3- المعري:
<blockquote class="postcontent restore ">يستعرض محمود درويش في لحظات سريعة مشارفته على الموت في مشاهد متتالية
ذات إيقاع سريع ومتوتر فيطل على شرفات الموت ليلتقي ويصافح من سبقوه إلى
مصيره الذي هو سائر إليه طوعاً أو كرهاً فيقول :
" رأيت المعري يطرد نقاده
من قصيدته :
لست أعمى
لأبصر ما تبصرون
فإن البصيرة نور يؤدي
إلى عدم....... أو جنون" (26)
اجتمع محمود درويش بالمعري تحت سماء البصيرة ويتحد صوتيهما حين يجسد محمود
درويش فلسفته بأن البصيرة نور يؤدي إلى العدم أو الجنون ، وكما انكشف
الحجاب أمام المعري لقوة بصيرته تخترق بصيرة درويش عالمنا الضيق ويظل على
مشارف الموت ويتعرف على عوالمه ومظاهره ، واختيار الشاعر للمعري خصوصاً
يكشف عن عدة أبعاد عناها الشاعر من هذا التناص فمحمود درويش يتعالى ويأنف
مما يراه حوله من حياة كالحة قبيحة يسلب فيها الإنسان أبسط حقوقه بالأمن
والسلام والوطن، فيصبح الراكنون إلى الحياة دون هذه الحقوق عمياناً في
نظره وكذا كان المعري الذي ملأ الدنيا بفلسفته ، ولئن كان المعري يطرد
نقاداً من قصيدته فبإمكاننا أن نستشف ونقيس على حال المعري أن درويش أيضاً
- باعتبار قضيته الوطنية- يمارس أيضاً هذا الطرد ولكنه هنا يطرد أعداءً
من أرضه، فكلاهما يشتركان معاً في الرفض وفي نفاذ البصيرة ، وهكذا اتكأ
محمود درويش على فلسفة المعري ليعمق دلالاتها في نصه بما يخدم فكرته التي
يدعو لها.</blockquote>