منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    التشكيل السردي.........3

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    التشكيل السردي.........3 Empty التشكيل السردي.........3

    مُساهمة   الأربعاء ديسمبر 15, 2010 1:48 pm

    [center]

    الـورقـة الثالثـة


    تعود الناثرة مرة أخرى - من جديد - لأسلوبها السردي المميز ، وتمتاز الورقة الثالثة من أوراق الحكاية بأنها تخضع لاتجاه " رولان بارت " .. إنه يعتمد تماما على الأنظمة الفكرية والثقافية والاجتماعية التي تميز المجتمع الذي تحدث فيه الأحداث ، وقد بيّنتْ لنا الناثرة باستخدام ذلك المزيج من السارد الغائب واقعاً وكتابة والسارد الحاضر روحاً ووجداناً الإحساس الذي تريد أن تصل بالقارئ إليه وتغرسه في زوايا روحه ومساحات قلبه.

    عادت الناثرة من جديد لذات الطريقة السردية التي ميّزتْ ورقتها الأولى ، فأعادت دور الزمن من جديد ، وأمدت سيطرته على الأحداث ، تقول :

    " وأتى كانون .. "


    بداية تحمل معها معاني متعددة ، وواضح جداً أن الناثرة تعتمد في سردها على اتجاه " بارت" بإثارة الثقافة الحياتية للمتلقي ومدلولات المفردات الخاصة بالنص في ذات القارئ ، فتعمد إلى تدل الواو هنا إلى مرور مرحلة زمنية تشير إلى نضج في الشخصية التي أنضجتها التجربة والخبرة ، وتترك للقارئ أن يتخيل كل ما سيأتي به كانون من برد يمض الروح وينخر العظام ، ولكنها تلفظ الجملة سريعة كأنما تؤكد على أن كل ما يهمها هو الحدث ذاته .. كأنها تعلن تصدي بطلتها لكل عوارض الفصول الروحية والموسمية .. كأن جمعها للذكريات قد أعانها فعلاً على الصمود في مواجهة أعاصير الذات وأنواء الروح!

    " سكونٌ موحش يلف الكون .. في ذلك الصباح الباكر المتجمد كانت وحيدة تقف خلف زجاج نافذتها ترقب السماء الرمادية ، تُفسّر الضباب الذي يمحق خلفه ملامح الرصيف ، وكل ما دبت في أوصاله منابع حياة "

    تعود الناثرة بعمل هذا المزيج بين السردية والحكائية التي توظف الشخصيات والجامدات في فكرة موجهة تصل بالقارئ للدخول في الإحساس الذي تريده له الناثرة .. الجمل الفعلية المتعاقبة ( تقف .. ترقب .. زحفت .. شعرت .. جالت .. التقت .. ) كلها تقود القارئ إلى رسم ملامح المكان الذي تقف فيه البطلة ، ولكنه – المكان – ممزوج بالزمان صاحب السيطرة والقوة ، فكانون هو المسيطر الأساسي الذي أبدع هذه التركيبة النفسية .. كانون الزمان الشهر ، وكانون الساكن في أعماق تلك الروح .. إنه السردي الزمكاني الذي يميز السردية الوقائعية .. وحشة شديدة تلف الزمان والمكان ، تدفعك قسراً لأن تتذكر مقولة "جبران خليل جبران " :

    " إن اللوعة إذا عظُمتْ تصبح خرساء" ..


    هنا يقوم السرد بدور الفعل ، وتقوم الجمل الفعلية بدور الحركات والكلام ، وتستمد من الأفعال المضارعة قوتها واستمراريتها ، وكأن الناثرة تريد أن تخبرنا أن تلكم هي النهاية ، ولا أمل أن يسكن شيءٌ في نفس بطلتها لحظتها غير كانون الزمان والمكان بقشعريرة مقدسة ، وسماء رمادية ، ورصيف محقه الضباب ، ورحلة تبحث فيها متأملة عن منابع حياة !!

    تعرض الناثرة لطبيعة الشخصية التي يتعامل معها القارئ فنياً .. إنها شخصية أنثى عربية قلباً وقالباً تخضع طبقاً لمبدأ (بارت) لأنظمة مجتمعية خاصة .. امرأة عربية لا تريد أن تكون سوى ليلى ، وترفض أن تتشكل من جديد !!

    إن المتأمل لصياغة تلك العبارات يلاحظ فيها ذلك التغير الشعوري الدقيق في تتابعه .. فيه ثورة ولكنها ثورة متسلسلة مقابلة لــ " نضال زمن الحب وثورة العشق ومعركة العبور لقلبه " .. ألم يكن العبور لقلبه نضالاُ ومعركة ، فلم لا نتوقع أن تكون هناك ثورة مقابلة لهذا النضال ؟!

    رسم دقيق ، وملامح مبدعة شكلّها السارد الغائب كتابة وواقعاً ، وأثرى جوانبها السارد الحاضر وجداناً دون فقدان القدرة على الوقوف على الشعرة الدقيقة بين الاثنين .

    تصوغ الناثرة لحظة "التنوير" في هدوء ورقة " حيث كانت قد قضت ليلتها مبحرة في لجة السطور تلطمها موجة تلي الموجة تنبهها من دوراها فتستوي أخيراً على صفحاتها مع اختراق أول خيط من خيوط الضوء لروحها " ..

    إنها – البطلة – امرأة الثقافة المجتمعية .. المرأة العربية المستبسلة حتى آخر ذرة في تاريخ كتاب النضال ، وآخر الثوار الذي يسلمون راية العشق .. ( ليلى) تقبل بمفردات عصرها ولكنها لا تموت كليلى المجنون ، وتتخذ من ( قهقهت عالياً ) وسيلة للسخرية من الأحداث والواقع .. تتحدى بالتماعات الضوء على حافة ورقة ذكرى الحرائق المتتابعة ، وذكرى المساء الفاتر !

    " أشعلتْ عود ثقاب وتوقفتْ لثوان حتى توهج نوره فألقت به وسط ذاك الجمع "

    السارد الغائب يطل بقوة ، ويطلعك برؤية كلية على ما يجول في نفسك البطلة بالتمازج مع الواقع الحادث في المكان ، كأنها تعترض على حرائقه بحرائق الذكريات فقط !!

    " وتسلل أريج عطر هادئ وعبق بفضاء الغرفة " حتى حرائقها لا تنسى أفضال الماضي عليها !! اعترفت أنها تحرق - بمعني من المعاني أغصان عود وعنبر - .. لم تكن تحرق سجائراً ، وحرقت مرة واحدة ، ولك تكن حرائقها متتابعة ! حتى نيران الذكريات كانت " ترقص على استحياء " كأنها تعتذر على ما كتب بدم القلب مقابلاً لما كتب بالحبر وغُلّف بدخان السجائر فـ " عندها شعرت بالدفء يتخلل أطرافها .. و بدأت الحرارة تنتشر في أرجـاء المكان " !! إذن لم تعد قادرة فقط على الوقوف في وجه كانون ومفرداته ، بل لم يعد له وجود في أركان الروح بأكلمها ..

    كتب القاص " إدوار الخرّاط " في مجموعته القصصية ( مضارب الأهواء ) يقول :

    " إن الفن والإبداع إعادة تشكيل للوجود من جديد "


    هذا نصٌ نثري يُشكّل أدب المرأة العربية بفلسفة أخرى ، ويُبدع لها هوية مختلفة ، هوية من صنع الذات ، شفرتها للقراءة تحملها هي وحدها ، تكشف عن بعض صفاتها البيانات الموجودة بها ، ولكنها لا تمنحك كافة التفاصيل بمجرد الإطـلاع !

    هذا نصٌ متحفزٌ للقارئ ، يُبرز له نظرات كلها تحدي ، ويسخر من محاولة فهم تقليدية تعتبر النص مجرد حكاية عابرة تستدعي الشفقة أو الحزن ..

    لوحةٌ تشكيلية لا تستطيع أن تمر بها مرور الكرام ، تتعالى على الرسم التعبيري التقليدي ..

    حرفٌ بخيل يدعوك أن تبدل جهداً لتفهم الهوية الجديدة التي تحررها المرأة العربية وتمهرها بتوقعيها بصياغة جديدة تسخر من رجل يحاول بكل جهده أن يتقن في مواجهتها التزوير !

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 07, 2024 10:56 pm