منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    السردي في الشعر/ الشعري في السرد د. محمود الضبع

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    السردي في الشعر/ الشعري في السرد د. محمود الضبع Empty السردي في الشعر/ الشعري في السرد د. محمود الضبع

    مُساهمة   الخميس مارس 11, 2010 11:51 am

    السردي في الشعر/ الشعري في السرد د. محمود الضبع
    مرسلة بواسطة طه عبد المنعم في 04:56:00 ص

    نظريا تراجعت نظرية الأنواع الأدبية بوصفها مدخلا للتصنيف، يتم اعتماده للفصل بين جنس أدبي وجنس آخر، ولكن علي المستوي التطبيقي لم تزل بعد - في أدبنا العربي- قائمة، ولم يزل بعد البحث - نقديا - يسعي لتأصيل مفهوم النوع، والبحث عن السمات الفارقة بين جنس وآخر .

    فهل استطاعت الأعمال الأدبية العربية بحق إحداث هذا التماهي بين ما هو شعري وما هو نثري ؟ بمعني اعتماد السرد بنية منظمة للنص شعريا كان أم نثريا ؟

    وإذا كان الأدب بعامة أداته الأولي هي اللغة، فما الحدود الفاصلة بين لغة القص ولغة الشعر ؟ وكيف تتحول البني السردية لتنتقل من القص إلي الشعر، والعكس ؟

    إن التطور الحقيقي الذي لحق النوع الأدبي بعامة سواء في أدبنا العربي أو الغربي، يمكن رصده عبر مبدأ نقاء النوع، الذي غدا هو المحور الذي تدور حوله الأعمال الأدبية، بمعني أنه لم يزل بعد التقسيم النوعي للأدب إلي رواية، وقصة، وشعر، ولكن لم تعد هذه الأشكال أو الأنواع الأدبية يتجلي كل منها في نوع ينفصل تماما عن الأنواع الأخري، وإنما هناك سمات مهيمنة عبر هذه الأنواع جميعا، ما فتئت تنتقل من نوع إلي آخر حتي غدت يصعب الفصل ما إذا كانت تنتمي إلي النثر أم إلي الشعر مثلا، وهنا لا يمكن البحث عن فرادة للنوع الأدبي، وإنما عن سمات مشتركة تنتمي إلي الأدبية، وليس إلي الشعر وحده أو النثر وحده .

    فالمتعارف عليه - منذ أقدم عصور الأدب - أن الشعر والقص جنسان أدبيان لكل منهما خصائصه وتقنياته التعبيرية، وأن السرد خصوصية نثرية، ومن ثم كان السؤال: ما الأسباب التي دعت لتسرب تقنيات السرد داخل بناء القصيدة ؟ وهل استطاعت سردية الشعر أن تكسر حاجز أسلوبية الجنس الأدبي والجنس التعبيري عموما، بخلق حوار الأجناس داخل عمل واحد ؟ وإن كان فإلي أي مدي استطاع المزج أن يبلغ مداه ؟ وإلي أي جنس يمكن أن ينتمي النص مع ما يحمله من الملامح المشتركة ؟

    فمفهوم الجنس أو النوع الأدبي في معناه الأصل يدل علي الجذر أو الفصيلة التي ينتمي إليها العمل الفني، وإن كان المصطلح قلقا في ذاته، دائم التغير نظرا لاتساع محتواه، ومن هنا تأتي الصعوبة، فحتي بالنسبة لمجموعة الأعمال المعينة التي يتم إدراجها تحت نوع واحد، فإنها لا تسلم من التقسيم المستمر إلي أجناس فرعية أخري متعددة .

    ولعل نظرية الأنواع الأدبية لم تعد تحتل مكان الصدارة الآن في الدراسات الأدبية، فالتمييز بين الأنواع لم يعد ذا أهمية في كتابات معظم كتاب العصر، والحدود بين النوع والنوع الآخر تعبر باستمرار، والأنواع تختلط أو تمتزج، والقديم منها يترك أو يحور، وتخلق أنواع جديدة، إلي حد ما صار المفهوم نفسه موضع شك، بتعبير رينيه ويلك .

    لقد وظف التحليل البنائي هذه الأفكار عند دراسته للنصوص بمعزل عن السياق الذي قيلت فيه (الفكرة الأولي للبنيوية ) حيث يميل إلي التمييز علي مستوي المضمون النفسي بين الانفعالات الجمالية ذات الطابع الخلاق، والانفعالات العاطفية ذات الطابع الوجداني، ومن ثم نظرت البنائية إلي القصة بإمكانية تقسيمها إلي مراحل تبرز تشويقها العاطفي، وهذا هو التوجه الأساسي في التحليل البنائي الذي يقوم علي تفكيك النص وإرجاعه إلي وحداته الأولي المكونة له، وهي :

    1- الوحدات الشكلية التي تختص بالبحث في الأحداث والشخصيات والسرد والمواضيع والأسطر والكلمات.

    2- الوحدات النفسية من البحث عن القيم الوجدانية ومراحل التشويق العاطفي والانفعالات العاطفية، وهنا تعتمد البنائية مبدءا تعده من أهم مبادئ تحليل النص وهو التحليل حسب المراحل التسلسلية، التي تكون أولا بدراسة القصة، وثانيا بدراسة السرد " ومن الممكن لا بل من الواجب تطبيق هذا المبدأ في دراسة أي نص من النصوص طال أم قصر "(1)

    مفهوم السرد

    يرتبط السرد بالحكي، ويتحدد مفهوم السرد narration علي أنه الطريقة التي يتم بها الحكي، وبمعني آخر الكيفية التي تروي بها القصة، وهو ما يستدعي بالضرورة الأدوات والوسائل المعينة المستخدمة في ذلك وأولها اللغة ومن ثم طرق تأليف الكلام، وأساليب نظمه في سلك واحد، وعلي أشكال مختلفة، فالقصة أو الحكاية الواحدة يمكن أن تحكي بطرق عدة، وهذه العملية هي جوهر السرد وحقيقته، وهي التي يتم الاعتماد عليها في تمييز أنماط الحكي بشكل عام .

    وبما أن الحكي يقوم عامة علي دعامتين أساسيتين ( أن يحتوي علي قصة تضم أحداثا معينة، وأن تتعين الطريقة التي تحكي بها القصة ) وبما أن السرد يرتبط في مفهومه بالحكي " ولهذا السبب فإن السرد هو الذي يعتمد عليه في تمييز أنماط الحكي بشكل عام (2).

    والحكي باعتباره قصة محكية فإنه يقتضي وجود شخص يحكي وشخص يحكي له وقصة محكية، ومن ثم يتحدد السرد علي أنه " الكيفية التي تروي بها القصة عن طريق هذه القناة نفسها وما تخضع له من مؤثرات، بعضها متعلق بالقصة ذاتها (3).

    فالقصة في مفهوم السرد لا تتحدد فقط بمضمونها ولكن أيضا بالشكل أو الطريقة التي يقدم بها هذا المضمون، وهو ما التقطه الباحث العربي "كمال أبو ديب" في اعتماده علي مقاربة فلاديمير بروب التي أسس فيها لفكرة الوظائف(4)، وعمل أبو ديب علي نقلها إلي الشعر الجاهلي وتحليله بنيويا، للوقوف علي التشابه بين الوظائف السردية في التراث الشعبي والوظائف السردية في البناء الشعري العربي الجاهلي، مستنتجا من ذلك التشابه في الوظائف إلي أنه ليس عائدا إلي تأثير ثقافة علي أخري، وإنما هو عائد إلي طبيعة العقل الإنساني في مجموعه، والمهم في ذلك هو رؤيته لإمكانية انتقال عناصر من جنس إلي جنس، أي من بنية الحكاية إلي بنية الشعر الجاهلي : "حين نمارس تحليل بروب، وننقله من مجال الحكاية الخرافية إلي مجال الشعر الجاهلي، نستطيع أن ندرك مباشرة أن ثمة درجة كبيرة من الشبه بين بنية القصيدة وبنية الحكاية، فالقصيدة أيضا تتكون من وظائف ذات عدد محدود جدا، وقد لا يزيد العدد عن إحدي وعشرين وظيفة، ويتقلص في كثير من النصوص إلي وظيفتين . . . . لكن ثمة فرقا جوهريا بين القصيدة، وبنية الحكاية يتمثل في أن ترتيب الوظائف في القصيدة متغير هو أيضا تماما كعددها"(5).

    ويربط الباحث بين ترتيب الوظائف، وبين ما أسماه شبكة من العلاقات بين الشرائح المكونة للقصيدة حيث تكمن خصوصية رؤيا القصيدة، ويربط كذلك بين إحدي نتائج "بروب" وهي تقابل الوظائف، وبين الشعر الجاهلي، وحيث يري أن هذه النتيجة متحققة في الشعر الجاهلي بما يشكل الثنائيات الضدية "أي أن لكل وظيفة تقريبا نقيضا يمثل تجاوزا أو حلا لها، فالتحريم يقابله الانتهاك، ويحس النقص إشباع النقص.... وهكذا"(6).

    وفكرة الثنائيات الضدية هي الفكرة التي اعتمدها "أبو ديب"، مستمدا إياها من التفرقات الشهيرة التي أقرتها البنيوية، والتي حلل من خلالها نماذج من الشعر العربي الجاهلي أو العباسي علي أساس التضاد الثنائي، حيث يري أن حركة الاندثار والعفاء في الأطلال دائما تولد حركة مضادة لها بحيث تشكل الحركتان ثنائية ضدية وهو يري أن الربط بين الشعر الجاهلي وتحليل بروب للحكايات الخرافية والأسطورة إنما يؤدي لفتح آفاق جديدة في دراسة الشعر الجاهلي "وعلي مستوي أكثر محدودية تسمح النتائج التي وصل إليها بروب في تمييزه للمسات الأساسية للحكاية بالقول أن عددا من هذه السمات تنتمي أيضا إلي النص السردي الشعري الذي يتشكل ضمن التراث، وبآلية التأليف الشفهي والارتجال (7).

    ولكن تبقي مقاربة الوظائف غير قادرة علي تقديم تحليل لآليات اشتغال عناصر السرد في البناء القصصي أو الشعري، فهي ترصد الأنماط الرئيسة والثابتة التي تخضع في محاولات الإبداع فيها إلي قانون التبديل والتغيير، أي تبديل وتغيير الأماكن، وليس إنتاج آليات جديدة، وأنماط سردية جديدة، بمعني أن الوظائف تستطيع إنتاج حكايات جديدة، وليست سرودا جديدة .

    وهو ما أشار إليه رولان بارت(Cool في رؤيته لأنواع السرد في العالم بأنها لا حصر لها، وأن كل مادة تصلح لكي تتضمن سردا، "فالسرد يمكن أن تحتمله اللغة المنطوقة شفوية - كانت أم مكتوبة - والصورة ثابتة كانت أم متحركة، والإيماء، مثلما يمكن أن يحتمله خليط منظم من هذه المواد، والسرد حاضر في الأسطورة وفي الحكاية الخرافية، وفي الحكاية علي لسان الحيوانات، وفي الخرافة وفي الأقصوصة والملحمة والتاريخ والمأساة والدراما والملهاة والبانطوميم، واللوحة المرسومة، وفي النقش علي الزجاج، وفي السينما الكومكس، والخبر الصحفي التافه ،وفي المحادثة، وفضلا عن ذلك فإن السرد بأشكاله اللانهائية تقريبا حاضر في كل الأزمنة وفي كل الأمكنة وفي كل المجتمعات فهو يبدأ مع تاريخ البشرية ذاته، ولا يوجد أي شعب بدون سرد (9).

    التجريب الشعري والتأسيس السردي

    سعت القصيدة العربية المعاصرة إلي البحث عن بني وتقنيات تعبيرية تخرج بها من عالم رأته محدودا إلي عالم أكثر رحابة، فكان أن اتكأت القصيدة علي الأنماط والبني السردية، واعتمدت في ذلك أنماطا تجريبية عدة، تنوعت بين التجريب في الشكل والتجريب في المضمون، فكان منها : التجريب في تبني مبدأ نفي الحدود الفاصلة بين الأنواع والتراجع عن قوانين النقاء والوحدة، والتجريب في اللغة والتركيز علي الدلالات اللغوية، والتجريب علي مستوي التشكيل البصري للقصيدة، والتجريب المعتمد علي العمل الواحد بوصفه سياقا متحدا وإن تعددت تقسيماته الموضوعية، وهو ما يمكن تسميته (ديوان الحالة)، وغيرها من اتجاهات التجريب علي مستوي الشكل .

    وكان من اتجاهات التجريب علي مستوي الموضوع: التجريب علي مستوي استلهام التراثي وبعثه، بإعادة تأويله واكتشافه، ثم بعثه من جديد في إيقاع جديد، ولغة تواصل جديدة، وشكل فني جديد، والتجريب علي مستوي الحكي عن الجسد، الخبرة الجسدية، والتجريب علي مستوي حكي خبرات الحياة الشخصية المباشرة (التفاصيل اليومية)، حيث الاهتمام بالتفاصيل اليومية الدقيقة، وتحويلها إلي موضوعة شعرية، تجسد مواقف الحياة أو مشاهدها التي يمارسها البشر كافة، والتجريب علي مستوي اعتماد تيمة السحر، وإعادة خلقها في تشكُّل يجسد لصراع الذات/ الأنا مع السلطة الشعبية المهيمنة، والمرتكزات التي يري أنها ليست منتظمة ذلك الانتظام المعروف عنها (01).

    إن هذه الاتجاهات علي تعددها تعد واسطة بين الشعرية والسردية القصصية، ذلك أنها سعت نحو دمج ما هو شعري بما هو نثري، وبخاصة الاتجاهات التي سعت إلي تبني نفي الحدود الفاصلة بين الأنواع، والتراجع عن قوانين النقاء والوحدة، وهو اتجاه يؤمن بأن النص هو كتلة أدبية واحدة، تتجاور فيها مستويات الخطاب، وتتفاعل فيها تقنيات التعبير وأساليبه المتعددة، حيث لا يمكن التمييز بين ما هو شعري، وما هو نثري، ويلعب السرد بآلياته في هذا الاتجاه دورا كبيرا، إذ يعتمد النص تقنيات تعدد الخطاب، وتعدد الضمائر وتحولها، والاتكاء علي تحديد عناصر المكان والزمان والحدث. كذلك يتدخل المنولوج والحوار بمستوييه الداخلي والخارجي، والبناء الدرامي القصصي، وتعريف الشخصيات بصفاتها وأفعالها وربما بأسمائها، والوصف بتشخيصه للأشياء، وتصوير مدي ما تحدثه هذه الأشياء في النفس من استجابة.

    وقد وسع الشعر التفعيلي وقصيدة النثر من هذه البني والاتجاهات، سواء في قصائد مفردة، أم في دواوين كاملة اتخذت آليات هذه البني والاتجاهات معيارا وأسلوبا يتم من خلاله إبداع النصوص، وكتبت في هذا السياق دواوين عدة، كان أصحابها علي وعي بآليات السرد، وبالتجريب في الشكل والمضمون، وفيما يلي إطلالة سريعة علي نماذج تطبيقية لهذه الاتجاهات التي كانت واسطة للتقريب بين الشعر والسرد :

    التجريب علي مستوي تبني مبدأ العمل الواحد أو نص الحالة

    وهو اتجاه يعتمد علي العمل الواحد بوصفه سياقا متحدا وإن تعددت تقسيماته الموضوعية، حيث تهيمن الحالة الواحدة علي هذه التقسيمات الموضوعية، بما يشي بسرد سيرة ذاتية عبر الديوان، ومنه - علي سبيل المثال في الشعر المعاصر للجيل السبعيني وما بعده -أعمال رفعت سلام، وعلاء عبدالهادي، وجمال القصاص، وحلمي سالم، وفريد أبو سعدة، وأمجد ريان، وأحمد الشهاوي، وسمير درويش، وغيرهم .

    يأتي ديوان فريد أبو سعدة "ذاكرة الوعل" نصا واحدا - وإن تعددت تقسيماته -لقضية معقدة ، وتساؤلات تجمع بين خصوبة الشعرية، وتفاعلات النصوصية الفلسفية، يصوغها الشاعر في ثوب تراثي، يتمثل الغرائبي والسحري نسيجا له ، ويجنح إلي الشعوذة تارة، ويميل إلي الطقوسي الديني تارة أخري، يجسد للشهوانية تارة ، ويعيد تأويل القدسي تارة أخري.... وهكذا بين تحولات العقل البشري، يختلط ما هو حاضر بما هو غائب،وما هو معروف بما هو مجهول، وما هو ديني بما ليس ديني،وعبر مراوغة النصوص تلك ، يتبادل كل من السحري والخرافي الدور،فيختلط الأمر،ويصعب الفصل بين ما يقوله النص وبين ما يعيد تأويله من موروث شعبي أو ديني، مما يمثل مرتكزا في ذاكرة الوعي الديني .

    ومنذ العنوان يتبدي اختلاط هذه الرؤي،إذ يطالعنا الوعل بذاكرته التي تؤسس لثبات ليس بثابت، فالوعل Capra ibex نوع من أنواع التيوس، عرفه الإنسان منذ قديم الزمان، وارتبط دائما بالموروث المقدس، حيث تشير إليه التوراة،حينما طلب إسحق من عيسو أن يبحث له عن شيء يلهو به (سفر التكوين: 23، 3)، ويعتقد أيضا أن الوعل كان رمز إله القمر علي عهد بلقيس ملكة سبأ، وأن رؤوس الوعل المنحوتة قد زينت عملة معدنية عثر عليها في معبد إله القمر في مأرب، والحضارم منذ العهد الحميري يكبرون الوعل،وتوجد أحجار في شرق حضرموت عليها كتابة بالمسند تدل علي تقديسه.

    وفي ظل هذه الأجواء التي تحيط بالوعول يختار الشاعر لديوانه عنوان ذاكرة الوعل، ويفرض علي المتلقي - النموذجي بالطبع - أن يستدعي في ذاكرته ذلك التراث العريض والمقدس للوعل،وأن يربط بينها، وبين الحالة الشعرية للشاعر،إذ إن الوعل يتصف بوجوده منفردا في الغالب، وهو ما يتقابل مع صوت الشاعر الراصد الذي تكشف عنه حركات الضمائر السردية،والذي يظهر بمفرده من خلال الضمير " أنا "،أما بقية المشاهد فترد دائما بضمير الآخر " هو "، يقول الشاعر :

    4 في أهوج

    15 - 16 - 17 في يوه

    13،14،15،16،18 في هلهلت

    18 و19و20و21و22دوسم (توقف مع التشاكل مع النفري) وصوفية القرن الحالي.

    وتأتي دواوين رفعت سلام في أكثر من ديوان لتؤكد هذا الاتجاه، مثل : (إنها تومئ لي، وهكذا قلت للهاوية، وإلي النهار الماضي)، ويمثله كذلك سمير درويش في ديوان "الزجاج".

    يقول سلام في "عطشي مطلق وأنا نسبي" من ديوان "هكذا قلت للهاوية (11).

    والبئر رصاصة في حلم أطلقتها يد الجغرافيا أنا التاريخ بلا تأريخ لا يلحقني الزمن الثرثار ولا عربات الموتي الخيرية مطلق نسبي وظلي آبق مستوفز وأعضائي الفصول الفاصلة.

    ولي وردة قاتلة.

    تنصب لي ـ في كل صبح ـ شركا أو مقصلة.

    وتتركني ـ علي درج الغواية ـ صخرة ذاهلة.

    وتمضي في الطرقات المخاتلة.

    لا أقتفيها قاتلتي توزع دمي بين القبائل المتناحرة علي خرقة بالية أو جملة آسنة فيفضي بي إلي ساحة مباحة للوساوس والظنون المهدرة يحيطون بي ولا أحيط يدقون طبولا نافرة…….. (ص49 ).

    وهكذا يمضي الشاعر في قصائد الديوان التي تبدو وكأنها سرد قصصي أو نص روائي يتحدث عن الذات، ويروي الأحداث. إلا أن النص علي مستوي النوع النووي هو شعر. والديوان في مجمله يتكون من سبع عشرة قصيدة، عند النظر إليها في جملتها، تبدو وكأنها سلسلة لسرد أحداث ذاتية، مترابطة فيما بينها علي المستوي الشكلي، وإن تعددت تقسيماتها الموضوعية. فعنوان القصيدة الأولي: منيا القمح 1951، والثانية: فاطمة، والثالثة: منية شبين، والرابعة: شفيقة، والخامسة: 1967، والسادسة: الضوء، والسابعة: 1972، والثامنة: زنزانة 6، والتاسعة: متلا، والعاشرة: بولاقية، والحادية عشرة: 1977، والثانية عشرة: غريبة… وهكذا، ألا يبدو هذا من وجهة نظر عتبات النص، وكأنه مشهد سينمائي واحد، يقدمه الشاعر من خلال لقطات، تتراتب دلاليا وزمنيا؟ فالفترة بين 51 إلي 67 أطول من الفترة بين 67، و72، لذا يقل عدد القصائد ويكثر بين هذه التواريخ التي لها دلالة حربية ونفسية عند المصريين، تبعا لدلالاتها.

    ويأتي ديوان "مياه في الأصابع (21) لأحمد الشهاوي محاولة للكشف عن ملامح شعرية العمل الواحد،أو ديوان الحالة عبر تمفصلات العناوين الرئيسة للأعمال المتضمنة في المياه، فإنها تبدأ بـ " ركعتان للعشق "،وفي تقنية سردية، يبدأ النص الأول بفتح قوس يتضمن مساحة من سرد مسكوت عنه، تكشف عنه حركة الفعل في صيغة المصدر بسين الاستقبال :

    سأظل منغرسا بقلبك

    ثم في حركة سردية أخري، يبدأ قوس آخر يتضمن مسكوتا عنه أقل مساحة من سابقه، ولا ينغلق كلاهما، حتي نهاية العمل " المياه". وتتنوع الحركات السردية ما بين حركة البداية ( سأظل منغرسا بقلبك )، وحركة النهاية، نهاية نصوص ركعتان للعشق :

    لكنه التعب

    أسكنَ سيقانها غرفتي

    ووزع أوراقها وجهتي

    وغرس أثمارها في الكتب .

    وإن كانت هذه هي حركة نهاية نصوص الركعتين، فإنها تتصل بنصوص العمل التالي لها ( الأحاديث - السفر الأول )، والذي يبدأ بحديث الفناء :

    «كل نفس تفني »

    وتبقي المنازل

    محفورة بالسكوت

    تزول الزوائل

    يبقي الفتي

    يحصد العنكبوت.

    وتنتهي نصوص السفر الأول من الأحاديث بحديث الوطن :

    والله ما جئناك يا وطني

    إلا لنشرب نخب حسرتنا.

    لتبدأ نصوص السفر الثاني من الأحاديث بحديث الأحاديث :

    انس الخيانات كلها

    وأمسك جمرة

    هي بعض موتٍ.

    وتنتهي بحديث الهزيمة الذي تأتي خاتمته :

    كيف أرفع رأسي إليك

    وفي البحر غيمٌ،وكأسٌ،وجسدٌ،وردٌ

    وإشراك، وتوحيد، وإشراق ، ونيل نازف

    وكبدٌ وَدَاعٌ .

    لتبدأ نصوص كتاب الموت بخطاب إلي الموت يرتبط بالوداع الذي انتهت به نصوص الأحاديث :

    أجِّل لثانية

    مجيئك

    كي أجيء

    محملا بروائحي .

    وينتهي كتاب الموت ليبدأ " قل هي " بإيحاء إلي الانتقال لعالم آخر بعد الموت :

    كأنني لم أكن

    كأنهن ماء

    كأن الذي شفته عدم

    كأن المكان الذي رحته صفر

    كأن عينيك حارتا اختيار مكانهما

    كأن الكون يركز في فمك.

    ولا يخفي بالطبع الارتباط في الحالة الشعرية بين نهايات النصوص، وبدايات التي تليها، ونهايات الدواوين، وبدايات التي تليها، حيث يمكن في هذا السياق رصد رحلة كشف شعري يؤرخ لها الشاعر عبر حالات تبدو متعددة، ولكنها في حقيقتها حالة واحدة.

    وفي تجربة سابقة علي الشهاوي يعمد أمجد ريان للتجريب في بناء العمل الواحد عبر ديوانه "أيها الطفل الجميل اضرب(31)، والديوان يتكون من قصيدة واحدة ـ وإن تعددت مظاهر تقسيماتها ومقاطعها ـ تدور حول حركة الانتفاضة الفلسطينية، ومن ثم ترصد في مشاهد تميل في شعريتها إلي السرد، ترصد مشاهد حياة أطفال الانتفاضة، ومشاهد العنف والقهر وسخرية الحياة في ظل الاحتلال، يقول :

    البومة ترقد بين الشظايا

    والمدي أعلام من الخِرَقِ

    كانوا يصفقون بالأحذية

    وكنت أسأل:

    هل للأفق باب آخر؟( ص39)

    ثم يأتي سمير درويش في ديوانه "الزجاج(41)، وهو ديوان من قصيدة واحدة ليؤكد علي هذه الحالة الواحدة، باستخدامه لضمير الأنا في تحولاته عبر التقسيمات الموضوعية التي يفصل بينها فقط الفراغ الطباعي أعلي الصفحة قبل كل مقطع، ما يكاد يكون سيرة ذاتية للشاعر، هذه السيرة التي يبدؤها الشاعر في بداية الديوان بمقطع من رواية فؤاد مرسي "شارع فؤاد الأول"، ومنها يدخل إلي سرد سيرته الذاتية عبر مشاهد سردية غالبا ما تبدأ بحديث عن الآخر، ثم تتحول إلي ضمير المتكلم حوالي منتصف المقطع، وذلك عبر 94 مقطعا هي مساحة الديوان الذي كتب عبر أربع سنوات، وعلي الرغم من ذلك فهو حالة واحدة، يقول :

    عندما تختلط الدهشة

    بموجات السحب

    الحلم بموجات أسطورية للجغرافيا

    الصخور بالغابات

    شلالات السيول بأجساد صغيرة

    تعري فصول التاريخ

    والأبيض الطيني بالأسود القطني

    أكون قد دخلت إحدي ممالك "رع"

    متوجا

    أسكن الحكايات

    وتسكنني قطيفة الأجساد

    وريش النعام (ص26) .

    التجريب علي مستوي نفي الحدود الفاصلة بين الأنواع

    والتراجع عن قوانين النقاء والوحدة، وهو اتجاه يؤمن بأن النص هو كتلة أدبية واحدة، تتجاور فيها مستويات الخطاب، وتتفاعل فيها تقنيات التعبير وأساليبه المتعددة، حيث لا يمكن التمييز بين ما هو شعري، وما هو نثري، ويلعب السرد بآلياته في هذا الاتجاه دورا كبيرا، إذ يعتمد النص تقنيات تعدد الخطاب، وتعدد الضمائر وتحولها، والاتكاء علي تحديد عناصر المكان والزمان والحدث. كذلك يتدخل المنولوج والحوار بمستوييه الداخلي والخارجي، والبناء الدرامي القصصي، وتعريف الشخصيات بصفاتها وأفعالها وربما بأسمائها، والوصف بتشخيصه للأشياء، وتصوير مدي ما تحدثه هذه الأشياء في النفس من استجابة.

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 08, 2024 2:49 am