوقوف على الأفكار والقضايا التي يريد مناقشتها ، وأهم هذه المشكلات :
أولاً : الخطأ في قراءة النص النثري انطلاقا من الاختلافات المتعددة التي ينظر بها القارئ لهذا النص .. قارئ النص النثري يدخلُ أساساً إلى النص وهو يحمل في باطنه فكرة معينة وهي كون النص الذي يتعامل معه " نوعٌ من الكلام" !! وكأنه النص لا يحتاج منه - طالما اتخذ النثر شكلاً – لرويةٍ وتأنٍ في القراءة ، ولا التيقظ والانتباه للقضايا التي يريد النص أن يطرحها ، فما دام النثر كلاماً يختلف فقط عن الحوار العادي بكونه فصيحاً ، فليست هناك مشكلة في فهمه !! وكأن الاختلاف الأساسي بين ألوان الأدب هو خضوعها لمجموعة من القواعد التي يصعب فهمها في بعض الأحيان ويسهل في أخرى ، فيتحفز القارئ للقصيدة ، ويدلف لنص النثر خاملاً مطمئناً !
ثانياً: التعامل مع النصوص النثرية بمنطق عجيب وهي كونها مجرد كلمات مرصوصة ، يُعبّر بها الناثر عن مشاعر ما معينة قد يكون قد مرَّ بها فعلاً ، أو كونها احد بنات الفكر ودنيا الأخيلة ، فيتعامل مع النصوص السردية الحكائية من منطلق كونها مجرد " تعبير" عن حالة نفسية ومزاجية معينة فقط ، وكأن الأديب الناثر لا يريد أن يناقش قضية ولا أن يطرح فكرة معينة !
أيها القارئ المُثقل بخطاياك في حق النثر
اركض برجلك ، هذا مغتسلٌ باردٌ وشراب
فتطهر من ذنوبك ، واملأ حناياك بحلاوة الشراب
واكفر بأنصابك القديمة ، وأدلف لمحراب النثر خاشعاً
هنا جنة أخرى .. فقط افتح عينيك !!
توقيع : فاي
......
رد مع اقتباس
فاي
مشاهدة ملفه الشخصي
زيارة موقع فاي المفضل
البحث عن المزيد من المشاركات المكتوبة بواسطة فاي
قديم منذ /03-29-2007, 12:32 PM #3
معلومات العضو
فاي
عضو شرف
التوقيت
رقم العضوية : 3
تاريخ التسجيل : Aug 2006
الحاله : فاي غير متواجد حالياً
اين تقيم : حيثُ يتكـرر الأمس
المشاركات : 267
عدد المواضيع :
عدد الردود :
آخر مواضيعي
0 حنين المرفأ القديم
0 خربشاتٌ على حواشي بردية قديمة " خواطر "
0 التشكيل السردي عند (الرانية)
0 خربشاتٌ على حواشي بردية قديمة " خواطر "
0 " ذاكـرة الأرصفـة " قصة قصيرة
Lightbulb إشكالية السرد الأدبي
إشكالية السرد الأدبي
يُعدّ الوقوف على تعريف مصطلح (السرد) أمراً في غاية الأهمية بالنسبة لقارئ النص النثري ليتمكن من الدخول لعالم النصوص الأدبية النثرية وهو مُحصّن بمجموعة من أبجديات قراءة هذا النص بما يتيح له معرفة مراد الكاتب والهدف الذي يرمي إليه من خلال طرح هذا النص الأدبي .
تراوح مفهوم السرد الأدبي بين كونه "خطاباً غير منجز أو قصاً أدبياً يقوم به (سارد) ليس هو الكاتب بالضرورة بل وسيط بين الأحداث ومتلقيها" وعليه فقد عرّف ب.س.كونان السرد الأدبي بـأنه " وسيلة توصيل القصة إلى المستمع أو القارئ بقيام وسيط بين الشخصيات والمتلقي هو الراوي"
وللقارئ أن يركز تفكيره على المعاني الأصيلة في هذا التعريف فإقرارنا بكون السرد الأدبي (وسيلة توصيل) يدعو للتساؤل عن (أشكال التوصيل) التي يقوم الأديب لإيصال فكرته إلى القارئ ، ويمكن أن نلخص تلك الوسائل في ثلاث نقاط هي :
الأولى : الحكائية : وهي الخطوة الأولى التي يقوم بها الأديب حال دخوله لنص أدبي نثري ، فالأديب لا يشرع في (التماس الروحي) مع المتلقي دون أن يتخذ من (الحكاية ) لا القص طريقة للتأثير في ذهن المتلقي ، فالحكاية – كجنس أدبي- هي الطريقة الأساسية والشرعية للاستحواذ على انتباه القارئ ، منذ اللحظة الأولى ؛ لأن الإنسان مفطور بطبيعته على الانتباه لأي حدث تقوم الحكاية بدور أساسي فيها ، وهذا ما أشار إليه (فلاديمير بروب) في كتابه (مورفولوجيا الخرافة).
الثانية : السردية : ونعني بها " الطريقة التي تروى بها الأحداث من خلال سلسلة من الوقائع المختلفة الطول والقصر والمرتبطة بروابط منطقية " وتأتي السردية كخطوة ثانية في مجمل النص الأدبي باعتبارها الوسيلة (المفهومة ) بين المبدع والمتلقي ، فإذا كنا من المؤمنين بأن الحكاية الأدبية بمعناها الشامل تعد مجموعة من الأحداث والوقائع التي تتوق إلى نهاية فإن السردية الجسر الذي تصل عليه تلك الأحداث إلى نهايتها الموجهة ، وهذا ما قصد إليه ( رولان بارت ) في (مدخل إلى التحليل البنيوي للسرد )
الثالثة : الدلالية : وهي جوهر النقد البنيوي ؛ لأن الدلالية تكشف عن ثلاثة أمور محددة يجب يعيها القارئ تماما وهي :
الأول : أن النص الأدبي يكشف عن أسلوب (إسداء) النص الأدبي وضرورة إتقانه.
الثاني : يحدد النص الأدبي مدى (إدراك ) الناثر في اختيار (زاوية نظر) يستطيع بها أن يحقق التأثير المرجو بتحقيق فهم القارئ للنص .
الثالث : يكشف النص الأدبي عن ظهور طابع ( الاختيار والقصدية ) ورجاء التأثير ، فالنص الأدبي لا يعد أدبياً إذ ما كانت وجوده انعكاساً على ذاته وصورة طبق الأصل من نفسه ، فالإبداع الأدبي – بمعنى من المعاني– نوع من التغيير والإضافة .
وانطلاقا من (مزج) أركـان عملية الإبداع السردي للنص الأدبي النثري ( الحكائية – السردية – الدلالية ) يتم (التماس الروحي) و (التفاعل الفكري) مع النص الأدبي من خلال ما يُسمى بالمنهج (البنيوي)
نستطيع أن نخلص من المقدمة السابقة إلى القول بأن التفاعل مع النصوص النثرية يتم من خلال معرفة المراحل التي يمر بها النص الأدبي النثري وهي بإجمال :
-الحكائية : كل نص حكائي يبدأ بشكل تمهيدي باستخدام أحداث وشخصيات موظفة
-السردية : عرض الحكاية
-الدلاليـة : توظيف الحكاية لخدمة هدف مقصـود
وعلى الرغم من تعدد اتجاهات علم السرد في التفاعل مع النص الأدبي الحكائي إلا أن أميل للقول المؤيد لكون تلك الاتجاهات مكملة لبعضها لا مختلفة ، فكل نظرية أدبية واتجاه يكمل بالأساس الاتجاه الآخر
لذا يمكن التفاعل مع نص اليـوم من خلال ثلاثة اتجاهات فكرية محددة تتضح من خلالها أركان المنهج البنيوي ( الحكائية – السردية – الدلالية) وتلك الاتجاهات باختصار هي :
-اتجاه (جيرار جنت) : ويتلخص في التفاعل مع النص بالمعطيات التالية ( البنية السردية – الراوي – المروي له – الصيغة السردية – الصوت السردي )
-اتجاه (رولان بارت) : ويتلخص في ما يريد النص أن يشير إليه من الأنظمة الفكرية والاجتماعية التي يكمن وراءها استخدام المستوى السردي بهذا الشكل المحدد.
-اتجاه (كريمـاس) : ويتلخص في نظرية ( المربع الدلالي ) ويقصد بها " استخلاص الهدف من خلال علاقات الاختلاف والتقابل " التي يعمد إليها الناثر أو ما يمكننا أن نسميه معرفة الأشياء بأضـدادهـا.
فمن خلال استخدام هذا المزيح من الاتجاهات يمكننـا أن نتفاعل مع نصنا النثري اليوم
اقتباس:
وأََحْرَقَتْ رَسائِلَــهُ
تَسلَّلتْ ريحُ تِشرين الباردة إلى رُوحِها تُنبِئُها بقدوم شتاءِ عاصفٍ .. فلم يكُ منها إلا أن
استعدت لاستقبالِ ذاكَ الفصل وتلكم التقلبات.. فبدأت بجمع الذكريات...
أغلفةٌ وأوراق ووريقات زهر مجففةٌ بِعَبَراتِ الأحداق ..رسوماتٌ تَجْمَعُ اسمَيْهِما بنِصْفَي قمر ...
و خطوطُ قلبٍ مكتملٌ يَقْطُرُ أملاً باللقاء ...صورٌ مفاجئةٌ سَرقاها بزيٍّ مدرسي وأشرطةٍ خضراء.......
وبَقايا.. البَقايا من عِطْرِِ الكلمات ومواعيدِ اللّقاء....
رسائلهُ كانت لآلِئَ فَرَحٍ ...جُمانَ شوق ...تِبْرَ بَسَمَات ......أحجارَألم
كانت أغلى ما تملُكُهُ إنّها ثَرْوتُها التي جُمِعَت في نضالٍ مِنْ زَمنِ الحُبِّ و ثورةِ
العشقِ ومعركةِ العبورِ لقلبِهِ .
كان ذاك كَنزُها وحَرِصَتْ كثيراً على إخفائه بشِعابِ روحِها
لمُواجَهة كلُّ الصّراعات الموسِمية والغير موسِمية بعد زمن كُتِبَ لهما فيهِ اللقاء.
تَذْكُرُ.. في ذلك المَسَاء الفاتر كيفَ كان شاردَ الذّهن قَلِقَ النظرات يُخفِي ملامحَ وجَهَهُ
خلف سُـحِبِ الدُخان المُنْبَعِث من حَرائقِه المُتتابعة .
تمتمَ قائلاً :
ـ سأُغادر.
ـ لماذا؟!
ـ لا شـيء يُغري بالبقاء .
- ولا حتى أنا .
ـ لولاكِ ما انتظرتُ للآن .
ـ هنا التقينا .. لعِبنا ...كبُرْنا وكَبُرَ الحبُ معنا ..واجتَمَعنا.. ورسائلُنا شواهدٌ علينا.
ـ أجل! أين هيَ تلكَ الشواهد ؟.
- هنا... مخطوطةٌ على جدران القلب ومحفورةٌ في سَراديب العقل ويُغَرَّدُ بها اللسان..
وفتحت عُلبتَها الذهبيةِ ..فانتشر أَلَقُ الذكرياتِ وبريقُ الأُمْنِيات
قَرأ قليلاً ... ابتسم وكطاووس نفشَ ريشه مزهواً قال :
- كنتُ فارساً ممسكاً بلجام الحَرْف .
ـ كنتُ ليلى ، وأنت المجنون .
ـ كنتِ فراشةً مصلوبةً على أوراقي .
ـ كنتُ عبيَر الكلمات .وأنتََ مدى اللّحظات .
- كنتُ فنانَ كتابة.. شيَدتُ لكِ قصراً عمادُه الشِّعْر،
أدراجُه سطورٌ من النثر ،سياجُه أقلام ،و عرُشٌ من بديع كلمات .
- كنتَ لي أملَ الحياة ، ودنيا الأمل ، هل تعود تلك الأيام؟
- لن تتكررَ إلا إن غادرتُ هذا المكان .
ـ ستَئِدُني لو ابتعدتَ عنّي .
ـ سأعيد تشكيلَكِ من جديد .
طيرٌ هو ومولع بالرحيل ...
وأتى كانون ..
سكونٌ موحشُ يلفُ المكان .. في ذلك الصباح الباكر المتجمد كانت وحيدةٌ تقفُ خلفَ زُجاج نافذتِها تَرقبُ السماءِ الرّمادية ، تُفَسِّر الضبابُ الذي يَمْحَقُ خلفه ملامح َ الرصيف و كل ما دبّت في أوصاله منابع حياة . شَعَرت بقشعريرةٍ تعَْتَريها زحفت يداها مُتَسلَّقةً ذراعيها تَنْشُدُ شيئاً من الدَفء في جَنَباتِها. .. جالَت بعينيها في الغرفة تمسحُ الجدران ..تمشطَ الزوايا والأركان.. التقَتْ عيناها بصور تتطاول بحوافها مِن بين أوراق قديمةٍ مُتلَفَةَ الجوانبِ معتّقةَ الشذا باهِتَةُ الألوان . حيثُ كانت قد قضَت ليلتُها مُبْحِرَةٌ في لُجّةِ السُّطور تْلطِمُها موجة تِلْوَ الموجةِ تنبهها من دِوارِها فتستوي أخيرا ًعلى صفحاتها مع اختراق أول خيط من خيوط الضوء لروحها.
وهناكَ في ركنٍ رَكين كانت تقبَْعُ ورقةٌ جديدةٌ تلْمَعُ بالضوءِ بتَحدٍ وبهاء تناولتَها في هدوء و كان ينبعثُ منها عطرٌ نفاذ وبدأت تقرأ مسرعة وللمرة الأخيرة :
_ حبيبتي .. اشتقتكِِـ ... أميرتي.. ..فُراقُكِـ ... ليلةَ كان الوداع.........اعلمي أنني ......... أمل اللقاء......... ....... ...... الإمضاء......حبيبـ.....
قََْهَقهَتْ عالياً وقالت : .حُقَ له..أنه فنانُ كتابةٍ ، يعرفُ كيف يمتطي صهوةَََ الحرفِ وكيفَ يُمسكُ بلجامِِ الَقلم وكيفَ يُطلِق سهامُ الكلمات .
في تلك اللحظة انتفضت من قشعريرة برد ثانية ..فما كان منها إلا أن أطبقت على الورقة بكلتي يديها ثم كَوِّرَتها ووضعتها على الطاولة ..ثم سَحبت سَّلتَها الفَضِّيّة برشاقةٍ و حمَلَتها بيدها اليسرى وبَدَأت تجمع كلُّ الأوراق المبعثرة بيدها اليمنى وتلملم القُصاصات المُتناثرة وبطاقات الأعياد المُطَوّاة وما تبقى من أغلفة مزركشة وفوضى الأشرطة الملونة ثم وضَعت كُرَتَها الأخيرة على رأسِ تلك الكوْمة ...أشْعَلَت عود ثقاب وتوقفت لثوانٍ حتى توهّج نورُه فأَلْقَتْ به وسط ذاك الجمع... وشيئاً فشيئا تصاعدت ألسنةُ اللّهب وعَرْبَدت خيوطُ الدُخَانِ وتسّللَ أريجُ عطرٍ هادئ وعَبَقَ بفضاءِ الغُرفة ففرَكَتْ كَفيّها ثم بَسطتْهما فوق الشُّعلات المتناغمة والمتراقصة في استحياء. وعندها شَعرَتْ بالدِّفء يتخللُ أطرافها.. و.. بدأت الحرارة تنتشر في أرجاء المكان .
الرانية
10/2/2007
انتهى*******
توقيع : فاي
......
رد مع اقتباس
فاي
مشاهدة ملفه الشخصي
زيارة موقع فاي المفضل
البحث عن المزيد من المشاركات المكتوبة بواسطة فاي
قديم منذ /03-29-2007, 12:29 PM #2
معلومات العضو
فاي
عضو شرف
التوقيت
رقم العضوية : 3
تاريخ التسجيل : Aug 2006
الحاله : فاي غير متواجد حالياً
اين تقيم : حيثُ يتكـرر الأمس
المشاركات : 267
عدد المواضيع :
عدد الردود :
آخر مواضيعي
0 " ذاكـرة الأرصفـة " قصة قصيرة
0 خربشاتٌ على حواشي بردية قديمة " خواطر "
0 " خرجنا من الأمس " لــ "نبض المطر " ( قراءة انطباعية )
0 خربشاتٌ على حواشي بردية قديمة " خواطر "
0 علـى .. حـافة البـوح
Lightbulb توطئة
توطئـة
وهل تملك وقتها إلا أن تبتسم ؟!!
وكيف لا تبتسم وأنت تدلف لنصٍ نثري من تلك النصوص التي يمكن أن تطلق عليها نصوص "المواجهة " !!
نصنــا اليوم نصٌ "متحفز" لقارئه!
حرفٌ ينسج شرنقته باقتدار دودة قز تعرف – ويا للدهشة – مآل ما تنسج من حرير!
حرفنا اليوم حرفٌ بخيل لو كانت تبخل الحروف !
أميرٌ في ثوب بسيط يسري وسط العامة يتخذ من بساطته ومشيته المتئدة ما يضمن لروحـه أن تعبر بين الجموع في أمان !
لا نختلف على أن النص الأدبي النثري قطعة من روح كاتبه
ولكننا – ويا للأسف – نفهم المقولة بروح قارئ لقصيدة !!
يعاني النص الأدبي النثري من مشاكل متعددة في طريقة التعامل معه وقراءته والوقوف على الأفكار والقضايا التي يريد مناقشتها ، وأهم هذه المشكلات :
أولاً : الخطأ في قراءة النص النثري انطلاقا من الاختلافات المتعددة التي ينظر بها القارئ لهذا النص .. قارئ النص النثري يدخلُ أساساً إلى النص وهو يحمل في باطنه فكرة معينة وهي كون النص الذي يتعامل معه " نوعٌ من الكلام" !! وكأنه النص لا يحتاج منه - طالما اتخذ النثر شكلاً – لرويةٍ وتأنٍ في القراءة ، ولا التيقظ والانتباه للقضايا التي يريد النص أن يطرحها ، فما دام النثر كلاماً يختلف فقط عن الحوار العادي بكونه فصيحاً ، فليست هناك مشكلة في فهمه !! وكأن الاختلاف الأساسي بين ألوان الأدب هو خضوعها لمجموعة من القواعد التي يصعب فهمها في بعض الأحيان ويسهل في أخرى ، فيتحفز القارئ للقصيدة ، ويدلف لنص النثر خاملاً مطمئناً !
ثانياً: التعامل مع النصوص النثرية بمنطق عجيب وهي كونها مجرد كلمات مرصوصة ، يُعبّر بها الناثر عن مشاعر ما معينة قد يكون قد مرَّ بها فعلاً ، أو كونها احد بنات الفكر ودنيا الأخيلة ، فيتعامل مع النصوص السردية الحكائية من منطلق كونها مجرد " تعبير" عن حالة نفسية ومزاجية معينة فقط ، وكأن الأديب الناثر لا يريد أن يناقش قضية ولا أن يطرح فكرة معينة !
أيها القارئ المُثقل بخطاياك في حق النثر
اركض برجلك ، هذا مغتسلٌ باردٌ وشراب
فتطهر من ذنوبك ، واملأ حناياك بحلاوة الشراب
واكفر بأنصابك القديمة ، وأدلف لمحراب النثر خاشعاً
هنا جنة أخرى .. فقط افتح عينيك !!
توقيع : فاي
......
رد مع اقتباس
فاي
مشاهدة ملفه الشخصي
زيارة موقع فاي المفضل
البحث عن المزيد من المشاركات المكتوبة بواسطة فاي
قديم منذ /03-29-2007, 12:32 PM #3
معلومات العضو
فاي
عضو شرف
التوقيت
رقم العضوية : 3
تاريخ التسجيل : Aug 2006
الحاله : فاي غير متواجد حالياً
اين تقيم : حيثُ يتكـرر الأمس
المشاركات : 267
عدد المواضيع :
عدد الردود :
آخر مواضيعي
0 حنين المرفأ القديم
0 خربشاتٌ على حواشي بردية قديمة " خواطر "
0 التشكيل السردي عند (الرانية)
0 خربشاتٌ على حواشي بردية قديمة " خواطر "
0 " ذاكـرة الأرصفـة " قصة قصيرة
Lightbulb إشكالية السرد الأدبي
إشكالية السرد الأدبي
يُعدّ الوقوف على تعريف مصطلح (السرد) أمراً في غاية الأهمية بالنسبة لقارئ النص النثري ليتمكن من الدخول لعالم النصوص الأدبية النثرية وهو مُحصّن بمجموعة من أبجديات قراءة هذا النص بما يتيح له معرفة مراد الكاتب والهدف الذي يرمي إليه من خلال طرح هذا النص الأدبي .
تراوح مفهوم السرد الأدبي بين كونه "خطاباً غير منجز أو قصاً أدبياً يقوم به (سارد) ليس هو الكاتب بالضرورة بل وسيط بين الأحداث ومتلقيها" وعليه فقد عرّف ب.س.كونان السرد الأدبي بـأنه " وسيلة توصيل القصة إلى المستمع أو القارئ بقيام وسيط بين الشخصيات والمتلقي هو الراوي"
وللقارئ أن يركز تفكيره على المعاني الأصيلة في هذا التعريف فإقرارنا بكون السرد الأدبي (وسيلة توصيل) يدعو للتساؤل عن (أشكال التوصيل) التي يقوم الأديب لإيصال فكرته إلى القارئ ، ويمكن أن نلخص تلك الوسائل في ثلاث نقاط هي :
الأولى : الحكائية : وهي الخطوة الأولى التي يقوم بها الأديب حال دخوله لنص أدبي نثري ، فالأديب لا يشرع في (التماس الروحي) مع المتلقي دون أن يتخذ من (الحكاية ) لا القص طريقة للتأثير في ذهن المتلقي ، فالحكاية – كجنس أدبي- هي الطريقة الأساسية والشرعية للاستحواذ على انتباه القارئ ، منذ اللحظة الأولى ؛ لأن الإنسان مفطور بطبيعته على الانتباه لأي حدث تقوم الحكاية بدور أساسي فيها ، وهذا ما أشار إليه (فلاديمير بروب) في كتابه (مورفولوجيا الخرافة).
الثانية : السردية : ونعني بها " الطريقة التي تروى بها الأحداث من خلال سلسلة من الوقائع المختلفة الطول والقصر والمرتبطة بروابط منطقية " وتأتي السردية كخطوة ثانية في مجمل النص الأدبي باعتبارها الوسيلة (المفهومة ) بين المبدع والمتلقي ، فإذا كنا من المؤمنين بأن الحكاية الأدبية بمعناها الشامل تعد مجموعة من الأحداث والوقائع التي تتوق إلى نهاية فإن السردية الجسر الذي تصل عليه تلك الأحداث إلى نهايتها الموجهة ، وهذا ما قصد إليه ( رولان بارت ) في (مدخل إلى التحليل البنيوي للسرد )
الثالثة : الدلالية : وهي جوهر النقد البنيوي ؛ لأن الدلالية تكشف عن ثلاثة أمور محددة يجب يعيها القارئ تماما وهي :
الأول : أن النص الأدبي يكشف عن أسلوب (إسداء) النص الأدبي وضرورة إتقانه.
الثاني : يحدد النص الأدبي مدى (إدراك ) الناثر في اختيار (زاوية نظر) يستطيع بها أن يحقق التأثير المرجو بتحقيق فهم القارئ للنص .
الثالث : يكشف النص الأدبي عن ظهور طابع ( الاختيار والقصدية ) ورجاء التأثير ، فالنص الأدبي لا يعد أدبياً إذ ما كانت وجوده انعكاساً على ذاته وصورة طبق الأصل من نفسه ، فالإبداع الأدبي – بمعنى من المعاني– نوع من التغيير والإضافة .
وانطلاقا من (مزج) أركـان عملية الإبداع السردي للنص الأدبي النثري ( الحكائية – السردية – الدلالية ) يتم (التماس الروحي) و (التفاعل الفكري) مع النص الأدبي من خلال ما يُسمى بالمنهج (البنيوي)
نستطيع أن نخلص من المقدمة السابقة إلى القول بأن التفاعل مع النصوص النثرية يتم من خلال معرفة المراحل التي يمر بها النص الأدبي النثري وهي بإجمال :
-الحكائية : كل نص حكائي يبدأ بشكل تمهيدي باستخدام أحداث وشخصيات موظفة
-السردية : عرض الحكاية
-الدلاليـة : توظيف الحكاية لخدمة هدف مقصـود
وعلى الرغم من تعدد اتجاهات علم السرد في التفاعل مع النص الأدبي الحكائي إلا أن أميل للقول المؤيد لكون تلك الاتجاهات مكملة لبعضها لا مختلفة ، فكل نظرية أدبية واتجاه يكمل بالأساس الاتجاه الآخر
لذا يمكن التفاعل مع نص اليـوم من خلال ثلاثة اتجاهات فكرية محددة تتضح من خلالها أركان المنهج البنيوي ( الحكائية – السردية – الدلالية) وتلك الاتجاهات باختصار هي :
-اتجاه (جيرار جنت) : ويتلخص في التفاعل مع النص بالمعطيات التالية ( البنية السردية – الراوي – المروي له – الصيغة السردية – الصوت السردي )
-اتجاه (رولان بارت) : ويتلخص في ما يريد النص أن يشير إليه من الأنظمة الفكرية والاجتماعية التي يكمن وراءها استخدام المستوى السردي بهذا الشكل المحدد.
-اتجاه (كريمـاس) : ويتلخص في نظرية ( المربع الدلالي ) ويقصد بها " استخلاص الهدف من خلال علاقات الاختلاف والتقابل " التي يعمد إليها الناثر أو ما يمكننا أن نسميه معرفة الأشياء بأضـدادهـا.
فمن خلال استخدام هذا المزيح من الاتجاهات يمكننـا أن نتفاعل مع نصنا النثري اليوم