المکتبيه الادبيه
> النص الغائب: تجليات التناص في الشعر العربي >
إقامة علاقة بين النصّ الخاضع للتحليل،
وبقية العناصر التي تشكل سياقه. وهذه
العناصر هي معرفة لسان العصر الذي يمكن
إخضاعه لرموز معجمية، وقواعد لغوية. وهذا
ما كان يسميه شلايير ماخر S.MACHER مؤسس علم
التفسير في العصر الحديث بـ (التأويل
النحوي) ومن جهة ثانية ينبغي إدخال الصفحة
المحللة في مجموعة الكتابات التي تنتمي
إليها، وهذا ما يسمى بـ (التأويل التقني).
وقد استعاض تودوروف، بعد ذلك، عن (التأويل
النحوي) بـ(تحليل فقه لغوي)، وعن (التأويل
التقني) بـ (التحليل البنيوي) الذي يقوم
على إبراز (علاقات) التداخل النصّي.
واستكمل هذين السياقين بسياقين آخرين هما:
(السياق الأيديولوجي) الذي يتشكل -عنده- من
مجموعة خطابات تنتمي إلى عصر بعينه، سواء
في ذلك أكان الخطاب فلسفياً أم سياسياً أم
علمياً أم دينياً أم جمالياً. وهذا
السياق، على الرغم من تزامنه، فإنه يتميز
بعدم التجانس، والبعد عن الأدبية. وأما
السياق الثاني فهو السياق الأدبي الذي
يتوازى مع ذاكرة الأدباء و القراء، حيث
يتبلور في (الأعراف النوعية) و (الأنماط
السردية) بما فيها من خواص أسلوبية وصور
بلاغية(15).
*
وأما ميشيل آريفي فقد وضع كتاب (لغات
جاري)(16) في عام 1972، وفيه يشير إلى مقدرة
علم اللسان على التصدي للنصّ الأدبي.
وبهذا فهو يتجاوز موقف كريستيفا التناصّي
الذي يكشف عن موقف أيديولوجي. وعلى الرغم
من أن آريفي يتبنّى مقولات الشكلانيين
الروس والبنيويين، ويرى أنه ليس للنصّ
الأدبي مرجع، فإنه يرى أن هذه الحقيقة
ينتابها بعض التعديل، لأن النصّ يملك
دليلاً مرجعياً، وليس محروماً كلياً من
علاقات مع الواقع الخارجي.
ولكن هذه العلاقات هي غير ما يكون بين
الرموز والمرجع(17).
وإذا كان النصّ الأدبي هو لغة إيحائية،
فإن دراسة (التناصّ) هي ما ينبغي أن يحل محل
دراسة النصّ، لأنها لا تهدف إلا إلى معرفة
النصّ، ولأنها هي المادة البنيوية في
النصّ، ولأنّ النصّ هو ملتقى نصوص عديدة،
ومكان تبادل يخضع للغة الإيحاء.
وفي نقده (التناصّي) يرى آريفي أنه يمكن
لنصّ ما أن يحمل في مضمونه نصّاً آخر،
ويثبت أن أعمال (جاري) الثلاثة: (القيصر
والدجال) 1895، و(آبو ملكا) 1896، و( آبو
مقيّداً).و(UPU كلمة غير موجودة في اللغة
الفرنسية، لكن جاري استخدمها كصفة لشخصية
فظة جبانة بصورة كوميدية)، تشكل تناصّاً
واحداً، فنجد (آبو ملكا) في فصل من (القيصر
والدجال)، وإن بصورة مصغرة، ونجد (آبو
مقيّدا) في (آبو ملكا) مع بعض التغيير
الحذفي الذي يقع على بعض الكلمات حين
تنتقل من النصّ الأول إلى الثاني.
ومهما يكن من تردد آريفي أو حيرته في
الاستعانة بنماذج من مجالات أخرى،
كالسردية والتحليل النفسي البعيدين عن
عمله كألسني، فإنه في دراسته هذه يستحق
التقدير، لوضعه (التناصّ) في مركز
اهتمامات السيميائية الأدبي، ولعرضه ـ
إضافة إلى ذلك ـ تحديد التناصّ، كموضوع
يحتاج إلى اهتمام وتأسيس، بدل الاكتفاء
بتصنيفه كما فعل باختين في (الوحدة
المميزة لخطابات عصر ما).. (18).
*
وأما ميشيل ريفاتير M.RIFFATERE في كتابه
(دراسات في الأسلوبية البنيوية) 1971، فيضع
السيميائية الأدبية خارج مجال اللسانيات،
معتمداً في هذا على سوسير.
وإذا كان الكاتب يعتمد تراكيب خاصة،
وألفاظاً جديدة، وصيغاً بلاغية (استعارات
وكنايات وصوراً)، فإن القراءة
الاستكشافية تقوم بحلّ (الانحرافات)
و(الأخطاء) القواعدية تبعاً لمعيار NORME
قواعدي. وبينما يحيل المستوى المباشر
للخطاب إلى العالم الواقعي، فإن
السيميائية تحيل إلى (التناصّ): فالنصّ
المقروء يخفي نصّاً آخر. هكذا تتأكد
القاعدة التي تقول: "عندما يقول لنا الأدب
شيئاً فإنه يقول لنا شيئاً آخر".
هكذا تدل العملية السيميائية على
الانتقال من (المعنى) إلى (الدلالة)، ذلك أن
(النصّ) من وجهة نظر المعنى، هو تتابع خطّي
لوحدات من المعلومات، أما من وجهة النظر
السيميائية فهو مجموعة من المعاني
المتحدة.
وإذا كان الأسلوب، عند ريفاتير، هو إظهار
يفرض عناصر المتوالية الكلامية على
اهتمام القارئ، فإن الوصف اللغوي لنصّ ما،
ليس قادراً على الكشف عن الأسلوب، مما
يستلزم إيجاد معايير خاصة، من بين وقائع
اللغة المكونّة للنصّ، لإبراز المميز
منها أسلوبياً، أي التي تدهش عند القراءة.
وليس الأسلوبية، عند ريفاتير، سوى نتيجة
هذه التأثيرات المفاجئة التي يحدثها اللا
متوقع في عنصر من السلسلة الكلامية. وهذا
تعريف بنيوي للأسلوب، باعتباره لا يربط