ومن خلال
هذا التقطيع الصوتي يتضح لنا مدى التماثل بين الأصوات القصيرة (ص ح) والمتوسطة
المغلقة (ص ح ص) والمتوسطة المفتوحة (ص ح ح) والطويلة (ص ح ح ص). غير أن الغلبة
كانت للتماثل الصوتي للمقاطع المتوسطة المغلقة (ص ح ص) وهذا التماثل المقطعي هو
الذي أحدث إيقاعاً صوتياً في بنية النص في كل السطور القصصية السابقة.
وتعتمد
اللغة السردية أيضاً في هذه القصص على الجمل القصيرة المكثفة. وهذه سمة نجدها في
معظم قصص المجموعة، بل نستطيع القول، إن أهم ما يميز قصص جمال فايز عن جيله هو
استخدامه الجمل القصصية القصيرة جداً. يقول على سبيل المثال في قصة "يوم الحصاد":
"عند المدخل، توقف فجأة ارتعد جسده. همست في أذنه زوجته، لم يرد حاولت سحبه لم
يتحرك أمسكت ساعده، تحجر في مكانه، تركته جزعة".
فيتضح في
هذا النص مدى اعتماد الكاتب على الجمل القصيرة المكثفة، حتى أن بعض الجمل لم تتجاوز
كلمة واحدة. يضاف إلى ذلك المعاني المركبة والإيجاز الدلالي الذي تحمله هذه الجمل
الشبيهة بالطرقات السريعة.
أما"التكرار الترابطي" فنعني به تكرار كلمة معينة في نهاية الجملة وبداية الجملة
التالية مباشرة. وهذا التكرار ما لم يؤد وظيفة دلالية جديدة في كل تكرار يصبح هذا
التكرار غير مبرر فنياً ويدل على خلل في التراكيب اللغوية للجملة لأن الكلام
المحذوف إذا دل عليه الملفوظ يصبح تكراره لا قيمة له. ومثل هذا التكرار نجده في بعض
قصص المجموعة، فيقول على سبيل المثال في قصة "فئران وحجارة" ينظر إلى الأطفال،
الأطفال ثيابهم رثة، "الريح يسمع صوتها وهي تدخل من ثقوب خيمته، ثقوب خيمته كل يوم
وربما أحياناً كل بضعة أيام تتكاثر مثل تكاثر الفئران. الفئران أصبحت في كل مكان".
"كانت عند والده. ووالده هوى على الأرض منذ شهر ونيف".
فنجد بعض
الكلمات المكررة مثل: الأطفال، ثقوب خيمته، الفئران، والده. تتكرر مرتين، الأولى في
نهاية الجملة والثانية في أول الجملة التالية لها لتكون رابطاً بين الجملتين
ولتتوافق مع الحالات الشعورية للسارد، غير أننا نرى هذا التكرار لم يضف دلالة جديدة
للنص القصصي، لأنه لم تم حذف هذه الكلمات من أول الجمل التالية لدل عليها اللفظ
الموجود في نهايات الجمل الأولى. ومن ثم يصبح التكرار غير مبرر فنياً.
غير أنها
تشكل نمطاً من أنماط اللغة السردية في قصص المجموعة وكان من الممكن أن توظف فنياً
ودلالياً في سياق النصوص القصصية وتحمل دلالة إيحائية جديدة في كل تكرار.
3/2/ب:
التعبيرات اللغوية الخليجية:
شكلت بعض
التعبيرات اللغوية لازمة أساسية في بعض نصوص المجموعة ومنها قصص حطام المسافات
البعيدة، فحيح العاصفة، المكافأة، إظلام، ومن هذه التعبيرات قوله "يا حسافة"، "ما
لنا غيره صغير وما يفهم" ، "صيد اللؤلؤ"، "الغوص"، "البحارة"، وأهم قصص المجموعة
اعتماداً على التعبيرات اللغوية الخليجية هي قصة "حطام المسافات البعيدة" ومن هذه
التعبيرات قوله: "النوخذة"، "الديين"، "السياب"، "الأيدة"، "التباب"،و"الطواش".
وقد كان
لهذه التعبيرات دلالات فنية وإيحائية في نسيج القصة، فقد دلت على انتماء الشخصية
لموروثها الشعبي والحياتي، وقد وضح الكاتب معاني هذه الكلمات في هامش القصة.
وتتداعى
هذه التعبيرات على وعي الرجل النحيل عندما يستحضر الماضي الأليف ويسخر من الواقع
الذي عصف بكل القيم والمعايير يقول: حتى يوم أوكل إليه مهمة "النوخذة" ظلت نفسه
تهفو إليه، فيمكث أوقاتاً طويلة ينتزعه من أحشاء اليم يكنزه في "الديين"، بينما
الذين في الخارج يدب الخوف في نفوسهم، ولا يرتاح بالهم إلا إذا ظهر إليهم، وفي
الغالب يخرج من أعماق البحر مع إطلاقة صيحات عالية تصل إلى عنان السماء فيسحب
"السياب"، "الأيدة" وهكذ تجد السارد حريصاً على استحضار الماضي بكل موروثاته
وتعبيراته ليكون تعبيراً عن انتماء الذات لذاتها من ناحية، وتعبيراً عن اهتراء
معايير الحاضر من نايحة ثانية.
(4)
السردية
السياقية
يعني
بالسردي السياق العلاقة بين السرد وتشكيل سياقات النص القصصي الممثل في الشخصية
والحدث والمواقف والرؤى. وتعني السردية السياقية بجانبين: الأول: السرد وتشكيل
الشخصية، والثاني: السرد وتشكيل الحدث.
4/2:
السرد
وتشكيل الشخصية:
للسرد
دور كبير في تشكيل الشخصية في النص القصصي، فمن خلاله يتم رسم ملامح الشخصية
وتشكيلها فنياً ودلالياً سواء على مستوى وظيفة الشخصية ودورها الدلالي، أو على
مستوى طبيعة السرد وعلاقته بالشخصية من حيث سكونية الوصف وحركيته، أو على مستوى
الرؤية السردية للشخصية.
4/1/أ:
الدور
الوظيفي للشخصية:
يتضح الدور
الوظيفي للشخصية من خلال تصوري جرياس
Greimas)5)
الذي يربط بين الشخصية الفاعلة والشخصيات المضادة والمساعدة لها ومحور الصراع وغاية
الفعل ومحور الرغبة، وهذا التصور يتضح من خلال الشكل التالي:
م | عنوان القصة | المضادون | الفاعل | المساعدون | محور الرغبة | غاية الفعل |
1 | الكهل الصغير | الغيمة الكبيرة الشاب | الكهل | الرجل الخادمة المعرضة | عودة القيم النبيلة انقاذ الطفل التمسك بالتراث | غاية الفعل موت الطفل موت القيم الإنسانية هدم البيوت الطينية |
2 | حطام المسافات البعيدة | الريح اللافحة الابن العاق جنية البحر | الكهل النحيل | البحارة القدامى الجد القديم | الانتماء للقيم الاصيلة | ضياع الأب ترك الابن لأبيه |
3 | فحيح العاصفة | الأمطار العاصفة الأطفال الصغار الابن العاق | الرجل النحيل | الرجل الخارج من المسجد | عود القيم | العصف بكل القيم تجاهل الابن لأبيه |
4 | تابوت من لحم | الرجل البدين صاحب السيارة الفارهة | العجوز الضائعة | - | توفير الأمن والقوت اليومي للبسطاء حصول العجوز على بقايا أطعمة | جوع البسطاء وضياعهم عدم حصول العجوز على بقايا أطعمة |
5 | الرقص على حافة الجرح | | الجد | الخيول الحمرا | فوز الخيول الخضراء | |
بتطبيق هذا الشكل على قصص المجموعة
يتضح لنا الدور الوظيفي للشخصية وذلك من خلال جدول رقم (2) حول الدور
الوظيفي
للشخصية:
م | عنوان القصة | المضادون | الفاعل | المساعدون | محور الرغبة | غاية الفعل |
1 | | الخيول الزرقاء الشباب الضائع | | | | فوز الخيول الزرقاء والحمراء هزيمة الخيول الخضراء |
6 | الشرنقة | ركاب الطائرة المرأة المنقبة والعارية في آن واحد | المرأة المنقبة | - | اتساق الواقع وعدم تناقص الشخصية | التناقض بين ما هو كائن وما يجب أن يكون |
7 | الركض في الوحل | الأخوة المعاصرون الغريب | الأخت الحسناء | الأخوة القدامى | تخليص الأخت من الغريب وتضامن الأخوة | اغتصاب الغريب للأخت الحسناء سقوط الأخوة |
8 | المكاف’ | المدير زملاء العمل | الموظف المثال | - | الإخلاص في العمل النهوض بالواقع الاجتماعي عدم النفاق | اهتراء معايير الواقع تحطيم كل الطاقات الخلاقة إشاعة النفاق |
9 | يوم الحصاد | القوى القهرية الاطفال العدوانيون الخيول الزرقاء الشباب الضائع | الزوج | الزوجة | عدم الرحيل والتوحد في الوطن تحقيق الابن لطموحاته | رحيل الأبن وعدم تحقيقه لطموحاته |
10 | إظلام | الأبناء الجاحدون سالم - أحمد | الأم | ليلى ليلى | التآلف الأسري والاجتماعي انقاذ الأم | ضياع الأم وموتها |
11 | في عرض الشارع | السيارة المسرعة | الكلب العليل | - | التطلع للأمان | الجوع والضياع والموت |
12 | توحد | قوى التراكيب الاجتماعية | الشقراء البدينة والأسمر النحيف | - | الألفة الإنسانية والتوحد الإنسان | افتراق كل منهما بعبداً عن الآخر |
13 | فئران وحجارة | الريح العاصفة الفئران الغازية وباء سنة 194 | الجالس أمام الخيمة (محمد بن عبدالله) | أطفال الحجارة الوالد الراحل السيدة الجالسة أمام الخيمة الصبية الصغيرة | التطلع إلى واقع جديد تحرير الأرض والبيت طرد الفئران والقوى المعتدية | ضياع المنزل والمزرعة قتل الأب المدافع عن أرضه قتل الأم وجنينها |