[center]
كــل أوراق الحكاية
" تسللتْ ريح تشرين الباردة إلى روحها لتنبئها بقدوم شتاء عاصف .. فلم يك منها إلا أن استعدت لاستقبال ذلك الفصل وتلكم التقلبات . فبدأتْ بجمع الذكريـات "
لن نكون مخطئين إذا ما اعترفنا أن مطلع النص النثري الأدبي يحمل في معظم الأحيان مفاتيح النص كله !!
لجأت الناثرة هنا إلى استخدام "السارد الغائب" كبداية تتخذها جسراً للتفاعل فيما بينها ، وبين القارئ المتلقي ، ولا يخفى على القارئ ما لهذا الاستخدام – السارد الغائب- من دور في تشكيل اللون الخطابي حيث أنه يمنح المبدع / الراوي مساحات شاسعة من "تقديم " المعطيات الحسية والشعورية التي يريد للقارئ أن يتلقاها دون أن يتقيد بجانب شعوري واحد يعتمد على كون الكاتب هو الراوي في حد ذاته ..
إن السارد الغائب يمنح المبدع إمكانية أن يشكل بنية النص السردية بإيجاد "صيغة سردية" متنوعة الخطاب تعتمد في تكوينها على مجموعة عناصر هي : (البنيةالسردية – الراوي – المروي له ) بما يحقق النجاح في التمهيد الحكائي الصحيح ، والدخول لعالم النص دون أن شعور بأن المتلقي مدفوع للوصول لهدف المبدع وهو يتفاعل مع النص
توقيع : فاي
......
رد مع اقتباس
فاي
مشاهدة ملفه الشخصي
زيارة موقع فاي المفضل
البحث عن المزيد من المشاركات المكتوبة بواسطة فاي
قديم منذ /03-29-2007, 12:42 PM #5
معلومات العضو
فاي
عضو شرف
التوقيت
رقم العضوية : 3
تاريخ التسجيل : Aug 2006
الحاله : فاي غير متواجد حالياً
اين تقيم : حيثُ يتكـرر الأمس
المشاركات : 267
عدد المواضيع :
عدد الردود :
آخر مواضيعي
0 التشكيل السردي عند (الرانية)
0 " رحـل النضـال " لبنت النورس ،، قراءة انطباعية
0 حنين المرفأ القديم
0 " ذاكـرة الأرصفـة " قصة قصيرة
0 شريط ساتان أحمر
Lightbulb الورقة الأولى
الـورقة الأولى
تحمل مقدمة النص " تسللتْ ريح تشرين الباردة إلى روحها تنبئها بقدوم شتاء عاصف" العديد من المعطيات المختلفة التي نجحت الناثرة في توصيلها للقارئ ، فهي تمنح القارئ بهذا المعطى الحسي ( الريح الباردة) مدخلاً إلى فهم طبيعة الشخصية التي تقدمها لنا ، فشخصية البطلة شخصية حساسة مرهفة ذات طبيعة خاصة، فعلى الرغم من أن المعطى المقدم لنا معطي حسي بحت ( ريح تشرين الباردة ) إلا أن تسللها مسّ ( روح ) البطلة ( تسللت إلى روحها ) !! وعلي ذلك يمكنك أن تفهم أن ( الشتاء العاصف ) المقصود إنما يحمل لك إشارة ذكية من الناثرة بقدوم هذا الشتاء / الحزن فعلاً وحقيقة على صعيد النص والحكاية ، فتكون بذلك قد هيأتك نفسياً لمعرفة مآل الأحداث وعواقب تسلل تلك الرياح دون أن تمنحك الوقائع الحادثة، وهذا أهم تأثير أدبي يحققه الناثر وهو أن يمدك بمجموعة من المشاعر ويدخلك في جو نفسي معين مُهّدَ لك سلفاً فتتهيأ شعورياً دون أن تكون قد علمت ما سيحدث فعلاً
إن الناثرة تبدأ باستخدام الخاصية الحكائية في بداية النص فهي توظف ثلاثة معطيات في جملة واحدة ( ريح تشرين – روحها – شتاء عاصف ) ليقف القارئ منذ البداية على "خصائص" الشخصية التي سيتعامل معها بنا يسمح له أن يتقبل نفسياً ومنطقياً مآل الأحداث ونتيجة الأمور عند لحظة التنوير في النهاية.
ويروقك في مطلع النص ذكاء الناثرة في إثارة القارئ منذ البداية ، وتنبيه إلى متابعتها فيما تقدم له من معطيات دون الاعتماد كلية على ما يمده به عقله ، فتقول ( فلم يك منها إلا أن استعدتْ لاستقبال ذلك الفصل وتلكم التقلبات ) فإذا ما ظنّ القارئ أن البطلة شخصية رقيقة وحساسة غير قادرة على التعامل مع مقدمات ذلك الشتاء العاصف فعليه ألا يركن إلى ما أمده به عقله من تفسير ، بل عليه أن يتابع ما يمده النص به من معطيات فنية ، فالبطلة قدمت "استعدادا" لمواجهة تلك التقلبات !! وكأنها تحمل "خبرة " ما معينة في مواجهة ما يعترى النفس من آلام البرد الروحي ، أو كأن الناثرة تريد أن تقول لك أن الشتاء العاصف الذي لربما ستمر به البطلة - كما أخبرتها ريح تشرين الباردة - مجرد " عوارض فصل" من فصول السنة المتعددة ، فحتى لو تسلل إلى روحها فلديها من "الأغطية النفسية " / تجارب وخبرات الحياة ما يعينها على تحمل رياحه وأنواء أعاصيره المتعددة !! فالناثرة لا تفقد أبداً ذلك الخيط "الحكائي" الذي تقدم به لنصها النثري ، فهي توظف – طبقاً لاتجاه جيرار جنت – الشخصية التي لديها بما يتناسب و "الدلالة " التي تريد لنا أن نصل إليها في النهاية .
تنتقل الناثرة بهدوء إلى المرحلة الثانية إلى "السردية" فكما أسلفنا فالنص الأدبي الحكائي هو مجموعة من الأحداث والوقائع الطويلة أو القصيرة نسبياً التي يربط بينها رابط زمني منطقي ، فالناثرة تقيم بين النص والقارئ وشائج وعلائق متعددة ، وهي تفعل ذلك بتسلسل منطقي شديد ، فما أن تنتهي من رسوم خطوط الشخصية الأساسية حتى تشرع في استكمال الخطوط الفرعية منها مستخدمة تيمة " فلاش باك " لتسترجع بها ظاهرياً الذكريات المجموعة ، بينما تقوم - فنياً - بتوطيد أواصر العلاقة بين القارئ والنص بإدراج مجموعة من الصور واللوحات المتتابعة المختلفة ما بين الذكريات المادية التي تتسم بصبغة البقاء المادي " أغلفة وأوراق زهر مجففة بعبرات الأحداق .. رسومات تجمع اسميهما بنصفي قمر .. وخطوط قلب مكتمل يقطر أملاً باللقاء" بما يحمل القارئ على تخيل مجموعة من الصور المادية الحقيقة التي ترسم حنايا تلك العلاقة ، ثم تعرّج بذكاء على إدراج مجموعة الصور المعنوية " صورٌ مفاجئة سرقاها بزي مدرسي وأشرطة خضراء ، وبقايا .. البقايا من عطر الكلمات ومواعيد اللقاء" وتلاحظ أن هناك مغزى عجيب وراء صورة " صور مفاجئة سرقاها بزي مدرسي وأشرطة خضراء" فهي وإن كانت تشير بمعنى ظاهري تقليدي إلى قدم العاطفة وترسخ جذورها منذ عهد الطفولة إلا أنها قد تحمل على الجانب الآخر معنى البراءة ، فكأن الكاتبة تميل إلى استخدام صورة حسية لتعبر بها – اعتماداً على ثقافة القارئ المتلقي – عن معنىً شعوري وجداني .
إن الناثرة في طريقة تقديمها " للسردية " كخطوة ثانية من خطوات المنهج البنيوي إنما تنسج برويةٍ شديدة الوشائج ما بين نصها والقارئ بوضع مجموعة اللوحات والصور في إطار "تقليدي" نجحتْ في أن تُقيم به أواصر الصلة بشكل جيد بين نصها والمتلقي ، فهي تقدم لنا تلك الصور المادية والمعنوية ( الأغلفة الورقية – وريقات الزهر – رسومات تجمع اسميهما بنصفي قمر – خطوط قلب .... ) بشكل يشي بمدى "التشابه والتوافق" بين شخصية بطلتها ، وشخصية كل فتـاة بما يحقق مفهوم "التواصل " اعتماداً على الحس الإنساني المشترك.
لا تنسى الناثرة أن تزيد من عمق صورتها التي ترسمها في ذهن ووجدان القارئ المتلقي ، فهي وإن شكّلتْ بنية النص باستخدام الشكل الحكائي فإنها قد عمّقتْ من استخدام التشكيل السردي باستخدام ما يسمى بـ "الصوت السردي" ، ونعنى به " إدراج مجموعة من المعطيات الحسية ذات الأثر الموظّف شعورياً " بما يحقق تأثر القارئ و خلق الأثر الشعوري المطلوب في وجدانـه ، وذلك في " بقايا .. البقايا من عطر الكلمات ومواعيد اللقاء .. رسائله كانت لآلئ فرح .. جمان شوق .. تبر بسمات .. أحجار ألم " فعمدت الناثرة إلى استخدام تلك المعطيات التي نجحت في أن تحقق لها " انسيابية خاصة " وصلت بها لوجدان المتلقي ، فلكل معطى قدمته صوتاً سردياً مشتركاً فكلها مفردات تجمع ما بين استخدام أكثر من حاسة للتفاعل معها مما يؤدي لإدخال القارئ في حالة من التوازي الشعوري يعتمد أساساً على ما تنقله أحد الحواس كالسمع أو البصر وما يثيره من مغزى معين في وجدان وعقل القارئ ، فمثلا "عطر الكلمات " صوت سردي خاص يجمع ما بين حاستي الشم والنظر ، فرؤيتك للكلمات الجميلة ذات الدلالة الشعورية تخلق في نفسك الإحساس بعبيرها ، وهذا ما يسمى بالصوت السردي في النص الأدبي ، حيث تعتمد الناثرة على الآثار والخبرات الحياتية الثقافية لمردود مفاهيم ومفردات معينة في الذاكرة البشرية بما يضمن لها تحقيق ذلك الإحساس بالمشاركة والتواصل ما بين بطلتها والقارئ المتلقي .
تبدع الناثرة في تخليها "الشعوري" عن السارد الغائب ، وانتقالها وجدانياً للسارد الحاضر .. إن الناثرة وقد قدمت للقارئ المتلقي مجموعة المعطيات الخاصة تشعر الآن أنها قد اقتربت فعلاً من وجدانه بما ثبتته من ملامح الشخصية النفسية والوجدانية ، لذا فهي تحتاج إلى استخدام خاصية "الإجمال بعد التفصيل" .. هي بحاجة أن تغلق باب الخاصية السردية الآن حتى حين الحاجة لها مرة أخرى ، ولكنها – بفنية – تشعر أنها أسيرة " مأزق تقريري " ،
تقـول :" كانت أغلى ما تملكه إنها ثروتها التي جُمعتْ في نضال من زمن الحب وثورة العشق ومعركة العبور لقلبه "
فهي تخاف أن تنهي فقرتها بشكل تقريري "جاف" قد يُخرج القارئ من الجو الشعوري الذي حرصتْ على إدخاله فيه منذ البداية ، لذلك فهي تعمد إلى تخفيف سلطة "السارد الغائب" شعوريا لا لغوياً وتحرر وجدانياً "السارد الحاضر" ، فتُشعر القارئ بمدى قرب ما تقدمه له من حوار "ختامي" للفقرة من وجدان البطلة ذاتها ، فكأن جملتها الختامية للفقرة أشبه بـ " تنهيدة" من السارد الحاضر / البطلة ، فيكون الواقع اللغوي للسارد الغائب ، والوجداني للسارد الحاضر ، وبذلك تتخلص من أزمة المأزق التقريري في نهاية الفقرة
تزيد الناثرة من تعميق الإحساس بالخسارة في ختام فقرتها السردية ، فتتحول التنهيدة باستخدام السارد الحاضر إلى آهة توجع طويلة ، وكأن الناثرة تقدم – منذ البداية – خاتمة للنص النثري كله ، معتمدة على أسلوب فني ذكي ، فهي تقدم ذلك الإحساس الوجداني بالخسارة كأنه أفلت من بطلتها في صوت سردي متوجع ( زمن الحب وثورة العشق ومعركة العبور لقلبه ) لتضمن الحفاظ على الإحساس الحزين في نفس المتلقي وهي تعود به مرة أخرى إلى الأسلوب الحكائي في النص ...
بخطوة صغيرة وذكية تبدع الناثرة في إنهاء فقرتها تماماً بطريقة لا تسمح للقارئ بأن يكون في حاجة لإلقاء أي سؤال ، فهي تمزج ما بين "إجمال" فقرتها النهائية بربطها بنفسية البطلة ولكن لا تنسى أن توطد العلاقة فنياً ما بين نهاية الفقرة وخاتمتها ..
تقول :
" كان ذاك كنزها الذي حرصت على إخفائه بشعاب روحها لمواجهة كل الصراعات الموسمية وغير الموسمية بعد زمن كتب لهما فيه اللقـاء "
في الجملة نبل عجيب استطاعت الناثرة أن توصله باقتدار فني
فتبدو أشبه بفارس نبيل يحكي عن تجربته بحزن هادئ لا يحمل سمة البكاء ولا الانهيار الكبير
مجرد سحابة صفراء توشي الوجـه ولكنك لا تلمح – في ذراتها - وجعها الطويـل
هذا النوع من الشجن العميق الذي يذبح المستمع لا لشيء سوى قدرة صاحب التجربة على تحمُّل كل ألمه في حين أن المستمع لا يطيق أن يتحمل فقط الاستماع !!
ويروقك أن تقف على تركيبة العبارة لتلاحظ كيف طبقت الناثرة نظرية "المربع الدلالي" (الترادف والتقابل) كما عناهـا (كريماس)
-" كان ذلك كنزها " [ إجمال ختامي] يقابلها " لآلئ فرح .." [ تفصيل بداية]
-".. على إخفائه " [ إجمال ختامي] يقابلها " صور مفاجئة سرقاها.." [ تفصيل بداية]
- ".. الصراعات الموسمية .. " [ إجمال ختامي] يقابلها " ريح تشرين- شتاء عاصف" [ تفصيل بداية]
-" كُتب لهما فيه اللقاء" [ إجمال ختامي] يقابلها " يقطر أ ملاً باللقاء "[ تفصيل بداية]
مقدمةٌ سردية بالأساس لخصتْ النص كله .. عبّرتْ الأميرة النبيلة "البطلة" عن وجعها الطويل بتنهيدة طويلة كانت على الرغم من أن تفسيرها بقايا .. البقايا من عطر الكلمات ومواعيد اللقاء!!
توقيع : فاي
......
رد مع اقتباس
فاي
مشاهدة ملفه الشخصي
زيارة موقع فاي المفضل
البحث عن المزيد من المشاركات المكتوبة بواسطة فاي
قديم منذ /03-29-2007, 12:45 PM #6
معلومات العضو
فاي
عضو شرف
التوقيت
رقم العضوية : 3
تاريخ التسجيل : Aug 2006
الحاله : فاي غير متواجد حالياً
اين تقيم : حيثُ يتكـرر الأمس
المشاركات : 267
عدد المواضيع :
عدد الردود :
آخر مواضيعي
0 خربشاتٌ على حواشي بردية قديمة " خواطر "
0 " وهل ما تبقى من العمر يكفي؟" للنورس العجـوز ، قراءة انطباعية "
0 " ذاكـرة الأرصفـة " قصة قصيرة
0 التشكيل السردي عند (الرانية)
0 علـى .. حـافة البـوح
Lightbulb الورقة الثانية
الـورقة الثانية
تنتقل الناثرة من ورقة بطلتها الأولى إلى الورقة الثانية .. على الصعيد الفني وجب عليها أن تبدأ في الشرح والتفسير ، فانتقلت من السردية التي بدأت بها نصها إلى الأسلوب الحكائي ، ولكن دون أن تنسى أن تظل واقفة بسن يراعها على تلك الشعرة الدقيقة بين إمكانيات السارد الغائب والسارد الحاضر ، فتلتزم السارد الغائب لتتمكن من الإحاطة بالأحداث كلها ، وتظل به مسيطرة على زمام توجيه عقل القارئ ووجدانه ، بينما تتحرك بقفزات حوارية مرسومة بدقة لتضعنا أمام السارد الحاضر بكل قدرته على إدخالنا في جو الحدث ومعايشة اللحظة .. فنياً يعد هذا الأمر في قمة الصعوبـة ، ولكن الناثرة تنجح فيه وتمرر لنا باقتدار الورقـة الثانية
" تذْكُر.. " هذا الفعل بصيغته الماضية هو مفتاح الفقرة الجديدة / الورقة الثانية ، هو ساردها الغائب المحيط بالأحداث ، به استطاعت أن تقول لك كراوية للنص أنها المسيطرة ثم أوقفت القارئ لحظة واحدة على نقطتين (..) لتؤكد ذلك الأمر ، فما أن شعرتْ أنها القائدة حتى دفعتْ ساردها الحاضر إلى حلبة الحوار !!
ملامح شخصية البطل التي قدمتها لنا الناثرة تجبرك أن تصفق لها حتى التهاب الكفوف !!
قدمت لنا الناثرة ملامح بطل النص بذكاء دون أن تلجأ إلى أي تيمة فنية جديدة ، فقط ما استخدمته سابقاً " السارد الغائب " و " الحاضر "
استخدمت السارد الغائب لرسم ما يلزمها من ملامحه الحسية ( مكونات الوجه) فقالت :
" شارد الذهن .. قلق النظرات .. يُخفي ملامح وجهه "
ولا تملك سوى أن تعجب لقدرات هذا الذي يملك القدرة على إخفاء ملامح وجهه !! الغرب أنه لا "يسيطر" على ملامح وجهه ، ولكنه يخفيها تماما !! أي قدرة تلك التي مُنحها هذا "الرجل" ، ولكن – بفخر حزين – لا تنسى البطلة أن تثبت لنا أن ثمة "منافذ" للذهن والروح هي العيـون ، لذا فمن المنطق ألا نجادلها في ثقتها بشرود ذهنه وقلق النظرات
تلجأ الناثرة مرة ثانية لنظرية "المربع الدلالي" لتضعنا في ذات الوقت أمام مشاعر البطلة ومقارنتها بصفات البطل من خلال السارد الغائب
-[ المساء الفاتر ] في مقابـل [ خلف سحب الدخان المنبعث من حرائقه المتتابعة]
أسلفنا أن الحكاية هي مجموعة من الوقائع والأحداث التي يجمع بينها رابط (زمني) منطقي ! .. ربما أثارت القارئ كلمة "زمني" تحديداً لا مكاني أو زمني مكاني ؟!!
انظر لنص اليـوم ومفرداته ( تشرين – مساء – كانون )
النثر يهتم بالزمن أساساً لأن الزمن يمنحه مساحة أوسع من المكان ؛ لأنه آثاره على النفس الإنسانية أعمق وأقوى من المكان ، أقله حتى المكان يصبح ذات يوم في الذاكرة مجرد زمن ! وإن كان هذا لا يعني أن النثر لا يهتم إطلاقا بالمكان ، وإنما يدمجه في مصطلح فرعي من أدب " السردية الوقائعية " يسمى " السرد الزمكاني" ونلاحظه بوضوح في منتدانا بأعمال الأديبة ( قافيوتا )
تقابل الناثرة بين المساء بلونـه الداكن وبين دخان السيارة المنبعث ، وإذا استطعتَ أن تستوعب لماذا لا ترى دخان السيجارة في مساءٍ مُعتم يمكنك ببساطة أن تفهم لماذا استطاع أن يُخفي البطل ملامح وجهه ! وتعرف شعور البطلة عندما تشعر أن روحها – بالمقابل – سيجارة كُتب عليها أن تعاصر في عهده كل الحرائق المتتابعة ! كل هذا يبدو من خلال الترادفات والمقابلات التي تقوم بها الناثرة على الصعيد الفني من خلال استخدام السارد الغائب الذي يحمل لنا الملامح الحسية للبطل .
يقوم السارد الحاضر في الجانب الحواري الحكائي التالي بنقل ملامح الشخصية النفسية لهذا البطل ، ومفردات شخصيته ، وجوانب روحه ، ويحسب الناثرة أنها أبدعت الحوار بشكل "متتابع" فكل ما قدمت به الفعل " تمتم" ثم انساب الحوار متتابعاً منساباً كأنه لا مجال لوضع أي عبارات تشي بملامح بطليها ، كل المطلوب فنياً أن تترك القارئ بثقافته الخاصة يشعر ويستنتج ويقدر الأمور .. إنها لحظة "الصراع الفني" حيث تتحرك الأحداث نحو ذروتها المقدرة سلفاً فنياً ، والمجهولة بالنسبة للقارئ المتلقي ، ويمكننا بعمق أن نلاحظ ما أوردته الناثرة من حوار يمثله السارد الحاضر في مقابلته مع ما ورد سابقا من سارد غائب في الورقة الأولى
-سأغادر [ سادر حاضر] ××× " قدوم شتاء عاصف" [ سارد غائب]
-لماذا ؟! [ سادر حاضر] ××× " كان ذلك كنزهـا " [ سارد غائب]
- " لا شيء يغري بالبقاء [ سادر حاضر] ××× " أغلفة وأوراق.. " [ سارد غائب]
-"ولا أنا" [ سادر حاضر] ××× " زمن الحب وثورة العشق ... " [ سارد غائب]
-" لولاكِِ ما انتظرت للآن" [ سادر حاضر] ××× " صور مفاجئة سرقاها" [ سارد غائب]
-" هنا التقينا .. " [ سادر حاضر] ××× " يقطر أملاً باللقاء " [ سارد غائب]
-"أين هي تلك الشواهد؟" [ سادر حاضر] ××× " بقايا .. البقايا " [ سارد غائب]
-"هنا مخطوطة على جدران القلب .." [ سادر حاضر] ××× " وخطوط قلب مكتمل " [ سارد غائب]
استطاعت الناثرة أن تنتقل لنا بساردها الغائب صوت البطلة / صوت الذكريات المجموعة والأغلفة والوريقات والأشرطة المدرسية ، بينما كان السارد الحاضر صوت الواقع ، الصوت التقريري ، صوت يقول " أين هي تلك الشواهد؟!" .. كان السارد الحاضر صوت الريح التي تندب وكان السارد الحاضر هو فوهة الهاوية .. الفرق أن الماضي / السارد الغائب لم يعرف أنه سيقف كريح تشرين الباردة نادباً على فوهة الهاوية / السارد الحاضر/ قرار البطل .. كل الفرق بين الورقتين أن الثانية كانت لذكرياتها ألق وأمنياتها بريق " فانتشر ألق الذكريات وبريق الأمنيات " أما روقتها الأولى فكل ما تمتعت به " بقايا .. البقايا من عطر الكلمات ومواعيد اللقاء !!
لا تفوّتْ الناثرة الفرصـة لاستخدام مبدأ " الصوت السردي" للسارد الحاضر ، فتحمل القارئ على أجنحة الصوت التقريري الجاف / البطل ، والصوت المذبوح أملاً وألماً / البطلة على تيارات من الزمن " الماضي" باستخدام " كنتُ " ، وبيان مدى البون بين مشاعر سُطّرتْ على الأوراق وأخرى سكنت حنايا الروح وشغاف الوجدان
-كنتُ فارسا ممسكاً بلجام الحرف --- [ صوت تقريري جاف]
-كنتُ ليلى ، وأنت المجنـون ---- [ صوت متوسل مجروح]
..........
..........
-...... هل تعود لي تلك الأيام ؟ ×××× [ كبرنا وكبر الحب معنا ]
-لن تتكرر إلا إذا غادرت هذا المكان ××× [ .. أحجار ألم ]
-ستئدني لو غادرت ××× [ سحب الدخان ]
-سأعيد تشكيلك من جديد ××× [ حرائقه المتتابعة]
كذا سيكون التشكيل ، حرائق متتابعة من جديد ، روح ستحترق كسيجارة آلاف المرات ، فقط يحتاج وقتاً حتى يمنحها القدرة أن تنمو من جديد بأعجوبة ليعيد تشكيلها / إحراقها بحرائق متتابعة !! وما العمل " طير هو ومولع بالرحيل" ؟!
رحلتْ الهاوية ولم يعد للريح حتى من فوهة هاوية لتصرخ بداخلها أنني كنتُ هنا !
كــل أوراق الحكاية
" تسللتْ ريح تشرين الباردة إلى روحها لتنبئها بقدوم شتاء عاصف .. فلم يك منها إلا أن استعدت لاستقبال ذلك الفصل وتلكم التقلبات . فبدأتْ بجمع الذكريـات "
لن نكون مخطئين إذا ما اعترفنا أن مطلع النص النثري الأدبي يحمل في معظم الأحيان مفاتيح النص كله !!
لجأت الناثرة هنا إلى استخدام "السارد الغائب" كبداية تتخذها جسراً للتفاعل فيما بينها ، وبين القارئ المتلقي ، ولا يخفى على القارئ ما لهذا الاستخدام – السارد الغائب- من دور في تشكيل اللون الخطابي حيث أنه يمنح المبدع / الراوي مساحات شاسعة من "تقديم " المعطيات الحسية والشعورية التي يريد للقارئ أن يتلقاها دون أن يتقيد بجانب شعوري واحد يعتمد على كون الكاتب هو الراوي في حد ذاته ..
إن السارد الغائب يمنح المبدع إمكانية أن يشكل بنية النص السردية بإيجاد "صيغة سردية" متنوعة الخطاب تعتمد في تكوينها على مجموعة عناصر هي : (البنيةالسردية – الراوي – المروي له ) بما يحقق النجاح في التمهيد الحكائي الصحيح ، والدخول لعالم النص دون أن شعور بأن المتلقي مدفوع للوصول لهدف المبدع وهو يتفاعل مع النص
توقيع : فاي
......
رد مع اقتباس
فاي
مشاهدة ملفه الشخصي
زيارة موقع فاي المفضل
البحث عن المزيد من المشاركات المكتوبة بواسطة فاي
قديم منذ /03-29-2007, 12:42 PM #5
معلومات العضو
فاي
عضو شرف
التوقيت
رقم العضوية : 3
تاريخ التسجيل : Aug 2006
الحاله : فاي غير متواجد حالياً
اين تقيم : حيثُ يتكـرر الأمس
المشاركات : 267
عدد المواضيع :
عدد الردود :
آخر مواضيعي
0 التشكيل السردي عند (الرانية)
0 " رحـل النضـال " لبنت النورس ،، قراءة انطباعية
0 حنين المرفأ القديم
0 " ذاكـرة الأرصفـة " قصة قصيرة
0 شريط ساتان أحمر
Lightbulb الورقة الأولى
الـورقة الأولى
تحمل مقدمة النص " تسللتْ ريح تشرين الباردة إلى روحها تنبئها بقدوم شتاء عاصف" العديد من المعطيات المختلفة التي نجحت الناثرة في توصيلها للقارئ ، فهي تمنح القارئ بهذا المعطى الحسي ( الريح الباردة) مدخلاً إلى فهم طبيعة الشخصية التي تقدمها لنا ، فشخصية البطلة شخصية حساسة مرهفة ذات طبيعة خاصة، فعلى الرغم من أن المعطى المقدم لنا معطي حسي بحت ( ريح تشرين الباردة ) إلا أن تسللها مسّ ( روح ) البطلة ( تسللت إلى روحها ) !! وعلي ذلك يمكنك أن تفهم أن ( الشتاء العاصف ) المقصود إنما يحمل لك إشارة ذكية من الناثرة بقدوم هذا الشتاء / الحزن فعلاً وحقيقة على صعيد النص والحكاية ، فتكون بذلك قد هيأتك نفسياً لمعرفة مآل الأحداث وعواقب تسلل تلك الرياح دون أن تمنحك الوقائع الحادثة، وهذا أهم تأثير أدبي يحققه الناثر وهو أن يمدك بمجموعة من المشاعر ويدخلك في جو نفسي معين مُهّدَ لك سلفاً فتتهيأ شعورياً دون أن تكون قد علمت ما سيحدث فعلاً
إن الناثرة تبدأ باستخدام الخاصية الحكائية في بداية النص فهي توظف ثلاثة معطيات في جملة واحدة ( ريح تشرين – روحها – شتاء عاصف ) ليقف القارئ منذ البداية على "خصائص" الشخصية التي سيتعامل معها بنا يسمح له أن يتقبل نفسياً ومنطقياً مآل الأحداث ونتيجة الأمور عند لحظة التنوير في النهاية.
ويروقك في مطلع النص ذكاء الناثرة في إثارة القارئ منذ البداية ، وتنبيه إلى متابعتها فيما تقدم له من معطيات دون الاعتماد كلية على ما يمده به عقله ، فتقول ( فلم يك منها إلا أن استعدتْ لاستقبال ذلك الفصل وتلكم التقلبات ) فإذا ما ظنّ القارئ أن البطلة شخصية رقيقة وحساسة غير قادرة على التعامل مع مقدمات ذلك الشتاء العاصف فعليه ألا يركن إلى ما أمده به عقله من تفسير ، بل عليه أن يتابع ما يمده النص به من معطيات فنية ، فالبطلة قدمت "استعدادا" لمواجهة تلك التقلبات !! وكأنها تحمل "خبرة " ما معينة في مواجهة ما يعترى النفس من آلام البرد الروحي ، أو كأن الناثرة تريد أن تقول لك أن الشتاء العاصف الذي لربما ستمر به البطلة - كما أخبرتها ريح تشرين الباردة - مجرد " عوارض فصل" من فصول السنة المتعددة ، فحتى لو تسلل إلى روحها فلديها من "الأغطية النفسية " / تجارب وخبرات الحياة ما يعينها على تحمل رياحه وأنواء أعاصيره المتعددة !! فالناثرة لا تفقد أبداً ذلك الخيط "الحكائي" الذي تقدم به لنصها النثري ، فهي توظف – طبقاً لاتجاه جيرار جنت – الشخصية التي لديها بما يتناسب و "الدلالة " التي تريد لنا أن نصل إليها في النهاية .
تنتقل الناثرة بهدوء إلى المرحلة الثانية إلى "السردية" فكما أسلفنا فالنص الأدبي الحكائي هو مجموعة من الأحداث والوقائع الطويلة أو القصيرة نسبياً التي يربط بينها رابط زمني منطقي ، فالناثرة تقيم بين النص والقارئ وشائج وعلائق متعددة ، وهي تفعل ذلك بتسلسل منطقي شديد ، فما أن تنتهي من رسوم خطوط الشخصية الأساسية حتى تشرع في استكمال الخطوط الفرعية منها مستخدمة تيمة " فلاش باك " لتسترجع بها ظاهرياً الذكريات المجموعة ، بينما تقوم - فنياً - بتوطيد أواصر العلاقة بين القارئ والنص بإدراج مجموعة من الصور واللوحات المتتابعة المختلفة ما بين الذكريات المادية التي تتسم بصبغة البقاء المادي " أغلفة وأوراق زهر مجففة بعبرات الأحداق .. رسومات تجمع اسميهما بنصفي قمر .. وخطوط قلب مكتمل يقطر أملاً باللقاء" بما يحمل القارئ على تخيل مجموعة من الصور المادية الحقيقة التي ترسم حنايا تلك العلاقة ، ثم تعرّج بذكاء على إدراج مجموعة الصور المعنوية " صورٌ مفاجئة سرقاها بزي مدرسي وأشرطة خضراء ، وبقايا .. البقايا من عطر الكلمات ومواعيد اللقاء" وتلاحظ أن هناك مغزى عجيب وراء صورة " صور مفاجئة سرقاها بزي مدرسي وأشرطة خضراء" فهي وإن كانت تشير بمعنى ظاهري تقليدي إلى قدم العاطفة وترسخ جذورها منذ عهد الطفولة إلا أنها قد تحمل على الجانب الآخر معنى البراءة ، فكأن الكاتبة تميل إلى استخدام صورة حسية لتعبر بها – اعتماداً على ثقافة القارئ المتلقي – عن معنىً شعوري وجداني .
إن الناثرة في طريقة تقديمها " للسردية " كخطوة ثانية من خطوات المنهج البنيوي إنما تنسج برويةٍ شديدة الوشائج ما بين نصها والقارئ بوضع مجموعة اللوحات والصور في إطار "تقليدي" نجحتْ في أن تُقيم به أواصر الصلة بشكل جيد بين نصها والمتلقي ، فهي تقدم لنا تلك الصور المادية والمعنوية ( الأغلفة الورقية – وريقات الزهر – رسومات تجمع اسميهما بنصفي قمر – خطوط قلب .... ) بشكل يشي بمدى "التشابه والتوافق" بين شخصية بطلتها ، وشخصية كل فتـاة بما يحقق مفهوم "التواصل " اعتماداً على الحس الإنساني المشترك.
لا تنسى الناثرة أن تزيد من عمق صورتها التي ترسمها في ذهن ووجدان القارئ المتلقي ، فهي وإن شكّلتْ بنية النص باستخدام الشكل الحكائي فإنها قد عمّقتْ من استخدام التشكيل السردي باستخدام ما يسمى بـ "الصوت السردي" ، ونعنى به " إدراج مجموعة من المعطيات الحسية ذات الأثر الموظّف شعورياً " بما يحقق تأثر القارئ و خلق الأثر الشعوري المطلوب في وجدانـه ، وذلك في " بقايا .. البقايا من عطر الكلمات ومواعيد اللقاء .. رسائله كانت لآلئ فرح .. جمان شوق .. تبر بسمات .. أحجار ألم " فعمدت الناثرة إلى استخدام تلك المعطيات التي نجحت في أن تحقق لها " انسيابية خاصة " وصلت بها لوجدان المتلقي ، فلكل معطى قدمته صوتاً سردياً مشتركاً فكلها مفردات تجمع ما بين استخدام أكثر من حاسة للتفاعل معها مما يؤدي لإدخال القارئ في حالة من التوازي الشعوري يعتمد أساساً على ما تنقله أحد الحواس كالسمع أو البصر وما يثيره من مغزى معين في وجدان وعقل القارئ ، فمثلا "عطر الكلمات " صوت سردي خاص يجمع ما بين حاستي الشم والنظر ، فرؤيتك للكلمات الجميلة ذات الدلالة الشعورية تخلق في نفسك الإحساس بعبيرها ، وهذا ما يسمى بالصوت السردي في النص الأدبي ، حيث تعتمد الناثرة على الآثار والخبرات الحياتية الثقافية لمردود مفاهيم ومفردات معينة في الذاكرة البشرية بما يضمن لها تحقيق ذلك الإحساس بالمشاركة والتواصل ما بين بطلتها والقارئ المتلقي .
تبدع الناثرة في تخليها "الشعوري" عن السارد الغائب ، وانتقالها وجدانياً للسارد الحاضر .. إن الناثرة وقد قدمت للقارئ المتلقي مجموعة المعطيات الخاصة تشعر الآن أنها قد اقتربت فعلاً من وجدانه بما ثبتته من ملامح الشخصية النفسية والوجدانية ، لذا فهي تحتاج إلى استخدام خاصية "الإجمال بعد التفصيل" .. هي بحاجة أن تغلق باب الخاصية السردية الآن حتى حين الحاجة لها مرة أخرى ، ولكنها – بفنية – تشعر أنها أسيرة " مأزق تقريري " ،
تقـول :" كانت أغلى ما تملكه إنها ثروتها التي جُمعتْ في نضال من زمن الحب وثورة العشق ومعركة العبور لقلبه "
فهي تخاف أن تنهي فقرتها بشكل تقريري "جاف" قد يُخرج القارئ من الجو الشعوري الذي حرصتْ على إدخاله فيه منذ البداية ، لذلك فهي تعمد إلى تخفيف سلطة "السارد الغائب" شعوريا لا لغوياً وتحرر وجدانياً "السارد الحاضر" ، فتُشعر القارئ بمدى قرب ما تقدمه له من حوار "ختامي" للفقرة من وجدان البطلة ذاتها ، فكأن جملتها الختامية للفقرة أشبه بـ " تنهيدة" من السارد الحاضر / البطلة ، فيكون الواقع اللغوي للسارد الغائب ، والوجداني للسارد الحاضر ، وبذلك تتخلص من أزمة المأزق التقريري في نهاية الفقرة
تزيد الناثرة من تعميق الإحساس بالخسارة في ختام فقرتها السردية ، فتتحول التنهيدة باستخدام السارد الحاضر إلى آهة توجع طويلة ، وكأن الناثرة تقدم – منذ البداية – خاتمة للنص النثري كله ، معتمدة على أسلوب فني ذكي ، فهي تقدم ذلك الإحساس الوجداني بالخسارة كأنه أفلت من بطلتها في صوت سردي متوجع ( زمن الحب وثورة العشق ومعركة العبور لقلبه ) لتضمن الحفاظ على الإحساس الحزين في نفس المتلقي وهي تعود به مرة أخرى إلى الأسلوب الحكائي في النص ...
بخطوة صغيرة وذكية تبدع الناثرة في إنهاء فقرتها تماماً بطريقة لا تسمح للقارئ بأن يكون في حاجة لإلقاء أي سؤال ، فهي تمزج ما بين "إجمال" فقرتها النهائية بربطها بنفسية البطلة ولكن لا تنسى أن توطد العلاقة فنياً ما بين نهاية الفقرة وخاتمتها ..
تقول :
" كان ذاك كنزها الذي حرصت على إخفائه بشعاب روحها لمواجهة كل الصراعات الموسمية وغير الموسمية بعد زمن كتب لهما فيه اللقـاء "
في الجملة نبل عجيب استطاعت الناثرة أن توصله باقتدار فني
فتبدو أشبه بفارس نبيل يحكي عن تجربته بحزن هادئ لا يحمل سمة البكاء ولا الانهيار الكبير
مجرد سحابة صفراء توشي الوجـه ولكنك لا تلمح – في ذراتها - وجعها الطويـل
هذا النوع من الشجن العميق الذي يذبح المستمع لا لشيء سوى قدرة صاحب التجربة على تحمُّل كل ألمه في حين أن المستمع لا يطيق أن يتحمل فقط الاستماع !!
ويروقك أن تقف على تركيبة العبارة لتلاحظ كيف طبقت الناثرة نظرية "المربع الدلالي" (الترادف والتقابل) كما عناهـا (كريماس)
-" كان ذلك كنزها " [ إجمال ختامي] يقابلها " لآلئ فرح .." [ تفصيل بداية]
-".. على إخفائه " [ إجمال ختامي] يقابلها " صور مفاجئة سرقاها.." [ تفصيل بداية]
- ".. الصراعات الموسمية .. " [ إجمال ختامي] يقابلها " ريح تشرين- شتاء عاصف" [ تفصيل بداية]
-" كُتب لهما فيه اللقاء" [ إجمال ختامي] يقابلها " يقطر أ ملاً باللقاء "[ تفصيل بداية]
مقدمةٌ سردية بالأساس لخصتْ النص كله .. عبّرتْ الأميرة النبيلة "البطلة" عن وجعها الطويل بتنهيدة طويلة كانت على الرغم من أن تفسيرها بقايا .. البقايا من عطر الكلمات ومواعيد اللقاء!!
توقيع : فاي
......
رد مع اقتباس
فاي
مشاهدة ملفه الشخصي
زيارة موقع فاي المفضل
البحث عن المزيد من المشاركات المكتوبة بواسطة فاي
قديم منذ /03-29-2007, 12:45 PM #6
معلومات العضو
فاي
عضو شرف
التوقيت
رقم العضوية : 3
تاريخ التسجيل : Aug 2006
الحاله : فاي غير متواجد حالياً
اين تقيم : حيثُ يتكـرر الأمس
المشاركات : 267
عدد المواضيع :
عدد الردود :
آخر مواضيعي
0 خربشاتٌ على حواشي بردية قديمة " خواطر "
0 " وهل ما تبقى من العمر يكفي؟" للنورس العجـوز ، قراءة انطباعية "
0 " ذاكـرة الأرصفـة " قصة قصيرة
0 التشكيل السردي عند (الرانية)
0 علـى .. حـافة البـوح
Lightbulb الورقة الثانية
الـورقة الثانية
تنتقل الناثرة من ورقة بطلتها الأولى إلى الورقة الثانية .. على الصعيد الفني وجب عليها أن تبدأ في الشرح والتفسير ، فانتقلت من السردية التي بدأت بها نصها إلى الأسلوب الحكائي ، ولكن دون أن تنسى أن تظل واقفة بسن يراعها على تلك الشعرة الدقيقة بين إمكانيات السارد الغائب والسارد الحاضر ، فتلتزم السارد الغائب لتتمكن من الإحاطة بالأحداث كلها ، وتظل به مسيطرة على زمام توجيه عقل القارئ ووجدانه ، بينما تتحرك بقفزات حوارية مرسومة بدقة لتضعنا أمام السارد الحاضر بكل قدرته على إدخالنا في جو الحدث ومعايشة اللحظة .. فنياً يعد هذا الأمر في قمة الصعوبـة ، ولكن الناثرة تنجح فيه وتمرر لنا باقتدار الورقـة الثانية
" تذْكُر.. " هذا الفعل بصيغته الماضية هو مفتاح الفقرة الجديدة / الورقة الثانية ، هو ساردها الغائب المحيط بالأحداث ، به استطاعت أن تقول لك كراوية للنص أنها المسيطرة ثم أوقفت القارئ لحظة واحدة على نقطتين (..) لتؤكد ذلك الأمر ، فما أن شعرتْ أنها القائدة حتى دفعتْ ساردها الحاضر إلى حلبة الحوار !!
ملامح شخصية البطل التي قدمتها لنا الناثرة تجبرك أن تصفق لها حتى التهاب الكفوف !!
قدمت لنا الناثرة ملامح بطل النص بذكاء دون أن تلجأ إلى أي تيمة فنية جديدة ، فقط ما استخدمته سابقاً " السارد الغائب " و " الحاضر "
استخدمت السارد الغائب لرسم ما يلزمها من ملامحه الحسية ( مكونات الوجه) فقالت :
" شارد الذهن .. قلق النظرات .. يُخفي ملامح وجهه "
ولا تملك سوى أن تعجب لقدرات هذا الذي يملك القدرة على إخفاء ملامح وجهه !! الغرب أنه لا "يسيطر" على ملامح وجهه ، ولكنه يخفيها تماما !! أي قدرة تلك التي مُنحها هذا "الرجل" ، ولكن – بفخر حزين – لا تنسى البطلة أن تثبت لنا أن ثمة "منافذ" للذهن والروح هي العيـون ، لذا فمن المنطق ألا نجادلها في ثقتها بشرود ذهنه وقلق النظرات
تلجأ الناثرة مرة ثانية لنظرية "المربع الدلالي" لتضعنا في ذات الوقت أمام مشاعر البطلة ومقارنتها بصفات البطل من خلال السارد الغائب
-[ المساء الفاتر ] في مقابـل [ خلف سحب الدخان المنبعث من حرائقه المتتابعة]
أسلفنا أن الحكاية هي مجموعة من الوقائع والأحداث التي يجمع بينها رابط (زمني) منطقي ! .. ربما أثارت القارئ كلمة "زمني" تحديداً لا مكاني أو زمني مكاني ؟!!
انظر لنص اليـوم ومفرداته ( تشرين – مساء – كانون )
النثر يهتم بالزمن أساساً لأن الزمن يمنحه مساحة أوسع من المكان ؛ لأنه آثاره على النفس الإنسانية أعمق وأقوى من المكان ، أقله حتى المكان يصبح ذات يوم في الذاكرة مجرد زمن ! وإن كان هذا لا يعني أن النثر لا يهتم إطلاقا بالمكان ، وإنما يدمجه في مصطلح فرعي من أدب " السردية الوقائعية " يسمى " السرد الزمكاني" ونلاحظه بوضوح في منتدانا بأعمال الأديبة ( قافيوتا )
تقابل الناثرة بين المساء بلونـه الداكن وبين دخان السيارة المنبعث ، وإذا استطعتَ أن تستوعب لماذا لا ترى دخان السيجارة في مساءٍ مُعتم يمكنك ببساطة أن تفهم لماذا استطاع أن يُخفي البطل ملامح وجهه ! وتعرف شعور البطلة عندما تشعر أن روحها – بالمقابل – سيجارة كُتب عليها أن تعاصر في عهده كل الحرائق المتتابعة ! كل هذا يبدو من خلال الترادفات والمقابلات التي تقوم بها الناثرة على الصعيد الفني من خلال استخدام السارد الغائب الذي يحمل لنا الملامح الحسية للبطل .
يقوم السارد الحاضر في الجانب الحواري الحكائي التالي بنقل ملامح الشخصية النفسية لهذا البطل ، ومفردات شخصيته ، وجوانب روحه ، ويحسب الناثرة أنها أبدعت الحوار بشكل "متتابع" فكل ما قدمت به الفعل " تمتم" ثم انساب الحوار متتابعاً منساباً كأنه لا مجال لوضع أي عبارات تشي بملامح بطليها ، كل المطلوب فنياً أن تترك القارئ بثقافته الخاصة يشعر ويستنتج ويقدر الأمور .. إنها لحظة "الصراع الفني" حيث تتحرك الأحداث نحو ذروتها المقدرة سلفاً فنياً ، والمجهولة بالنسبة للقارئ المتلقي ، ويمكننا بعمق أن نلاحظ ما أوردته الناثرة من حوار يمثله السارد الحاضر في مقابلته مع ما ورد سابقا من سارد غائب في الورقة الأولى
-سأغادر [ سادر حاضر] ××× " قدوم شتاء عاصف" [ سارد غائب]
-لماذا ؟! [ سادر حاضر] ××× " كان ذلك كنزهـا " [ سارد غائب]
- " لا شيء يغري بالبقاء [ سادر حاضر] ××× " أغلفة وأوراق.. " [ سارد غائب]
-"ولا أنا" [ سادر حاضر] ××× " زمن الحب وثورة العشق ... " [ سارد غائب]
-" لولاكِِ ما انتظرت للآن" [ سادر حاضر] ××× " صور مفاجئة سرقاها" [ سارد غائب]
-" هنا التقينا .. " [ سادر حاضر] ××× " يقطر أملاً باللقاء " [ سارد غائب]
-"أين هي تلك الشواهد؟" [ سادر حاضر] ××× " بقايا .. البقايا " [ سارد غائب]
-"هنا مخطوطة على جدران القلب .." [ سادر حاضر] ××× " وخطوط قلب مكتمل " [ سارد غائب]
استطاعت الناثرة أن تنتقل لنا بساردها الغائب صوت البطلة / صوت الذكريات المجموعة والأغلفة والوريقات والأشرطة المدرسية ، بينما كان السارد الحاضر صوت الواقع ، الصوت التقريري ، صوت يقول " أين هي تلك الشواهد؟!" .. كان السارد الحاضر صوت الريح التي تندب وكان السارد الحاضر هو فوهة الهاوية .. الفرق أن الماضي / السارد الغائب لم يعرف أنه سيقف كريح تشرين الباردة نادباً على فوهة الهاوية / السارد الحاضر/ قرار البطل .. كل الفرق بين الورقتين أن الثانية كانت لذكرياتها ألق وأمنياتها بريق " فانتشر ألق الذكريات وبريق الأمنيات " أما روقتها الأولى فكل ما تمتعت به " بقايا .. البقايا من عطر الكلمات ومواعيد اللقاء !!
لا تفوّتْ الناثرة الفرصـة لاستخدام مبدأ " الصوت السردي" للسارد الحاضر ، فتحمل القارئ على أجنحة الصوت التقريري الجاف / البطل ، والصوت المذبوح أملاً وألماً / البطلة على تيارات من الزمن " الماضي" باستخدام " كنتُ " ، وبيان مدى البون بين مشاعر سُطّرتْ على الأوراق وأخرى سكنت حنايا الروح وشغاف الوجدان
-كنتُ فارسا ممسكاً بلجام الحرف --- [ صوت تقريري جاف]
-كنتُ ليلى ، وأنت المجنـون ---- [ صوت متوسل مجروح]
..........
..........
-...... هل تعود لي تلك الأيام ؟ ×××× [ كبرنا وكبر الحب معنا ]
-لن تتكرر إلا إذا غادرت هذا المكان ××× [ .. أحجار ألم ]
-ستئدني لو غادرت ××× [ سحب الدخان ]
-سأعيد تشكيلك من جديد ××× [ حرائقه المتتابعة]
كذا سيكون التشكيل ، حرائق متتابعة من جديد ، روح ستحترق كسيجارة آلاف المرات ، فقط يحتاج وقتاً حتى يمنحها القدرة أن تنمو من جديد بأعجوبة ليعيد تشكيلها / إحراقها بحرائق متتابعة !! وما العمل " طير هو ومولع بالرحيل" ؟!
رحلتْ الهاوية ولم يعد للريح حتى من فوهة هاوية لتصرخ بداخلها أنني كنتُ هنا !