مفاهيم النقد الادبي وأبرز مدارسه!!
تعرضت مفاهيم النقد الادبي الى تغيرات خلال القرن العشرين فيما يخص وظائف النقد واساليبه واهدافه . فبعد ان كان النقد في المفهوم الكلاسيكي ينظر الى الاثر الادبي بحد ذاته , أي باعتباره موضوعا مكتفيا بذاته , ومتخذا مكانه الخاص , برز المفهوم الحديث للنقد وفيه لم يعد الاثر الادبي موضوعا طبيعيا يتميز عن الموضوعات الاخرى بالسممات الجمالية فحسب , بل صار يعتبر نشاطا فكريا عبَّر بواسطته شخص معين عن نفسه .اي باختصار فان هدف النقد تحوّل عن الموضوع نفسه , الى كل ما يحيط الموضوع , مع التركيز على تفاصيل مثل ظروف العمل الادبي , السيرة الذاتية للمؤلف والحس الشعري poetics المتضمن في ذلك العمل الادبي .
فقد ظهرت مدارس عديدة لدراسة النتاج الادبي او الفني تعتمد على الاسس الفلسفية الحديثة , غير تلك الاسس الفللسفية القديمة ( ديكارت وكانت وهيغل وهايدغر ) بل مدارس حديثة هي اساس مناهج النقد الحديث وهي :
1- مدرسة النقد الشكلي والبنيوي
2- مدرسة النقد البراغماتي ( الوظيفي )
3- مدرسة النقد الظاهراتي والوجودي
4- مدرسة التحليل والنقد النفسي
5- مدرسة النقد الاجتماعي والماركسي
6- مدرسة النقد الثيمي
1 مدرسة النقد الشكلي والبنيوي
1- الاساس النظري :
- الاتجاهات الفلسفية الشكليه Formalist :
تعتمد هذه الاتجاهات الفلسفية الاساس الموضوعي المتمثل في التقبل الجمالي للعمل الفني , أي بعبارة اخرى تعتمد الصفات الشكلية الكامنة في العمل وليس صفات تفرضها "ذات " المتلقي . فهي تهتم بالغايات والوسائل الشكلية للعمل ضمن مفهوم " الفن للفن " , الا انها لا تتهم بعدم مصداقيتها لا عتمادها على الجماليات الشكلية التي تتسم بطابع التجريد ويتسبب بعزل العمل عن محيطه
لذا كان اللجوء الى فكر البنيوية باعتبارها وسيلة لتنظيم علاقة الشكل الداخلية من جهة , وعلاقات الشكل بمحيطه وبالمتلقي من جهة اخرى .
- وفكر ومنهجية البنيوية Structuralism
تتميز البنيوية باستعمالها للغة استعارياً اذ تؤكد " ضرورة وجود لغة ذهنية واحدة في طبيعة الانظمة البشرية التي تُدرك جوهر الامور على نحو متماثل وتعبّر عنها باشكال متعددة . وتكشف هذه اللغة الذهنية نفسها بصفتها القدرة البشرية الشاملة بتركيب الُنى واخضاع طبيعتها لمتطلبات البناء " .
كما انها ترى ان استجابات الانسان للبيئة المحيطة به تتم وفق طرق معينة للتعامل معها لي ان ما يعترف به الانسان حقيقة وما يفعله , امران متطابقان . فعندما يدرك الانسان العالم فانه يدرك بدون علمه الشكل الذي يفرضه ذهنه , ولن تكون للكيانات معان الا بقدر ما تجد لها مكانا ضمن هذا الشكل .
ان عنصر الادراك له اهمية مضاعفة في النظرة البنيوية والتي تقوم بتفسير المواضيع تبعا الى تفاعلها مع ذات المدرك او المتلقي .
ويكون الادراك على اساس انه كل لا يتجزأ ويتميز بمواصفات يتجرد منها عند تفكيكه الى عناصر اولية ( أي ما يتناقض مع التفكيكية deconstructuralism )
يعتبر عالم النفس الفرنسي جان بياجيه Jean Piaget من اول من وضع التعريف للبنيوية . فانه يرى ان من الممكن ملاحظة البنية في نسق الكيانات وهي تشمل الافكار التالية :
- فكرة الكلية Wholeness الصورة الشموليه
- فكرة التحول Transformation قوانين التماسك الشكلي الداخلي
- فكرة الانتظام الذاتي Self- regulation وهي قوانين داخلية تساعد على تكيُّف البنية مع التحولات الخارجية ولذا تحافظ على استمراريتها .
- ولعل اهم هذه الافكار هي فكرة الكلية او الصورة الشموليه حيث تربط الاجزاء ببعضها وفق علاقة معينة مشتقة من " الكل " وتعبر عن صورتها الشموليه
كانت اللغة من اول الحقول التي طبقت نظرية البنيوية في مناهجها اذ وضع سوسيير نظريته في بنيوية اللغة التي صورت اللغة على انها نظام من الاشارات تربطها علاقات تحكمها قوانين تركيبية Syntagmatic وتنظيمية Systematic
كما ان السيميولوجية ( الاشاراتية ) Semiotics وهو العلم الذي اختص بنظام الاشارات ضمن مجتمع ما , قد تاثر بالبنيوية كنظرية , ويمكن الاستفادة من التحليل السيميائي لتوضيح معاني العمل الادبي والفني
2- اثر المدرسة الشكلية والبنيوية في النقد الادبي :
ظهرت مدارس ادبية نقدية اعتمدت علوم اللغة منهجا نقديا , منها مدرسة الشكليين الروس , والتي ارتبطت بمسار مدرسة المستقبليين الروس Futurists الفنية . كما ظهرت مدرسة شكلية بنيوية في فرنسا وتاسست على يد المفكر والناقد رولان بارت Roland Barthes الذي راي في النقد الادبي محاولة لتفسير العلامات للوصول الى المدلولات .
- موضوعية النقد : يؤكد بارت على موضوعية النقد , فانه يرفض فكرة كون الاثر الادبي نتاجا لشيء آخر تكون علاقته به سببية , ويرى في ذلك نظرة قاصرة للفن والادب . ان له فكرة يقيم عليها منهجه النقدي وهي ان " ارتباط العمل بالعالم الخارجي يكون عن طريق العلامة التي تدل على اشياء ومواضيع خارج العمل نفسه "
- الاشارات السمعية والبصرية : يقوم بارت بتقسيم الاشارات حسب طبيعتها الى ( اشارات سمعية – زمانية ) تميل الى ان تكون رمزية بطبيعتها , بينما تميل الاشارات البصرية ( المكانية ) الى ان تكون ايقونية Iconological تمثيلية .
- اتباعية النقد للعمل الادبي : يدعو بارت النقد باللغة الاتباعية Metalanguage ويرى انه من واجبها كي تكون فاعلة ان تتغير مع النص المدروس ( الاثر المنتقد )
كما يعتبر بارت ان نظام الاشارات العائد الى عمل ما انما يُحددمن قبل الكاتب نفسه , فيتجاوب حتما مع اسلوبه الشخصي , ودور الناقد يكمن في اعداه لغة يستطيع بواسطة تماسكها ومنطقها لن يتلقى اكبر ما يمكن من لغة المؤلف . يُستدل مما سيق ان الامر لا يتعلق بحقيقة نقدية بقدر ما هو بحث في تماسك اللغة ( بنيويتها ) ومشروعيتها في التخاطب مع الاخر ...
2- مدرسة النقد البراغماتي ( الوظيفي )
1- الاساس النظري:
الفلسفة البرغماتية Pragmatism ( الكلمة مشتقة من اليونانية وتعني العمل أو التطبيق) وهي تيار مثالي واسع الانتشار في الغرب , صاغ مبادئه الاساسية الفيلسوف وعالم اللغة تشارلز بيرس Charles Pierce , ويصف البرغماتيون مذهبهم بانه فلسفة العمل والفعالية وبأنه الطريقة المُثلى لاعادة بناء العالم من جديد وتحقيق حياة افضل . وبذا فانهم يرون الفلسفة على انها " مجموعة قواعد السلوك التي تضمن النجاح والفائدة وبلوغ الاهداف " . ويعير البرغماتيون الحقيقة اهتماما خاصا ,وهي تسلوي حسب مفهومهم المنفعة والفائدة . ولكي تُفهم الحقيقة فهما جيدا تأخذ البرغماتية بالنسبية المطلقة , أي بما يجعل امور الحياة ومواضيعها كلها نسبية وبذلك يتحقق الهدف المرجو منها , ألا وهو المنفعة .
لكن مفهوم البرغماتية تغير ليصبح مفهوما سياسيا ملازما للانظمة الرأسمالية التي جعلته منهجا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا على النحو التالي :" اعتبار المنفعة والربح والفائدة المتحققة من العلاقات والمواقف هي اساس صوابها ومشروعيتها وضرورتها , وليس الحق والعدل والاخلاق والمبادئ" . و بالتأكيد يمثل هذا التوجه الفكري خطرا من وجهة نظر المدرسة الاجتماعية والماركسية , ويتمثل ذلك في قول الفيلسوف البرغماتي الانكليزي شيللر : " لا تُفسح البرغماتية لكل شخص ان يمتلك الحقيقة الخاصة به " .
2- اثر الفكر البراغماتي في النقد الادبي :
مما لا شك فيه ان لا يُعير فكر الفعالية والعمل اهتمام بالمواضيع الادبية والفنية سوى بالقدر الذي تخدم فيه غرضا نفعيا , حيث تتحدد بدورها الوظيفي فقط دون الاهتمام باهدافها الاخرى . اذا لم يكن من اثر يذكر لهذه المدرسة في النقد الادبي اوالنقد الفني على حد سواء ...
3- مدرسة النقد الظاهراتي والوجودي
1- الاساس النظري :
بدأت الاسس الفلسفية لهذه المدرسة في بدايات القرن التاسع عشر وتم تطويرها في القرن العشرين
أ- الفلسفة الظاهراتية
اسس ادموند هوسرل هذه الفلسفة ولكنها أتخذت شكلا ذاتيا مثاليا حاول هايدغر في الفلسفة الكلاسيكية القديمة ان يقربه الى الواقع , اساس هذه الفلسفة هي دراسة الحقيقة من خلال ما يظهر للمتلقي , وتعتبر الظاهر بمثابة حقيقة الموضوعات التي تكمن خلفها . ركزت الظاهراتية على التعامل مع التجربة المعاشة والحياة الفعلية والواقع المادي الملموس, في حين تقوم فلسفة هايدغر بالتركيز على الكينونة والوجود الاصيل الذي يحققه الانسان باختياره لاسلوب علاقته بالاركان الرباعية : الارض , السماء, المقدسات , الانسان , والتي هي ثوابت اساسية في كل زمان ومكان ..
ب – الفلسفة الوجودية : كان الظوهور الاول لهذه الفلسفة هو في منتصف القرن العشرين كتعبير مباشر عن اليأس واللامعقول ولا منطقي من السيطرة على لا انسانية العالم الغربي . تستمد الوجودية اساسها الفلسفي من الظاهراتية , والمفهوم الاساسي من لغتهم هو " الوجود " ويقصد به الحياة الروحية للفرد . ولا ينكر الوجوديون وجود عالم الاشياء الموضوعي ولكنهم يعتقدون " بانه لا وجود للعالم بدون الانسان ".
كما ان حياة الفرد الفكرية تأتي عندهم بالدرجة الاولى ...
وبالنسبة لعلاقة المادة بالفكر , فان الحل المثالي يكمن في وحدتهما اذ يقول هايدغر " العالم والذات متكاملان , والاثنان ليسا لثنين ولكنهما واحد " .
ومن ابرز دعاة الوجودية : كارل باسيرز ومارتن هايدغر في المانيا
وجان بول سارتر وغابريل مارسيل في فرنسا
ويمكن ايجاز ارائهم كما يلي :
1- تعلن الوجودية العداء للعلم ولا تتبع المناهج العلمية في نظرتها للحياة .
2- تدعو لتحرر الانسان من قواعد فكرية بالية يجعل الانسان نفسه اسيرا لهل .
3- لا تتعامل بمفاهيم اجتماعية , بل تخاطب الفرد مباشرة , أي انها فلسفة ذاتية تحاول انقاذ الانسان من المجموع ( كما ذكر بانها احتجاج عن عجز الانسان امام القوى الغاشمة التي قامت بالحروب العالمية )
2- اثر المدرسة الظاهراتية والوجودية في النقد الادبي:
يستحوذ النقد الظاهراتي على مساحة كبيرة من التراث النقدي الادبي .يعتبر غاستون باشلار (مفكر واديب وناقد فرنسي , كتب في فلسفة العلوم والنقد الادبي ),يُعتبر من اكثر مفكري القرن العشرين عمقا وتأثيرا , وهو مؤسس النقد الادبي الظاهراتي .
يرى باشلار ان على الناقد ان يكون ( ذاتيا وموضوعياً في آنٍ واحد وان " يحلم " مع الاثار لا أن يقتصر على " رؤيتها " بصورة جيدة ) . تأثر باشلار في التحليل النفسي وبصورة خاصة في طروحات يونغ " التي سيأتي ذكرها في مدرسة التحليل النفسي " فهو يميل الى الاخذ بمفهوم اللاشعور الجمعي الذي يصنع الصور البدائية للعالم الخيالي . وهو يتفق تماما مع النقَاد النفسيين في عدم كفاية النقد الكلاسيكي الذي يرد الخلق الى ما هو شعوري في الانسان " الذي يعتبر ان الضورة اما زمنية أو نسخة عن الواقع وينسى الوظيفة الشعرية التي هي في جوهرها اعطاء شكل جديد للعالم الذي لايوجد بصورة شعرية الا اذا اعيد تخيُّله باستمرار "
يقول باشلار " يخفي الخيال تحت اشكال لا حصر لها جوهرا ممتازا , جوهرا فعلا لا يحدّ من وحدة التعبير وتدرجه " وبذا فهو يؤكد على دور الخيال في نقد العمل الفني للوصول الى الجوهر .
بعد ذلك هجر باشلار النقد النفسي وتقرب من طروحات الفلاسفة الوجوديين امثال سارتر . واخيرا توصل الى رؤية ظاهراتية بحتة خاصة به تتلخص بما يلي :
1- عدم الاخذ بالماضي الثقافي , وعدم دراسة الشعر انطلاقا من قاعدة او مبدأ فلسفي , لان مثل هذا التوجه يمنع القصيدة الشعرية من أظهار واقعها الجوهري ( في هذا تأثرا مباشرا بفكر هوسرل : مقابلة الظاهرة وجها لوجه دون أي وسيط بين المتلقي وبينها).
2- للصورة الشعرية كيانها الخاص وديناميكيتها الخاصة , اذ يجب ان لا تعتير موضوعا او بديلا عن موضوع , بل يجب على المتلقي ان يستحوذ على واقعها الخاص المتميز.
وقد واجه باشلار نقدا كبيرا على منهجه لانه اهمل الصورة الاصلية للاثر وفي ذلك انكار لخطوات عملية الخلق , وانه يفصل رؤيته للعمل الادبي عن العالم الخارجي , وهي رؤية تجريد عال وبما يتوافق مع رؤية هوسرل :" التوجه الى الظاهرة ووضع العالم بين قوسين", وله مقولات عديدة مثل " هل العالم موجود , أم هو حلم " تدل على توجهات مغرقة بالمثالية
4 – مدرسة التحليل والنقد النفسي
1- الاساس النظري :
يستمد النقد النفسي معالمه من النظريات النفسية التي يعتمد عليها , وهذه النظريات هي طروحات سيغموند فرويد , وغوستاف يونغ , ومدرسة الجشطالت النفسية .
أ- طروحات فرويد : تهدف الى تحديد شخصية الفرد ودراستها من خلال التحليل النفسي
- النظرة التجزيئية Analatic View وفيها يقوم فرويد بتجزئة عملية الادراك الى مراحل , وتتولى مسؤولية كل مرحلة طبقة من طبقات العقل والتي هي
الوعي Conscious
ما دون الوعي Subconscious
ما قبل الوعي Preconscious
اللاوعي Unconscious
كما قام بتشريح الشخصية الفكرية الى مستويات ثلاثة يقوم على اساسها تفسير العمل
الادبي او الفني و هي
· الأنا( Ego ) : تساهم في تحديد العملية الشكلية .
· الأنا العليا (Superego ) :مسؤولة عن التطلعات الروحية التي تطرح ايديولوجيات او الاساس الفكري للعمل .
· الطاقة الجنسية (Libido) : يستقي منها الفنان او الاديب طاقنه , رؤيته الغامضة , ولا عقلانيته
- تفسير الرؤية والرموز وهي تفسير فرويد لرموز اللاوعي التي يقوم بارجاعها الى الطاقة الجنسية , في عمليات التحليل النفسي للاحلام , فقد استعار النقاد منه الفرضيات الاساسية في عمل اللاشعور والتعبير عن الرغبات الكامنة بعملية التداعي association وكيفية تشكل الرؤية في الاحلام بعمليات مثل
· الخلط المكاني displacement وتتمثل في عدم القدرة على التمييز في
الحلم بين اليمين واليسار , والفوق والتحت.
· الخلط الكلامي condensation ويحصل عند اختلاط الافكار فينتج
عنه تعبير ملتوي تحاشيا لايقاظ العقل الواعي .
· الفصل ( الفصم ) splitting وهو استقلال بعض التجارب عن الوعي
وعملها منفصلة عنه في بعض الاحيان .
اما القصور الفرويدي في التفسير النقد الفني والادبي فانه يتمثل في اصراره على ارجاع العمل الى القوى المكبوته , وتفسير الحقائق المرئية على انها تمثل حقائق اخرى ( أي دراسة الدور الدلالي دون الاهتمام به كظاهرة جمالية مستقلة ) , اضافة الى الطابع الفردي لطروحاته التي تتعامل مع الفرد بشكل اساسي دون ارتباطه بالمجموع .
ب- طروحات يونغ : ان يونغ هو احد تلامذة فرويد , الا انه خالفه حول مبدأه في الطاقة الجنسية التي ترجمها الى " دفقة حيوية " وليس " طاقة جنسية ",كما تعلمل يونغ مع اللاشعور الجمعي واستنبط منه فكرة النماذج العليا التي حلّت محل الرموز الفرويدية في تفسير اللاوعي الفردي .
· النظرة الشاملة : يقارن يونغ عملية التحليل النفسي بالتشكيل الشعري بارجاع الاثنين الى رواسب نفسية لا شعورية وجماعية , أي رواسب تكمن في ذاكرة الجماعة وليس الفرد .
· الطابع الجمعي للرموز ( النماذج العليا ) : هي صورة ابتدائية, لا شعورية , لا تحصى , شارك فيها الاسلاف في عصور بدائية , ولذا فانه يعتبرها نماذج اساسية قديمة لتجربة انسانية مركزة , وهي تقع في جذور كل شعر او اثر فني ذي ميزة طابعية خاصة .
· ملاحظة :ان المبادئ التي تبتها طروحات يونغ تتضمن اخطارا لما فيها من ميل الى اعلاء شأن اللاعقلانية والتصوف وذاكرة العِرق race وهذا ما جعلها مرغوبة في اوساط المفكريين النازيين والفاشيين .
جـ - مدرية الجشطالت Gestalt النفسية : اعتمدت البُنية النفسية بنظرة شاملة تقوم على ادراك صفة الكليات Entities . وتُعارض التوجه التجزيئي الذي يبدأ من دراسة الاجزاء الاولية على اعتبار ان تجميعها الآلي يؤدي الى فهم الكل ( كما في مدرسة فرويد ) بينما في هذه المدرسة تطورت رؤية بنيوية تبدأ من شموليه البنية النفسية حيث لا تلعب الاحاسيس دورا يتعدى كونها مجرد مفردات لهذه البنية . ان من اهم شروط البنية الجشطالتية هي
· ان لايتناقض أي جزء مع الصفة العامة للمجموع , كي لا يتشوه النظام العام الذي يشتمل على تنويعات متعددة ضمن صفة عامة واحدة .
· مبدأ الصفة او العلاقة ؛ القانون العام الذي ينظِّم الشكل ويربط اجزاءه سوية , قد يكون نظاما شكليا او تعبيرا تشترك اجزاء العمل في ايحائه .
2- تأثر النقد الادبي بالنظريات النفسية :
· النقد الفرويدي : اعتبرت نظريات فرويد الاكثر تأثيرا بين نظيراتها على عملية الخلق الادبي وكذلك النقد الادبي . وقد برز الناقد الفرنسي شارل مورون في هذا المجال واعتمد النهج التالي :
1- كشف اسرار اللاشعور للكاتب ومن ثم تفسير آثاره .
2- تسليط الضوء على تداعي الافكار اللااردية تحت بُبى النص الارادية .
3- القيام بعملية تنضيد النصوص, وهي عملية تشبه عملية التحليل النفسي , أي تحليل المحتويات الشعورية بغرض كشف علاقات خفية تزداد او تخف درجة لا شعورها .
4- اظهار شبكة التداعيات ومجموعات من الصور الملحة ( ربما اللااردية ) , وهو استيهام دائم يضغط بصورة مستمرة على شعور الكاتب .
5- ايضاح العوامل الاجتماعية التي تلعب دورها في تكوين الشخصية الاسطورية للكاتب , وخاصة مرحلة الطفولة .
· تأثير النقد النفسي الجماعي ( يونغ ) : طرح يونغ فكرته بصدد عملية الخلق الفني في مقال له " في العلاقة بين التتحليل النفسي والفن الشعري " , فالناقد يبحث هنا عن النماذج العليا في الادب او الفن على حد سواء ويقارن بينها وبين العمل الذي بين يديه لاي اديب او فنان وبينت نماذج عليا لديه من الاعمال لعة كُتّاب محاولا ايجاد " القاسم المشترك الاعظم" الذي يرى فيه هؤلاء النقاد النفسيون الرمزية الثابتة .
· تأثر النقد الادبي بنظرية الجشطالت :كان لهذه النظرية اثر كبير في النقد الادبي اذ قدمت منهجية في الادراك البصري على اساس فهم السمة العامة للكليات الادبية او الفنية مما يعتبر في صلب عملية التذوق الفني للعمل , وتتلخص الفكرة في هذه النظرية بما يلي
1- تجريد الشكل الى معالمه الاساسية , ضمن الصورة العامة.
2- الخروج بصفة عامة مميزة كقانون شكلي .
3- استنتاج التعبير المتضمن والذي يعتبر بمثابة الصفة المميزة للصورة الشمولية .
-مدرسة النقد الاجتماعي والماركسي
النقد الاجتماعي هو ذلك النقد الذي يعتمد على نظريات علم الاجتماع . ولعل النقد الماركسي هو اكثر اشكال النقد الاجتماعي انتشارا , وهو يهدف الى بيان طريقة تحديد الاثر بواسطة المجتمع الذي يظهر فيه , وله طرق متنوعة في دراسة الاثر .
1- الاساس النظري :
الفلسفة التي قامت عليها هذه المدرسة هي الفلسفة المادية الجدلية, والجدلية الماركسية , وفكرة التطور , ومفهوم الحداثة .
أ- الفلسفة الجدلية المادية Dialectical Materialism :
وهذه الفلسفة تعتمد على على المرتكزات محددة وهي الجدل ( الديالكتيك ) Dialectic والنظريات العلمية .
والديالكتيك ( الجدل ) مشتقة من الكلمة اليونانية ( دياليكو ) التي تعني المناظرة . وكان اليونانيون القدماء يعنون بها " فن الوصول الى الحقيقة من خلال النقاش عن طريق كشف التناقضات في اقوال الخصم ودحضها ".
والنظريات العلمية التي قامت ارتكزت عليها هذه الفلسفة في القرن التاسع عشر هي :
- اكتشاف الخلية الحية
- قانون حفظ وتحويل الطاقة
- نظرية دارون في نشوء وارتقاء الانواع .
ب- الجدلية الماركسية : تعتمد هذه الجدلية على فكرة محددة هي " ان المجتمع البشري يتطور بسلسلة من التناقضات التي تشمل جميع مناحي الحياة : السياسية , الاجتماعية , الاقتصادية , والثقافية والفنية " وللجدلية قوانين ثلاثة رئيسية :
- قانون وحدة وصراع الاضداد .
- قانون الانتقال من التغيرات الكمية (quantity) الى التحولات الكيفية ( quality) .
- قانون نقض النقيض .
ج- فكرة التطور : تتخذطابعا تصاعديا ومستمرا وبدورات (حلقات مقفلة ) تتحدد بعلاقة الكم مع الكيف , وان هذا التطور لايجري بشكل مستقيم وخطي , فمفهوم نقض النقيض نفسه يعبر عنه بالشكل الحلزوني المتعرج الذي يسير فيه التطور . وقد اقيم نصب فني في المعرض العالمي الثالث في موسكو 1919 يوضح الرمزية للتطور الاجتماعي حسب فكرة التطور هذه .
د- مفهوم الحداثة : اختلف المفكرون الماركسيون في تفسير هذا المفهوم , اذ سعى ماركي الى تفسير الحداثة على انها " ترتبط بالعنصر الابدي أي ثوابت الامور , التي تحتل موقعا كلاسيكيا . في حين فسره بودلير ( المفكر والشاعر الفرنسي ) بالمتغيرات النسبية الظرفية التي يمكن ان تجد نفسها في واحد من هذه المفاهيم او في كلها معا : الحقبة , الموضة mode
, الميول ، الاخلاق .
2- تأثير مدرسة النقد الاجتماعي والماركسي في النقد الادبي :
تأثر بعض النقاد بهذه المدرسة واطرحوا نقدا فكريا يرتقي الى مستوى النظرية , ولم يكن بالوضوح المطلوب بل اتخذ لنفسه اسليب رمزية .
وللناقد الماركسي " جورج لوكاش " اثر كبير في رفع مستويات النقد الادبي الماركسي , اذ رفض اقامة رابطة بسيطة بين الاثر وبين مصالح الطبقات الاجتماعية ؛ فهو اذ يبحث عن بُنى العالم الخيالي للاثر فانه يقابلها بالبنى الاجتماعية , وبذا يتمكن من تعريف طبيعة الاثر ووظيفته .
وتأثر الفرنسي " لوسيان غولدمان " بافكار لوكاش في النقد الادبي , فقام بوضع منهجية نقدية بنيوية تربط الاثر باساسه الاجتماعي ويمكن ايجازها بما يلي :
- تطوير نظام لتحليل العلاقات الوظيفية بين الشمولية الاجتماعية وفعالية الخلق الثقافي .
- التوصل الى الكلّيات النسبية ( من خلال التحليل والمقارنة ) المرتبطة ببعضها البعض
- يرى الناقد غولدمان ان كل اثر ادبي او فكرة لا تعرف دلالته الحقيقية الا عند دمجه في حياة مجموعة معينة وسلوك معين . وان مبدا النقد في الاساس هو مبدا الفكر الديالكتيكي ذاته لان " معرفة الوقائع تبقى مجردة ما دامت لم تُجسَّم بدمجها في مجموع قادر وحده على تجاوز الظاهرة الجزئية للوصول الى جوهرها المحسوس , وبصورة ضمنية الى دلالتها ".
6- مدرسة النقد الثيمي Thematic Criticism
لابد اولا من توضيح معنى كلمة الثيمة (theme) والتي ترد بمعنى النسق او لحن في المجال الموسيقي كما تُستعار في النقد الفني الذي يرى في الثيمة اول ما يمكن تمييزه في العلاقات النغمية ضمن المقطوعة الموسيقية , ومن هنا يمكن الاستنتاج ان الثيمة: عبارة عن علاقات متتالية ومترابطة وفق نظام شكلي معين وبمفهوم يقترب من مفهوم الصورة الجشطالتية الا انه يُضاف له بعد رمزي " وجداني ".
- الاساس النظري حسب النقد الادبي :
ان تعريف الثيمة في النقد الادبي : - هي شبكة منظمة من الافكار الملِّحة لدى المؤلف , أي انها صورة اصيلة غير قابلة للاختزال او التبسيط تقوم بتوجيه معظم الاعمال التي ينتجها ذلك المؤلف
اسس هذه المدرسة الناقد الفرنسي جان بول فيبر ( معاصر ) الذي يمتاز بثقافة جمالية عالية كما ان مذهبه نشأ من تأمل للظاهرة الجمالية بصورة عامة
يوضح فيبر الفرق بين الفكرة الرئيسية والثيمة كما يلي :
"الفكرة الرئيسية هي كل عنصر لغوي يتكرر باستمرار في اثار المؤلف , أي انها ظاهرة تتعلق بمفردات اللغة وهي ظاهرة واضحة ليست خفية "
اما " الثيمة فتختلف عن الفكرة الرئيسية باعتبارها لا تشكل ظاهرة لغوية الا بصورة ثانوية فقط , وتظهر بالاثر على هيئة شكل رمزي "
أي ان الفكرة الرئيسية تستهدف تخاطب (communication ) لغوي الطابع بشكل عام
لكن الثيمة تخص التعبير ( expression ) مما يدخل في نطاق الفن والتذوق الجمالي
الاستنتاجات :
1- على الناقد ان يستند الى اساس فكري منظم ومترجم الى قواعد علمية واضحة للوصول الى نقد مثمر , بشرط ان لايكتفي بالنظرة الوظيفية والمنفعة من العمل الادبي كما في البراغماتية , وان لا ينهمك كذلك في المثالية والخيال مبتعدا عن الواقع .
2- تعتبر مدرسة النقد البنيوية من اكثر المدارس النقدية استعمالا لما فيها من جمع بين الصورة الشعرية والنظرة الموضوعية الشمولية
· 3- ليس بالضرورة الاكتفاء بمدرسة نقدية معينة لدراسة الاثر , بل غالبا ما يجمع النقاد بين اكثر من منهج على ان لاتكون هذه المناهج على طرفي نقيض فانه لايمكن الاستناد الى مدارس متضاربة في مفاهيمها كالمدرسة الظاهراتية والمدرسة الاجتماعية في آن واحد, في حين يمكن الرجوع الى مدرسة التحليل النفسي والمدرسة الظاهراتية او البنيوية في نقد اثر واحد ...