الاسلوبية بين القديم والحديث
نشأ فى علوم اللغة الحديثة مصطلح الاسلوبية وهو نوع من الدراسة تعنى بالاسلوب الادبي وبيان الفرق بين اللغة المعيارية او الاخباريية واللغة الفنية او الادبية والاولى هى لغة الحكى العادى او لغة الاخبار لا تتجاوز فى سياقها النصى دلالاتها المعجمية فحين نقول( هذا نهر طويل) نعنى محرى مائى يمتد لمسافة طويلة وهذه الجملة اخبرتنا بان هناك نهر يمتد طويلا ولا قيمة لها الا هذا الاخبار وهو تستخدم فى صياغة العلوم المختلفة وتميل الى ابراز المنطق والتفكير وتبتعد عن المجاز او التحسينات اللفظية وتخاطب العقل فقط واللغة الثانية تعنى بالانحراف المجازى للمفردة اى الانحراف بها من دلالاتها المعجمية الى دلالة اخرى يصطنعها الاديب لغاية جمالية فتخرج طازجة كأنها تخلق لاول مرة فحين نقول( نهريفور لهبا) فقد انحرفنا بدلالة النهر الاصلية الى دلالة اخرى لم تخلق لها فى اللغة وتحولنا من خلال هذا التركيب الاسلوبى للجملة بصفات الماء الى صفات النار وهذا الانحراف ايضا قد يكسب المفردة دلالة اخرى من خلال ما بسمى الانحراف بالتجاور فحين نقول( شجرة) فان هذه المفردة تعطى معنى نبات اخضر ثابت فى التربى وممتد الى اعلى ولكن هذه الدلالة تختلف حين نجاورها بلفظ اخر فنقول شجرة العلم او شجرة النسب او شجرة المعرفة او شجرة الايمان فكل تجاور من هذا اكسب مفردة شجرة معنى مغايرا وتستخدم فى الادب وابراز جماليات النصوص الادبية وهى تخاطب العقل والعاطفة معا
واذا كان علم اللغة الحديث يهتم بالفرق بين اللغة المعيارية واللغة الادبية فان هذا لم يكن غائبا عن الدرس النقدى القديم فحين يضع يحيى بن العلوى ترتيبا لعلوم العربية يمكننا ان نفهم من هذا الترتيب الفرق بين اللغة المعيارية واللغة الادبية فهو يضع المرتبة الاولى لعلم اللغة والثانية لعلم التصريف والثالثة لعلم العربية(النحو) والرابعة "علم الفصاحة والبلاغة ة وهومظهر خاص يأمن به الاديب الخطأ فى نظم الكلام وجزالة لفظه وحسن بلاغته
و عالم اللغة الفرنسى(فندريس) يرى ان هناك ترتيب اسلوبى معتاد يطرق الذهن كثيرا وهو الترتيب المبتذل واننا يمكن ان نخالف هذا الترتيب وان مخالفته تنبئ عن غرض ما ذلك الغرض هو ابراز كلمة من الكلمات لتوجيه التفات السامع اليها ويرى ان تلك مسألة اسلوبية يمكن تتبعها ودراستها الى اقصى وقائعها ويصف فندريس ان هذه الدراسة فى غاية الدقة وتتطلب حسا لغويا مدربا وهويعنى يذلك توظيف مسألة التقديم والتأخير فى الاسلوب وذلك حين ذكر الاسلوب المعتاد الذى يطرق الذهن وان الاسلوبية تكمن فى مخالفة هذا الاسلوب يالتقديم والتأخير ولم يكن هذا ايضا غائيا عن الدرس النقدى القديم فقد اشار النحاة الى شئ من الغايات الاسلوبية لمسألة التقديم والتاخيرعلى نحو ما نجد عند سيبويه فى فكرة العناية بالتقديم والتأخير ثم اتسعت هده الاشارة الى ارهاصات علمية ظهرت عندبعض البلاغيين والنحويين القدامى مثل الزمخشرى صاحب فكرة الاختصاص وعبد القاهر الجرجانى الذى اتسع بفكرة التقديم الى التأكيد والتقوية والتخصيص وابن جنى الذى تناول مسألة التقديم والتأخير بشكل مفصل عندما تحدث عن الابتداء بالنكرة
واذا كان علماء المعاجم وجامعو اللغة قد انصرفوا الى ضبط العلاقة بين اللفظ ومدلوله استنادا الى الاستخدام المعيارى يوضع معجمات الحقول الدلالية كالنبات والانسان والحيوان والماء وغير ذلك او المعجمات الموضوعية والتى تختص بموضوعات معينة كالمخصص لابن سيده او المعجمات الموسوعية مثل الصحاح للجوهرى والتهذيب للازهرى والجمهرة لابن دريد فان مباحث علم البيان قد عالجت العلاقة بين اللفظ ومدلولة فى الاستخدام الادبى الفنى وحققت الانحراف المجازى لتوظيف المفردة والتى يدندن بها علماء اللغة المحدثين وذلك فى دراسة ظواهر التشبية والاستعارة وهى ظواهر الانحراف بالدلالة الحقيقية الى دلالة اخرى مجازية ولم يتوقف الامر عند هذا الحد بل ان عالما لغويا مثل ابن جنى قدم مادة جيدة للدرس الاسلوبى لم يتوصل اليها احد وهى باب ما يعرف بشجاعة العربية فكثير من محتويات هذا الباب يدخل فى باب الانحراف المجازى
واذا كانت مسألة المجاز قد نضجت على ايدى البلاغيين وعدوها معيارا للتفرقة بين الوضع والاستعمال او بين اللغة المعيارية واللغة الادبية فان للغويين ايضا اشارات مبكرة تعد جذورا للبحث فى مسألة الاسلوبية المنقدمة وم هؤلاء ابو عبيدة وابن فارس اللذا بعتران ان المجاز هو خروج على المألوف لاعطاء مدلولا جديدا واستدلا على ذلك بكثير من الامثلة مثل قوله تعالى( وربطنا على قلوبهم) فانه قول خارج على المألوف ومجازه الهمناهم الصبر وكذلك قوله (والنهار مبصرا) مجازه ما كان العمل فيه والفعل لغيرة فالنهار لايبصر وانما يبصر الناس فيه ليعملوا ويذكر ابن فارس ان من سنن العرب وصف الشئ بما يقع فيه او يكون فيه كقولهم يم عاصف اى تعصف فيه الريح وقولهم ليل نائم وليل ساهر لانه ينام فيه او يسهر فيه وهذا من صميم الانحراف المجازى الفطرى عند العرب
وجدير بالذكر ان تراثنا اللغوى قد نوه الى موضوعات وظواهر تدخل الان فى صميم البحث اللغوى الاسلوبى ولكن البلاغيين قد انصرفوا عنها ولو انهم اهتموا بها ماطاولهم احد فى علم الاسلوبية الحديث وذلك من مثل ظاهرة حكاية الصوت للمعنى التى ذكرها ابن جنى وحللها وجعل لها مبحثا خاصا فى كتابه الخصائص وهى مسألة تتعلق بامساس الالفاظ اشباه المعانى مثل كلمة (الآماد او الآجال) فان المد فى الفظ يمس دلالة الطول او الاتساع ولكن عناية البلاغين بمسألة الحقيقة والمجاز والبسيط والمركب شغلتهم عن استثمار مثل هذه الاكتشافات الاسلوبية النادرة ومن هنا فان الجهود النقدية القديمة قد افرزت دراسات اسلوبية قيمة قد تفوقت على الغرب فى كثير منها ولكن اهمالنا للتراث العربى واقبالنا على التيارات الغربية من باب ( عقدة الخواجة ) جعلنا نرتمى فى احضان غيرنا ونبحث عن مثال بلورى مدفون فى ارضنا بحث عنه فى ارض عيرنا اننا نريد ان نتنفس الثقافة العربية الاصيلة برئتنا العربية التى تكاد تتلف من كثرة ما تنفست هواء فاسدا ولتعد الى طبيعتها العربية لتتنفس الهواء النقى
************************************************** *********************************
ورد فى هذا المقال كلمة (معجمات) وهى حمع كلمة (معجم) وجمعت بهذا الشكل لان اسم المفعول يجمع جمعا سالما ومن الخطأ ان نقول معاجم فى الجمع ومن باب ذلك نقول (ملاحظات /مناقشات /محاورات ومخطوطات ملاحظات وغير ذلك)
منقول
نشأ فى علوم اللغة الحديثة مصطلح الاسلوبية وهو نوع من الدراسة تعنى بالاسلوب الادبي وبيان الفرق بين اللغة المعيارية او الاخباريية واللغة الفنية او الادبية والاولى هى لغة الحكى العادى او لغة الاخبار لا تتجاوز فى سياقها النصى دلالاتها المعجمية فحين نقول( هذا نهر طويل) نعنى محرى مائى يمتد لمسافة طويلة وهذه الجملة اخبرتنا بان هناك نهر يمتد طويلا ولا قيمة لها الا هذا الاخبار وهو تستخدم فى صياغة العلوم المختلفة وتميل الى ابراز المنطق والتفكير وتبتعد عن المجاز او التحسينات اللفظية وتخاطب العقل فقط واللغة الثانية تعنى بالانحراف المجازى للمفردة اى الانحراف بها من دلالاتها المعجمية الى دلالة اخرى يصطنعها الاديب لغاية جمالية فتخرج طازجة كأنها تخلق لاول مرة فحين نقول( نهريفور لهبا) فقد انحرفنا بدلالة النهر الاصلية الى دلالة اخرى لم تخلق لها فى اللغة وتحولنا من خلال هذا التركيب الاسلوبى للجملة بصفات الماء الى صفات النار وهذا الانحراف ايضا قد يكسب المفردة دلالة اخرى من خلال ما بسمى الانحراف بالتجاور فحين نقول( شجرة) فان هذه المفردة تعطى معنى نبات اخضر ثابت فى التربى وممتد الى اعلى ولكن هذه الدلالة تختلف حين نجاورها بلفظ اخر فنقول شجرة العلم او شجرة النسب او شجرة المعرفة او شجرة الايمان فكل تجاور من هذا اكسب مفردة شجرة معنى مغايرا وتستخدم فى الادب وابراز جماليات النصوص الادبية وهى تخاطب العقل والعاطفة معا
واذا كان علم اللغة الحديث يهتم بالفرق بين اللغة المعيارية واللغة الادبية فان هذا لم يكن غائبا عن الدرس النقدى القديم فحين يضع يحيى بن العلوى ترتيبا لعلوم العربية يمكننا ان نفهم من هذا الترتيب الفرق بين اللغة المعيارية واللغة الادبية فهو يضع المرتبة الاولى لعلم اللغة والثانية لعلم التصريف والثالثة لعلم العربية(النحو) والرابعة "علم الفصاحة والبلاغة ة وهومظهر خاص يأمن به الاديب الخطأ فى نظم الكلام وجزالة لفظه وحسن بلاغته
و عالم اللغة الفرنسى(فندريس) يرى ان هناك ترتيب اسلوبى معتاد يطرق الذهن كثيرا وهو الترتيب المبتذل واننا يمكن ان نخالف هذا الترتيب وان مخالفته تنبئ عن غرض ما ذلك الغرض هو ابراز كلمة من الكلمات لتوجيه التفات السامع اليها ويرى ان تلك مسألة اسلوبية يمكن تتبعها ودراستها الى اقصى وقائعها ويصف فندريس ان هذه الدراسة فى غاية الدقة وتتطلب حسا لغويا مدربا وهويعنى يذلك توظيف مسألة التقديم والتأخير فى الاسلوب وذلك حين ذكر الاسلوب المعتاد الذى يطرق الذهن وان الاسلوبية تكمن فى مخالفة هذا الاسلوب يالتقديم والتأخير ولم يكن هذا ايضا غائيا عن الدرس النقدى القديم فقد اشار النحاة الى شئ من الغايات الاسلوبية لمسألة التقديم والتاخيرعلى نحو ما نجد عند سيبويه فى فكرة العناية بالتقديم والتأخير ثم اتسعت هده الاشارة الى ارهاصات علمية ظهرت عندبعض البلاغيين والنحويين القدامى مثل الزمخشرى صاحب فكرة الاختصاص وعبد القاهر الجرجانى الذى اتسع بفكرة التقديم الى التأكيد والتقوية والتخصيص وابن جنى الذى تناول مسألة التقديم والتأخير بشكل مفصل عندما تحدث عن الابتداء بالنكرة
واذا كان علماء المعاجم وجامعو اللغة قد انصرفوا الى ضبط العلاقة بين اللفظ ومدلوله استنادا الى الاستخدام المعيارى يوضع معجمات الحقول الدلالية كالنبات والانسان والحيوان والماء وغير ذلك او المعجمات الموضوعية والتى تختص بموضوعات معينة كالمخصص لابن سيده او المعجمات الموسوعية مثل الصحاح للجوهرى والتهذيب للازهرى والجمهرة لابن دريد فان مباحث علم البيان قد عالجت العلاقة بين اللفظ ومدلولة فى الاستخدام الادبى الفنى وحققت الانحراف المجازى لتوظيف المفردة والتى يدندن بها علماء اللغة المحدثين وذلك فى دراسة ظواهر التشبية والاستعارة وهى ظواهر الانحراف بالدلالة الحقيقية الى دلالة اخرى مجازية ولم يتوقف الامر عند هذا الحد بل ان عالما لغويا مثل ابن جنى قدم مادة جيدة للدرس الاسلوبى لم يتوصل اليها احد وهى باب ما يعرف بشجاعة العربية فكثير من محتويات هذا الباب يدخل فى باب الانحراف المجازى
واذا كانت مسألة المجاز قد نضجت على ايدى البلاغيين وعدوها معيارا للتفرقة بين الوضع والاستعمال او بين اللغة المعيارية واللغة الادبية فان للغويين ايضا اشارات مبكرة تعد جذورا للبحث فى مسألة الاسلوبية المنقدمة وم هؤلاء ابو عبيدة وابن فارس اللذا بعتران ان المجاز هو خروج على المألوف لاعطاء مدلولا جديدا واستدلا على ذلك بكثير من الامثلة مثل قوله تعالى( وربطنا على قلوبهم) فانه قول خارج على المألوف ومجازه الهمناهم الصبر وكذلك قوله (والنهار مبصرا) مجازه ما كان العمل فيه والفعل لغيرة فالنهار لايبصر وانما يبصر الناس فيه ليعملوا ويذكر ابن فارس ان من سنن العرب وصف الشئ بما يقع فيه او يكون فيه كقولهم يم عاصف اى تعصف فيه الريح وقولهم ليل نائم وليل ساهر لانه ينام فيه او يسهر فيه وهذا من صميم الانحراف المجازى الفطرى عند العرب
وجدير بالذكر ان تراثنا اللغوى قد نوه الى موضوعات وظواهر تدخل الان فى صميم البحث اللغوى الاسلوبى ولكن البلاغيين قد انصرفوا عنها ولو انهم اهتموا بها ماطاولهم احد فى علم الاسلوبية الحديث وذلك من مثل ظاهرة حكاية الصوت للمعنى التى ذكرها ابن جنى وحللها وجعل لها مبحثا خاصا فى كتابه الخصائص وهى مسألة تتعلق بامساس الالفاظ اشباه المعانى مثل كلمة (الآماد او الآجال) فان المد فى الفظ يمس دلالة الطول او الاتساع ولكن عناية البلاغين بمسألة الحقيقة والمجاز والبسيط والمركب شغلتهم عن استثمار مثل هذه الاكتشافات الاسلوبية النادرة ومن هنا فان الجهود النقدية القديمة قد افرزت دراسات اسلوبية قيمة قد تفوقت على الغرب فى كثير منها ولكن اهمالنا للتراث العربى واقبالنا على التيارات الغربية من باب ( عقدة الخواجة ) جعلنا نرتمى فى احضان غيرنا ونبحث عن مثال بلورى مدفون فى ارضنا بحث عنه فى ارض عيرنا اننا نريد ان نتنفس الثقافة العربية الاصيلة برئتنا العربية التى تكاد تتلف من كثرة ما تنفست هواء فاسدا ولتعد الى طبيعتها العربية لتتنفس الهواء النقى
************************************************** *********************************
ورد فى هذا المقال كلمة (معجمات) وهى حمع كلمة (معجم) وجمعت بهذا الشكل لان اسم المفعول يجمع جمعا سالما ومن الخطأ ان نقول معاجم فى الجمع ومن باب ذلك نقول (ملاحظات /مناقشات /محاورات ومخطوطات ملاحظات وغير ذلك)
منقول