منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    التناص في (وهج الليلة السابعة)

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    التناص في (وهج الليلة السابعة) Empty التناص في (وهج الليلة السابعة)

    مُساهمة   الإثنين يناير 18, 2010 1:18 pm

    التناص في (وهج الليلة السابعة)
    للشاعر محمد فريد الرياحي

    محمد يحيى قاسمي


    وهج الليلة السابعة هو العمل الشعري الثالث للشاعر محمد فريد الرياحي بعد إصدارين سابقين هما: (العشق الأزرق ) الصادر عام 1976 . وهي مجموعة مشتركة .و( رحلة الوهم إلى أنقرة ) الصادر عن دار البوكيلي بالقنيطرة عام 1999 .

    والعمل قيد الدراسة يتكون من تسع وأربعين صفحة من الحجم المتوسط . وهو عبارة عن قصيدة واحدة كتبت بخط واحد عدا بعض العناصر المكونة لبناء القصيدة التي كتبت بخط سميك مميز .

    و يستوقفنا في ذكر أعمال الشاعر أمران : أولهما أنه قليل الإصدار ، فمنذ ( العشق الأزرق ) ، أي منذ ثلاثين سنة لم يصدر الرياحي سوى ثلاثة أعمال شعرية . وهو عدد قليل بالنسبة لمجايليه الذين ربما أخذوا شهرة أكثر من خلال وفرة الإنتاج فقط .

    أما الأمر الثاني فهو أن الأعمال الصادرة لحد الآن هي نفسها لا تمثل وفرة كبيرة لأنها إما مجموعة مشتركة كما هو الحال بالنسبة للعشق الأزرق وإما عبارة عن قصائد مفردة كما هو الحال بالنسبة لرحلة الوهم ووهج الليلة السابعة .

    ( وهج الليلة السابعة ) قصيدة إذن وليست مجموعة أو ديوانا . ولا ينكر الشاعر هذا الاصطلاح لأنه يسمي عمله في قسم من أقسامه كينونة القصيدة .

    ويعد التناص بنية أساسية في قصيدة الرياحي ، فهو يمتح من كنوز التراث العربي بمختلف علومه لكن تناصه منصب على القرآن بالدرجة الأولى . فهو يمتح من تعاليمه السمحة . وهذه نماذج منه :


    – 1 - القرآن :
    كان ذاك اليوم من أيامه يوما عبوسا قمطريرا
    ريح الهوجاء ألقت
    في غيابات الحنايا زمهريرا (1).
    ****
    كان ذاك اليوم من أيامه عمْرا وبيلا
    كان شرا مستطيرا (2).

    تتقاطع الأسطر الشعرية مع قوله تعالى : ( إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا ) وقبله جاء قوله تعالى ( يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ) (3) .

    وفي قوله :
    رب إني
    مسني الضر

    إشارة إلى مناجاة أيوب ربه قائلا : ( وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين)(4).

    ويشير قوله :
    وعَوَى في جلوة الذاكرة الغيداء صوت
    وحشي الخطو يرج الذات رجا
    كان في الليل ثقيلا (5)

    إلى الآيتين الكريمتين : ( إذا رجت الأرض رجا وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا )(6) و ( يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا )(7) .

    ويقول في موضع آخر :
    إني أسكنت بهذا الليل ضحى
    هم القلب المحزون
    وعلمت من السر الموزون
    ما كان من الفلق الدري وما سيكون (Cool .

    وهي إشارة واضحة إلى الآية الكريمة التي جاءت على لسان إبراهيم الخليل : (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع )(9) .

    ويقول الشاعر :
    لا عاصم هذا اليوم
    من الأحزان
    لا عاصم هذا اليوم
    من الطوفان (10)

    وهي إشارة إلى قصة نوح مع ابنه المتمرد حين دعاه أبوه ليركب معهم في سفينة النجاة ، فأجاب (سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ) فرد نوح عليه السلام ( لا عاصم لكم اليوم من أمر الله ) .

    ويقول الشاعر :
    كنت أغشاه إذا الليل على دائرة الأبيض عسعس
    وحنينا
    من ضَلالات المدى كان يدلي
    طلعة البحر إذا تنفس (11).

    نص يتقاطع مع الآية الكريمة : ( والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس إنه لقول رسول كريم )(12).

    ولا ينبغي أن نفهم أن التقاطع ماثل على مستوى اللفظ كما يظهر ، ولكن سياق الآية الكريمة جاء لتأكيد أن صاحبكم ليس بمجنون ، وأن ما جاء به الرسول ليس بقول شيطان رجيم ، إن هو إلا ذكر للعالمين . وهو المعنى نفسه الذي أراده الشاعر.

    وواضح من سياق النص أن الشاعر لا ينحاز للطغاة أو المتمردين ، ولكنه يتقمص شخصية الأنبياء والرسل ، فهو يستحضر نوحا وموسى وأيوب ومحمد عليه الصلاة والسلام . يستحضر عذابها ومعاناتها . بل يتمثلها لأنها شخصيات تمثل بالنسبة له صوت الحق واليقين .

    ولا غرابة من هذا التقمص لأن مهمة الأنبياء والشعراء تكاد تكون واحدة ، أليست مهمتهم جميعا هي الدعوة إلى الخير والفضيلة والتطهير؟

    – 2 - الحديث : النصوص التي تتقاطع مع الحديث المصدر الثاني من مصادر الثقافة الإسلامية قليلة مقارنة بالقرآن الكريم ، ويمكن التمثيل هنا بنموذج واحد يقول فيه الشاعر :
    أحمل الأشعار في يمناي والإعصار في يسراي(13)

    والمتمعن في هذا المقطع يلحظ بسرعة تقاطعه مع حادث المساومة التي تعرض له الرسول عليه الصلاة والسلام فقال قولته المشهورة : ( والله لو وضعتم الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه ) .

    وقد يكون الشاعر حور الحديث لأن سياق حديثه لا يتضمن تعرضه للمساومة . فاقتبس حديثا آخر يتضمن معنى التحدي الذي يشير إليه نصه . التحدي الذي فاه به الراحل أبو عمار حين قال أمام مجلس الأمم المتحدة :
    - ( جئتكم أحمل غصن زيتون في يميني والبندقية في يساري ) .

    – 3 - الشعر : تتقاطع بعض نصوص الرياحي مع الشعر العربي قديمه وحديثه ، وليس بمقدور أي قارئ مهما كان حجم مقروئه أن يحدد مواضع هذا التقاطع ، لأن تعدد القراءات هو الذي يمكن من استكناه مخزونات النص الشعري. لذلك يبقى ما توصلت إليه من تقاطع النصوص معتمدا على محفوظ خاص، وسأكتفي هنا بنموذج واحد ، يقول فيه الشاعر الرياحي :
    الطفل الأروع يجري
    خلف الظل الهارب في ليل الأضواء
    الطفل يسافر في إشراقته الممدودة في ليل
    الأصداء
    الطفل الأروع يسري في أشتات اللون الشاحب في ليل الأنواء
    *****
    الطفل الأروع يجري
    خلف الحلم الواهب في عنف الأسحار
    الطفل الأروع لا يدري
    أن هذا الحلم الأخضر وهم في ليل الإبحار(14).

    أتذكر أنني قرأت نصا يسير على هذا المنوال يقول فيه الشاعر حارث طه الراوي :

    " أماه أين أبي ؟ ماذا سيلبس في التراب البارد ؟ "
    الطفل يهذي ليس يدري أن لبس الكفن
    " يا طفل إن أباك قد فقد الشعور
    كالناس في هذا الزمان الجاحد
    فعلام تسألني
    فالحزن يخنقني
    قد كان في قبر الحياة معذبا في عمره
    والآن أمسى لا يحس مصيبة في قبره "
    " أماه أين أبي "
    الطفل يهذي ليس يدري ما تقول .

    وسواء أأستلهم الشاعر هذا النص عن طريق قراءته الخاصة أم عن طريق وقع الحافر على الحافر كما يقولون فإن الذي ينبغي التنصيص عليه هو اشتراك الشاعرين في رؤية واحدة هي الإقرار ببراءة الأطفال رغم هول الأحداث التي يعيشونها . ومناسبة الحديث عن هذه البراءة هو انعدامها في سلوكات الأفراد والعباد ، وتوق الشعراء إليها .

    ولعل توق الرياحي إلى براءته الأولى هو الذي جعله يذيل قصيدته في غلافها الثاني بصورة شخصية له تمثل فترة الطفولة .

    -4 - التاريخ : قراءة الرياحي واضحة للتاريخ العربي ، وقد جعل الحوار قانونا أساسيا لهذه القراءة، وأسوق هنا نموذجا واحدا هو قوله :
    أحرَق في ليل الذكرى سفني
    لا رجعة في هذا اليوم المجنون إلى المرسى(15)

    يقوم التناص في هذا المقطع على استحضار شخصية تاريخية مهمة هي شخصية طارق بن زياد الذي أحرق سفنه وخاطب جنده بخطبته المشهورة ( العدو أمامكم ، والبحر من ورائكم ، فأين المفر ) .

    وتوظيف هذه الشخصية في النص لم يكن توظيفا سطحيا أو مجانيا بل للمقايسة ، أي قياس اللارجوع بالنسبة لطارق وقطعِ حبل التفكير على الجند في الهروب أو النكوص .

    إن الشاعر الرياحي لا يقتبس من طارق نصوصه أو كلماته ، ولكن يقتبس منه إصراره على المغامرة والتطلع إلى حسن الخاتمة .

    إن رحلتنا مع وهج الليلة السابعة من جهة بنيتها التناصية تجعلنا نسجل :
    * حضور وعي الشاعر الذكي والمتطور في التعامل مع النصوص التراثية إذ نلحظ انصهار هذه النصوص وذوبانَها في شعره ، وهي عملية يطلق عليها النقاد المحاورة . فهو يحاور هذه النصوص ، ولا يوظفها أو يقتبسها خارج النص.
    * قصيدة معاصرة تيمة وحدثا ولكنها تراثية بالدرجة الأولى لأنها تعتمد في عتباتها ونصوصها الموازية وبنائها ومرجعياتها الثقافية على التراث العربي الإسلامي .
    * ابتعاده عن محاورة النصوص غير العربية الإسلامية ، على الأقل في هذه القصيدة ، خلافا لبعض أعماله السابقة التي وظف فيها شخصيات خارج التراث العربي مثل شخصية سيزيف أو بروميثيوس مثلا . وهو تطور يشهد على استيعاب واع لعملية التناص .

    هوامش:

    1 - وهج الليلة السابعة – مطبعة الجسور وجدة – 2005 – ص 10 .

    2 - نفسه – ص : 35 .

    3 - سورة الإنسان – الآية : 7 .

    4 - سورة الأنبياء – ص : 83 .

    5 - وهج الليلة السابعة – ص : 11 .

    6 - سورة الواقعة – الآية :56 .

    7 - سورة المزمل – ص : 1 .

    8 - وهج الليلة السابعة – ص : 19 .

    9 - سورة إبراهيم – الآية : 37 .

    10 - وهج الليلة السابعة – ص : 22 .

    11 - نفسه – ص : 32 .

    12 - سورة التكوير – الآية : 17 .

    13 - وهج الليلة السابعة – ص : 47 .

    14 - نفسه – ص : 9 .

    15 - وهج الليلة السابعة – ص : 20 .

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 4:38 am