[size=18]
تحليل نص جبران خليل جبران
تحليل نص جبران خليل جبران
دعم وتقويم: مراجعة للدروس(2بك أدب، وعلوم إنسانية):
إنجاز: ذ. رشيد أعرضي (السنة الدراسية: 2009/2010):
تصحيح الفرض المحروس رقم: 1 (درس النصوص)، الدورة الأولى: المستوى: 2 بك علوم إنسانية:
1 ـ ســكوتي إنشــاد وجوعــي ثـخـمـــة وفي عطشي ماء، وفي صحوتي سكــر
2 ـ وفي لوعتي عرس، وفي غربتي لقا وفي باطني كشف، وفي مظهري ستــر
3 ـ وكــم أشـتكي هــما وقــلبي مـفـاخـر بهــمي، وكـم أبـكـي وثـغـري يـفـتـــــر
4 ـ وكـم أرتـجـي خـلا وخلـي بجـانــبي وكـم أبتـغـي أمـرا وفـي حوزتي الأمــر
5 ـ وقـد ينـثـر اللـيل البـهـيم مـنـازعــي علـى بسط أحلامـي فيجمعـهـا الفـجــــر
6 ـ نـظـرت إلـى جسمـي بمرآة خاطري فـألـفـيتـه روحـا يـقـلصــه الـــفـــكـــــر
7 ـ فبـي من بـراني والـذي مـد فسحــتي وبي البعث والمثوى وبي البعث والنشر
8 ـ فلـو لـم أكـن حـيا لـما كـنت مائـتــــا ولــولا مـرام الـنـفس ما رامـني الـقـبــر
9 ـ ولمـا سـألـت الـنفـس ما الدهـر فاعل بـحـشـد أمانـيـنا أجـابـت أنا الــدهــــــر
المجموعة الكاملة، لبنان، 1949، ص: 594
أكتب موضوعا إنشائيا متكاملا،محكم التصميم،أحلل فيه هذا النص،مستثمرا مكتسباتي المعرفية واللغوية والمنهجية،مسترشدا
بما يلي:
1 ـ أضع النص ضمن السياق الأدبي لتطور فن الشعر:
تنتمي القصيدة بين أيدينا إلى خطاب العودة إلى الذات (الشعر الوجداني)، وقد ساهمت عدة عوامل في ظهور هذا التيار التجديدي منها: العوامل السياسية وتتجلى في استعمار الوطن العربي، والعوامل الاقتصادية وتتجلى في ظهور الطبقة البورجوازية، والعوامل الثقافية وتتجلى في احتكاك المثقف العربي بالثقافة الغربية. وقد عمل رواد هذا التيار الجديد على التغني بذواتهم والهروب من الواقع المحيط بهم إلى عالم الأحلام والغيب والغاب، هذا على مستوى المضمون، أما على مستوى الشكل فقد حافظ رواد هذا المذهب على القصيدة العمودية محدثين فيها تغييرا طفيفا تجلى في تعدد الأوزان والروي والقافية، بالإضافة إلى إحداث نظام المقاطع الشعرية، كما تميزت اللغة عندهم بالسهولة وارتبطت إلى جانب الصورة الشعرية والأوزان بتجربة الشاعر (أسماء هيتوت بتصرف) وهذه القصيدة لجبران خليلجبران وهو أحد رواد التيار الذاتي وقد حضرت بدون عنوان ويمكن افتراضه: "سكوتي إنشاد" لأن القصيدة مؤسسة على هذه الجملة الاسمية المكونة من مبتدأ وخبر، وتحمل دلالة عميقة مؤداها أن صمت الشاعر في الظاهر هو ضجيج من الكلام داخل ذاته. أين تتجلى مظاهر التغيير والتجديد في هذه القصيدة ؟ وما هي مظاهر التيار الرومانسي فيها ؟ هذا ما سنتعرف عليه أثناء التحليل.
2 ـ أكثف المعاني الواردة في النص:
يتحدث الشاعر جبران خليل جبران عن معاناته الداخلية، وتناقض أحاسيسه الباطنية؛ فصمته يصرخ بأحاسيسه ومشاعره (سهام الخاوة). فهو ينقل إلينا حسرته وألمه جراء المعاناة التي يعيشها، والتي تتأرجح بين الهم والغربة (عائشة مسكوري).
3 ـ أحدد الحقول الدلالية المهيمنة في النص، وأربطها بنفسيةالشاعر، وبالاتجاه الأدبي الذي يمثله النص(3 نقط)
يدخل في نسج النص وتكوينه مجموعة من الألفاظ تعمل متحدة ومتضامة على تشكيل النص، ويمكن تصنيفها حسب الحقول الدلالية التي تنتمي إليها، وقد وظف جبران خليل جبرانمجموعة من الحقول الدلالية منها:
ـ حقل الإنسان: وتحيل إليه هذه الألفاظ: السكوت، الجوع، أحلامي، خلا، خلي، جسمي، الثخمة، لوعتي، العطش، القلب، البكاء، الثغر.
ـ حقل المعاناة: وتحيل إليه هذه الألفاظ: الشكوى، غربتي، البكاء، أحلامي، أشتكي، أرتجي، أبتغي، سكر، لوعة.
ـ حقل الزمن: وتحيل إليه هذه الألفاظ: الليل، الفجر، الدهر، البعث والنشر.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الحقول المعجمية الثلاثة تدخل في علاقات بنيوية تتشكل منها معاني القصيدة هذا من جهة، ومن جهة أخرى فهي تتصل بذات الشاعر فتظهر صراعه مع نفسيته الحزينة الكئيبة وذلك بسبب ما فرضه الدهر والواقع المعيش عليها، وقد شكل فعل الاتصال الوجداني هذا ميزة تجديدية في القصيدة الرومانسية، فبدل أن يصف الشاعر إنسانا آخر(المدح، الغزل) قام بوصف نفسه وذاته، ثم إن تجديد الشاعر تجلى في اعتماده لغة بسيطة تجسدت في توظيفه لحقول معجمية تقترب لغتها من لغة الخطاب اليومي(يهديها عبد النبي بتصرف).
4 ـ أبرز خصائص النص الفنية مع التركيز على: الصورة الشعرية، والبنية الإيقاعية:
نقصد بخصائص النص الفنية للقصيدة تلك العناصر الأسلوبية التي تميز الشعر عن غيره من وسائل التعبير الأخرى كالقضية النقدية، والقصة والمسرحية … وتتحدد هذه الخصائص في: الصورة الشعرية، والإيقاع بنوعيه الخارجي والداخلي، والأساليب بمختلف تلويناتها وأشكال حضورها في النص(الجمل الاسمية والفعلية، الجمل الإنشائية والخبرية، الضمائر…). يظهر من خلال قراءة القصيدة أن هذه الخصائص الفنية قد حضرت فيها، راسمة الأبعاد النفسية والشعورية للشاعر، والجمالية للقصيدة الشعرية وسنظهر ذلك من خلال تركيزنا على الصورة الشعرية، والإيقاع.
أولا ـ الصورة الشعرية:
تحضر في النص مجموعة من الصور الشعرية المؤسسة على التشبيه والاستعارة، وتعمل الصور الشعرية في النص انطلاقا من عدة وظائف: النفسية، والتأثيرية، والتخييلية، وهو ما سنراه في تحليلنا لهذه النماذج:
يقول الشاعر في البيت السادس:
نـظـرت إلـى جسمـي بمرآة خاطري فـألـفـيتـه روحـا يـقـلصــه الـــفـــكـــــر
يقصد بالخاطر هنا "الوجدان" أي: نظر إلى جسمه بمرآة وجدانه، وأسند إلى خاطره مرآة على سبيل الاستعارة، فأصبح بذلك "الوجدان" مرآة يعكس هموم الشاعر وانفعالاته وآلامه وآماله؛ وتلك هي نظرة التيار الوجداني الرومانسي إلى "الوجدان"، وعندما نظر إلى جسمه بمرآة وجدانه وجده "روحا" يعذبه التفكير، فقد صور الشاعر انطلاقا من هذه الصورة نفسيته.
ويقول كذلك في البيت التاسع:
ولمـا سـألـت الـنفـس ما الدهـر فاعل بـحـشـد أمانـيـنا أجـابـت أنا الــدهــــــر
يخبرنا فيه أنه سأل النفس مستفسرا عن ما سيفعله الدهر، والنفس شيء معنوي لا يرى، ولا يمكن محاورته أو سؤاله، إذن فنحن أمام استعارة، فقد استعار النفس لإنسان وحذف الإنسان وأثبت شيئا من لوازمه على سبيل الاستعارة التخييلية، فقد جسد النفس وجعل لها أذنا تتنصت بها ولسانا تجيب به، وذلك من أجل أن ينقل للمتلقي أن "النفس" هي الدهر، وأن الإنسان هو الذي يصلح من دهره بقدر تحكمه في نفسيته، وفي توظيفه لـ "النفس" مسايرة للاتجاه الذاتي الوجداني (الرومانسي) الذي ينتمي إليه الشاعر.
ونجده يقول في البيت الخامس:
وقـد ينـثـر اللـيل البـهـيم مـنـازعــي علـى بسط أحلامـي فيجمعـهـا الفـجــــر
يخبرنا في هذا البيت من القصيدة أن الشاعر حين نومه في الليل تظهر له مناح متعددة من الحياة في أحلامه، لكن عندما يقبل الفجر تغيب هذه المناحي كأنه لم يرها ولم يعشها في حلمه، مشيرا بذلك إلى المفارقة والاختلاف بين عالم الحلم وعالم الواقع. إذن كيف ينثر (يشتت) الليل المظلم مخاوف الشاعر؟ وكيف يجمعها الفجر ؟ هنا وظف الشاعر خياله ليرسم مخاوفه عن طريق الاستعارة التخييلية، إذن نستطيع أن نقول: إن الليل رحيم بالشاعر، يظهر له عوالم جميلة أثناء نومه، ويجعله يعيشها بطريقته الخاصة، لكن سرعان ما تتبدد تلك الأحلام ويرحل ذلك الحلم مع مجيء الفجر وإطلالة الصباح.
ثانيا ـ البنية الإيقاعية للنص:
تتأسس البنية الإيقاعية للقصيدة في مستويين اثنيين: الإيقاع الخارجي ونحدد فيه بحر القصيدة العروضي، وقافيتها، ورويها. أما الإيقاع الداخلي فنقف فيه على التكرار والتوازي.
أـ الإيقاع الخارجي:
تنتمي القصيدة إلى بحر الطويل وتفعيلاته كالتالي: فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن * 2. وهو من البحور الممزوجة لأنه يتكون من تفعيلتين مختلفتين: (فعولن ومفاعيلن) وهو أكثر شيوعا في الشعر العربي القديم حسب الإحصائيات التي قدمها إبراهيم أنيس في كتابه: "موسيقى الشعر". وروي هذه القصيدة "الراء" المطلقة (المنتهية بحركة الضمة) والموصولة بـ "واو" مثلا (سكرو، الأمرو، الفجرو ….). ونلاحظ أن هذه القصيدة يغلب عليها طابع التقليد للقصيدة النموذجية القديمة، فالشاعر التزم فيها الشطرين المتناظرين، ووحدة الوزن(الطويل)، ووحدة القافية التي تنتهي بروي "الراء" المضمومة. و"الراء" صوت مجهور، يحمل دلالة الجهر بالمعاناة التي يعيشها الشاعر في عالمه المحيط به.
ب ـ الإيقاع الداخلي:
ـ التكرار:
ندرس في التكرار: تكرار الحروف، والكلمات، والجمل والعبارات:
ـ تكرار الحروف (الصوامت):
تكرر في القصيدة حروف متعددة نقف على بعضها ـ كما جاء في أوراق فروضكم ـ في هذا الجدول:
الحروف | الراء | الباء | النون | السين |
تكرارها | 21 | 19 | 14 | 8 |
نلاحظ من خلال الجدول هيمنة حرف "الراء" وهو حرف مجهور، مما يدل على أن الشاعريجهر بمعاناته وشكواه، ونلاحظ أن "الراء" هو "روي" القصيدة، وهو المهيمن فيها كذلك، مما يفسر التناسب الصوتي الإيقاعي الجمالي في القصيدة الذي يحدثه حرف الراء "أفقيا" عند تكراره في أبيات القصيدة، و"عموديا" عند تكراره في "الروي"، مما يقوي وظيفته التنأكيدية التي تحددها دلالة الجهر بالشكوى بالمعاناة التي يعيشها الشاعر في واقعه المحيط به.